الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مدمنة على الأفلام الإباحية لا أعرف كيف أصلي وكيف أركز!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عندي مشكلة في ديني، وهي أني لا أستطيع الالتزام بأي شيء: لا الصلاة، ولا الدراسة، ولا منع نفسي من المحرمات، ولا أي شيء، أنا في الصف الثالث الثانوي، ولا أستطيع أن أُجبر نفسي على المذاكرة، رغم علمي بأهمية هذه السنة، ولا أستطيع الالتزام بالصلاة، لدي مشكلة في الصلاة؛ أنا لا أحب أن يراني أحد وأنا أصلي، لا أعرف لماذا! لكني أشعر بأني أريد أن أبقى لوحدي دون أن يراني أو يسمعني أو يعلم بي أحد.

أنا لا أحب أن يراني أحد جيدة وأصلي وأقرأ القرآن أبدًا، أحيانًا تكون لدي رغبة في قراءة القرآن، لكن لا أقرأه؛ لأنهم سيرونني، وأنا لا أقبل بهذا! كما أني مدمنة على الأفلام الإباحية! أحاول أن أتركها لكني لا أستطيع، فكلما أقول بأني لن أفعل ذلك مرة أخرى، أعود وأكرر الأمر، والمشكلة بأني أكون سعيدة وأنا ذاهبة لفعل ذلك! لم أعد أعرف كيف أصلي أو أركز في مذاكرتي، أصبحت مشتتة وضائعة، وأشعر بأنني بعيدة جدًا عن ديني وعن ربي، لم أعد أشعر بتأنيب الضمير أو الإحساس بالحزن عندما أرتكب أي ذنب، لدرجة أن الأمر أصبح عاديًا بالنسبة لي، وأحيانًا أشك في ديني وأتساءل: لماذا هذا الحرام حرام؟! لماذا لا أفعل ما أريد أن أفعله ما دام أني لن أوذي أحدًا؟! لماذا عليَّ أن أُقيِّد نفسي؟

أصبحت أسوأ نسخة من نفسي، وأصبحت انطوائية ومُنعزلة، وليس لدي أصدقاء، وأفعل كل ما فيه ذنب، ومستواي الدراسي تأثر كثيرًا، ودائمًا أكون حزينة ومكتئبة ووحيدة، حياتي أصبحت بلا قيمة أو هدف!

أريد حلًا حتى أصبح مؤمنة وأعرف ديني كما ينبغي، وأكون ملتزمة به، وأعود إنسانة جادة، وأكون راضية عن نفسي، ويكون الله راضيًا عني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ياسمين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

لا شك ولا ريب أنه مع ما ذكرتِ من هموم وابتعاد عن الله ودخولكِ في بعض المعاصي؛ كل ذلك التأنيب يدل على طيبة قلبكِ وخوفكِ من الله، وأنه مهما كان فأنتِ تريدين التوبة والحياة الإيمانية كبقية الفتيات المؤمنات ممن هُنَّ في سنكِ، وسؤالكِ وطلبكِ الاستشارة دليل على ذلك، وإليكِ الحل:

أولًا: هذا الأمر الذي يصرفكِ عن الصلاة كله من الشيطان، فقضية أنكِ لا تحبين الصلاة مع مشاهدة الآخرين، وهم أهلكِ وأسرتكِ؛ هو الطريق الذي دخل عليكِ منه الشيطان ليصرفكِ عن الصلاة، ثم دخل عليك من باب آخر وهو: تزيين هذه الأفلام الإباحية القذرة عليك حتى أوقعك فيها، ولم يكتف بذلك، بل وسوس لك وقال لك ما المشكلة من مشاهدتها ما دام أنك لا تؤذين أحداً؟ لماذا تقيدين نفسك؟! والحل هو:

تعظيم قدر الصلاة، فالصلاة لها منزلة عظيمة في الإسلام لا تعدلها منزلة أي عبادة أخرى، فالصلاة صلة بين العبد وبين ربه، والصلاة عماد الدين الذي لا يقوم الدين إلا به، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله) حسنه الألباني. وهي أول ما أوجبه الله تعالى من العبادات، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، كما جاء في حديث عبد الله بن قرط -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله) رواه أحمد. وهي آخر وصية وصى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يتوفاه الله، فقال عليه الصلاة والسلام: (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم).

وقد حذرنا القرآن الكريم عن الانشغال عن الصلاة وتأخيرها، فقال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [الماعون:4-5]، أي: يؤخرونها عن أوقاتها؛ لأن الصلاة لها وقت محدد، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء:103].

وتأملي التعبير القرآني في هذه الآية: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: 59]، فهناك ترابط بين فعل المعصية واتبع الشهوات وضياع الصلاة؛ لذلك احذري من الانشغال عن الصلاة بما ذكرتِه، فلن يغنوا عنكِ من الله شيئًا، وإذا جاءكِ الشيطان يلهيكِ عن الصلاة بسبب مشاهدة الآخرين لكِ، فاستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، مع التعوُّد على الصلاة ولو مع مشاهدة الآخرين.

ثانيًا: لا شك ولا ريب أن مشاهدة الأفلام الإباحية حرام، وأن لها سلبيات كثيرة وأضرارًا جسيمة، سواء كانت على النفس أو الأسرة أو المجتمع، ومن سلبياتها كثرة استعمال العادة السرية، والتي قد تؤثر سلبًا على ذاكرة الإنسان وصحته، وهذا ما تعانين منه في مسألة ضعف الذاكرة وعدم الاستيعاب في الدراسة، ومن ثم عدم الرغبة في المذاكرة والدراسة.

ثالثًا: ما ذكرتِه عن تعوُّدكِ على هذه العادة السيئة، وهي مشاهدة الأفلام الإباحية، يدل على خطورة الأمر، حتى وصل الحال إلى الفرح بهذه المعصية، فحاولي الابتعاد عنها؛ لأن من آثار الذنوب أن يبتعد في قلب المسلم استقباح المعصية، والمعصية تولد معصية أخرى.

رابعًا: أحسنتِ -أيتها التائبة الكريمة- في أنكِ ستناضلين لتبتعدي عن تلك المشاهد القبيحة، وأما ما تجدينه من تفكير وتأنيب، فهو الضمير أو النفس المؤمنة التي تحاسب الإنسان على تقصيره بالطاعة أو تماديه في المعصية، فأرى أن تعقدي الأمل في الله -عز وجل-، وأن تجتهدي في الطاعات وحفظ القرآن حتى تعوضي ما فات في سالف الأزمان، وأوصيكِ أيضًا بالزواج؛ فإنه الحل الأمثل لكي يكون الإنسان صالحًا، ويحفظ الإنسان نفسه وبصره وسمعه عن الحرام، مع الاهتمام بالصحبة الصالحة والابتعاد عن صحبة الأشرار، وأكثري من قراءة القرآن الكريم؛ لأنه يذهب الضيق وتنشرح له النفس.

وخُذي ببعض الحلول والأسباب التي تبعدكِ عن هذه المعصية -وهي مشاهدة أفلام الإباحية-، وهي كالآتي:

1- اجعلي هذه العبارة نصب عينيكِ: (يا عبدي أجعلتني أهون الناظرين إليك).
2- أشغلي نفسكِ بالخير، والرياضة، وصحبة الأخيار من الفتيات الصالحات، ولا سيما الأقارب، فأشغلي نفسكِ بالنافع المفيد.
3- لا تنامي إلا وأنتِ محتاجة إلى النوم.
4- لا تنفردي بالجهاز الذي يوصلكِ إلى تلك المشاهد المخزية، ولا تغلقي بابًا، واجعلي الشاشة في مكان عام في البيت كالصالة.
5- تفكري في عواقب وأضرار هذه المناظر القبيحة وما تؤثره عليكِ في حياتكِ.
6- تزوجي؛ فإن الزواج من أعظم ما يعين على العفاف والاستعفاف.

خامسًا: خواطر النفس ليس لها حدود، وكوامن النفوس لا يعلم بها إلا الذي خلقها -سبحانه وتعالى-، ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- قد أخبرنا بأمر هو الحل في هذه الخواطر النفسية، ففي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به) أخرجه مسلم. فهذه الأمور التي تعتريكِ وتخافين منها، هي أمور في طبيعة البشر، فالإنسان ضعيف، وما دامت هذه الخواطر لا تخرج عن حديث النفس فلا تضر، وينبغي قطعها ومدافعتها وعدم الاسترسال معها، ولا سيما ما يتعلق من وسوسة الشيطان أنه "لماذا يُحرِّم الله علينا ونحن لا نؤذي أحدًا؟" فالله تعالى لا يُحرِّم شيئًا إلا وفيه مضرة في الدنيا والآخرة، وعلى المسلم أن يقول: "سمعنا وأطعنا" ويستسلم لأمر الله تعالى.

سادسًا: أنصحكِ بالرقية الشرعية، فابدئي برقية نفسكِ بنفسكِ، اقرئي سورة الفاتحة سبع مرات -وهذه رقية العين- مع سورة الإخلاص والمعوذتين ثلاثًا ثلاثًا، مع المحافظة على أذكار الصباح والمساء والنوم، ولا بأس أن تطلبي الرقية من راقٍ شرعي ثقة يتعامل بالقرآن والسنة، فقد تكون هذه الأمراض النفسية تحتاج إلى رقية شرعية.

وفي الأخير: أسأل الله أن يقوي عزيمتكِ وتتركي هذه المعاصي، وأن يحبب إليكِ الإيمان والصلاة، اللهم آمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً