الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تركني الشاب فاتجهت للعادات السيئة وعقاب نفسي!!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أريد أن أخبركم عن قصتي، وأرجو منكم إرشادي: لقد كنتُ طوال عمري إنسانة حريصة على رضا ربي ووالديّ، وعلى مستقبلي ودراستي، وفي فترة من حياتي، عندما كنت في سن صغيرة نوعًا ما، كانت لي صديقة مقرّبة، لكنها تعرّفت على أصدقاء سوء، كنتُ ما زلتُ حريصة على نصحها وإرشادها، ولكن للأسف، كان تأثيرها عليّ أقوى من تأثيري عليها؛ مما أدى بالتدريج إلى ابتعادي عن ربي وأهلي وصديقاتي الأخريات.

وخلال معرفتي بهذه الفتاة، أصرت على أن تعرّفني على شاب، بالتأكيد في البداية رفضتُ، ولكن حرصه الشديد على الوصول إليّ أثار لديّ فضولًا لمعرفة ماذا يريد.

لم يلاحظ أحد ما كان يحدث، وتطوّرت علاقتي به شيئًا فشيئًا، وكل ذلك كان عبر الهاتف، حتى قابلته في أحد الأيام. لم نتحدث كثيرًا، فقط رأى شكلي ورأيتُه، وللأسف كان كل ذلك بتفكيري الشخصي، دون أن أطلب المشورة أو الإرشاد من أي أحد؛ لأنني كنت أظن أن ما أقوم به صحيح، وأن الجميع أعدائي.

استمرت علاقتي به لما يقارب ثلاث سنوات، وكان دائمًا يقول إنه سيقوم بخطبتي، لكن النهاية كانت واضحة، ومع ذلك، كنتُ أُحسن الظن به، وأقنعني بأنه لا يزال متمسكًا بي، حتى بدأ يبتعد تدريجيًا إلى أن اختفى تمامًا، بينما كنتُ ما أزال في انتظاره.

أصبحت حياتي بعد ذلك مدمَّرة كليًّا، حينها أدركتُ أنه لن يعود، وأنه قد خَطَب فتاةً أخرى عندها انقاد عقلي إلى القيام بأشياء دمّرتني نفسيًا وجسديًا.

ابتعدتُ عن كل من حولي، وتوقف تفكيري عند تلك المرحلة، لم أُرد أن أتغير أو أن أنضج، بل أردت أن أتوقف عند تلك اللحظات، وأعيش فشلي المرير.

بدأت أرى الأفلام الإباحية، حتى أنني أظن أني وصلت لمرحلة الإدمان، وأدخن، وأهرب إلى الشات في الإنترنت، وأتكلم مع الشباب، حتى يشعروني بأني إنسانة جيدة، ولكن لم يجد ذلك نفعًا.

حاولت الانتحار، لكن لم يحدث شيء؛ فقد أراد لي ربي أن أُكمل حياتي، وأشعر أنني لا أستحق أن أكون إنسانة، ولا أن تسكنني روح، وكلما تبت، أعود وأفعل نفس الأشياء، وربما ما هو أسوأ.

أشعر بالضعف والعجز، وحتى في خضم حياتي السرّية كنتُ أبدو جريئة، وهو ما جعل من حولي يرونني شخصية انطوائية وباردة المشاعر، لكنني، رغم كل شيء، كنت دائمًا أحاول أن أرضي من حولي، حتى في أسوأ حالاتي.

أصبحتُ أكره نفسي كرهًا شديدًا، وهم لا يعلمون شيئًا عمّا أفعله، أنا الآن في سن الزواج، لكنني خائفة؛ لأني أشعر أنه لا يوجد رجل يمكن أن يتزوج بإنسانة "سيئة" مثلي، كما أظن نفسي.

لقد مضت ثلاث سنوات، وكل من حولي تابع حياته وتقدّم، إلا أنا، ما زلت عالقة في الماضي، أرجو منكم إرشادي ومساعدتي.

جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن طي صفحة الماضي واستقبال الحياة بأمل جديد وثقة في الله المجيد، مفتاح لخروجك من الدوران حول النفس، ونجاة لك من جلد الذات، والإنسان إذا لدغ من عقرب وتوقف في مكانه فإنها تكرر اللدغات، ولكن الصواب هو أن نمضي ونستفيد مما حصل، ونتوجه قبل ذلك وبعده لله عز وجل، فلا تقولي لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قولي قدر الله وما شاء فعل، وذلك لأن (لو) تفتح عمل الشيطان.

ونحن في الحقيقة سعداء بهذه الاستشارة التي يدل حسن عرضها على وعي وفهم جميل، ونتمنى أن تكون بداية موفقة لصفحة جديدة، وأرجو أن تعلمي أن مثل هذه الأزمات تحدث للكثيرات، ولكن الفرق في التعامل مع الأمر، ومن هنا فنحن ندعوك إلى عدم إعطاء المشكلة أكبر مما تستحق؛ لأن في ذلك ضرراً كبيراً عليك، ولا تعالجي الخطأ بخطأ أكبر منه، وتذكري أن الذي ستر عليك وأنت في الغفلات؛ سوف يقبلك وينصرك ويرحمك بمجرد العودة إليه سبحانه.

والشريعة دعوة إلى أن يستر الإنسان على نفسه، ولست مطالبة شرعًا بحكاية ما حصل لأي إنسان، والأمر بينك وبين الله، وهو سبحانه الغفور الرحيم بمن تابت، بل إنه سبحانه يفرح بتوبة من يتوب إليه، وإذا كان التائب مخلصًا فأولئك الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات.

ونحن في الحقيقة نحذرك من التمادي في المخالفات، وأرجو أن تبحثي عن الصالحات، وتكثري من سماع الدروس والمحاضرات، وأشغلي نفسك بالخير قبل أن تشغلك بالسوء والشر.

وأرجو أن تتواصلي مع من حولك ومع أسرتك، وأبشري بالخير، وسوف نكون سعداء بتواصلك مع موقعك، ونتمنى أن نسمع منك وعنك ما يسعد، والله يحفظك ويسددك، وهذه وصيتي لك بتقوى الله ثم بكثرة اللجوء إليه، ونسأل الله أن يقدر لك الخير ثم يرضيك به.

وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً