الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بقائي مع والدي يصعِّب أمر الزواج..فما مشورتكم لي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عمري 27 سنة، وأعيش مع والدي وأخي البالغ من العمر 31 سنة. مؤخرًا، بدأتُ أفكر في الزواج، خاصةً وأن بلدنا أصبح غارقًا في مصيبة التبرج والانحلال الأخلاقي، رغم كونه بلدًا مسلمًا.

لقد أصبح من الصعب علينا حتى زيارة المدينة، أو حتى السير في طريقك إلى المسجد دون أن ترى ما لا يرضيك، ولا يرضي ربنا عز وجل، هذا دفعني إلى التفكير الجدي في الزواج.

لكن المشكلة كالتالي -وأعتذر إن أطلت عليكم-: أمي وأبي شخصان كبيران في السن -الأم 51 سنة، والأب 67 سنة-، وأخي شخص لا يُعتمد عليه، بسبب كسله الشديد وأنانيته، أما أنا -فبفضل الله- أُعدُّ ركيزتهما وعونهما، إذ أساعدهما في أمور المنزل، أمي سبق لها أن أجرت عملية جراحية في ظهرها، وتعاني من آلام في المفاصل، لكنها -رغم ذلك- لا تزال قادرة على قضاء حاجاتها بنفسها، وأبي -على الرغم من أن صحته لا تزال جيدة -والحمد لله-، إلا إن كبر سنه بدأ يؤثر عليه.

تقنيًا هما يستطيعان العيش بدوني، لكن وجودي معهما له فوائد كبيرة بالنسبة لهما، ومع ذلك، فإن بقائي معهما يُصعّب علي أمر الزواج، بسبب صِغَر المنزل، ووجود أخي معنا.

أعمل حاليًا في عمل حر عبر الإنترنت، لكن مدخوله ضعيف، ولا يكفي لتأسيس أسرة، ولهذا أطلب منكم مساعدتي في اختيار أحد الحلول التالية:

الخيار الأول: أن أعمل مدرسًا في مدارس الدولة، هذا الخيار سيساعدني على الزواج -بإذن الله-، لكنه يعني العيش بعيدًا عن والديّ، والتدريس في بيئة مختلطة، وهو أمر لا يريحني كثيرًا.

الخيار الثاني: أن أبقى في عملي الحالي، رغم ضعف راتبه، وأبدأ بالتوازي مشروعًا في التجارة الإلكترونية، هذا المشروع قد يُثمر ويُعينني مستقبلاً، لكنه يحتاج إلى وقت وصبر، وقد ينجح سريعًا، أو قد يستغرق سنوات.

الخيار الثالث: أن أستأجر منزلًا بسيطًا قريبًا من والديّ، وأسكن لوحدي، لأبدأ تدريجيًا الاستعداد للزواج، وفي هذه الحالة، سأصرف راتبي بالكامل تقريبًا على الإيجار والتنقل، لكن إنتاجيتي ستكون عالية، وقد أتمكن من تحسين دخلي شيئًا فشيئًا، وبالتالي أكون قد بدأتُ فعليًا في الاستعداد للزواج.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مروان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك –ابننا الفاضل– في موقعك، ونشكرك على اهتمامك وحُسن عرضك للسؤال، نسأل الله أن يقدّر لك الخير، ويصلح أحوالك.

لقد أسعدنا حرصك على برّ الوالدين، وأسعدتنا الخدمات التي تقدّمها لهما، ونبشّرك بأن هذا البرّ سيقودك إلى الخير، ويجلب لك التوفيق بإذن الله، وإكمالًا لمسيرة البرّ، نرجو منك أن تُشاور والديك، فلهما رأي معتبر، ولا شك أنهما أهل خبرة، وضّح لهما ما في نفسك، فهذه أولى الخطوات، ومن المهم أيضًا أن يكون لهما -خاصة الوالدة- دور في مسألة اختيار الزوجة، ولا تتعجّل حتى تنال رضاهما.

واجتهد كذلك في تحفيز أخيك، أو اطلب من والديك أن يُحمّلاه بعض المسؤوليات المترتبة عليه، ونؤكد لك أن الزوجة تأتي برزقها، وأن الأبناء يأتون بأرزاقهم، وأن الله سبحانه وتعالى يُعين المتعفّف الذي يريد النكاح، بل قال ربنا عزّ وجل في شأن من يريد الزواج مع قلة ذات اليد: {إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ}، وقد فهم السلف هذا المعنى وأيقنوا به، حتى قال أحدهم: "التمسوا الغنى في النكاح".

نسأل الله أن يُعينك على بلوغ ما ترجوه من العفاف والطهارة، وننصحك بعرض الخيارات المطروحة على والديك، فإن رضاهما من أهم الأمور، وسيُساعدانك في اختيار الأنسب، فإذا سمحا لك بالعمل مدرسًا في جهة رسمية، واستطاعا تحمّل بُعدك ولو مؤقتًا؛ فإننا نرى أن هذا الخيار هو الأقرب من الناحية المادية لإكمال هذا الطريق.

أما إذا فضّلا بقاءك معهما، فإن الخيار الثاني يبقى الأفضل، ولا نؤيد فكرة استئجار منزل مستقل الآن، بل الأفضل هو الادخار والتوفير؛ فهذا مما يعينك عند بدء مشوار الزواج.

وفي كل الأحوال، ومن باب إتمام البر، نرجو أن تستشير والديك أولًا، ثم لا مانع من العودة إلى موقعك هذا بعد أن يتبيّن لك رأيهما بوضوح حول الخيار الأنسب، سواء الأول أو الثاني أو الثالث، وعندها نستطيع مواصلة التشاور معك، فأنت في مقام أبنائنا، ونسأل الله لك التوفيق والسداد والنجاح.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً