وذلك أن
nindex.php?page=treesubj&link=29442_28707_28658_29426أصل الإيمان بالله الذي يجب على الخلق اعتقاده في إثبات الإيمان به ثلاثة أشياء :
[ ص: 173 ]
أحدها : أن يعتقد العبد آنيته ليكون بذلك مباينا لمذهب أهل التعطيل الذين لا يثبتون صانعا .
الثاني : أن يعتقد وحدانيته ، ليكون مباينا بذلك مذاهب أهل الشرك الذين أقروا بالصانع وأشركوا معه في العبادة غيره .
والثالث : أن يعتقده موصوفا بالصفات التي لا يجوز إلا أن يكون موصوفا بها من العلم والقدرة والحكمة وسائر ما وصف به نفسه في كتابه ، إذ قد علمنا أن كثيرا ممن يقربه ويوحده بالقول المطلق قد يلحد في صفاته ، فيكون إلحاده في صفاته قادحا في توحيده .
ولأنا نجد الله تعالى قد خاطب عباده بدعائهم إلى اعتقاد كل واحدة في هذه الثلاث والإيمان بها ، فأما دعاؤه إياهم إلى الإقرار بآنيته ووحدانيته ، فلسنا نذكر هذا هاهنا لطوله وسعة الكلام فيه ، ولأن الجهمي يدعي لنفسه الإقرار بهما وإن كان جحده للصفات قد أبطل دعواه لهما . وأما محاجة الله لخلقه في معنى صفاته التي أمرهم أن يعرفوه بها ،
[ ص: 174 ] فبالآيات التي اقتص فيها أمور بريته في سماواته وأرضيه وما بينهما ، وما أخرجها عليهم من حسن القوام وتمام النظام ، وختم كل آية منها بذكر علمه وحكمته وعزته وقدرته ، مثل قوله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=37وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=38والشمس تجري لمستقر لها فإنه لما ذكر التدبير العجيب الذي دبر به أمرها أتبع ذلك بأن قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=38ذلك تقدير العزيز العليم .
فإن هذا خرج في ظاهره مخرج الخبر ، وهو في باطنه محاجة بليغة لأن الذي يعقل من تأويله أنه لو لم تكن قدرته نافذة لما جرت هذه الأشياء على ما وجدت عليه ، ولو لم يكن علمه سابقا لما خلقه قبل أن يخلقه ، فلما خرج على هذا النظام العجيب ، إذ كان مما تدركه العقول أن المتعسف في أفعاله لا يوجد لها قوام ولا انتظام ، فهو عز وجل يستشهد لخلقه بآثار صنعته العجيبة ، وإتقانه لما خلق ، وإحكامه على سابق علمه ونافذ قدرته وبليغ حكمته .
وكذلك قال عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=3ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور . لأنه
nindex.php?page=treesubj&link=29455_28836_28707_29442كما أن عين المصنوع أوجب صانعا ، كذلك ما ظهر في آثار الحكمة والقدرة في الصنعة أوجب حكيما قادرا ، وفي دفع آلات الصنعة من العلم والقدرة عليها حتى لا يكون الصانع [ ص: 175 ] موصوفا بها ، جحد للصانع وإبطال له ، وإنما أنكر الجهمي صفات الباري تعالى أراد بذلك إبطاله ، ألا ترى أن أصغر خلقه إن أبطلت صنعته بطل ؟ فكيف العظيم الذي ليس كمثله شيء ؟
ألا ترى أن النخلة لها جذع وكرب ، وليف ، وجمار ، ولب ، وخوص وهي تسمى نخلة ، فإذا قال القائل : نخلة علم السامع أن النخلة لا تكون إلا بهذا الاسم نخلة ، فلو ، قال : نخلة وجذعها وكربها وليفها وجمارها ولبها وخوصها وتمرها كان محالا ، لأنه يقال : فالنخلة ما هي إذا جعلت هذه الصفات غيرها ؟
أرأيت لو قال قائل : إن لي نخلة كريمة ، آكل من تمرها ، غير أنه ليس لها جذع ولا كرب ولا ليف ولا خوص ولا لب وليس هي خفيفة ، وليس هي ثقيلة ، أيكون هذا صحيحا في الكلام ؟ أوليس إنما جوابه أن يقال : إنك لما قلت : نخلة عرفناها بصفاتها ، ثم نعت نعتا نفيت به النخلة .
فأنت ممن لا يثبت ما سمى إن كان صادقا ، فلا نخلة لك . فإذا كانت النخلة في بعد قدرها من العظيم الجليل تبطل إذا نفيت
[ ص: 176 ] صفاتها ، فليس إنما أراد الجهمي إبطال الربوبية وجحودها .
فقد تبين في المخلوق أن اسمه جامع لصفاته ، وأن صفاته لا تباينه ، وإنما أراد الجهمي يقول إن صفات الله مخلوقة أن يقول : إن الله كان ولا قدرة ، ولا علم ، ولا عزة ، ولا كلام ، ولا اسم حتى خلق ذلك كله ، فكان بعد ما خلقه .
فإذا أبطل صفاته فقد أبطله ، وإذا أبطله في حال من الأحوال فقد أبطله في الأحوال كلها ، حتى يقول : إن الله عز وجل لم يزل ولا يزال بصفاته كلها إلها واحدا قديما قبل كل شيء ، ويبقى بصفاته كلها بعد فناء كل شيء ، ويقال للجهمي فيما احتج به من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=62الله خالق كل شيء أن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=62كل شيء يجمع كل شيء ، لأن الكل يجمع كل شيء ، أليس قد قال الله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=88كل شيء هالك إلا وجهه ، فهل يهلك ما كان من صفات الله ؟ هل يهلك علم الله فيبقى بلا علم ؟ هل تهلك عزته ؟ تعالى ربنا عن ذلك ، أليس هذه من الأشياء التي لا تهلك وقد قال الله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقد .
قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فتحنا عليهم أبواب كل شيء ، فهل فتح عليهم أبواب التوبة ، وأبواب الرحمة ، وأبواب الطاعة ، وأبواب العافية ، وأبواب السعادة ، وأبواب النجاة مما نزل بهم ؟ وهذه كلها مما أغلق أبوابها عنهم ، وهي شيء ، وقد قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فتحنا عليهم أبواب كل شيء ،
[ ص: 177 ] وقد قال أيضا : في
بلقيس : nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23وأوتيت من كل شيء ، ولم تؤت ملك
سليمان ولم تسخر لها الريح ولا الشياطين ، ولم يكن لها شيء مما في ملك
سليمان ، فقد ، قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23وأوتيت من كل شيء ، وقال في قصص
يوسف ، : nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء ، وإنما كان ذلك تفصيلا لكل شيء من قصة
يوسف .
وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=30وجعلنا من الماء كل شيء حي ولم يخلق
آدم من الماء وإنما خلقه من تراب ، ولم يخلق إبليس من الماء قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=27والجان خلقناه من قبل من نار السموم ، والملائكة خلقت من نور .
وقال في الريح التي أرسلت على قوم عاد :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25تدمر كل شيء بأمر ربها ، وقد أتت على أشياء لم تدمرها ، ألم تسمع إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ، فلم تدمر مساكنهم ،
[ ص: 178 ] ولو أنصف الجهمي الخبيث من نفسه واستمع كلام ربه وسلم لمولاه وأطاعه ، لتبين له ، ولكنه من الذين قال الله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=14وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا .
فالجهمي الضال وكل مبتدع غال أعمى أصم قد حرمت عليه البصيرة ، فهو لا يسمع إلا ما يهوى ، ولا يبصر إلا ما اشتهى .
ألم يسمع قول الله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون . فأخبر أن القول قبل الشيء ، لأن إرادته الشيء يكون قبل أن يكون الشيء ، فأخبر أن إرادة الشيء يكون قبل قوله ، وقوله قبل الشيء ، إذا أراد شيئا كان بقوله : وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=82إنما أمره إذا أراد شيئا . فالشيء ليس هو أمره ، ولكن الشيء كان بأمره سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=47إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون .
وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=19قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم فأخبرنا أنه شيء ، وهو تبارك اسمه وتعالى جده أكبر الأشياء ولا يدخل في
[ ص: 179 ] الأشياء المخلوقة .
وَذَلِكَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29442_28707_28658_29426أَصْلَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْخَلْقِ اعْتِقَادُهُ فِي إِثْبَاتِ الْإِيمَانِ بِهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ :
[ ص: 173 ]
أَحَدُهَا : أَنْ يَعْتَقِدَ الْعَبْدُ آنِيَّتَهُ لِيَكُونَ بِذَلِكَ مُبَايِنًا لِمَذْهَبِ أَهْلِ التَّعْطِيلِ الَّذِينَ لَا يُثْبِتُونَ صَانِعًا .
الثَّانِي : أَنْ يَعْتَقِدَ وَحْدَانِيَّتَهُ ، لِيَكُونَ مُبَايِنًا بِذَلِكَ مَذَاهِبَ أَهْلِ الشِّرْكِ الَّذِينَ أَقَرُّوا بِالصَّانِعِ وَأَشْرَكُوا مَعَهُ فِي الْعِبَادَةِ غَيْرَهُ .
وَالثَّالِثُ : أَنْ يَعْتَقِدَهُ مَوْصُوفًا بِالصِّفَاتِ الَّتِي لَا يَجُوزُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِهَا مِنَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْحِكْمَةِ وَسَائِرِ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ ، إِذْ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يُقَرِّبُهُ وَيُوَحِّدُهُ بِالْقَوْلِ الْمُطْلَقِ قَدْ يُلْحِدُ فِي صِفَاتِهِ ، فَيَكُونُ إِلْحَادُهُ فِي صِفَاتِهِ قَادِحًا فِي تَوْحِيدِهِ .
وَلِأَنَّا نَجِدُ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ خَاطَبَ عِبَادَهُ بِدُعَائِهِمْ إِلَى اعْتِقَادِ كُلِّ وَاحِدَةٍ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ وَالْإِيمَانِ بِهَا ، فَأَمَّا دُعَاؤُهُ إِيَّاهُمْ إِلَى الْإِقْرَارِ بِآنِيَّتِهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ ، فَلَسْنَا نَذْكُرُ هَذَا هَاهُنَا لِطُولِهِ وَسَعَةِ الْكَلَامِ فِيهِ ، وَلِأَنَّ الْجَهْمِيَّ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ الْإِقْرَارَ بِهِمَا وَإِنْ كَانَ جَحْدُهُ لِلصِّفَاتِ قَدْ أَبْطَلَ دَعْوَاهُ لَهُمَا . وَأَمَّا مَحَاجَّةُ اللَّهِ لِخَلْقِهِ فِي مَعْنَى صِفَاتِهِ الَّتِي أَمَرَهُمْ أَنْ يَعْرِفُوهُ بِهَا ،
[ ص: 174 ] فَبِالْآيَاتِ الَّتِي اقْتَصَّ فِيهَا أُمُورَ بَرِيَّتِهِ فِي سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ وَمَا بَيْنَهُمَا ، وَمَا أَخْرَجَهَا عَلَيْهِمْ مِنْ حُسْنِ الْقَوَامِ وَتَمَامِ النِّظَامِ ، وَخَتَمَ كُلَّ آيَةٍ مِنْهَا بِذِكْرِ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِزَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ ، مِثْلُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=37وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=38وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ التَّدْبِيرَ الْعَجِيبَ الَّذِي دَبَّرَ بِهِ أَمْرَهَا أَتْبَعَ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=38ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ .
فَإِنَّ هَذَا خَرَجَ فِي ظَاهِرَهِ مَخْرَجَ الْخَبَرِ ، وَهُوَ فِي بِاطِنِهِ مَحَاجَّةٌ بَلِيغَةٌ لِأَنَّ الَّذِي يَعْقِلُ مِنْ تَأْوِيلِهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ قُدْرَتُهُ نَافِذَةً لَمَا جَرَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَلَى مَا وُجِدَتْ عَلَيْهِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِلْمُهُ سَابِقًا لِمَا خَلَقَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ ، فَلَمَّا خَرَجَ عَلَى هَذَا النِّظَامِ الْعَجِيبِ ، إِذْ كَانَ مِمَّا تُدْرِكُهُ الْعُقُولُ أَنَّ الْمُتَعَسِّفَ فِي أَفْعَالِهِ لَا يُوجَدُ لَهَا قِوَامٌ وَلَا انْتِظَامٌ ، فَهُوَ عَزَّ وَجَلَّ يَسْتَشْهِدُ لِخَلْقِهِ بِآثَارِ صَنْعَتِهِ الْعَجِيبَةِ ، وَإِتْقَانِهِ لِمَا خَلَقَ ، وَإِحْكَامِهِ عَلَى سَابِقِ عِلْمِهِ وَنَافِذِ قُدْرَتِهِ وَبَلِيغِ حِكْمَتِهِ .
وَكَذَلِكَ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=3مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ . لِأَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=29455_28836_28707_29442كَمَا أَنَّ عَيْنَ الْمَصْنُوعِ أَوْجَبَ صَانِعًا ، كَذَلِكَ مَا ظَهَرَ فِي آثَارِ الْحِكْمَةِ وَالْقُدْرَةِ فِي الصَّنْعَةِ أَوْجَبَ حَكِيمًا قَادِرًا ، وَفِي دَفْعِ آلَاتِ الصَّنْعَةِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهَا حَتَّى لَا يَكُونَ الصَّانِعُ [ ص: 175 ] مَوْصُوفًا بِهَا ، جَحْدٌ لِلصَّانِعِ وَإِبْطَالٌ لَهُ ، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ الْجَهْمِيُّ صِفَاتِ الْبَارِي تَعَالَى أَرَادَ بِذَلِكَ إِبْطَالَهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْغَرَ خَلْقِهِ إِنْ أَبْطَلْتَ صَنْعَتَهُ بَطَلَ ؟ فَكَيْفَ الْعَظِيمُ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ؟
أَلَا تَرَى أَنَّ النَّخْلَةَ لَهَا جِذْعٌ وَكَرَبٌ ، وَلِيفٌ ، وَجُمَّارٌ ، وَلُبٌّ ، وَخُوصٌ وَهِيَ تُسَمَّى نَخْلَةً ، فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ : نَخْلَةٌ عَلِمَ السَّامِعُ أَنَّ النَّخْلَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بِهَذَا الِاسْمِ نَخْلَةٌ ، فَلَوْ ، قَالَ : نَخْلَةٌ وَجِذْعُهَا وَكَرَبُهَا وَلِيفُهَا وَجُمَّارُهَا وَلُبُّهَا وَخُوصُهَا وَتَمْرُهَا كَانَ مُحَالًا ، لِأَنَّهُ يُقَالُ : فَالنَّخْلَةُ مَا هِيَ إِذَا جَعَلْتَ هَذِهِ الصِّفَاتِ غَيْرَهَا ؟
أَرَأَيْتَ لَوْ قَالَ قَائِلٌ : إِنَّ لِي نَخْلَةً كَرِيمَةً ، آكُلُ مِنْ تَمْرِهَا ، غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا جِذْعٌ وَلَا كَرَبٌ وَلَا لِيفٌ وَلَا خُوصٌ وَلَا لُبٌّ وَلَيْسَ هِيَ خَفِيفَةً ، وَلَيْسَ هِيَ ثَقِيلَةً ، أَيَكُونُ هَذَا صَحِيحًا فِي الْكَلَامِ ؟ أَوَلَيْسَ إِنَّمَا جَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّكَ لَمَّا قُلْتَ : نَخْلَةٌ عَرَفْنَاهَا بِصِفَاتِهَا ، ثُمَّ نَعَتَ نَعْتًا نُفِيَتْ بِهِ النَّخْلَةُ .
فَأَنْتَ مِمَّنْ لَا يُثْبِتُ مَا سَمَّى إِنْ كَانَ صَادِقًا ، فَلَا نَخْلَةَ لَكَ . فَإِذَا كَانَتِ النَّخْلَةُ فِي بُعْدِ قَدْرِهَا مِنَ الْعَظِيمِ الْجَلِيلِ تُبْطَلُ إِذَا نُفِيَتْ
[ ص: 176 ] صِفَاتُهَا ، فَلَيْسَ إِنَّمَا أَرَادَ الْجَهْمِيُّ إِبْطَالَ الرُّبُوبِيَّةَ وَجُحُودَهَا .
فَقَدْ تَبَيَّنَ فِي الْمَخْلُوقِ أَنَّ اسْمَهَ جَامِعٌ لِصِفَاتِهِ ، وَأَنَّ صِفَاتِهِ لَا تُبَايِنُهُ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْجَهْمِيُّ يَقُولُ إِنَّ صِفَاتِ اللَّهِ مَخْلُوقَةٌ أَنْ يَقُولَ : إِنَّ اللَّهَ كَانَ وَلَا قُدْرَةَ ، وَلَا عِلْمَ ، وَلَا عِزَّةَ ، وَلَا كَلَامَ ، وَلَا اسْمَ حَتَّى خَلَقَ ذَلِكَ كُلَّهُ ، فَكَانَ بَعْدَ مَا خَلَقَهُ .
فَإِذَا أَبْطَلَ صِفَاتِهِ فَقَدْ أَبْطَلَهُ ، وَإِذَا أَبْطَلَهُ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ فَقَدْ أَبْطَلَهُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا ، حَتَّى يَقُولَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ بِصِفَاتِهِ كُلِّهَا إِلَهًا وَاحِدًا قَدِيمًا قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَيَبْقَى بِصِفَاتِهِ كُلِّهَا بَعْدَ فَنَاءِ كُلِّ شَيْءٍ ، وَيُقَالُ لِلْجَهْمِيِّ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=62اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ أَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=62كُلِّ شَيْءٍ يَجْمَعُ كُلَّ شَيْءٍ ، لِأَنَّ الْكَلَّ يَجْمَعُ كُلَّ شَيْءٍ ، أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=88كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ، فَهَلْ يَهْلِكُ مَا كَانَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ ؟ هَلْ يَهْلِكُ عِلْمُ اللَّهِ فَيَبْقَى بِلَا عِلْمٍ ؟ هَلْ تَهْلِكُ عِزَّتُهُ ؟ تَعَالَى رَبُّنَا عَنْ ذَلِكَ ، أَلَيْسَ هَذِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا تَهْلِكُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقَدْ .
قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ، فَهَلْ فَتَحَ عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ التَّوْبَةِ ، وَأَبْوَابَ الرَّحْمَةِ ، وَأَبْوَابَ الطَّاعَةِ ، وَأَبْوَابَ الْعَافِيَةِ ، وَأَبْوَابَ السَّعَادَةِ ، وَأَبْوَابَ النَّجَاةِ مِمَّا نَزَلَ بِهِمْ ؟ وَهَذِهِ كُلُّهَا مِمَّا أَغْلَقَ أَبْوَابَهَا عَنْهُمْ ، وَهِيَ شَيْءٌ ، وَقَدْ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ،
[ ص: 177 ] وَقَدْ قَالَ أَيْضًا : فِي
بِلْقِيسَ : nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَلَمْ تُؤْتَ مُلْكَ
سُلَيْمَانَ وَلَمْ تُسَخَّرْ لَهَا الرِّيحُ وَلَا الشَّيَاطِينُ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ مِمَّا فِي مُلْكِ
سُلَيْمَانَ ، فَقَدْ ، قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَقَالَ فِي قَصَصِ
يُوسُفَ ، : nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ تَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ قِصَّةِ
يُوسُفَ .
وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=30وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ وَلَمْ يَخْلُقْ
آدَمَ مِنَ الْمَاءِ وَإِنَّمَا خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ، وَلَمْ يَخْلُقْ إِبْلِيسَ مِنَ الْمَاءِ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=27وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ ، وَالْمَلَائِكَةُ خُلِقَتْ مِنْ نُورٍ .
وَقَالَ فِي الرِّيحِ الَّتِي أُرْسِلَتْ عَلَى قَوْمِ عَادٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا ، وَقَدْ أَتَتْ عَلَى أَشْيَاءَ لَمْ تُدَمِّرْهَا ، أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ، فَلَمْ تُدَمِّرْ مَسَاكِنَهُمْ ،
[ ص: 178 ] وَلَوْ أَنْصَفَ الْجَهْمِيُّ الْخَبِيثُ مِنْ نَفْسِهِ وَاسْتَمَعَ كَلَامَ رَبِّهِ وَسَلَّمَ لِمَوْلَاهُ وَأَطَاعَهُ ، لَتَبَيَّنَ لَهُ ، وَلَكِنَّهُ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=14وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا .
فَالْجَهْمِيُّ الضَّالُّ وَكُلُّ مُبْتَدَعٍ غَالٍّ أَعْمَى أَصَمُّ قَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الْبَصِيرَةُ ، فَهُوَ لَا يَسْمَعُ إِلَّا مَا يَهْوَى ، وَلَا يُبْصِرُ إِلَّا مَا اشْتَهَى .
أَلَمْ يَسْمَعْ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ . فَأَخْبَرَ أَنَّ الْقَوْلَ قَبْلَ الشَّيْءِ ، لِأَنَّ إِرَادَتَهُ الشَّيْءَ يَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ ، فَأَخْبَرَ أَنَّ إِرَادَةَ الشَّيْءِ يَكُونُ قَبْلَ قَوْلِهِ ، وَقَوْلُهُ قَبْلَ الشَّيْءِ ، إِذَا أَرَادَ شَيْئًا كَانَ بِقَوْلِهِ : وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=82إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا . فَالشَّيْءُ لَيْسَ هُوَ أَمْرُهُ ، وَلَكِنَّ الشَّيْءَ كَانَ بِأَمْرِهِ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=47إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ .
وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=19قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَأَخْبَرَنَا أَنَّهُ شَيْءٌ ، وَهُوَ تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ أَكْبَرُ الْأَشْيَاءِ وَلَا يَدْخُلُ فِي
[ ص: 179 ] الْأَشْيَاءِ الْمَخْلُوقَةِ .