[ ص: 624 ]
[ مسألة : الكافر يطلق امرأته ثلاثا : ]
فأما المسألة الأولى : وهي وقوع الطلاق ، فلا يخلو إما أن يعتقد الكافر نفوذ الطلاق أو لا يعتقده ، فإن اعتقده نفذ طلاقه ، ولم يكن الإسلام شرطا في نفوذه ، هذا مذهب
أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
وأبي حنيفة ، وأصحابه .
وقال
مالك : الإسلام شرط في وقوع الطلاق ، واحتج الجمهور بأن أنكحتهم صحيحة كما تقدم ، فإذا صح النكاح نفذ فيه الطلاق ، فإنه حكم من أحكام النكاح ، فترتب عليه كسائر أحكامه من التوارث ، والحل ، وثبوت النسب ، وتحريم المصاهرة ، وسائر أحكامه ، وقد قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=22ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ) فسماه " نكاحا " وأثبت به تحريم المصاهرة ، وكان الظهار يعده أهل الجاهلية طلاقا ، وقام الإسلام حتى أبطل الله ما كان عليه أهل الجاهلية ، وشرع فيه الكفارة .
وكيف يحكم ببطلان نكاح ولد فيه سيد ولد آدم وزاده فضلا وشرفا لديه ؟ وقد صرح بأنه - صلى الله عليه وسلم - ولد من نكاح ، لا من سفاح .
[ ص: 625 ] قال الإمام
أحمد في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=17163مهنا في يهودي ، أو نصراني طلق امرأته طلقتين ، ثم أسلم ، وطلق أخرى : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350365لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره " .
وإذا ظاهر من امرأته ، ثم أسلم ، أخبرناه أن عليه ظهارا .
وإذا تزوج بلا شهود ، ثم أسلما ، هما على نكاحهما .
[ ص: 626 ] وقال في رواية
ابن منصور ، في نصراني آلى من امرأته ، ثم أسلم : يوقف مثل المسلم سواء ، فإما أن يفيء وإما أن يطلق .
وقال في رواية
حنبل في
مسلم تحته نصرانية طلقها ثلاثا ، فتزوجت بنصراني تحل للأول لأنه زوج .
[ ص: 627 ] قال المبطلون لأنكحتهم : هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف ، ولا مخالف له من الصحابة ، وقد أقره
عمر على هذا القول ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد بن حزم : روينا من طريق
قتادة أن رجلا طلق امرأته تطليقتين في الجاهلية ، وطلقة في الإسلام ، فسأل
عمر ، فقال : لا آمرك ولا أنهاك ، فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف : لكني آمرك ليس طلاقك في الشرك بشيء .
قال : وبهذا كان يفتي
قتادة .
وصح عن
الحسن ،
وربيعة ، وهو قول
مالك ،
وأبي سليمان ، وأصحابهما .
قالوا : وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه
مسلم في " صحيحه " : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350366أوصيكم بالنساء خيرا ، فإنكم أخذتموهن بأمانة [ ص: 628 ] الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله " .
قالوا : ووجه الدليل أن " كلمة الله " هي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فانكحوا ما طاب لكم من النساء ) ، فأخبر أن الحل كان بهذه الكلمة ، ( فكلمة الله ) هي إباحته للنكاح ، أو أراد ( بكلمة الله ) الإسلام ، وما يقتضيه من شرائط النكاح ، فدل على أن الفروج لا تستباح بغير كلمة الإسلام .
قالوا : وأيضا فكل آية أباحت النكاح في كتاب الله سبحانه فالخطاب بها للمؤمنين ، فدل على أن المراد " بكلمة الله " الإسلام .
قالوا : والمسألة إجماع من الصحابة ، وذكروا أثر
عبد الرحمن المتقدم .
قالوا : وكيف يحكم بصحة نكاح عري عن ولي ورضا وشاهدين ؟
[ ص: 629 ] قالوا : وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350367أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل " وأنتم تصححون أنكحتهم ، ولو وقعت بغير ولي ، فالحديث نص في بطلان مذهبكم .
[ ص: 630 ] [ ص: 631 ] [ ص: 632 ] [ ص: 633 ] قالوا : وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350368كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد " .
قالوا : وهم يستبيحون النكاح بالخمر ، والخنزير ، وفي العدة بغير ولي ولا شهود وغير ذلك مما لا يستباح به في الإسلام ، فوجب الحكم ببطلانه .
قالوا : ولو مات الحربي عن زوجته ، أو قتل ثم سبيت فإنها تستبرأ بحيضة ، ولا تعتد ، ولو كان نكاحها صحيحا لوجب أن تعتد ، وقد قال تعالى عنهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق ) ، وهذا يقتضي أنهم لا يدينون دين الحق في نكاح ، ولا غيره ، ومن لم يدن دين الحق في نكاحه فهو مردود .
قال المصححون : لا حجة لكم في شيء مما ذكرتم .
أما أثر
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف فإن الإمام
أحمد قال في رواية مهنا : حديث يروى : أن
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف قال
nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - : " ليس طلاق أهل الشرك بشيء " ليس له إسناد ، فهذا جواب
أحمد .
[ ص: 634 ] وأجاب القاضي بأن هذا محمول على جواز أنكحتهم لذوات المحارم ، فإن الطلاق لا يقع فيها . وهذا من أفسد الأجوبة ، وكيف يقول له
عمر في نكاح أمه وابنته : لا آمرك ولا أنهاك ؟ وكيف يقول له
عبد الرحمن : لكني آمرك ، ليس طلاقك بشيء ، ولم يكن في العرب من يستحل نكاح ذوات المحارم كالمجوس ؟
وعندي جواب آخر ، وهو أن الطلاق كان في الجاهلية بغير عدد كما
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350369قالت عائشة : كان الرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها ، وهي امرأته إذا ارتجعها وهي في العدة ، وإن طلقها مائة مرة ، أو أكثر ، حتى قال رجل لامرأته ، والله لا أطلقك فتبيني مني ، ولا أؤويك أبدا ، قالت : وكيف ذلك ؟ قال : أطلقك فكلما همت عدتك أن تنقضي راجعتك : فذهبت المرأة حتى دخلت على عائشة - رضي الله عنها - فأخبرتها ، فسكتت عائشة حتى جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته فسكت ، حتى نزل القرآن : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) قالت : فاستأنف الناس الطلاق مستقبلا ، من كان طلق ومن لم يكن طلق رواه
الترمذي متصلا ، ثم رواه عن
عروة ، ولم يذكر فيه
عائشة ، وقال هذا أصح .
[ ص: 635 ] وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350370واستحللتم فروجهن بكلمة الله " فما أصحه من حديث ، وما أضعف الاستدلال به على بطلان أنكحة الكفار ، وقد أجاب عنه أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
وأحمد بأن " كلمة الله " هي لفظ الإنكاح .
[ ص: 636 ] والتزويج اللذين لا ينعقد النكاح إلا بهما . وهذا جواب في غاية الوهن ، فإن " كلمة الله " هي التي تكلم بها ، ولهذا أضيفت إليه .
وأما الإيجاب والقبول فكلمة المخلوق ، فلا تضاف إلى الله ، وإلا كان كل كلام تكلم به العبد يضاف إلى الرب ، وهذا باطل قطعا ، فإن كلمة الله كسمع الله ، وبصره ، وقدرته ، وحياته وعلمه ، وإرادته ، ومشيئته ، كل ذلك للصفات القائمة به ، لا للمخلوق المنفصل عنه .
والجواب الصحيح أن هذا خطاب للمسلمين ، ولا ريب أنهم إنما استحلوا فروج نسائهم بكلمة الله وإباحته .
أما المبتدأ نكاحها في الإسلام فظاهر ، وأما المستدام نكاحها فإنما استديم بكلمة الله أيضا ، فلا يمس الحديث محل النزاع بوجه .
وأما قولكم : كل آية أباحت النكاح في القرآن فالخطاب بها للمسلمين ، فهذا الاستدلال من أعجب الأشياء ، فإن الأمة بعد نزول القرآن مأخوذة بأحكامه ، وأوامره ، ونواهيه ، وأما قبل ذلك فما أقره القرآن فهو على ما أقره ، وما غيره وأبطله فهو كما غيره وأبطله ، فأين أبطل القرآن نكاح الكفار ، ولم يقرهم عليه في موضع واحد ؟ على أن البيع ، والرهن ، والمداينة ، والقرض ، وغيرها من العقود إنما خوطب بها المؤمنون ، فهل يقول أحد : إنها باطلة من الكفار ؟ وهل النكاح إلا عقد من عقودهم كبياعاتهم ، وإجاراتهم ، ورهونهم ، وسائر عقودهم ؟ وليس النكاح من قبيل العبادات المحضة التي يشترط في صحتها الإسلام ، كالصلاة والصوم والحج ، بل هو من عقود المعاوضات التي تصح من المسلم ، والكافر .
[ ص: 637 ] وأما قولهم : المسألة إجماع من الصحابة ، فهو ذلك الأثر الذي لا يصح عن
عبد الرحمن ، ولو صح لم يكن فيه حجة فأين قول رجل واحد من الصحابة ، فضلا عن جميعهم ؟
وأما قولكم : كيف يحكم بصحة نكاح عري عن الولي ، والشهود ، وشروط النكاح ، فمن أضعف الاستدلال ، فإن هذه إنما صارت شروطا بالإسلام ، ولم تكن شروطا قبله حتى نحكم ببطلان كل نكاح وقع قبلها ، وإنما اشترطت في الإسلام في حق من التزم الإسلام ، وأما من لم يلتزمه فإن حكم النكاح بدونها كحكم ما يعتقدون صحته من العقود الفاسدة التي لا مساغ لها في الإسلام ، فإنها تصح منهم ، ولو أسلموا وقد تعاملوا بها وتقايضوا لم تنقض وأمضيت .
فإن قيل : الإسلام صححها لهم ، وهكذا صحح النكاح ، قلنا : لكن الإسلام لم يبطل ترتب آثارها عليها قبله ، فيجب ألا يبطل ترتب آثار النكاح عليه من الطلاق ، والظهار ، والإيلاء .
وأما استدلالكم بقوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350371أيما امرأة نكحت نفسها بدون إذن وليها فنكاحها باطل " فهذا عجب منكم ، فإنها لو زوجها الولي كان النكاح فاسدا عندكم ، فإن قلتم : الولي الكافر كلا ولي ، قيل : نعم ، هذا في نكاح المسلمة ، فأما الكافرة فقد قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=73والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ) .
[ ص: 638 ] وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350368كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد " ففي غاية الصحة ، والاستدلال به ضعيف من وجوه .
أحدها : أن هذا في حق المسلمين ، وأما الكفار فإنا لا نرد عليهم كل ما خرج عن أمره - صلى الله عليه وسلم - فإنا نقرهم على عقودهم التي يعتقدون صحتها ، وإن لم تكن على أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - .
الثاني : أن إقرار الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لهم على أحكام هذه الأنكحة هو من أمر الشارع ، ولا جرم ما كان منها على غير أمره فهو رد ، كنكاح المحارم ، وما لا يعتقدون صحته ، فأما ما اعتقدوا صحته فإقرارهم عليه من أمره .
الثالث : أن هذا لا يمكن أن يستدل به على بطلان أنكحتهم ، كما لم يستدل به على بطلان عقود معاوضاتهم التي يعتقدون صحتها ، وإن وقعت على غير أمره .
وأما استبراء الحربية بحيضة إذا سبيت ، وحكمنا بزوال النكاح ، فليس ذلك لكون أنكحتهم كانت باطلة ، ولكن لتجديد الملك على زوجته ، وكونها صارت أمة للثاني ، واستولى على محل حق الكافر وأزاله ، وانتقلت من كونها زوجة إلى كونها أمة رقيقة تباع وتشترى .
وأما قوله تعالى عنهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب ) فلم يزيدوا بذلك على كونهم كفارا . ومن نازع في كفرهم حتى يحتج عليه بذلك ؟ وهل وقع النزاع إلا
[ ص: 639 ] في نكاح من هو كذلك ؟ ولا ريب أن هذا القدر كما لم يؤثر في بطلان عقود معاوضاته من البيع ، والشراء ، والإجارة ، والقرض ، والسلم ، والجعالة وغيرها لم يؤثر في بطلان نكاحه .
[ ص: 624 ]
[ مَسْأَلَةٌ : الْكَافِرُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا : ]
فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : وَهِيَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَعْتَقِدَ الْكَافِرُ نُفُوذَ الطَّلَاقِ أَوْ لَا يَعْتَقِدُهُ ، فَإِنِ اعْتَقَدَهُ نَفَذَ طَلَاقُهُ ، وَلَمْ يَكُنِ الْإِسْلَامُ شَرْطًا فِي نُفُوذِهِ ، هَذَا مَذْهَبُ
أَحْمَدَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ ،
وَأَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَصْحَابِهِ .
وَقَالَ
مَالِكٌ : الْإِسْلَامُ شَرْطٌ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ ، وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ أَنْكِحَتَهُمْ صَحِيحَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ ، فَإِذَا صَحَّ النِّكَاحُ نَفَذَ فِيهِ الطَّلَاقُ ، فَإِنَّهُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ ، فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ كَسَائِرِ أَحْكَامِهِ مِنَ التَّوَارُثِ ، وَالْحِلِّ ، وَثُبُوتِ النَّسَبِ ، وَتَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ ، وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=22وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ) فَسَمَّاهُ " نِكَاحًا " وَأَثْبَتَ بِهِ تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ ، وَكَانَ الظِّهَارُ يَعُدُّهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ طَلَاقًا ، وَقَامَ الْإِسْلَامُ حَتَّى أَبْطَلَ اللَّهُ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَشَرَعَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ .
وَكَيْفَ يُحْكَمُ بِبُطْلَانِ نِكَاحٍ وُلِدَ فِيهِ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَزَادَهُ فَضْلًا وَشَرَفًا لَدَيْهِ ؟ وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وُلِدَ مِنْ نِكَاحٍ ، لَا مِنْ سِفَاحٍ .
[ ص: 625 ] قَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=17163مُهَنَّا فِي يَهُودِيٍّ ، أَوْ نَصْرَانِيٍّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَتَيْنِ ، ثُمَّ أَسْلَمَ ، وَطَلَّقَ أُخْرَى : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350365لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ " .
وَإِذَا ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ ، ثُمَّ أَسْلَمَ ، أَخْبَرَنَاهُ أَنَّ عَلَيْهِ ظِهَارًا .
وَإِذَا تَزَوَّجَ بِلَا شُهُودٍ ، ثُمَّ أَسْلَمَا ، هُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا .
[ ص: 626 ] وَقَالَ فِي رِوَايَةِ
ابْنِ مَنْصُورٍ ، فِي نَصْرَانِيٍّ آلَى مِنِ امْرَأَتِهِ ، ثُمَّ أَسْلَمَ : يُوقَفُ مِثْلَ الْمُسْلِمِ سَوَاءً ، فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ
حَنْبَلٍ فِي
مُسْلِمٍ تَحْتَهُ نَصْرَانِيَّةٌ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ، فَتَزَوَّجَتْ بِنَصْرَانِيٍّ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ زَوْجٌ .
[ ص: 627 ] قَالَ الْمُبْطِلُونَ لِأَنْكِحَتِهِمْ : هَذَا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=38عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ ، وَقَدْ أَقَرَّهُ
عُمَرُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13064أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ
قَتَادَةَ أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَطَلْقَةً فِي الْإِسْلَامِ ، فَسَأَلَ
عُمَرَ ، فَقَالَ : لَا آمُرُكَ وَلَا أَنْهَاكَ ، فَقَالَ لَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=38عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ : لَكِنِّي آمُرُكَ لَيْسَ طَلَاقُكَ فِي الشِّرْكِ بِشَيْءٍ .
قَالَ : وَبِهَذَا كَانَ يُفْتِي
قَتَادَةُ .
وَصَحَّ عَنِ
الْحَسَنِ ،
وَرَبِيعَةَ ، وَهُوَ قَوْلُ
مَالِكٍ ،
وَأَبِي سُلَيْمَانَ ، وَأَصْحَابِهِمَا .
قَالُوا : وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ
مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350366أُوصِيكُمْ بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ [ ص: 628 ] اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ " .
قَالُوا : وَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّ " كَلِمَةَ اللَّهِ " هِيَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ) ، فَأَخْبَرَ أَنَّ الْحِلَّ كَانَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ ، ( فَكَلِمَةُ اللَّهِ ) هِيَ إِبَاحَتُهُ لِلنِّكَاحِ ، أَوْ أَرَادَ ( بِكَلِمَةِ اللَّهِ ) الْإِسْلَامَ ، وَمَا يَقْتَضِيهِ مِنْ شَرَائِطِ النِّكَاحِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفُرُوجَ لَا تُسْتَبَاحُ بِغَيْرِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ .
قَالُوا : وَأَيْضًا فَكُلُّ آيَةٍ أَبَاحَتِ النِّكَاحَ فِي كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَالْخِطَابُ بِهَا لِلْمُؤْمِنِينَ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ " بِكَلِمَةِ اللَّهِ " الْإِسْلَامُ .
قَالُوا : وَالْمَسْأَلَةُ إِجْمَاعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ ، وَذَكَرُوا أَثَرَ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُتَقَدِّمَ .
قَالُوا : وَكَيْفَ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ نِكَاحٍ عَرِيَ عَنْ وَلِيٍّ وَرِضًا وَشَاهِدَيْنِ ؟
[ ص: 629 ] قَالُوا : وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350367أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحْتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إِذَنِ وَلَيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ " وَأَنْتُمْ تُصَحِّحُونَ أَنْكِحَتَهُمْ ، وَلَوْ وَقَعَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ ، فَالْحَدِيثُ نَصٌّ فِي بُطْلَانِ مَذْهَبِكُمْ .
[ ص: 630 ] [ ص: 631 ] [ ص: 632 ] [ ص: 633 ] قَالُوا : وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350368كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " .
قَالُوا : وَهُمْ يَسْتَبِيحُونَ النِّكَاحَ بِالْخَمْرِ ، وَالْخِنْزِيرِ ، وَفِي الْعِدَّةِ بِغَيْرٍ وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُسْتَبَاحُ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ ، فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِهِ .
قَالُوا : وَلَوْ مَاتَ الْحَرْبِيُّ عَنْ زَوْجَتِهِ ، أَوْ قُتِلَ ثُمَّ سُبِيَتْ فَإِنَّهَا تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ ، وَلَا تَعْتَدُّ ، وَلَوْ كَانَ نِكَاحُهَا صَحِيحًا لَوَجَبَ أَنْ تَعْتَدَّ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى عَنْهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ ) ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ فِي نِكَاحٍ ، وَلَا غَيْرِهِ ، وَمَنْ لَمْ يُدِنْ دِينَ الْحَقِّ فِي نِكَاحِهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ .
قَالَ الْمُصَحِّحُونَ : لَا حُجَّةَ لَكُمْ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْتُمْ .
أَمَّا أَثَرُ
nindex.php?page=showalam&ids=38عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَإِنَّ الْإِمَامَ
أَحْمَدَ قَالَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا : حَدِيثٌ يُرْوَى : أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=38عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - : " لَيْسَ طَلَاقُ أَهْلِ الشِّرْكِ بِشَيْءٍ " لَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ ، فَهَذَا جَوَابُ
أَحْمَدَ .
[ ص: 634 ] وَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى جَوَازِ أَنْكِحَتِهِمْ لِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ فِيهَا . وَهَذَا مِنْ أَفْسَدِ الْأَجْوِبَةِ ، وَكَيْفَ يَقُولُ لَهُ
عُمَرُ فِي نِكَاحِ أُمِّهِ وَابْنَتِهِ : لَا آمُرُكَ وَلَا أَنْهَاكَ ؟ وَكَيْفَ يَقُولُ لَهُ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ : لَكِنِّي آمُرُكَ ، لَيْسَ طَلَاقُكَ بِشَيْءٍ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْعَرَبِ مَنْ يَسْتَحِلُّ نِكَاحَ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ كَالْمَجُوسِ ؟
وَعِنْدِي جَوَابٌ آخَرُ ، وَهُوَ أَنَّ الطَّلَاقَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِغَيْرِ عَدَدٍ كَمَا
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350369قَالَتْ عَائِشَةُ : كَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ مَا شَاءَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ، وَهِيَ امْرَأَتُهُ إِذَا ارْتَجَعَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ، وَإِنْ طَلَّقَهَا مِائَةَ مَرَّةٍ ، أَوْ أَكْثَرَ ، حَتَّى قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ ، وَاللَّهِ لَا أُطَلِّقُكِ فَتَبِينِي مِنِّي ، وَلَا أُؤْوِيكِ أَبَدًا ، قَالَتْ : وَكَيْفَ ذَلِكَ ؟ قَالَ : أُطَلِّقُكِ فَكُلَّمَا هَمَّتْ عِدَّتُكِ أَنْ تَنْقَضِيَ رَاجَعْتُكِ : فَذَهَبَتِ الْمَرْأَةُ حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَأَخْبَرَتْهَا ، فَسَكَتَتْ عَائِشَةُ حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَتْهُ فَسَكَتَ ، حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) قَالَتْ : فَاسْتَأْنَفَ النَّاسُ الطَّلَاقَ مُسْتَقْبَلًا ، مَنْ كَانَ طَلَّقَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ طَلَّقَ رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ مُتَّصِلًا ، ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ
عُرْوَةَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ
عَائِشَةَ ، وَقَالَ هَذَا أَصَحُّ .
[ ص: 635 ] وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350370وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ " فَمَا أَصَحَّهُ مِنْ حَدِيثٍ ، وَمَا أَضْعَفَ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ عَلَى بُطْلَانِ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ ، وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ أَصْحَابُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ،
وَأَحْمَدَ بِأَنَّ " كَلِمَةَ اللَّهِ " هِيَ لَفْظُ الْإِنْكَاحِ .
[ ص: 636 ] وَالتَّزْوِيجِ اللَّذَيْنِ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ إِلَّا بِهِمَا . وَهَذَا جَوَابٌ فِي غَايَةِ الْوَهَنِ ، فَإِنَّ " كَلِمَةَ اللَّهِ " هِيَ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا ، وَلِهَذَا أُضِيفَتْ إِلَيْهِ .
وَأَمَّا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فَكَلِمَةُ الْمَخْلُوقِ ، فَلَا تُضَافُ إِلَى اللَّهِ ، وَإِلَّا كَانَ كُلُّ كَلَامٍ تَكَلَّمَ بِهِ الْعَبْدُ يُضَافُ إِلَى الرَّبِّ ، وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا ، فَإِنَّ كَلِمَةَ اللَّهِ كَسَمْعِ اللَّهِ ، وَبَصَرِهِ ، وَقُدْرَتِهِ ، وَحَيَاتِهِ وَعِلْمِهِ ، وَإِرَادَتِهِ ، وَمَشِيئَتِهِ ، كُلُّ ذَلِكَ لِلصِّفَاتِ الْقَائِمَةِ بِهِ ، لَا لِلْمَخْلُوقِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ .
وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا خِطَابٌ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا اسْتَحَلُّوا فُرُوجَ نِسَائِهِمْ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَإِبَاحَتِهِ .
أَمَّا الْمُبْتَدَأُ نِكَاحُهَا فِي الْإِسْلَامِ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا الْمُسْتَدَامُ نِكَاحُهَا فَإِنَّمَا اسْتُدِيمَ بِكَلِمَةِ اللَّهِ أَيْضًا ، فَلَا يَمَسُّ الْحَدِيثُ مَحَلَّ النِّزَاعِ بِوَجْهٍ .
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ : كُلُّ آيَةٍ أَبَاحَتِ النِّكَاحَ فِي الْقُرْآنِ فَالْخِطَابُ بِهَا لِلْمُسْلِمِينَ ، فَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ مِنْ أَعْجَبِ الْأَشْيَاءِ ، فَإِنَّ الْأُمَّةَ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ مَأْخُوذَةٌ بِأَحْكَامِهِ ، وَأَوَامِرِهِ ، وَنَوَاهِيهِ ، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَمَا أَقَرَّهُ الْقُرْآنُ فَهُوَ عَلَى مَا أَقَرَّهُ ، وَمَا غَيَّرَهُ وَأَبْطَلَهُ فَهُوَ كَمَا غَيَّرَهُ وَأَبْطَلَهُ ، فَأَيْنَ أَبْطَلَ الْقُرْآنُ نِكَاحَ الْكُفَّارِ ، وَلَمْ يُقِرَّهُمْ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ؟ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ ، وَالرَّهْنَ ، وَالْمُدَايَنَةَ ، وَالْقَرْضَ ، وَغَيْرَهَا مِنَ الْعُقُودِ إِنَّمَا خُوطِبَ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ ، فَهَلْ يَقُولُ أَحَدٌ : إِنَّهَا بَاطِلَةٌ مِنَ الْكُفَّارِ ؟ وَهَلِ النِّكَاحُ إِلَّا عَقْدٌ مِنْ عُقُودِهِمْ كَبِيَاعَاتِهِمْ ، وَإِجَارَاتِهِمْ ، وَرُهُونِهِمْ ، وَسَائِرِ عُقُودِهِمْ ؟ وَلَيْسَ النِّكَاحُ مِنْ قَبِيلِ الْعِبَادَاتِ الْمَحْضَةِ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا الْإِسْلَامُ ، كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ ، بَلْ هُوَ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي تَصِحُّ مِنَ الْمُسْلِمِ ، وَالْكَافِرِ .
[ ص: 637 ] وَأَمَّا قَوْلُهُمُ : الْمَسْأَلَةُ إِجْمَاعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ ، فَهُوَ ذَلِكَ الْأَثَرُ الَّذِي لَا يَصِحُّ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ فَأَيْنَ قَوْلُ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ، فَضْلًا عَنْ جَمِيعِهِمْ ؟
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ : كَيْفَ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ نِكَاحٍ عَرِيَ عَنِ الْوَلِيِّ ، وَالشُّهُودِ ، وَشُرُوطِ النِّكَاحِ ، فَمِنْ أَضْعَفِ الِاسْتِدْلَالِ ، فَإِنَّ هَذِهِ إِنَّمَا صَارَتْ شُرُوطًا بِالْإِسْلَامِ ، وَلَمْ تَكُنْ شُرُوطًا قَبْلَهُ حَتَّى نَحْكُمَ بِبُطْلَانِ كُلِّ نِكَاحٍ وَقَعَ قَبْلَهَا ، وَإِنَّمَا اشْتُرِطَتْ فِي الْإِسْلَامِ فِي حَقِّ مَنِ الْتَزَمَ الْإِسْلَامَ ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ فَإِنَّ حُكْمَ النِّكَاحِ بِدُونِهَا كَحُكْمِ مَا يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهُ مِنَ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي لَا مَسَاغَ لَهَا فِي الْإِسْلَامِ ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ مِنْهُمْ ، وَلَوْ أَسْلَمُوا وَقَدْ تَعَامَلُوا بِهَا وَتَقَايَضُوا لَمْ تُنْقَضْ وَأُمْضِيَتْ .
فَإِنْ قِيلَ : الْإِسْلَامُ صَحَّحَهَا لَهُمْ ، وَهَكَذَا صَحَّحَ النِّكَاحَ ، قُلْنَا : لَكِنَّ الْإِسْلَامَ لَمْ يُبْطِلْ تَرَتُّبَ آثَارِهَا عَلَيْهَا قَبْلَهُ ، فَيَجِبُ أَلَّا يُبْطِلَ تَرَتُّبَ آثَارِ النِّكَاحِ عَلَيْهِ مِنَ الطَّلَاقِ ، وَالظِّهَارِ ، وَالْإِيلَاءِ .
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُكُمْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350371أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِدُونِ إِذَنِ وَلَيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ " فَهَذَا عَجَبٌ مِنْكُمْ ، فَإِنَّهَا لَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا عِنْدَكُمْ ، فَإِنْ قُلْتُمُ : الْوَلِيُّ الْكَافِرُ كَلَا وَلِيٍّ ، قِيلَ : نَعَمْ ، هَذَا فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ ، فَأَمَّا الْكَافِرَةُ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=73وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) .
[ ص: 638 ] وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350368كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " فَفِي غَايَةِ الصِّحَّةِ ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ ضَعِيفٌ مِنْ وُجُوهٍ .
أَحَدُهَا : أَنَّ هَذَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَإِنَّا لَا نَرُدُّ عَلَيْهِمْ كُلَّ مَا خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّا نُقِرُّهُمْ عَلَى عُقُودِهِمُ الَّتِي يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهَا ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
الثَّانِي : أَنَّ إِقْرَارَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ عَلَى أَحْكَامِ هَذِهِ الْأَنْكِحَةِ هُوَ مِنْ أَمْرِ الشَّارِعِ ، وَلَا جَرَمَ مَا كَانَ مِنْهَا عَلَى غَيْرِ أَمْرِهِ فَهُوَ رَدٌّ ، كَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ ، وَمَا لَا يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهُ ، فَأَمَّا مَا اعْتَقَدُوا صِحَّتَهُ فَإِقْرَارُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِهِ .
الثَّالِثُ : أَنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى بُطْلَانِ أَنْكِحَتِهِمْ ، كَمَا لَمْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى بُطْلَانِ عُقُودِ مُعَاوَضَاتِهِمُ الَّتِي يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهَا ، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى غَيْرِ أَمْرِهِ .
وَأَمَّا اسْتِبْرَاءُ الْحَرْبِيَّةِ بِحَيْضَةٍ إِذَا سُبِيَتْ ، وَحُكْمُنَا بِزَوَالِ النِّكَاحِ ، فَلَيْسَ ذَلِكَ لِكَوْنِ أَنْكِحَتِهِمْ كَانَتْ بَاطِلَةً ، وَلَكِنْ لِتَجْدِيدِ الْمِلْكِ عَلَى زَوْجَتِهِ ، وَكَوْنِهَا صَارَتْ أَمَةً لِلثَّانِي ، وَاسْتَوْلَى عَلَى مَحَلِّ حَقِّ الْكَافِرِ وَأَزَالَهُ ، وَانْتَقَلَتْ مِنْ كَوْنِهَا زَوْجَةً إِلَى كَوْنِهَا أَمَةً رَقِيقَةً تُبَاعُ وَتُشْتَرَى .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ) فَلَمْ يَزِيدُوا بِذَلِكَ عَلَى كَوْنِهِمْ كُفَّارًا . وَمَنْ نَازَعَ فِي كُفْرِهِمْ حَتَّى يُحْتَجَّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ؟ وَهَلْ وَقَعَ النِّزَاعُ إِلَّا
[ ص: 639 ] فِي نِكَاحِ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ ؟ وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ كَمَا لَمْ يُؤَثِّرْ فِي بُطْلَانِ عُقُودِ مُعَاوَضَاتِهِ مِنَ الْبَيْعِ ، وَالشِّرَاءِ ، وَالْإِجَارَةِ ، وَالْقَرْضِ ، وَالسَّلَمِ ، وَالْجَعَالَةِ وَغَيْرِهَا لَمْ يُؤَثِّرْ فِي بُطْلَانِ نِكَاحِهِ .