الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتعامل مع عدم محبة والدتي لزوجتي رغم حسن معاملتنا؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تزوجت منذ حوالي عشرين عامًا، ومنذ ذلك التاريخ ووالدتي لا تحب زوجتي، رغم أنها هي من اختارتها، وكانت أموري المادية جيدة وقتها، ولكن مع انطلاق الأحداث في سوريا، بدأت الأمور المادية تتراجع، مما اضطرني للبحث عن وظيفة، وكانت الأمور كلما بدأت تتحسن، تتراجع بشكل مفاجئ، وعلى مدار سنوات الأزمة السورية، كلما بدأت أحصد بعض المال، تتراجع أموري بشكل مفاجئ.

قبل نحو سنة، أتاني عقد عمل في دولة خليجية، وسافرت بمفردي حوالي ستة أشهر، ثم أنجزت أوراق الالتحاق العائلي، وبعد قدوم عائلتي بأسبوعين، استغنت الشركة عن خدماتي، وحاولت جاهدًا البحث عن فرصة بديلة بعدها، وطيلة أربعة أشهر في نفس البلد الخليجي، لكن لم أُوفَّق، واضطررنا للعودة بعدها إلى سوريا.

كل خيوط قلة التوفيق تصب عند والدتي وكرهها لزوجتي، ورغم أني بارٌّ بها، لكن موقفها من زوجتي غير مبرر، وزوجتي بحياتها لم تبادر والدتي بأي سوء، وأراها تظلم زوجتي بموقفها منها.

الرجاء النصح من فضيلتكم، ولكم كل الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أيها الأخ الكريم- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يُبارك فيك، وأن يوسّع لنا ولكم الأرزاق، وأن يُلهمنا رُشدنا، وأن يُعيذنا من شرور أنفسنا.

لا يخفى عليك أن بعض الأمهات يغرن من نجاح الزوجة مع زوجها، والغيرة من النساء بابها واسع، ولكن أنت مطالبٌ شرعًا بأن تكون بارًّا بالوالدة ومُحسنًا للزوجة، فاجتهد في إقامة هذا التوازن الشرعي، ونحن سعداء لأن الزوجة لا ترد على الوالدة، ولا تبادلها أو تبادرها بالعداء، وهذا دليل على تميُّزها.

لذلك أرجو أن تصبر أنت والزوجة على الوالدة، فإن رضاها عظيم، واجتهدوا دائمًا في الإحسان إليها، والاستماع لكلامها، والاستماع لتوجيهاتها، فهي الأكبر سِنًّا، وهي صاحبة فضل بالنسبة لزوجتك، وأنت ينبغي أن تُبادل زوجتك هذه المشاعر النبيلة، وتشكرها على إحسانها وعلى صبرها، وتُبيّن لها أن إكرامك لها يزيد عندما تصبر على الوالدة.

أمَّا باب الرزق فاجتهد في أن تستغفر، وأن تُصلّي على النبي ﷺ، وأن تُكثر من قول: (لا حول ولا قوة إلَّا بالله)، وعليك بالمحافظة على الصلاة فإنها مفتاح الرزق، قال العظيم: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ} أمَّا الاستغفار فقد جاء في قول ربنا سبحانه وتعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا}.

كذلك تقوى الله تجلب الأرزاق، قال العظيم: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}، ويقول: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}، ويقول عن أهل القرى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}، فما عند الله من خيرٍ لا يُنال إلَّا بطاعته، والإنسان إذا بذل الأسباب ثم توكل على الكريم الرزّاق الوهّاب؛ فإنه قد أدى ما عليه، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُعينك على الخير.

نحن لا نريد أن تربط بين هذا الذي يحدث، وبين ما بين الوالدة والزوجة من مشاحنات، خاصةً مع حرص الزوجة على عدم الإساءة للوالدة، وأنها لم تُبادر الوالدة -كما قلت- بأي سوء، ولذلك نتمنّى أن تجتهد في إكرام هذه الزوجة، واعلم أن حق الوالدة عظيم، فحقها هو المُقدّم، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُعينك على إقامة هذا التوازن، ونوصيك بأن تبذل الأسباب في البحث عن الرزق، واعلم أن الله تبارك وتعالى تكفّل بالأرزاق، ونحن علينا أن نفعل الأسباب، {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ} والإنسان ينبغي أن يرضى بما يقسمه الله له، ونسأل الله أن يُعينك على شُكر ما أولاك من النعم؛ حتى تنال بشكر ربنا المزيد.

من المهم جدًّا ألَّا تحاول أن تُكرم الزوجة أمام الوالدة، لأن هذا قد يُثير غيرتها، وبعض الناس يُبالغ في إكرام زوجته أمام أُمّه أو أمام أخته، إكرام الزوجة يكون في المكان الخاص بكم، خاصةً إذا كان هناك نوع من الدلال لها، وهذه الأمور ينبغي أن تقوم بها بعيدًا عن عين الأم وعين الأخت، أمَّا في حضور الأم فينبغي أن يكون الاحترام والتقدير للوالدة منك ومنها هو سيد الموقف.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد، ونتمنّى من الله تبارك وتعالى أن يهدي الوالدة إلى الحق والخير، ونسأل الله تبارك وتعالى لنا ولكم السعادة وسعة الرزق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً