الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علاقتي بأبي انقطعت بعد تواصل قصير!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عمري 20 سنة، وأبي منفصل عن أمي، ولديه أولاد من زوجته الثانية، وكان لا يسأل عني أبدًا، وفي السنة الماضية بدأ يتواصل معي، وتعرفت على أولاده وزوجته، وكان لطيفًا معي.

لكن منذ فترة -تحديدًا في عيد الأضحى- قطع الاتصال بي؛ كلمته فلم يرد، وعمل لي حظراً، وحتى أولاده لم يعد هناك أي اتصال منهم معي، حتى إنني أرسلت له رسالة بالأمس بخصوص مصاريفي، ولم يكن منه أي رد.

ماذا أفعل معه؟ أتمنى أن أجد حلًا، وأريد أن تعود علاقتي به جيدة، فقد تعبت من التفكير، وأرجو أن أجد حلاً لمشكلتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هايدي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أختنا الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.

بداية: نسأل الله أن يأجرك على هذا الحرص في صلة والدك وبرّه، فالبر من أعظم الأعمال عند الله تعالى، كما أن العقوق من كبائر الذنوب، فقد جاء في الحديث عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: «سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ: ‌أَيُّ ‌الْعَمَلِ ‌أَحَبُّ ‌إِلَى ‌اللهِ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا. قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ. قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي».

أختي الفاضلة: استمري في برّ والدك والسؤال عنه، فتقصيره في السؤال عنك، أو عدم إنفاقه عليك لا يبرر العقوق أو الهجران له، ففي الحديث أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فقال ﷺ: «لَئِن كُنتَ كما قُلتَ فَكَأَنَّما تُسَفُّهُمُ المَلُّ - أي الرَّماد الحار - وَلا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ ما دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ».

فاحرصي على دوام البر والصلة، وليكن عملك ابتغاء وجه الله تعالى، واحتسابًا للأجر والثواب، فالله لا يضيع أجر من أحسن عملًا، وسيأتيك من الخير والتوفيق بسبب هذا البر والإحسان في الدنيا قبل الآخرة.

أختي الكريمة: لا تجعلي القلق أو الحزن بسبب ضعف هذه العلاقة أو انقطاعها يسيطر عليك؛ فقد بذلت ما تستطيعين، وما زلت حريصة وتبذلين كل الوسائل لدوام الصلة والتواصل، ولذلك فليس عليك ملامة، فلا تثقلي نفسك بالحزن والتفكير، فقد أديت ما عليك، واحرصي على ألَّا تجلدي ذاتك، أو تفرطي في الحزن؛ فهذا يؤثر سلبًا على نفسيتك، ومع مرور الوقت قد يضعف قدرتك على العيش بسلام، ويؤثر على إنجازاتك وإنتاجك في الحياة.

أمَّا ما يتعلق بالحلول لعودة علاقتك بوالدك، فننصحك بما يلي:

أولًا: لا تقابلي القطيعة بمثلها، ولكن استمري في الصلة والمعروف بكل وسيلة متاحة لديك، كالرسائل أو الزيارة أو الاتصال ونحوها.

ثانيًا: اغتنمي المناسبات والأحداث، مثل: الأعياد، أو أي مناسبة سعيدة، وادخلي معه في حوار هادئ بلا عتاب ولا لوم أو تذكيره بالماضي، توضّحين فيه رغبتك أن يكون حاضرًا في حياتك، واحرصي على إظهار مشاعر الاحترام والتقدير له، وأنه مهم بالنسبة لك.

ثالثًا: لا تنسي الإحسان لزوجته وأبنائه؛ فإحسانك لهم قد يفتح باب العلاقة من جديد.

رابعًا: حاولي استمالة قلبه بالكلمة الطيبة، ومدحه والاعتراف بفضله، كما يمكن تقديم هدية له إن تيسر لك ذلك.

خامسًا: إذا استمر على صدوده وقطيعته لك؛ فابحثي عن شخص مِن محارمك، أو ممن له مكانة عنده واحترام لديه، أن يعظه ويذكره بوجوب إنفاق الأب على أبنائه الذين لا مال لهم ولا معيل، ويذكّره بخطورة وحرمة تضييع الراعي لرعيته والتفريط في حقوقهم، ويحاول استمالة قلبه بالكلمة الطيبة.

وأخيرًا -أختنا الفاضلة-: ابذلي ما تستطيعين في إصلاح هذه العلاقة، فالاستمرار -بإذن الله- مع الوقت يعطي نتيجة، ولكن لا تجعلي حياتك متوقفة أو مشلولة عن أي إنجاز أو بناء بسببها، فكثرة التفكير فيها ينعكس عليك سلبيًا، ويسبب لك الإحباط والحزن، واجتهدي في الدعاء والتضرع إلى الله تعالى أن يُصلح والدك، وأن يُلين قلبه، والله تعالى سيختار لك الخير.

وفقك الله ويسّر أمرك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً