الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أسترد الشاب الذي أحبني وكان يريد الزواج مني؟

السؤال

السلام عليكم

أنا انفصلت، ودخلت في علاقة جديدة مع شخص أحبّني بصدق، وقدّم لي كل شيء، حتى وقف ضد أهله من أجلي، لكن -للأسف- لم أحافظ عليه، أهملته، ولم أعطه الاهتمام ولا الاحترام الذي يستحقه، رغم أني أحبه، كان دائمًا يحاول الاستمرار معي؛ لأنه يحبني، وظل صابراً على الوضع إلى أن خسرته، قال لي: "أنا تعبت ولا أستطيع التحمل أكثر" حظرني وذهب، حاولت أن أرجع له، لكنه قال لي: "أنتِ لا تتغيرين".

الآن أنا نادمة جدًا على كل خطأ ارتكبته بحقه، وأتمنى إصلاح ما أفسدته، لكنه سد كل الطرق، أنا الآن في حالة من اللوم والحيرة، ولا أعرف ماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ دموع حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

حيّاك الله وشرح صدرك، ونسأله سبحانه أن يطهّر قلبك ويعفو عنك ويعوضك خيرًا، ما ذكرتِه من ندم وتأنيب ضمير بعد هذه العلاقة، أمرٌ محمود إذا دفعك للتوبة والرجوع إلى الله تعالى، فالاعتراف بالخطأ والندم عليه هو أول طريق الإصلاح.

أولاً: يجب أن تعلمي أنّ أي علاقة بين شاب وفتاة خارج الإطار الشرعي، إن لم تنتهِ بزواج واضحٍ، فهي باب فتنة وذنب، ولو بدا في ظاهرها بريئًا، والحب إذا تجاوز حدوده أصبح تعلقًا مذمومًا، يفسد القلب ويشغل الفكر عن طاعة الله تعالى، ولا تتعذري بغير ذلك، أو يفتح لك الشيطان بابًا للتأويلات الفاسدة.

وإني واضع بين يديك بعضًا من علامات التعلق المذموم، التي إذا وجدتها من نفسك كانت مؤشرًا على أن هذه العلاقة يجب أن تنتهي، وألا تأسفي على فوات الشخص، إلا إذا قصد الجانب الشرعي، فطلبكِ بصورة رسمية من والديك:

من هذه العلامات:

-التفكير المستمر بالمحبوب، ليل نهار، وعدم القدرة على التركيز في العبادة أو الدراسة، أو غير ذلك من مناحي الحياة.
- ربط السعادة والحزن به، فإن رضي؛ فرحتِ، وإن غضب؛ اكتأبتِ.
- الانشغال بمراقبته على وسائل التواصل، ومحاولة إرضائه بأي ثمنٍ، والسؤال عنه، وكثرة تفقد أخباره، وكل ما يوصل إليه.
- ضعف الهمة في الطاعة والبر، وانشغال القلب عن ذكر الله بحضوره أو غيابه، ويبقى ذكره على البال حاضرًا بشكل مبالغٍ فيه.

وجود هذه العلامات -أختي الكريمة- في قلبك مؤشر على أنّ حبك تجاوز الحد المباح، وصار يحتاج إلى تهذيب وضبط شرعي، ودعيكِ مما يقذفه الشيطان في قلبك من تزيينٍ للباطل والشهوات، بدافع الحب والمصلحة وغير ذلك، مما تعلمينه من قلبك يقينًا أنه خارج حدود الشرع.

ثانياً: أقترح عليك مجموعة من الخطوات العملية للخروج من هذا الوضع:

- بداية: التوبة الصادقة، أقبلي على الله تعالى بقلب منكسرٍ، واستغفريه مما مضى، وجدّدي نيتك أن تحفظي قلبك وعاطفتك لما أحلّه الله تعالى لك.

- قطع وسائل التواصل مع الشاب تماماً: ما دام أنه أنهى العلاقة وأغلق الباب، فلا تفتحيه من جديد؛ لأن العودة ستهدر كرامتك، وتستنزف قلبك، وتعيد الألم من جديد إلى حياتك، وأنت في مرحلة التعافي، وبحاجة ألا تتعرضي للفتنة من جديد.

- الانشغال بما ينفع: املئي وقتك ببرامج مفيدة، دراسة، قراءة، حفظ قرآن، صحبة صالحة، هوايات نافعة، فالفراغ هو البيئة الخصبة لعودة التفكير في الماضي، دعيك مما يثير ذكره في قلبك من أغانٍ مثلاً، أو رسائل أو متابعات أو حسابات تواصل تذكرك به، قد يكون الأمر في بدايته صعبًا، لكنَّك قادرة -بإذن الله- على تجاوز هذه المرحلة، لا سيما وأنه تجاوزك.

- إعادة بناء نفسك: اهتمي بعلاقتك بوالديك وأهلك، وحافظي على الصلاة في وقتها، وحاولي تحسين شخصيتك واهتمامك بنفسك، حتى تكوني مستعدة لعلاقة شرعية متوازنة في المستقبل.

- مراقبة مشاعرك: كلما شعرت بالشوق أو الندم، صبّري نفسك بقول: "اللهم عوضني خيرًا"، وأكثري من الدعاء أن يصرف الله تعالى عنك التعلق بما لا ينفعك، وأن يملأ قلبك بحبته وخوفه ومراقبته.

- ضبط توقعاتك المستقبلية: تعلمي من التجربة أنّ الحب لا يكفي وحده، بل الاحترام والاهتمام هما أساس أي علاقة، فلا تدخلي أي علاقة مستقبلية إلا في إطار شرعي واضح وبنية الزواج، أما بغير ذلك فلا تهدري كرامتك وتعرضي سمعتك وسمعة أهلك لما لا يليق، ولو كانت هذه العادات منتشرة عرفًا، فما هو منتشرُ عرفًا لا يحلِّله شرعًا.

أختي الفاضلة: ندمك اليوم نعمة؛ لأنه باب للتغيير، لا تسمحي للشيطان أن يحول ندمك إلى يأس أو جلد للذات، بل اجعليه دافعًا لتصحيح المسار، وبناء قلب متزن أقوى من قبل، فأنت مقبلة على حياةٍ، يتوقع منها أن تكوني أمًا ناضجة عاقلة، وزوجة ناصحة محبة، فاستعدي لهذه اللحظة، وفقك الله لطاعته، وصرف عنك السوء.

هذا، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً