[ ص: 1414 ] 277 - فصل
[ حجة الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في قتل الساب ]
الدليل الثالث : ما احتج به
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي على أن الذمي إذا سب قتل وبرئت منه الذمة ، وهو قصة
كعب بن الأشرف .
قال
الخطابي : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي :
nindex.php?page=treesubj&link=19105_26633يقتل الذمي إذا سب النبي صلى الله عليه وسلم وتبرأ منه الذمة .
واحتج في ذلك بخبر
كعب بن الأشرف .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في " الأم " : " لم يكن بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولا قربه رجل من أهل الكتاب إلا يهود
المدينة ، وكانوا حلفاء
الأنصار ، ولم يكن
الأنصار أجمعت أول ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إسلاما ، فوادعت
اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تخرج إلى شيء من عداوته بقول [ يظهر ] ولا فعل ، حتى كانت وقعة
بدر ، فتكلم بعضهم بعداوته والتحريض عليه ، فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم " .
ومعلوم أنه إنما أراد بهذا الكلام
كعب بن الأشرف ، وقصته مشهورة مستفيضة .
[ ص: 1415 ] وقد رواها
nindex.php?page=showalam&ids=16705عمرو بن دينار ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350628قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لكعب بن الأشرف ؟ فإنه قد آذى الله ورسوله " فقام محمد بن مسلمة فقال : أنا يا رسول الله ، أتحب أن أقتله ؟ قال : " نعم " . قال : فائذن لي أن أقول شيئا ، قال : " قل " .
فأتاه وذكره ما بينهم ، قال : إن هذا الرجل قد أراد الصدقة وعنانا فلما سمعه قال : وأيضا والله لتملنه ، قال : إنا قد اتبعناه الآن ، ونكره أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره . قال : وقد أردت أن تسلفني سلفا ، قال : فما ترهنونني ؟ نساءكم ؟ قال : أنت أجمل العرب ، أنرهنك نساءنا ؟ قال : ترهنون إلي أولادكم ؟ قال : يسب ابن أحدنا فيقال : رهنت في وسقين من تمر ، ولكن نرهنك اللأمة - يعني السلاح - قال : [ ص: 1416 ] نعم ؛ وواعده أن يأتيه بالحارث وأبي عبس بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=4582وعباد بن بشر ، فجاءوا فدعوه ليلا فنزل إليهم .
قال سفيان : قال غير عمرو : قالت له امرأته : إني لأسمع صوتا كأنه صوت دم ، قال : إنما هو محمد ورضيعه أبو نائلة ، إن الكريم لو دعي إلى طعنة ليلا لأجاب .
فقال محمد : إني إذا جاء سوف أمد يدي إلى رأسه فإذا استمكنت منه فدونكم ، فنزل وهو متوشح فقال : أنجد منك ريح الطيب ؟
[ ص: 1417 ] قال : نعم ، تحتي فلانة أعطر نساء العرب .
قال : أفتأذن لي أن أشم منه ؟
قال : نعم ، فشم ثم قال : أتأذن لي أن أعود ؟ قال : فاستمكن منه ثم قال : دونكم فقتلوه . متفق عليه .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12427ابن أبي أويس ، عن
إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمة ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله :
أن كعب بن الأشرف عاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يعين عليه ولا يقاتله ، ولحق بمكة ثم قدم المدينة معلنا بمعاداة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان أول ما خزع عنه قوله :
أذاهب أنت لم تحلل [ بمنقمة ] وتارك أنت أم الفضل بالحرم
في أبيات يهجوه فيها ، فعند ذلك ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قتله .
وهذا محفوظ عن
nindex.php?page=showalam&ids=12427ابن أبي أويس ، رواه
الخطابي وغيره .
[ ص: 1418 ] وقال : قوله " خزع " معناه قطع عهده .
وفي رواية غيره : فخزع منه هجاؤه له فأمر بقتله .
والخزع القطع ، يقال : " خزع فلان عن أصحابه يخزع خزعا ؛ أي : انقطع وتخلف ، ومنه سميت "
خزاعة " لأنهم انخزعوا عن أصحابهم وأقاموا
بمكة " .
فعلى اللفظ الأول يكون التقدير : وهذا أول خزعه عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أي : أول انقطاعه عنه بنقض العهد .
وعلى الثاني قيل : المعنى قطع هجاءه للنبي صلى الله عليه وسلم منه ؛ أي : نقض عهده وذمته .
وقيل : معناه خزع من النبي صلى الله عليه وسلم هجاه : أي : نال منه وشعث منه .
وقد ذكر أهل المغازي والتفسير - مثل
محمد بن إسحاق - أن
كعب بن الأشرف كان موادعا للنبي صلى الله عليه وسلم في جملة من وادعه من يهود
المدينة ، وكان عربيا من
بني طيئ ، وكانت أمه من
بني النضير .
[ ص: 1419 ] قالوا : فلما قتل أهل
بدر شق ذلك عليه ، وذهب إلى
مكة ورثاهم
لقريش ، وفضل دين الجاهلية على دين الإسلام حتى أنزل الله فيه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=51ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=52أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ) ثم لما رجع إلى
المدينة أخذ
nindex.php?page=treesubj&link=19105_29284ينشد الأشعار [ يهجو بها النبي صلى الله عليه وسلم ] ويشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم ، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350628nindex.php?page=treesubj&link=30725من لكعب بن الأشرف ؟ فإنه قد آذى الله ورسوله " . وذكروا قصة قتله مبسوطة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي : حدثني
عبد الحميد بن جعفر ، عن
يزيد بن رومان ومعمر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن [
ابن ] كعب بن مالك ،
وإبراهيم بن جعفر ، عن أبيه ، عن
جابر ، وذكر القصة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350639ففزعت يهود ومن معها من المشركين ، [ ص: 1420 ] فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين أصبحوا فقالوا : قد طرق صاحبنا الليلة وهو سيد من ساداتنا ، [ قتل غيلة ] بلا جرم ولا حدث علمناه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه لو قر كما قر غيره ممن هو على مثل رأيه ما اغتيل ، ولكنه نال منا الأذى وهجانا بالشعر ، ولم يفعل هذا أحد منكم إلا كان للسيف " . ودعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يكتب بينهم كتابا ينتهون إلى ما فيه ، فكتبوا بينه وبينهم كتابا تحت العذق في دار رملة بنت الحارث ، فحذرت يهود وخافت وذلت من يوم nindex.php?page=treesubj&link=30725_29346قتل ابن الأشرف .
[ ص: 1421 ] [ ص: 1422 ] فإن قيل : لا نسلم أن
كعبا كان من أهل العهد بل كان حربيا ، وعلى تقدير كونه من أهل العهد فإنه لم يبح دمه بالسب بل بلحوقه دار الحرب ، فإنه لحق
بمكة وهي دار حرب إذ ذاك ، فهذا الذي أباح دمه .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16893محمد بن أبي عدي ، عن
داود ، عن
عكرمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : لما قدم
كعب بن الأشرف مكة قالت
قريش : " ألا ترى إلى هذا الصنبر المنبتر عن قومه ، يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة وأهل السقاية ، قال : أنتم خير ، قال : فنزل فيهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=3إن شانئك هو الأبتر ) قال : وأنزلت فيه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=51ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ) إلى قوله : ( نصيرا )
[ ص: 1423 ] وقال
أحمد : حدثنا
عبد الرزاق قال : قال
معمر : أخبرني
أيوب ، عن
عكرمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن
كعب بن الأشرف انطلق إلى المشركين من كفار
قريش فاستجاشهم على النبي صلى الله عليه وسلم ، [ وأمرهم ] أن يغزوه ، وقال لهم : إنا معكم ، فقالوا : إنكم أهل كتاب وهو صاحب كتاب ،
[ ص: 1424 ] ولا نأمن أن يكون مكرا منكم ، فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين وآمن بهما ، ففعل ، ثم قالوا له : نحن أهدى أم
محمد ؟ نحن نصل الرحم ونقري الضيف ونطوف بالبيت وننحر الكوم ونسقي اللبن على الماء ،
ومحمد قطع رحمه وخرج من بلده ، فقال : بل أنتم خير وأهدى ، قال : فنزلت فيه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=51ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا )
وقال : حدثنا [
عبد الرزاق ] ، حدثنا
إسرائيل ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن
أبي مالك قال : إن أهل
مكة قالوا
لكعب بن الأشرف لما قدم عليهم : ديننا خير أم دين
محمد ؟ قالوا : اعرضوا علي دينكم ، قالوا : نعمر بيت ربنا وننحر الكوماء ونسقي الحاج الماء ونصل الرحم ونقري الضيف ، قال : دينكم خير من دين
محمد ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية .
[ ص: 1425 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350640كان كعب بن الأشرف اليهودي - وهو أحد بني النضير [ وقيمهم ] - قد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجاء ، وركب إلى قريش فقدم عليهم ، [ فاستغواهم ] بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال [ له ] أبو سفيان : أناشدك الله ، أديننا أحب إلى الله أم دين محمد وأصحابه ؟ وأينا أهدى في رأيك وأقرب إلى الحق ؟ فإنا نطعم الجزور الكوماء ونسقي اللبن على الماء ونطعم ما هبت الشمال . قال ابن الأشرف : أنتم أهدى منهم سبيلا ، ثم خرج مقبلا حين أجمع رأي المشركين على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم معلنا بعداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهجائه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لنا من ابن الأشرف ؟ قد استعلن بعداوتنا وهجائنا ، وقد خرج إلى قريش فجمعهم على قتالنا ، وقد أخبرني الله بذلك ، ثم قدم على أخبث [ ص: 1426 ] ما كان [ ينتظر ] قريشا أن تقدم فيقاتلنا معهم " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين ما أنزل فيه : ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=23ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ) إلى قوله : ( سبيلا ) وآيات معها فيه وفي قريش ، وذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم [ اكفني ] ابن الأشرف بما شئت " فقال له محمد بن مسلمة : أنا يا رسول الله ، أقتله ؟ . . . وذكر القصة في قتله ، قال : فقتل الله
ابن الأشرف بعداوته لله ورسوله وهجائه إياه وتأليبه عليه
قريشا وإعلانه بذلك .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : كان من حديث
كعب بن الأشرف أنه لما أصيب
[ ص: 1427 ] أصحاب
بدر وقدم
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة إلى أهل السافلة
nindex.php?page=showalam&ids=82وعبد الله بن رواحة إلى أهل العالية بشيرين ، بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من
بالمدينة من المسلمين بفتح الله عليه وقتل من قتل من المشركين ، كما حدثني
عبد الله بن المغيث بن أبي بردة الظفري وعبد الله بن أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=16276وعاصم بن عمر بن قتادة وصالح بن أبي أمامة بن سهل ، كل واحد قد حدثني بعض حديثه .
قالوا :
كان كعب بن الأشرف من طيئ ثم أحد بني نبهان ، وكانت أمه من بني النضير ، فقال حين بلغه الخبر : أحق هذا الذي يروون أن محمدا قتل هؤلاء الذين سمى هذان الرجلان ؟ - يعني زيدا nindex.php?page=showalam&ids=82وعبد الله بن رواحة - هؤلاء أشراف العرب وملوك الناس ، والله إن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها ، فلما تيقن عدو الله الخبر خرج حتى قدم مكة ونزل على المطلب بن أبي وداعة السهمي وعنده عاتكة بنت [ ص: 1428 ] أبي العيص بن أمية ، فأنزلته وأكرمته [ وجعل يحرض ] على رسول الله صلى الله عليه وسلم [ وينشد ] الأشعار ، [ ويبكي ] أصحاب القليب من قريش الذين أصيبوا ببدر ، وذكر شعره وما رد عليه حسان وغيره ، ثم رجع كعب بن الأشرف إلى المدينة يشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما حدثني عبد الله بن أبي المغيث - : " من لي من ابن الأشرف ؟ " فقال محمد بن مسلمة : أنا لك به يا رسول الله ، أنا أقتله وذكر القصة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي : حدثني
عبد الحميد بن جعفر ، عن
يزيد بن رومان [ ص: 1429 ] ومعمر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن
ابن كعب بن مالك وإبراهيم بن جعفر ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، فكل قد حدثني منه بطائفة ، وكان الذي اجتمعوا لنا عليه قالوا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350642كان كعب بن الأشرف شاعرا ، وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويحرض عليهم كفار قريش في شعره ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وأهلها أخلاط : منهم المسلمون الذين تجمعهم دعوة الإسلام ، فيهم أهل الحلقة والحصون ، ومنهم حلفاء الحيين جميعا الأوس والخزرج ، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة استصلاحهم كلهم وموادعتهم ، وكان الرجل يكون مسلما وأبوه مشركا فكان المشركون واليهود من أهل المدينة يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أذى شديدا ، فأمر الله نبيه والمسلمين بالصبر على ذلك والعفو عنهم ، وفيهم أنزل الله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=186ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ) وفيهم أنزل الله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا ) الآية .
[ ص: 1430 ] فلما أبى ابن الأشرف أن يدع عن أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذى المسلمين ، وقد بلغ منهم ، فلما قدم nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة بالبشارة من بدر بقتل المشركين وأسر من أسر منهم ، فرأى الأسارى مقرنين كبت وذل ، ثم قال لقومه : ويلكم ! لبطن الأرض خير لكم من ظهرها اليوم ، هؤلاء سراة الناس قد قتلوا وأسروا ، فما عندكم ؟ قالوا : عداوته ما حيينا ، فقال : وما أنتم وقد وطئ قومه وأصابهم ؟ ولكني أخرج إلى قريش فأحضها وأبكي قتلاها ، لعلهم ينتدبون فأخرج معهم ، فخرج حتى قدم مكة ووضع رحله عند أبي وداعة بن أبي صبرة السهمي وتحته عاتكة بنت أسيد بن أبي العيص ، فجعل يرثي قريشا . . . وذكر ما رثاهم به من الشعر وما أجابه حسان ، فأخبره بنزول كعب على من نزل ، فقال حسان ، فذكر شعرا هجا به أهل البيت الذين نزل فيهم .
قال : فلما بلغها شعره نبذت رحله وقالت : ما لنا ولهذا اليهودي ؟ ألا ترى ما يصنع بنا حسان ؟ فتحول ، فكلما تحول عند قوم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان ، فقال : " ابن الأشرف نزل على فلان " . فلا يزال [ ص: 1431 ] يهجوهم حتى ينبذوا رحله ، فلما لم يجد مأوى قدم المدينة فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم قدومه فقال : " اللهم اكفني ابن الأشرف بما شئت في إعلانه الشر وقوله الأشعار " .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لي من ابن الأشرف ؟ فقد [ آذاني ] فقال محمد بن مسلمة : أنا له يا رسول الله ، أنا أقتله ، قال : " فافعل " . وذكر الحديث .
فقد اجتمع
لابن الأشرف ذنوب منها : أنه رثى قتلى
قريش ، وحضهم على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم ، وواطأهم على ذلك ، وأعانهم على محاربته بإخباره أن دينهم خير من دينه ، وهجا النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين .
قلنا : الجواب من وجوه :
[ ص: 1432 ] أحدها : أن
كعبا كان له عهد من النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم جعله ناقضا للعهد بهجائه وأذاه بلسانه .
الثاني : أنا قد قدمنا في حديث
جابر أن أول
nindex.php?page=treesubj&link=8643_29284_30725ما نقض به العهد قصيدته التي أنشأها يهجو بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هجاه بهذه القصيدة ندب إلى قتله .
الثالث : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
لليهود لما جاءوا إليه في شأن قتله : "
إنه نال منا الأذى وهجانا بالشعر ، ولم يفعل هذا أحد منكم إلا كان للسيف " . وهذا نص في أن من فعل هذا فقد استحق السيف .
الرابع : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يندب إلى قتله لكونه ذهب إلى
مكة وفعل ما فعل هناك ، وإنما ندب إلى قتله لما قدم وهجاه ، كما جاء ذلك مفسرا في حديث
جابر المتقدم في قوله : " ثم قدم
المدينة معلنا بعداوة النبي صلى الله عليه وسلم " . ثم بين أن أول ما قطع به العهد تلك الأبيات التي قالها بعد الرجوع ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ ندب إلى قتله ، وكذلك في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة : "
من لنا من ابن الأشرف ؟ فقد استعلن بعداوتنا وهجائنا " .
ويؤيد ذلك شيئان :
أحدهما : أن
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة روى عن
nindex.php?page=showalam&ids=16705عمرو بن دينار ، عن
عكرمة [ ص: 1433 ] قال : جاء
حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف إلى أهل
مكة فقالوا : أنتم أهل الكتاب وأهل العلم فأخبرونا عنا وعن
محمد ، فقالوا : ما أنتم وما
محمد ؟ فقالوا : نحن نصل الأرحام وننحر الكوماء ونسقي الماء على اللبن ونفك العناة ونسقي الحجيج ،
ومحمد صنبور قطع أرحامنا واتبعه سراق الحجيج
بنو غفار ، فنحن خير أم هو ؟ فقالوا : بل أنتم خير وأهدى سبيلا ، فأنزل الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=44ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ) إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=52أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ) .
وكذلك قال
قتادة : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت في
كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب ، رجلين من
اليهود من
بني النضير أتيا
قريشا في الموسم ، فقال لهما المشركون : نحن أهدى من
محمد وأصحابه ، وهما يعلمان أنهما كاذبان ، إنما حملهما على ذلك حسد
محمد وأصحابه ، فأنزل الله فيهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=52أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ) فلما رجعا إلى قومهما قال لهما قومهما : إن
محمدا يزعم أنه قد نزل فيكم كذا وكذا ، قال : صدق والله ، ما حملنا على ذلك إلا حسده وبغضه .
[ ص: 1434 ] وهذان مرسلان من وجهين مختلفين ، فيهما أن كلا الرجلين ذهب إلى
مكة وقال ما قال ، ثم إنهما قدما فندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قتل
ابن الأشرف وأمسك عن
ابن أخطب ، حتى نقض
بنو النضير العهد فأجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم فلحق
بخيبر ، ثم جمع عليه الأحزاب ، فلما انهزموا دخل مع
بني قريظة حصنهم حتى قتله الله معهم ، فعلم أن الأمر الذي أتياه
بمكة لم يكن هو الموجب للندب إلى قتل
ابن الأشرف ، وإنما هو ما اختص به
ابن الأشرف من الهجاء ونحوه ، وإن كان ما فعله
بمكة مقويا لذلك ولكن مجرد الأذى لله ورسوله يوجب الندب إلى قتله كما نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350643فإنه قد آذى الله ورسوله " . وكما بينه
جابر في حديثه .
الوجه الخامس : أن
nindex.php?page=showalam&ids=12427ابن أبي أويس قال : حدثني
إبراهيم بن جعفر [ ص: 1435 ] الحارثي ، عن أبيه ، عن
جابر : " لما قال :
كان من أمر النبي صلى الله عليه وسلم وبني قريظة - كذا فيه ، قال شيخنا : أحسبه وبني قينقاع - اعتزل ابن الأشرف ولحق بمكة وكان فيها وقال : لا أعين عليه ولا أقاتله ، فقيل له بمكة : ديننا خير أم دين محمد وأصحابه ؟ قال : دينكم خير وأقدم من دين محمد ، ودين محمد حديث .
فهذا دليل على أنه لم يظهر محاربته .
الوجه السادس : أن جميع ما أتاه
ابن الأشرف إنما هو أذى باللسان ، فإن رثاءه لقتلى المشركين وتحضيضه على قتال النبي صلى الله عليه وسلم وسبه وطعنه في دين الإسلام وتفضيله دين الكفار عليه ، كله قول باللسان ولم يعمل عملا فيه محاربة .
ومن نازعنا في سب النبي صلى الله عليه وسلم ونحوه فهو فيما
nindex.php?page=treesubj&link=30725فعل كعب بن الأشرف من تفضيل دين الكفار وحضهم باللسان على قتل المسلمين أشد منازعة ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=8942الذمي إذا تجسس لأهل الحرب وأخبرهم بعورات المسلمين ودعا الكفار إلى قتالهم انتقض عهده أيضا كما ينتقض
[ ص: 1436 ] عهد الساب .
ومن قال : " إن الساب لا ينتقض عهده " فإنه يقول : لا ينتقض العهد بشيء من ذلك ، وهذا
ابن الأشرف لم يوجد منه إلا أذى باللسان فقط ، فهو حجة على من نازع في هذه المسائل ، ونحن نقول : إن ذلك كله نقض للعهد .
الوجه السابع : أن
nindex.php?page=treesubj&link=8630تفضيل دين الكفار على دين المؤمنين هو دون [ سب ] النبي صلى الله عليه وسلم بلا ريب ، فإن كون الشيء مفضولا أحسن حالا من كونه مسبوبا مشتوما ، فإن كان ذلك ناقضا للعهد فالسب بطريق الأولى .
وأما مرثيته للقتلى وحضهم على أخذ ثأرهم ، فأكثر ما فيه تهييج
قريش على المحاربة ،
وقريش كانوا قد أجمعوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم عقيب
بدر ، وأرصدوا العير التي كان فيها
أبو سفيان للنفقة على حربه ، فلم يحتاجوا في ذلك إلى كلام
ابن الأشرف .
نعم ، مرثيته وتفضيله ربما زادهم غيظا ومحاربة ، لكن سبه للنبي وهجاءه له ولدينه أيضا مما يهيجهم على المحاربة ويغريهم به ، فعلم أن الهجاء فيه من الفساد ما في غيره من الكلام وأبلغ ، فإذا كان غيره من الكلام نقضا فهو أن يكون نقضا أولى ، ولهذا
nindex.php?page=treesubj&link=19105_29284قتل النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من النسوة اللاتي كن يشتمنه ويهجينه مع عفوه عمن كانت تعين عليه وتحض على قتاله .
[ ص: 1437 ] الوجه الثامن : أن
كعب بن الأشرف لم يلحق بدار الحرب مستوطنا ، ولهذا قدم
المدينة وهي وطنه ، والذمي إذا سافر إلى دار الحرب ثم رجع إلى وطنه لم ينتقض عهده .
ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل
حيي بن أخطب وكان قد سافر معه إلى
مكة .
الوجه التاسع : أن ما ذكروه حجة لنا ، وذلك أنه قد اشتهر عند أهل العلم من وجوه كثيرة : أن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=44ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ) نزلت في
كعب بن الأشرف لما قاله
لقريش ، وقد أخبر الله سبحانه أنه لعنه ومن لعنه فلن تجد له نصيرا ، وذلك دليل على أنه لا عهد له ، فلو كان له عهد لكان يجب نصره على المسلمين ، فعلم أن مثل هذا الكلام يوجب انتقاض عهده وعدم ناصره ، فكيف بما هو أغلظ منه من شتم وسب ؟ وإنما لم يجعله النبي صلى الله عليه وسلم - والله أعلم - بمجرد ذلك ناقضا للعهد ؛ لأنه لم يعلن بهذا الكلام ولم يجهر به ، وإنما أعلم الله به رسوله وحيا كما تقدم في الأحاديث ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ أحدا من المسلمين والمعاهدين إلا بذنب ظاهر ، فلما رجع إلى
المدينة وأعلن الهجاء والعداوة استحق أن
nindex.php?page=treesubj&link=26633_8630يقتل لظهور أذاه وشهرته عند [ ص: 1438 ] الناس .
نعم ، من
nindex.php?page=treesubj&link=8630خيف منه الخيانة فإنه ينبذ إليه العهد ، أما إجراء حكم المحاربة عليه فلا يكون حتى يظهر المحاربة وتثبت عليه .
الوجه العاشر : أن النفر الخمسة الذين قتلوه وهم :
محمد بن مسلمة ،
وأبو نائلة ،
nindex.php?page=showalam&ids=4582وعباد بن بشر ،
والحارث بن أوس ،
nindex.php?page=showalam&ids=9953وأبو عبس بن جبر ، قد أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يخدعوه بكلام يظهرون به أنهم قد آمنوه ووافقوه ثم يقتلونه ، ومن المعلوم أن من أظهر لكافر أمانا لم يجز قتله بعد ذلك لأجل الكفر ، بل لو اعتقد الكافر الحربي أن المسلم آمنه صار مستأمنا ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350645من آمن رجلا على دمه وماله ثم قتله فأنا منه بريء ، وإن كان المقتول كافرا " . رواه
أحمد .
[ ص: 1439 ] وقال صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350646إذا آمنك الرجل على دمه فلا تقتله " رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه .
[ ص: 1440 ] وعن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350647 [ الإيمان ] قيد الفتك ، لا يقتل مؤمن " رواه أهل السنن .
وقد زعم
الخطابي أنهم إنما فتكوا به ؛ لأنه كان قد خلع الأمان ونقض العهد قبل هذا ، وزعم أن مثل هذا جائز من الكافر الذي لا عهد له ، كما جاز البيات والإغارة عليهم في أوقات الغرة ، لكن يقال : فهذا الكلام الذي كلموه به صار مستأمنا ، وأدنى أحواله أن يكون له شبهة أمان .
ومثل ذلك لا يجوز قتله لمجرد الكفر ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=8129الأمان يعصم دم الحربي ويصير مستأمنا بأقل من هذا كما هو معروف في مواضعه ، وإنما
nindex.php?page=treesubj&link=30725قتلوه لأجل هجائه وأذاه لله ورسوله ، ومن حل قتله بهذا الوجه لم يعصم دمه بأمان ولا بعهد كما لو آمن المسلم من وجب قتله لأجل قطع الطريق ومحاربة الله ورسوله والسعي في الأرض بالفساد الموجب للقتل ، أو آمن
[ ص: 1441 ] من وجب قتله لأجل زناه ، أو آمن من وجب قتله لأجل الردة ، أو لأجل ترك أركان الإسلام ونحو ذلك . ولا يجوز له أن يعقد له عهدا ، سواء كان عقد أمان أو عقد هدنة أو عقد ذمة ؛ لأن قتله حد من الحدود ، وليس قتله لمجرد كونه كافرا حربيا كما سنذكره .
أما الإغارة والبيات فليس هناك قول ولا فعل صاروا به آمنين ، ولا اعتقدوا أنهم قد أومنوا ، بخلاف قصة
كعب بن الأشرف ، فثبت أن أذى الله ورسوله بالهجاء ونحوه لا يحقن معه الدم بالأمان ، فلأن لا يحقن معه بالذمة المؤبدة والهدنة المؤقتة بطريق الأولى ، فإن الأمان يجوز عقده لكل كافر ويعقده كل مسلم ، ولا يشترط على المستأمن شيء من الشروط والذمة لا يعقدها إلا الإمام أو نائبه ، ولا يعقد إلا بشروط كثيرة تشرط على أهل الذمة من التزام الصغار ونحوه .
فإن قيل :
كعب بن الأشرف سب النبي صلى الله عليه وسلم بالهجاء والشعر وهو كلام موزون يحفظ ويروى وينشد بالأصوات والألحان ويشتهر بين الناس ، وذلك له من التأثير والأذى والصد عن سبيل الله ما ليس للكلام المنثور ، ولذلك
كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر حسان أن يهجوهم ويقول : " إنه أنكى فيهم من النبل " . فيؤثر هجاؤه فيهم أثرا عظيما يمتنعون به من أشياء لا يمتنعون عنها لو سبوا بكلام منثور أضعاف الشعر .
[ ص: 1442 ] وأيضا فإن
كعب بن الأشرف وأم الولد المتقدمة تكرر منهما سب النبي صلى الله عليه وسلم وأذاه ، والشيء إذا كثر واستمر صار له حال أخرى ليست له إذا انفرد ، وقد ذكرتم أن
الحنفية يجيزون قتل من كثر منه مثل هذه الجريمة ، وإن لم يجيزوا قتل من لم يتكرر منه ، فإذن ما دل عليه الحديث يمكن المخالف أن يقول به .
فالجواب من وجوه :
أحدها : أن هذا يقتل ؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=8640السب في الجملة من الذمي يقتضي إهدار دمه وانتقاض عهده ، ويبقى الكلام في الناقض للعهد : هل هو نوع خاص من السب - وهو ما كثر وغلظ - أو هو مطلق السب ؟ هذا نظر آخر ، فما كان مثل هذا السب وجب أن يقال : إنه مهدر لدم الذمي حتى لا يسوغ لأحد أن يخالف نص السنة ، فلو زعم زاعم أن شيئا من سب الذمي وأذاه لا يبيح دمه كان مخالفا للسنة الصحيحة الصريحة خلافا لا عذر فيه لأحد .
الوجه الثاني : لا ريب أن الجنس الموجب للعقوبة قد يتغلظ بعض أنواعه صفة أو قدرا ، أو صفة وقدرا ، فإنه ليس قتل واحد من الناس مثل قتل والد وعالم وصالح ، ولا ظلم بعض الناس مثل ظلم يتيم فقير بين أبوين صالحين ، وليست الجناية في الأوقات والأماكن والأحوال المشرفة كالحرم والإحرام والشهر الحرام كالجناية في غير ذلك .
[ ص: 1443 ] وكذلك مضت سنة الخلفاء الراشدين بتغليظ الدية إذا تغلظ القتل بأحد هذه الأسباب .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم - وقد قيل له :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347817أي الذنب أعظم ؟ - قال : " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " . قيل له : ثم أي ؟ قال : " أن تقتل ولدك خيفة أن يطعم معك " . قيل له : ثم أي ؟ قال : " أن تزاني حليلة جارك " . ولا شك أن من قطع الطريق مرات متعددة وسفك دم خلق من المسلمين وكثر منه أخذ الأموال كان جرمه أعظم من جرم من لم يتكرر منه ذلك ، ولا ريب أن من أكثر من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو نظم القصائد في سبه فإن جرمه أعظم من جرم من سبه بالكلمة الواحدة المنثورة ، بحيث يجب أن تكون إقامة الحد عليه أوكد ، والانتصار منه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب ، ولو كان المقل أهلا أن يعفى عنه لم يكن هذا أهلا لذلك .
لكن هذه الأدلة تدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=8642_8640جنس الأذى لله ورسوله ، ومطلق السب الظاهر مهدر لدم الذمي ناقض لعهده من وجوه :
أحدها : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350628من لكعب بن الأشرف ؟ فإنه قد آذى الله ورسوله " . وذلك اسم مطلق ليس مقيدا بنوع ولا قدر
[ ص: 1444 ] ولا تكرار ، ومعلوم أن قليل السب وكثيره ومنظومه ومنثوره أذى لله بلا ريب .
الوجه الثاني : أنه لو أراد التكرار والمبالغة لأتى بالاسم المفهم لذلك فقال : " فإنه قد بالغ في أذى الله ورسوله أو تكرر منه ، ونحو ذلك " وقد أوتي جوامع الكلم وهو المعصوم في غضبه ورضاه .
الوجه الثالث : قوله في الحديث الآخر : "
إنه نال منا الأذى وهجانا بالشعر ، ولا يفعل هذا أحد منكم إلا كان للسيف " . ولم يقيد ذلك بتكرار بل علقه بمجرد الفعل .
الوجه الرابع : أن
كعبا آذاه بكلامه المنظوم ،
واليهودية بكلامها المنثور ، وكلاهما أهدر دمه ، فعلم أن النظم ليس له تأثير في هذا الحكم ، والحكم إذا ثبت بدون الوصف كان عديم التأثير ، فلا يجوز أن يجعل جزءا من العلة .
الوجه الخامس : أن الجنس المبيح للدم لا فرق بين قليله وكثيره وغليظه وخفيفه في كونه مبيحا ، سواء كان قولا كالردة أو فعلا كالزنى والمحاربة ، وهذا قياس الأصول ، فمن زعم أن من الأقوال والأفعال ما يبيح الدم إذا كثر ولا يبيحه مع القلة فقوله مخالف لأصول الشرع .
[ ص: 1445 ] وأما ما ذهب إليه المنازع من جواز قتل من كثر منه القتل بالمثقل والفاحشة في الدبر دون من قل منه ذلك ، فالكلام معه فيه ، والباب واحد في الشريعة .
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350649أنه رضخ رأس يهودي رضخ رأس جارية لم ينكر منه ذلك الفعل .
وصح عنه في اللوطي : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10343402اقتلوا الفاعل والمفعول به " . ولم يعلق ذلك
[ ص: 1446 ] بتكرار ، وأصحابه من بعده أجمعوا قتله ولم يعتبروا تكرارا ، وإذا كانت الأصول المنصوصة والمجمع عليها قد سوت في إباحة الدم بين قليل الموجب وكثيره كان الفرق تحكما بلا أصل ولا نظير يوضحه .
الوجه السادس : أن ما ينقض من الأقوال والأعمال يستوي فيه الواحد والكثير ، فكذلك ما ينقض العهد .
الوجه السابع : أنه إذا أكثر من هذه الأقوال والأفعال ، فإما أن يقتل لأن جنسها مبيح للدم أو أن المبيح قدر مخصوص .
فإن كان الأول فهو المطلوب .
وإن كان الثاني فما حد ذلك المقدار المبيح للدم ؟ وليس لأحد أن يحد في ذلك حدا إلا بنص أو إجماع أو قياس عند من يرى القياس في
[ ص: 1447 ] المقدرات ، والكل منتف في ذلك ، فإنه ليس في الأصول قول أو فعل يبيح الدم منه عدد مخصوص ولا يبيحه أقل منه ، ولا ينتقض هذا بالقتل بالزنى ، وإنه لا يثبت إلا بإقرار أربع مرات عند من يقول به ، ولا بالقتل بالقسامة حيث لا يثبت إلا بعد خمسين يمينا عند من يرى القود بها ، ولا رجم الملاعنة حيث لا يثبت إلا بعد شهادة الزوج أربع مرات عند من يرى أنها ترجم بلعان الزوج ونكولها ، فإن المبيح للدم ليس هو الإقرار ولا الأيمان ، وإنما المبيح فعل الزنى وفعل القتل ، وإنما الإقرار والأيمان حجة ودليل على ثبوت ذلك .
ونحن لم ننازع في أن الحجج الشرعية لها نصب محدودة وإنما قلنا : إن نفس القول أو العمل المبيح للدم لا نصاب له في الشرع ، وإنما الحكم معلق بجنسه .
الوجه الثامن : أن القتل عند كثرة هذه الأشياء إما أن يكون حدا يجب فعله أو تعزيرا يرجع إلى رأي الإمام ، فإن كان الأول فلا بد من تحديد موجبه ، ولا حد له إلا تعليقه بالجنس ، والقول بما سوى ذلك تحكم .
وإن كان الثاني ، فليس في الأصول تعزير بالقتل فلا يجوز إثباته إلا بدليل يختصه ، والعمومات الواردة في ذلك مثل قوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350650لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث " تدل على ذلك أيضا .
[ ص: 1414 ] 277 - فَصْلٌ
[ حُجَّةُ الْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ فِي قَتْلِ السَّابِّ ]
الدَّلِيلُ الثَّالِثُ : مَا احْتَجَّ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الذِّمِّيَّ إِذَا سَبَّ قُتِلَ وَبَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ ، وَهُوَ قِصَّةُ
كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ .
قَالَ
الْخَطَّابِيُّ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ :
nindex.php?page=treesubj&link=19105_26633يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ إِذَا سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبْرَأُ مِنْهُ الذِّمَّةُ .
وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِخَبَرِ
كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ فِي " الْأُمِّ " : " لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا قُرْبَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا يَهُودَ
الْمَدِينَةِ ، وَكَانُوا حُلَفَاءَ
الْأَنْصَارِ ، وَلَمْ يَكُنِ
الْأَنْصَارُ أَجْمَعَتْ أَوَّلَ مَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِسْلَامًا ، فَوَادَعَتِ
الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ تَخْرُجْ إِلَى شَيْءٍ مِنْ عَدَاوَتِهِ بِقَوْلٍ [ يَظْهَرُ ] وَلَا فِعْلٍ ، حَتَّى كَانَتْ وَقْعَةُ
بَدْرٍ ، فَتَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ بِعَدَاوَتِهِ وَالتَّحْرِيضِ عَلَيْهِ ، فَقَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ " .
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِهَذَا الْكَلَامِ
كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ ، وَقِصَّتُهُ مَشْهُورَةٌ مُسْتَفِيضَةٌ .
[ ص: 1415 ] وَقَدْ رَوَاهَا
nindex.php?page=showalam&ids=16705عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350628قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ ؟ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ " فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " . قَالَ : فَائْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ شَيْئًا ، قَالَ : " قُلْ " .
فَأَتَاهُ وَذَكَّرَهُ مَا بَيْنَهُمْ ، قَالَ : إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ أَرَادَ الصَّدَقَةَ وَعَنَانَا فَلَمَّا سَمِعَهُ قَالَ : وَأَيْضًا وَاللَّهِ لَتَمَلُّنَّهُ ، قَالَ : إِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاهُ الْآنَ ، وَنَكْرَهُ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَصِيرُ أَمْرُهُ . قَالَ : وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ تُسْلِفَنِي سَلَفًا ، قَالَ : فَمَا تَرْهَنُونَنِي ؟ نِسَاءَكُمْ ؟ قَالَ : أَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ ، أَنَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا ؟ قَالَ : تَرْهَنُونَ إِلَيَّ أَوْلَادَكُمْ ؟ قَالَ : يُسَبُّ ابْنُ أَحَدِنَا فَيُقَالُ : رُهِنْتَ فِي وَسَقَيْنِ مِنْ تَمْرٍ ، وَلَكِنَّ نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ - يَعْنِي السِّلَاحَ - قَالَ : [ ص: 1416 ] نَعَمْ ؛ وَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ بِالْحَارِثِ وَأَبِي عَبْسِ بْنِ جُبَيْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=4582وَعَبَّادِ بْنِ بِشْرٍ ، فَجَاءُوا فَدَعُوهُ لَيْلًا فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ .
قَالَ سُفْيَانُ : قَالَ غَيْرُ عَمْرٍو : قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ : إِنِّي لَأَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ صَوْتُ دَمٍ ، قَالَ : إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدٌ وَرَضِيعُهُ أَبُو نَائِلَةَ ، إِنَّ الْكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ لَيْلًا لَأَجَابَ .
فَقَالَ مُحَمَّدٌ : إِنِّي إِذَا جَاءَ سَوْفَ أَمُدُّ يَدِي إِلَى رَأْسِهِ فَإِذَا اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَدُونَكُمْ ، فَنَزَلَ وَهُوَ مُتَوَشِّحٌ فَقَالَ : أَنَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الطِّيبِ ؟
[ ص: 1417 ] قَالَ : نَعَمْ ، تَحْتِي فُلَانَةُ أَعْطَرُ نِسَاءِ الْعَرَبِ .
قَالَ : أَفَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَشُمَّ مِنْهُ ؟
قَالَ : نَعَمْ ، فَشَمَّ ثُمَّ قَالَ : أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَعُودَ ؟ قَالَ : فَاسْتَمْكَنَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ : دُونَكُمْ فَقَتَلُوهُ . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12427ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ :
أَنَّ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ عَاهَدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَّا يُعِينَ عَلَيْهِ وَلَا يُقَاتِلَهُ ، وَلَحِقَ بِمَكَّةَ ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مُعْلِنًا بِمُعَادَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا خَزَعَ عَنْهُ قَوْلُهُ :
أَذَاهِبٌ أَنْتَ لَمْ تَحْلُلْ [ بِمَنْقَمَةٍ ] وَتَارِكٌ أَنْتَ أُمَّ الْفَضْلِ بِالْحَرَمِ
فِي أَبْيَاتٍ يَهْجُوهُ فِيهَا ، فَعِنْدَ ذَلِكَ نَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَتْلِهِ .
وَهَذَا مَحْفُوظٌ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12427ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ ، رَوَاهُ
الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ .
[ ص: 1418 ] وَقَالَ : قَوْلُهُ " خَزَعَ " مَعْنَاهُ قَطَعَ عَهْدَهُ .
وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ : فَخَزَعَ مِنْهُ هِجَاؤُهُ لَهُ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ .
وَالْخَزْعُ الْقَطْعُ ، يُقَالُ : " خَزَعَ فُلَانٌ عَنْ أَصْحَابِهِ يَخْزَعُ خَزْعًا ؛ أَيِ : انْقَطَعَ وَتَخَلَّفَ ، وَمِنْهُ سُمِّيَتْ "
خُزَاعَةٌ " لِأَنَّهُمُ انْخَزَعُوا عَنْ أَصْحَابِهِمْ وَأَقَامُوا
بِمَكَّةَ " .
فَعَلَى اللَّفْظِ الْأَوَّلِ يَكُونُ التَّقْدِيرُ : وَهَذَا أَوَّلُ خَزْعِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ أَيْ : أَوَّلُ انْقِطَاعِهِ عَنْهُ بِنَقْضِ الْعَهْدِ .
وَعَلَى الثَّانِي قِيلَ : الْمَعْنَى قَطَعَ هِجَاءَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ ؛ أَيْ : نَقَضَ عَهْدَهُ وَذِمَّتَهُ .
وَقِيلَ : مَعْنَاهُ خَزَعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَجَاهُ : أَيْ : نَالَ مِنْهُ وَشَعَّثَ مِنْهُ .
وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ الْمَغَازِي وَالتَّفْسِيرِ - مِثْلَ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ - أَنَّ
كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ كَانَ مُوَادِعًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جُمْلَةِ مَنْ وَادَعَهُ مَنْ يَهُودِ
الْمَدِينَةِ ، وَكَانَ عَرَبِيًّا مِنْ
بَنِي طَيِّئٍ ، وَكَانَتْ أُمُّهُ مِنْ
بَنِي النَّضِيرِ .
[ ص: 1419 ] قَالُوا : فَلَمَّا قُتِلَ أَهْلُ
بَدْرٍ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، وَذَهَبَ إِلَى
مَكَّةَ وَرَثَاهُمْ
لِقُرَيْشٍ ، وَفَضَّلَ دِينَ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=51أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=52أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ) ثُمَّ لَمَّا رَجَعَ إِلَى
الْمَدِينَةِ أَخَذَ
nindex.php?page=treesubj&link=19105_29284يُنْشِدُ الْأَشْعَارَ [ يَهْجُو بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] وَيُشَبِّبُ بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى آذَاهُمْ ، حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350628nindex.php?page=treesubj&link=30725مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ ؟ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ " . وَذَكَرُوا قِصَّةَ قَتْلِهِ مَبْسُوطَةً .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15472الْوَاقِدِيُّ : حَدَّثَنِي
عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ
يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ وَمَعْمَرٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيِّ ، عَنِ [
ابْنِ ] كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ،
وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ
جَابِرٍ ، وَذَكَرَ الْقِصَّةَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350639فَفَزِعَتْ يَهُودُ وَمَنْ مَعَهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، [ ص: 1420 ] فَجَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحُوا فَقَالُوا : قَدْ طَرَقَ صَاحِبُنَا اللَّيْلَةَ وَهُوَ سَيِّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا ، [ قُتِلَ غِيلَةً ] بِلَا جُرْمٍ وَلَا حَدَثٍ عَلِمْنَاهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّهُ لَوْ قَرَّ كَمَا قَرَّ غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِهِ مَا اغْتِيلَ ، وَلَكِنَّهُ نَالَ مِنَّا الْأَذَى وَهَجَانَا بِالشِّعْرِ ، وَلَمْ يَفْعَلْ هَذَا أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَّا كَانَ لِلسَّيْفِ " . وَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُمْ كِتَابًا يَنْتَهُونَ إِلَى مَا فِيهِ ، فَكَتَبُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كِتَابًا تَحْتَ الْعَذْقِ فِي دَارِ رَمْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ ، فَحَذِرَتْ يَهُودُ وَخَافَتْ وَذَلَّتْ مِنْ يَوْمِ nindex.php?page=treesubj&link=30725_29346قَتْلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ .
[ ص: 1421 ] [ ص: 1422 ] فَإِنْ قِيلَ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ
كَعْبًا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ بَلْ كَانَ حَرْبِيًّا ، وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ فَإِنَّهُ لَمْ يُبَحْ دَمُهُ بِالسَّبِّ بَلْ بِلُحُوقِهِ دَارَ الْحَرْبِ ، فَإِنَّهُ لَحِقَ
بِمَكَّةَ وَهِيَ دَارُ حَرْبٍ إِذْ ذَاكَ ، فَهَذَا الَّذِي أَبَاحَ دَمَهُ .
وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16893مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، عَنْ
دَاوُدَ ، عَنْ
عِكْرِمَةَ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَمَّا قَدِمَ
كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ مَكَّةَ قَالَتْ
قُرَيْشٌ : " أَلَا تَرَى إِلَى هَذَا الصُّنْبُرِ الْمُنْبَتِرِ عَنْ قَوْمِهِ ، يَزْعُمُ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنَّا وَنَحْنُ أَهْلُ الْحَجِيجِ وَأَهْلُ السَّدَانَةِ وَأَهْلُ السِّقَايَةِ ، قَالَ : أَنْتُمْ خَيْرٌ ، قَالَ : فَنَزَلَ فِيهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=3إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) قَالَ : وَأُنْزِلَتْ فِيهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=51أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا ) إِلَى قَوْلِهِ : ( نَصِيرًا )
[ ص: 1423 ] وَقَالَ
أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ : قَالَ
مَعْمَرٌ : أَخْبَرَنِي
أَيُّوبُ ، عَنْ
عِكْرِمَةَ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ
كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ انْطَلَقَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ كُفَّارِ
قُرَيْشٍ فَاسْتَجَاشَهُمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، [ وَأَمَرَهُمْ ] أَنْ يَغْزُوهُ ، وَقَالَ لَهُمْ : إِنَّا مَعَكُمْ ، فَقَالُوا : إِنَّكُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وَهُوَ صَاحِبُ كِتَابٍ ،
[ ص: 1424 ] وَلَا نَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ مَكْرًا مِنْكُمْ ، فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ نَخْرُجَ مَعَكَ فَاسْجُدْ لِهَذَيْنِ الصَّنَمَيْنِ وَآمِنْ بِهِمَا ، فَفَعَلَ ، ثُمَّ قَالُوا لَهُ : نَحْنُ أَهْدَى أَمْ
مُحَمَّدٌ ؟ نَحْنُ نَصِلُ الرَّحِمَ وَنُقْرِي الضَّيْفَ وَنَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَنَنْحَرُ الْكُومَ وَنَسْقِي اللَّبَنَ عَلَى الْمَاءِ ،
وَمُحَمَّدٌ قَطَعَ رَحِمَهُ وَخَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ ، فَقَالَ : بَلْ أَنْتُمْ خَيْرٌ وَأَهْدَى ، قَالَ : فَنَزَلَتْ فِيهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=51أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا )
وَقَالَ : حَدَّثَنَا [
عَبْدُ الرَّزَّاقِ ] ، حَدَّثَنَا
إِسْرَائِيلُ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ ، عَنْ
أَبِي مَالِكٍ قَالَ : إِنَّ أَهْلَ
مَكَّةَ قَالُوا
لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِمْ : دِينُنَا خَيْرٌ أَمْ دِينُ
مُحَمَّدٍ ؟ قَالُوا : اعْرِضُوا عَلَيَّ دِينَكُمْ ، قَالُوا : نُعَمِّرُ بَيْتَ رَبِّنَا وَنَنْحَرُ الْكَوْمَاءَ وَنَسْقِي الْحَاجَّ الْمَاءَ وَنَصِلُ الرَّحِمَ وَنُقْرِي الضَّيْفَ ، قَالَ : دِينُكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِ
مُحَمَّدٍ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ .
[ ص: 1425 ] قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17177مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيِّ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350640كَانَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ الْيَهُودِيُّ - وَهُوَ أَحَدُ بَنِي النَّضِيرِ [ وَقَيِّمُهُمْ ] - قَدْ آذَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهِجَاءِ ، وَرَكِبَ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ ، [ فَاسْتَغْوَاهُمْ ] بِهَمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ [ لَهُ ] أَبُو سُفْيَانَ : أُنَاشِدُكَ اللَّهَ ، أَدِينُنَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ أَمْ دِينُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ ؟ وَأَيُّنَا أَهْدَى فِي رَأْيِكَ وَأَقْرَبُ إِلَى الْحَقِّ ؟ فَإِنَّا نُطْعِمُ الْجَزُورَ الْكَوْمَاءَ وَنَسْقِي اللَّبَنَ عَلَى الْمَاءِ وَنُطْعِمُ مَا هَبَّتِ الشَّمَالُ . قَالَ ابْنُ الْأَشْرَفِ : أَنْتُمْ أَهْدَى مِنْهُمْ سَبِيلًا ، ثُمَّ خَرَجَ مُقْبِلًا حِينَ أَجْمَعَ رَأْيُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْلِنًا بِعَدَاوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِجَائِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ لَنَا مِنِ ابْنِ الْأَشْرَفِ ؟ قَدِ اسْتَعْلَنَ بِعَدَاوَتِنَا وَهِجَائِنَا ، وَقَدْ خَرَجَ إِلَى قُرَيْشٍ فَجَمَعَهُمْ عَلَى قِتَالِنَا ، وَقَدْ أَخْبَرَنِي اللَّهُ بِذَلِكَ ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَى أَخْبَثِ [ ص: 1426 ] مَا كَانَ [ يَنْتَظِرُ ] قُرَيْشًا أَنْ تَقْدَمَ فَيُقَاتِلَنَا مَعَهُمْ " ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا أُنْزِلَ فِيهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=23أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ ) إِلَى قَوْلِهِ : ( سَبِيلًا ) وَآيَاتٍ مَعَهَا فِيهِ وَفِي قُرَيْشٍ ، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " اللَّهُمَّ [ اكْفِنِي ] ابْنَ الْأَشْرَفِ بِمَا شِئْتَ " فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَقْتُلُهُ ؟ . . . وَذَكَرَ الْقِصَّةَ فِي قَتْلِهِ ، قَالَ : فَقَتَلَ اللَّهُ
ابْنَ الْأَشْرَفِ بِعَدَاوَتِهِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَهِجَائِهِ إِيَّاهُ وَتَأْلِيبِهِ عَلَيْهِ
قُرَيْشًا وَإِعْلَانِهِ بِذَلِكَ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ : كَانَ مِنْ حَدِيثِ
كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ أَنَّهُ لَمَّا أُصِيبَ
[ ص: 1427 ] أَصْحَابُ
بَدْرٍ وَقَدِمَ
nindex.php?page=showalam&ids=138زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ إِلَى أَهْلِ السَّافِلَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=82وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ إِلَى أَهْلِ الْعَالِيَةِ بَشِيرَيْنِ ، بَعَثَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَنْ
بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِفَتْحِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَتْلِ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، كَمَا حَدَّثَنِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغِيثِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الظَّفَرِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=16276وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَصَالِحُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ ، كُلُّ وَاحِدٍ قَدْ حَدَّثَنِي بَعْضَ حَدِيثِهِ .
قَالُوا :
كَانَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ مِنْ طَيِّئٍ ثُمَّ أَحَدَ بَنِي نَبْهَانَ ، وَكَانَتْ أُمُّهُ مَنْ بَنِي النَّضِيرِ ، فَقَالَ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ : أَحَقٌّ هَذَا الَّذِي يَرْوُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا قَتَلَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَمَّى هَذَانِ الرَّجُلَانِ ؟ - يَعْنِي زَيْدًا nindex.php?page=showalam&ids=82وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ - هَؤُلَاءِ أَشْرَافُ الْعَرَبِ وَمُلُوكُ النَّاسِ ، وَاللَّهِ إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ أَصَابَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ ظَهْرِهَا ، فَلَمَّا تَيَقَّنَ عَدُوُّ اللَّهِ الْخَبَرَ خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ وَنَزَلَ عَلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ السَّهْمِيِّ وَعِنْدَهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ [ ص: 1428 ] أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيَّةَ ، فَأَنْزَلَتْهُ وَأَكْرَمَتْهُ [ وَجَعَلَ يُحَرِّضُ ] عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ وَيُنْشِدُ ] الْأَشْعَارَ ، [ وَيَبْكِي ] أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ الَّذِينَ أُصِيبُوا بِبَدْرٍ ، وَذَكَرَ شِعْرَهُ وَمَا رَدَّ عَلَيْهِ حَسَّانُ وَغَيْرُهُ ، ثُمَّ رَجَعَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ إِلَى الْمَدِينَةِ يُشَبِّبُ بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى آذَاهُمْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْمُغِيثِ - : " مَنْ لِي مِنِ ابْنِ الْأَشْرَفِ ؟ " فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ : أَنَا لَكَ بِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنَا أَقْتُلُهُ وَذَكَرَ الْقِصَّةَ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15472الْوَاقِدِيُّ : حَدَّثَنِي
عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ
يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ [ ص: 1429 ] وَمَعْمَرٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيِّ ، عَنِ
ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَكُلٌّ قَدْ حَدَّثَنِي مِنْهُ بِطَائِفَةٍ ، وَكَانَ الَّذِي اجْتَمَعُوا لَنَا عَلَيْهِ قَالُوا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350642كَانَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ شَاعِرًا ، وَكَانَ يَهْجُو النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ وَيُحَرِّضُ عَلَيْهِمْ كُفَّارَ قُرَيْشٍ فِي شِعْرِهِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَأَهْلُهَا أَخْلَاطٌ : مِنْهُمُ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ تَجْمَعُهُمْ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ ، فِيهِمْ أَهْلُ الْحَلْقَةِ وَالْحُصُونِ ، وَمِنْهُمْ حُلَفَاءُ الْحَيَّيْنِ جَمِيعًا الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ اسْتِصْلَاحَهُمْ كُلَّهُمْ وَمُوَادَعَتَهُمْ ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَكُونُ مُسْلِمًا وَأَبُوهُ مُشْرِكًا فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ أَذًى شَدِيدًا ، فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَالْمُسْلِمِينَ بِالصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ وَالْعَفْوِ عَنْهُمْ ، وَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللَّهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=186وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) وَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللَّهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا ) الْآيَةَ .
[ ص: 1430 ] فَلَمَّا أَبَى ابْنُ الْأَشْرَفِ أَنْ يَدَعَ عَنْ أَذَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَذَى الْمُسْلِمِينَ ، وَقَدْ بَلَغَ مِنْهُمْ ، فَلَمَّا قَدِمَ nindex.php?page=showalam&ids=138زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بِالْبِشَارَةِ مِنْ بَدْرٍ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ وَأَسْرِ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ ، فَرَأَى الْأُسَارَى مُقَرَّنِينَ كُبِتَ وَذَلَّ ، ثُمَّ قَالَ لِقَوْمِهِ : وَيْلَكُمْ ! لَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا الْيَوْمَ ، هَؤُلَاءِ سُرَاةُ النَّاسِ قَدْ قُتِلُوا وَأُسِرُوا ، فَمَا عِنْدَكُمْ ؟ قَالُوا : عَدَاوَتُهُ مَا حَيِينَا ، فَقَالَ : وَمَا أَنْتُمْ وَقَدْ وَطِئَ قَوْمَهُ وَأَصَابَهُمْ ؟ وَلَكِنِّي أَخْرُجُ إِلَى قُرَيْشٍ فَأَحُضُّهَا وَأَبْكِي قَتْلَاهَا ، لَعَلَّهُمْ يَنْتَدِبُونَ فَأَخْرَجُ مَعَهُمْ ، فَخَرَجَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ وَوَضَعَ رَحْلَهُ عِنْدَ أَبِي وَدَاعَةَ بْنِ أَبِي صَبْرَةَ السَّهْمِيِّ وَتَحْتَهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ أُسَيْدِ بْنِ أَبِي الْعِيصِ ، فَجَعَلَ يَرْثِي قُرَيْشًا . . . وَذَكَرَ مَا رَثَاهُمْ بِهِ مِنَ الشِّعْرِ وَمَا أَجَابَهُ حَسَّانُ ، فَأَخْبَرَهُ بِنُزُولِ كَعْبٍ عَلَى مَنْ نَزَلَ ، فَقَالَ حَسَّانُ ، فَذَكَرَ شِعْرًا هَجَا بِهِ أَهْلَ الْبَيْتِ الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِمْ .
قَالَ : فَلَمَّا بَلَغَهَا شِعْرُهُ نَبَذَتْ رَحْلَهُ وَقَالَتْ : مَا لَنَا وَلِهَذَا الْيَهُودِيِّ ؟ أَلَا تَرَى مَا يَصْنَعُ بِنَا حَسَّانُ ؟ فَتَحَوَّلَ ، فَكُلَّمَا تَحَوَّلَ عِنْدَ قَوْمٍ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَّانَ ، فَقَالَ : " ابْنُ الْأَشْرَفِ نَزَلَ عَلَى فُلَانٍ " . فَلَا يَزَالُ [ ص: 1431 ] يَهْجُوهُمْ حَتَّى يَنْبِذُوا رَحْلَهُ ، فَلَمَّا لَمْ يَجِدْ مَأْوًى قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُدُومُهُ فَقَالَ : " اللَّهُمَّ اكْفِنِي ابْنَ الْأَشْرَفِ بِمَا شِئْتَ فِي إِعْلَانِهِ الشَّرَّ وَقَوْلِهِ الْأَشْعَارَ " .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ لِي مِنِ ابْنِ الْأَشْرَفِ ؟ فَقَدَ [ آذَانِي ] فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ : أَنَا لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنَا أَقْتُلُهُ ، قَالَ : " فَافْعَلْ " . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ .
فَقَدِ اجْتَمَعَ
لِابْنِ الْأَشْرَفِ ذُنُوبٌ مِنْهَا : أَنَّهُ رَثَى قَتْلَى
قُرَيْشٍ ، وَحَضَّهُمْ عَلَى مُحَارَبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَوَاطَأَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى مُحَارَبَتِهِ بِإِخْبَارِهِ أَنَّ دِينَهُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ ، وَهَجَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ .
قُلْنَا : الْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ :
[ ص: 1432 ] أَحَدُهَا : أَنَّ
كَعْبًا كَانَ لَهُ عَهْدٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَهُ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ بِهِجَائِهِ وَأَذَاهُ بِلِسَانِهِ .
الثَّانِي : أَنَّا قَدْ قَدَّمْنَا فِي حَدِيثِ
جَابِرٍ أَنَّ أَوَّلَ
nindex.php?page=treesubj&link=8643_29284_30725مَا نَقَضَ بِهِ الْعَهْدَ قَصِيدَتُهُ الَّتِي أَنْشَأَهَا يَهْجُو بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا هَجَاهُ بِهَذِهِ الْقَصِيدَةِ نَدَبَ إِلَى قَتْلِهِ .
الثَّالِثُ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
لِلْيَهُودِ لَمَّا جَاءُوا إِلَيْهِ فِي شَأْنِ قَتْلِهِ : "
إِنَّهُ نَالَ مِنَّا الْأَذَى وَهَجَانَا بِالشِّعْرِ ، وَلَمْ يَفْعَلْ هَذَا أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَّا كَانَ لِلسَّيْفِ " . وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ مَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدَ اسْتَحَقَّ السَّيْفَ .
الرَّابِعُ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْدُبْ إِلَى قَتْلِهِ لِكَوْنِهِ ذَهَبَ إِلَى
مَكَّةَ وَفَعَلَ مَا فَعَلَ هُنَاكَ ، وَإِنَّمَا نَدَبَ إِلَى قَتْلِهِ لَمَّا قَدِمَ وَهَجَاهُ ، كَمَا جَاءَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثِ
جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ : " ثُمَّ قَدِمَ
الْمَدِينَةَ مُعْلِنًا بِعَدَاوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " . ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ أَوَّلَ مَا قَطَعَ بِهِ الْعَهْدَ تِلْكَ الْأَبْيَاتُ الَّتِي قَالَهَا بَعْدَ الرُّجُوعِ ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ نَدَبَ إِلَى قَتْلِهِ ، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=17177مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ : "
مَنْ لَنَا مِنِ ابْنِ الْأَشْرَفِ ؟ فَقَدِ اسْتَعْلَنَ بِعَدَاوَتِنَا وَهِجَائِنَا " .
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ شَيْئَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16008سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ رَوَى عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16705عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ
عِكْرِمَةَ [ ص: 1433 ] قَالَ : جَاءَ
حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَكَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ إِلَى أَهْلِ
مَكَّةَ فَقَالُوا : أَنْتُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ وَأَهْلُ الْعِلْمِ فَأَخْبِرُونَا عَنَّا وَعَنْ
مُحَمَّدٍ ، فَقَالُوا : مَا أَنْتُمْ وَمَا
مُحَمَّدٌ ؟ فَقَالُوا : نَحْنُ نَصِلُ الْأَرْحَامَ وَنَنْحَرُ الْكَوْمَاءَ وَنَسْقِي الْمَاءَ عَلَى اللَّبَنِ وَنَفُكُّ الْعُنَاةَ وَنَسْقِي الْحَجِيجَ ،
وَمُحَمَّدٌ صُنْبُورٌ قَطَّعَ أَرْحَامَنَا وَاتَّبَعَهُ سُرَّاقُ الْحَجِيجِ
بَنُو غِفَارٍ ، فَنَحْنُ خَيْرٌ أَمْ هُوَ ؟ فَقَالُوا : بَلْ أَنْتُمْ خَيْرٌ وَأَهْدَى سَبِيلًا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=44أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ ) إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=52أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ) .
وَكَذَلِكَ قَالَ
قَتَادَةُ : ذَكَرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي
كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ ، رَجُلَيْنِ مِنَ
الْيَهُودِ مِنْ
بَنِي النَّضِيرِ أَتَيَا
قُرَيْشًا فِي الْمَوْسِمِ ، فَقَالَ لَهُمَا الْمُشْرِكُونَ : نَحْنُ أَهْدَى مِنْ
مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ ، وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُمَا كَاذِبَانِ ، إِنَّمَا حَمَلَهُمَا عَلَى ذَلِكَ حَسَدُ
مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=52أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ) فَلَمَّا رَجَعَا إِلَى قَوْمِهِمَا قَالَ لَهُمَا قَوْمُهُمَا : إِنَّ
مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ نَزَلَ فِيكُمْ كَذَا وَكَذَا ، قَالَ : صَدَقَ وَاللَّهِ ، مَا حَمَلَنَا عَلَى ذَلِكَ إِلَّا حَسَدُهُ وَبُغْضُهُ .
[ ص: 1434 ] وَهَذَانِ مُرْسَلَانِ مِنْ وَجْهَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ، فِيهِمَا أَنَّ كِلَا الرَّجُلَيْنِ ذَهَبَ إِلَى
مَكَّةَ وَقَالَ مَا قَالَ ، ثُمَّ إِنَّهُمَا قَدِمَا فَنَدَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَتْلِ
ابْنِ الْأَشْرَفِ وَأَمْسَكَ عَنِ
ابْنِ أَخْطَبَ ، حَتَّى نَقَضَ
بَنُو النَّضِيرِ الْعَهْدَ فَأَجْلَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَحِقَ
بِخَيْبَرَ ، ثُمَّ جَمَعَ عَلَيْهِ الْأَحْزَابَ ، فَلَمَّا انْهَزَمُوا دَخَلَ مَعَ
بَنِي قُرَيْظَةَ حِصْنَهُمْ حَتَّى قَتَلَهُ اللَّهُ مَعَهُمْ ، فَعَلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي أَتَيَاهُ
بِمَكَّةَ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمُوجِبَ لِلنَّدْبِ إِلَى قَتْلِ
ابْنِ الْأَشْرَفِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مَا اخْتَصَّ بِهِ
ابْنُ الْأَشْرَفِ مِنَ الْهِجَاءِ وَنَحْوِهِ ، وَإِنْ كَانَ مَا فَعَلَهُ
بِمَكَّةَ مُقَوِّيًا لِذَلِكَ وَلَكِنْ مُجَرَّدُ الْأَذَى لِلَّهِ وَرَسُولِهِ يُوجِبُ النَّدْبَ إِلَى قَتْلِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350643فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ " . وَكَمَا بَيَّنَهُ
جَابِرٌ فِي حَدِيثِهِ .
الْوَجْهُ الْخَامِسُ : أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=12427ابْنَ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ : حَدَّثَنِي
إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ [ ص: 1435 ] الْحَارِثِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ
جَابِرٍ : " لَمَّا قَالَ :
كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَنِي قُرَيْظَةَ - كَذَا فِيهِ ، قَالَ شَيْخُنَا : أَحْسَبُهُ وَبَنِي قَيْنُقَاعَ - اعْتَزَلَ ابْنُ الْأَشْرَفِ وَلَحِقَ بِمَكَّةَ وَكَانَ فِيهَا وَقَالَ : لَا أُعِينُ عَلَيْهِ وَلَا أُقَاتِلُهُ ، فَقِيلَ لَهُ بِمَكَّةَ : دِينُنَا خَيْرٌ أَمْ دِينُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ ؟ قَالَ : دِينُكُمْ خَيْرٌ وَأَقْدَمُ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ ، وَدِينُ مُحَمَّدٍ حَدِيثٌ .
فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُظْهِرْ مُحَارَبَتَهُ .
الْوَجْهُ السَّادِسُ : أَنَّ جَمِيعَ مَا أَتَاهُ
ابْنُ الْأَشْرَفِ إِنَّمَا هُوَ أَذًى بِاللِّسَانِ ، فَإِنَّ رِثَاءَهُ لِقَتْلَى الْمُشْرِكِينَ وَتَحْضِيضَهُ عَلَى قِتَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَبَّهُ وَطَعْنَهُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ وَتَفْضِيلَهُ دِينَ الْكُفَّارِ عَلَيْهِ ، كُلُّهُ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَلَمْ يَعْمَلْ عَمَلًا فِيهِ مُحَارَبَةٌ .
وَمَنْ نَازَعَنَا فِي سَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْوِهِ فَهُوَ فِيمَا
nindex.php?page=treesubj&link=30725فَعَلَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ مِنْ تَفْضِيلِ دِينِ الْكُفَّارِ وَحَضِّهِمْ بِاللِّسَانِ عَلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِينَ أَشَدُّ مُنَازَعَةً ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=8942الذِّمِّيَّ إِذَا تَجَسَّسَ لِأَهْلِ الْحَرْبِ وَأَخْبَرَهُمْ بِعَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَدَعَا الْكُفَّارَ إِلَى قِتَالِهِمُ انْتَقَضَ عَهْدُهُ أَيْضًا كَمَا يَنْتَقِضُ
[ ص: 1436 ] عَهْدُ السَّابِّ .
وَمَنْ قَالَ : " إِنَّ السَّابَّ لَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُ " فَإِنَّهُ يَقُولُ : لَا يَنْتَقِضُ الْعَهْدُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَهَذَا
ابْنُ الْأَشْرَفِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إِلَّا أَذًى بِاللِّسَانِ فَقَطْ ، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ نَازَعَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ ، وَنَحْنُ نَقُولُ : إِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ نَقْضٌ لِلْعَهْدِ .
الْوَجْهُ السَّابِعُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=8630تَفْضِيلَ دِينِ الْكُفَّارِ عَلَى دِينِ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ دُونَ [ سَبِّ ] النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا رَيْبٍ ، فَإِنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ مَفْضُولًا أَحْسَنُ حَالًا مِنْ كَوْنِهِ مَسْبُوبًا مَشْتُومًا ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ فَالسَّبُّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى .
وَأَمَّا مَرْثِيَّتُهُ لِلْقَتْلَى وَحَضُّهُمْ عَلَى أَخْذِ ثَأْرِهِمْ ، فَأَكْثَرُ مَا فِيهِ تَهْيِيجُ
قُرَيْشٍ عَلَى الْمُحَارَبَةِ ،
وَقُرَيْشٌ كَانُوا قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى مُحَارَبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقِيبَ
بَدْرٍ ، وَأَرْصَدُوا الْعِيرَ الَّتِي كَانَ فِيهَا
أَبُو سُفْيَانَ لِلنَّفَقَةِ عَلَى حَرْبِهِ ، فَلَمْ يَحْتَاجُوا فِي ذَلِكَ إِلَى كَلَامِ
ابْنِ الْأَشْرَفِ .
نَعَمْ ، مَرْثِيَّتُهُ وَتَفْضِيلُهُ رُبَّمَا زَادَهُمْ غَيْظًا وَمُحَارَبَةً ، لَكِنَّ سَبَّهُ لِلنَّبِيِّ وَهِجَاءَهُ لَهُ وَلِدِينِهِ أَيْضًا مِمَّا يُهَيِّجُهُمْ عَلَى الْمُحَارَبَةِ وَيُغْرِيهِمْ بِهِ ، فَعُلِمَ أَنَّ الْهِجَاءَ فِيهِ مِنَ الْفَسَادِ مَا فِي غَيْرِهِ مِنَ الْكَلَامِ وَأَبْلَغُ ، فَإِذَا كَانَ غَيْرُهُ مِنَ الْكَلَامِ نَقْضًا فَهُوَ أَنْ يَكُونَ نَقْضًا أَوْلَى ، وَلِهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=19105_29284قَتَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةً مِنَ النِّسْوَةِ اللَّاتِي كُنَّ يَشْتُمْنَهُ وَيَهْجِينَهُ مَعَ عَفْوِهِ عَمَّنْ كَانَتْ تُعِينُ عَلَيْهِ وَتَحُضُّ عَلَى قِتَالِهِ .
[ ص: 1437 ] الْوَجْهُ الثَّامِنُ : أَنَّ
كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ لَمْ يَلْحَقْ بِدَارِ الْحَرْبِ مُسْتَوْطِنًا ، وَلِهَذَا قَدِمَ
الْمَدِينَةَ وَهِيَ وَطَنُهُ ، وَالذِّمِّيُّ إِذَا سَافَرَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى وَطَنِهِ لَمْ يَنْتَقِضْ عَهْدُهُ .
وَلِهَذَا لَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ
حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَكَانَ قَدْ سَافَرَ مَعَهُ إِلَى
مَكَّةَ .
الْوَجْهُ التَّاسِعُ : أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ حُجَّةٌ لَنَا ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدِ اشْتُهِرَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ : أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=44أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ ) نَزَلَتْ فِي
كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ لِمَا قَالَهُ
لِقُرَيْشٍ ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَعَنَهُ وَمَنْ لَعَنَهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا عَهْدَ لَهُ ، فَلَوْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ لَكَانَ يَجِبُ نَصْرُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، فَعُلِمَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ يُوجِبُ انْتِقَاضَ عَهْدِهِ وَعَدَمِ نَاصِرِهِ ، فَكَيْفَ بِمَا هُوَ أَغْلَظُ مِنْهُ مِنْ شَتْمٍ وَسَبٍّ ؟ وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلِنْ بِهَذَا الْكَلَامِ وَلَمْ يَجْهَرْ بِهِ ، وَإِنَّمَا أَعْلَمَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ وَحْيًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ ، وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُعَاهِدِينَ إِلَّا بِذَنْبٍ ظَاهِرٍ ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى
الْمَدِينَةِ وَأَعْلَنَ الْهِجَاءَ وَالْعَدَاوَةَ اسْتَحَقَّ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=26633_8630يُقْتَلَ لِظُهُورِ أَذَاهُ وَشُهْرَتِهِ عِنْدَ [ ص: 1438 ] النَّاسِ .
نَعَمْ ، مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=8630خِيفَ مِنْهُ الْخِيَانَةُ فَإِنَّهُ يُنْبَذُ إِلَيْهِ الْعَهْدُ ، أَمَّا إِجْرَاءُ حُكْمِ الْمُحَارَبَةِ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ حَتَّى يُظْهِرَ الْمُحَارَبَةَ وَتَثْبُتَ عَلَيْهِ .
الْوَجْهُ الْعَاشِرُ : أَنَّ النَّفَرَ الْخَمْسَةَ الَّذِينَ قَتَلُوهُ وَهُمْ :
مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ،
وَأَبُو نَائِلَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=4582وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ ،
وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=9953وَأَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ ، قَدْ أَذِنَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْدَعُوهُ بِكَلَامٍ يُظْهِرُونَ بِهِ أَنَّهُمْ قَدْ آمَنُوهُ وَوَافَقُوهُ ثُمَّ يَقْتُلُونَهُ ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ أَظْهَرَ لِكَافِرٍ أَمَانًا لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْكُفْرِ ، بَلْ لَوِ اعْتَقَدَ الْكَافِرُ الْحَرْبِيُّ أَنَّ الْمُسْلِمَ آمَنَهُ صَارَ مُسْتَأْمَنًا ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350645مَنْ آمَنُ رَجُلًا عَلَى دَمِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا " . رَوَاهُ
أَحْمَدُ .
[ ص: 1439 ] وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350646إِذَا آمَنَكَ الرَّجُلُ عَلَى دَمِهِ فَلَا تَقْتُلْهُ " رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابْنُ مَاجَهْ .
[ ص: 1440 ] وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350647 [ الْإِيمَانُ ] قَيْدُ الْفَتْكِ ، لَا يَقْتُلُ مُؤْمِنٌ " رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ .
وَقَدْ زَعَمَ
الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُمْ إِنَّمَا فَتَكُوا بِهِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ خَلَعَ الْأَمَانَ وَنَقَضَ الْعَهْدَ قَبْلَ هَذَا ، وَزَعَمَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا جَائِزٌ مِنَ الْكَافِرِ الَّذِي لَا عَهْدَ لَهُ ، كَمَا جَازَ الْبَيَاتُ وَالْإِغَارَةُ عَلَيْهِمْ فِي أَوْقَاتِ الْغِرَّةِ ، لَكِنْ يُقَالُ : فَهَذَا الْكَلَامُ الَّذِي كَلَّمُوهُ بِهِ صَارَ مُسْتَأْمَنًا ، وَأَدْنَى أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ شُبْهَةُ أَمَانٍ .
وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ لِمُجَرَّدِ الْكُفْرِ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=8129الْأَمَانَ يَعْصِمُ دَمَ الْحَرْبِيِّ وَيَصِيرُ مُسْتَأْمَنًا بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَوَاضِعِهِ ، وَإِنَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=30725قَتَلُوهُ لِأَجْلِ هِجَائِهِ وَأَذَاهُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَمَنْ حَلَّ قَتْلُهُ بِهَذَا الْوَجْهِ لَمْ يُعْصَمْ دَمُهُ بِأَمَانٍ وَلَا بِعَهْدٍ كَمَا لَوْ آمَنَ الْمُسْلِمُ مَنْ وَجَبَ قَتْلُهُ لِأَجْلِ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَمُحَارَبَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالسَّعْيِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ الْمُوجِبِ لِلْقَتْلِ ، أَوْ آمَنَ
[ ص: 1441 ] مَنْ وَجَبَ قَتْلُهُ لِأَجْلِ زِنَاهُ ، أَوْ آمَنَ مَنْ وَجَبَ قَتْلُهُ لِأَجْلِ الرِّدَّةِ ، أَوْ لِأَجْلِ تَرْكِ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ لَهُ عَهْدًا ، سَوَاءٌ كَانَ عَقْدَ أَمَانٍ أَوْ عَقْدَ هُدْنَةٍ أَوْ عَقْدَ ذِمَّةٍ ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ حَدٌّ مِنَ الْحُدُودِ ، وَلَيْسَ قَتْلُهُ لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ كَافِرًا حَرْبِيًّا كَمَا سَنَذْكُرُهُ .
أَمَّا الْإِغَارَةُ وَالْبَيَاتُ فَلَيْسَ هُنَاكَ قَوْلٌ وَلَا فِعْلٌ صَارُوا بِهِ آمِنِينَ ، وَلَا اعْتَقَدُوا أَنَّهُمْ قَدْ أُومِنُوا ، بِخِلَافِ قِصَّةِ
كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ ، فَثَبَتَ أَنَّ أَذَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِالْهِجَاءِ وَنَحْوِهِ لَا يُحْقَنُ مَعَهُ الدَّمُ بِالْأَمَانِ ، فَلَأَنْ لَا يُحْقَنَ مَعَهُ بِالذِّمَّةِ الْمُؤَبَّدَةِ وَالْهُدْنَةِ الْمُؤَقَّتَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، فَإِنَّ الْأَمَانَ يَجُوزُ عَقْدُهُ لِكُلِّ كَافِرٍ وَيَعْقِدُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ ، وَلَا يُشْتَرَطُ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ شَيْءٌ مِنَ الشُّرُوطِ وَالذِّمَّةِ لَا يَعْقِدُهَا إِلَّا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ ، وَلَا يُعْقَدُ إِلَّا بِشُرُوطٍ كَثِيرَةٍ تُشْرَطُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنَ الْتِزَامِ الصَّغَارِ وَنَحْوِهِ .
فَإِنْ قِيلَ :
كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهِجَاءِ وَالشِّعْرِ وَهُوَ كَلَامٌ مَوْزُونٌ يُحْفَظُ وَيُرْوَى وَيُنْشَدُ بِالْأَصْوَاتِ وَالْأَلْحَانِ وَيَشْتَهِرُ بَيْنَ النَّاسِ ، وَذَلِكَ لَهُ مِنَ التَّأْثِيرِ وَالْأَذَى وَالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَيْسَ لِلْكَلَامِ الْمَنْثُورِ ، وَلِذَلِكَ
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ حَسَّانَ أَنْ يَهْجُوَهُمْ وَيَقُولَ : " إِنَّهُ أَنْكَى فِيهِمْ مِنَ النَّبْلِ " . فَيُؤَثِّرُ هِجَاؤُهُ فِيهِمْ أَثَرًا عَظِيمًا يَمْتَنِعُونَ بِهِ مِنْ أَشْيَاءَ لَا يَمْتَنِعُونَ عَنْهَا لَوْ سُبُّوا بِكَلَامٍ مَنْثُورٍ أَضْعَافَ الشِّعْرِ .
[ ص: 1442 ] وَأَيْضًا فَإِنَّ
كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ وَأُمَّ الْوَلَدِ الْمُتَقَدِّمَةَ تَكَرَّرَ مِنْهُمَا سَبُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَذَاهُ ، وَالشَّيْءُ إِذَا كَثُرَ وَاسْتَمَرَّ صَارَ لَهُ حَالٌ أُخْرَى لَيْسَتْ لَهُ إِذَا انْفَرَدَ ، وَقَدْ ذَكَرْتُمْ أَنَّ
الْحَنَفِيَّةَ يُجِيزُونَ قَتْلَ مَنْ كَثُرَ مِنْهُ مِثْلُ هَذِهِ الْجَرِيمَةِ ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا قَتْلَ مَنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ مِنْهُ ، فَإِذَنْ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ يُمَكِّنُ الْمُخَالِفَ أَنْ يَقُولَ بِهِ .
فَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ هَذَا يُقْتَلُ ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=8640السَّبَّ فِي الْجُمْلَةِ مِنَ الذِّمِّيِّ يَقْتَضِي إِهْدَارَ دَمِهِ وَانْتِقَاضَ عَهْدِهِ ، وَيَبْقَى الْكَلَامُ فِي النَّاقِضِ لِلْعَهْدِ : هَلْ هُوَ نَوْعٌ خَاصٌّ مِنَ السَّبِّ - وَهُوَ مَا كَثُرَ وَغَلُظَ - أَوْ هُوَ مُطْلَقُ السَّبِّ ؟ هَذَا نَظَرٌ آخَرُ ، فَمَا كَانَ مِثْلَ هَذَا السَّبِّ وَجَبَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ مُهْدِرٌ لِدَمِ الذِّمِّيِّ حَتَّى لَا يَسُوغَ لِأَحَدٍ أَنْ يُخَالِفَ نَصَّ السُّنَّةِ ، فَلَوْ زَعَمَ زَاعِمٌ أَنَّ شَيْئًا مِنْ سَبِّ الذِّمِّيِّ وَأَذَاهُ لَا يُبِيحُ دَمَهُ كَانَ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ خِلَافًا لَا عُذْرَ فِيهِ لِأَحَدٍ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : لَا رَيْبَ أَنَّ الْجِنْسَ الْمُوجِبَ لِلْعُقُوبَةِ قَدْ يَتَغَلَّظُ بَعْضُ أَنْوَاعِهِ صِفَةً أَوْ قَدْرًا ، أَوْ صِفَةً وَقَدْرًا ، فَإِنَّهُ لَيْسَ قَتْلُ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ مِثْلَ قَتْلِ وَالِدٍ وَعَالِمٍ وَصَالِحٍ ، وَلَا ظُلْمُ بَعْضِ النَّاسِ مِثْلَ ظُلْمِ يَتِيمٍ فَقِيرٍ بَيْنَ أَبَوَيْنِ صَالِحَيْنِ ، وَلَيْسَتِ الْجِنَايَةُ فِي الْأَوْقَاتِ وَالْأَمَاكِنِ وَالْأَحْوَالِ الْمُشَرَّفَةِ كَالْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ وَالشَّهْرِ الْحَرَامِ كَالْجِنَايَةِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ .
[ ص: 1443 ] وَكَذَلِكَ مَضَتْ سُنَّةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بِتَغْلِيظِ الدِّيَةِ إِذَا تَغَلَّظَ الْقَتْلُ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ قِيلَ لَهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347817أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ ؟ - قَالَ : " أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ " . قِيلَ لَهُ : ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ : " أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خِيفَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ " . قِيلَ لَهُ : ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ : " أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ " . وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً وَسَفَكَ دَمَ خَلْقٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَكَثُرَ مِنْهُ أَخْذُ الْأَمْوَالِ كَانَ جُرْمُهُ أَعْظَمَ مِنْ جُرْمِ مَنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ مِنْهُ ذَلِكَ ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ نَظَّمَ الْقَصَائِدَ فِي سَبِّهِ فَإِنَّ جُرْمَهُ أَعْظَمُ مِنْ جُرْمِ مَنْ سَبَّهُ بِالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ الْمَنْثُورَةِ ، بِحَيْثُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ أَوْكَدَ ، وَالِانْتِصَارُ مِنْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْجَبَ ، وَلَوْ كَانَ الْمُقِلُّ أَهْلًا أَنْ يُعْفَى عَنْهُ لَمْ يَكُنْ هَذَا أَهْلًا لِذَلِكَ .
لَكِنَّ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=8642_8640جِنْسَ الْأَذَى لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَمُطْلَقُ السَّبِّ الظَّاهِرِ مُهْدِرٌ لِدَمِ الذِّمِّيِّ نَاقِضٌ لِعَهْدِهِ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350628مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ ؟ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ " . وَذَلِكَ اسْمٌ مُطْلَقٌ لَيْسَ مُقَيَّدًا بِنَوْعٍ وَلَا قَدْرٍ
[ ص: 1444 ] وَلَا تَكْرَارٍ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَلِيلَ السَّبِّ وَكَثِيرَهُ وَمَنْظُومَهُ وَمَنْثُورَهُ أَذًى لِلَّهِ بِلَا رَيْبٍ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ التَّكْرَارَ وَالْمُبَالَغَةَ لَأَتَى بِالِاسْمِ الْمُفْهِمِ لِذَلِكَ فَقَالَ : " فَإِنَّهُ قَدْ بَالَغَ فِي أَذَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ " وَقَدْ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَهُوَ الْمَعْصُومُ فِي غَضَبِهِ وَرِضَاهُ .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ : قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ : "
إِنَّهُ نَالَ مِنَّا الْأَذَى وَهَجَانَا بِالشِّعْرِ ، وَلَا يَفْعَلُ هَذَا أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَّا كَانَ لِلسَّيْفِ " . وَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِتَكْرَارٍ بَلْ عَلَّقَهُ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ .
الْوَجْهُ الرَّابِعُ : أَنَّ
كَعْبًا آذَاهُ بِكَلَامِهِ الْمَنْظُومِ ،
وَالْيَهُودِيَّةَ بِكَلَامِهَا الْمَنْثُورِ ، وَكِلَاهُمَا أَهْدَرَ دَمَهُ ، فَعُلِمَ أَنَّ النَّظْمَ لَيْسَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ ، وَالْحُكْمُ إِذَا ثَبَتَ بِدُونِ الْوَصْفِ كَانَ عَدِيمَ التَّأْثِيرِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ جُزْءًا مِنَ الْعِلَّةِ .
الْوَجْهُ الْخَامِسُ : أَنَّ الْجِنْسَ الْمُبِيحَ لِلدَّمِ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَغَلِيظِهِ وَخَفِيفِهِ فِي كَوْنِهِ مُبِيحًا ، سَوَاءٌ كَانَ قَوْلًا كَالرِّدَّةِ أَوْ فِعْلًا كَالزِّنَى وَالْمُحَارَبَةِ ، وَهَذَا قِيَاسُ الْأُصُولِ ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ مَا يُبِيحُ الدَّمَ إِذَا كَثُرَ وَلَا يُبِيحُهُ مَعَ الْقِلَّةِ فَقَوْلُهُ مُخَالِفٌ لِأُصُولِ الشَّرْعِ .
[ ص: 1445 ] وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُنَازِعُ مِنْ جَوَازِ قَتْلِ مَنْ كَثُرَ مِنْهُ الْقَتْلُ بِالْمُثَقَّلِ وَالْفَاحِشَةُ فِي الدُّبُرِ دُونَ مَنْ قَلَّ مِنْهُ ذَلِكَ ، فَالْكَلَامُ مَعَهُ فِيهِ ، وَالْبَابُ وَاحِدٌ فِي الشَّرِيعَةِ .
وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350649أَنَّهُ رَضَخَ رَأْسَ يَهُودِيٍّ رَضَخَ رَأْسَ جَارِيَةٍ لَمْ يُنْكِرْ مِنْهُ ذَلِكَ الْفِعْلَ .
وَصَحَّ عَنْهُ فِي اللُّوطِيِّ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10343402اقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ " . وَلَمْ يُعَلِّقْ ذَلِكَ
[ ص: 1446 ] بِتَكْرَارٍ ، وَأَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ أَجْمَعُوا قَتْلَهُ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا تَكْرَارًا ، وَإِذَا كَانَتِ الْأُصُولُ الْمَنْصُوصَةُ وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهَا قَدْ سَوَّتْ فِي إِبَاحَةِ الدَّمِ بَيْنَ قَلِيلِ الْمُوجِبِ وَكَثِيرِهِ كَانَ الْفَرْقُ تَحَكُّمًا بِلَا أَصْلٍ وَلَا نَظِيرٍ يُوَضِّحُهُ .
الْوَجْهُ السَّادِسُ : أَنَّ مَا يُنْقَضُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْكَثِيرُ ، فَكَذَلِكَ مَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ .
الْوَجْهُ السَّابِعُ : أَنَّهُ إِذَا أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ ، فَإِمَّا أَنْ يُقْتَلَ لِأَنَّ جِنْسَهَا مُبِيحٌ لِلدَّمِ أَوْ أَنَّ الْمُبِيحَ قَدْرٌ مَخْصُوصٌ .
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهُوَ الْمَطْلُوبُ .
وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَمَا حَدُّ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ الْمُبِيحِ لِلدَّمِ ؟ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحُدَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا إِلَّا بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ عِنْدَ مَنْ يَرَى الْقِيَاسَ فِي
[ ص: 1447 ] الْمُقَدَّرَاتِ ، وَالْكُلُّ مُنْتَفٍ فِي ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْأُصُولِ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ يُبِيحُ الدَّمَ مِنْهُ عَدَدٌ مَخْصُوصٌ وَلَا يُبِيحُهُ أَقَلُّ مِنْهُ ، وَلَا يَنْتَقِضُ هَذَا بِالْقَتْلِ بِالزِّنَى ، وَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِإِقْرَارِ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ ، وَلَا بِالْقَتْلِ بِالْقَسَامَةِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بَعْدَ خَمْسِينَ يَمِينًا عِنْدَ مَنْ يَرَى الْقَوَدَ بِهَا ، وَلَا رَجْمَ الْمُلَاعَنَةِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بَعْدَ شَهَادَةِ الزَّوْجِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّهَا تُرْجَمُ بِلِعَانِ الزَّوْجِ وَنُكُولِهَا ، فَإِنَّ الْمُبِيحَ لِلدَّمِ لَيْسَ هُوَ الْإِقْرَارَ وَلَا الْأَيْمَانَ ، وَإِنَّمَا الْمُبِيحُ فِعْلُ الزِّنَى وَفِعْلُ الْقَتْلِ ، وَإِنَّمَا الْإِقْرَارُ وَالْأَيْمَانُ حُجَّةٌ وَدَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ .
وَنَحْنُ لَمْ نُنَازِعْ فِي أَنَّ الْحُجَجَ الشَّرْعِيَّةَ لَهَا نُصُبٌ مَحْدُودَةٌ وَإِنَّمَا قُلْنَا : إِنَّ نَفْسَ الْقَوْلِ أَوِ الْعَمَلِ الْمُبِيحِ لِلدَّمِ لَا نِصَابَ لَهُ فِي الشَّرْعِ ، وَإِنَّمَا الْحُكْمُ مُعَلَّقٌ بِجِنْسِهِ .
الْوَجْهُ الثَّامِنُ : أَنَّ الْقَتْلَ عِنْدَ كَثْرَةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَدًّا يَجِبُ فِعْلُهُ أَوْ تَعْزِيرًا يَرْجِعُ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْدِيدِ مُوجِبِهِ ، وَلَا حَدَّ لَهُ إِلَّا تَعْلِيقَهُ بِالْجِنْسِ ، وَالْقَوْلُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ تَحَكُّمٌ .
وَإِنْ كَانَ الثَّانِي ، فَلَيْسَ فِي الْأُصُولِ تَعْزِيرٌ بِالْقَتْلِ فَلَا يَجُوزُ إِثْبَاتُهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ يَخْتَصُّهُ ، وَالْعُمُومَاتُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350650لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ " تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا .