" سبحانه " وتعالى ، وهو اسم بمعنى التسبيح الذي هو التنزيه ، وانتصابه بفعل متروك إظهاره ، ولا يخفى حسن موقعه هنا . أي هو - سبحانه وتعالى - منزه عن أن يخلق الخلق سدى ، أو يشاركه في إحداث شيء من الحوادث شريك ، بل هو الخالق المختار بلا حاجة ولا اضطرار بقدرة قاهرة لحكمة باهرة ، ولهذا قلنا (
nindex.php?page=treesubj&link=28723فهو ) - تعالى - ( الحكيم ) ، أي المتقن لخلق الأشياء بحسن
[ ص: 45 ] التدبير وبديع التقدير ، بحيث يخضع العقل لرفعته ، ويشهد بإتقان صنعته ، كما قال - تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=7أحسن كل شيء خلقه ) ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2وخلق كل شيء فقدره تقديرا ) ، والحكيم من أسمائه الحسنى ، وهو ذو الحكمة ، وهي إصابة الحق بالعلم .
nindex.php?page=treesubj&link=29682_28723فالحكمة منه - تعالى - علم الأشياء ، وإيجادها على غاية الإحكام ، ومن الإنسان معرفة الموجودات وفعل الخيرات ، وهذا الذي وصف به
لقمان في قوله - تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=12ولقد آتينا لقمان الحكمة ) . قال الإمام
الحافظ ابن الجوزي في كتابه ( صيد الخاطر ) : العقل لا ينتهي إلى حكمة الخالق - سبحانه - وقد ثبت عنده وجوده وملكه وحكمته ، فتعرضه بالتفاصيل على ما تجري به عادات الخلق جهل . ثم قال : ألا ترى إلى أول المعترضين ، وهو إبليس اللعين ، كيف ناظر فقال : أنا خير منه . وقول
nindex.php?page=showalam&ids=11880أبي العلاء المعري :
رأى منك ما لا يشتهي فتزندقا
. ثم قال : ويحك أحضر عقلك وقلبك واسمع ما أقول ، أليس قد ثبت أن الحق مالك ، وللمالك أن يتصرف كيف يشاء ؟ أليس قد ثبت أنه حكيم ، والحكيم لا يعبث ؟ . قال : وأنا أعلم أن في نفسك من هذه الكلمة شيئا ، فإنك قد سمعت عن
جالينوس أنه قال : ما أدري أحكيم هو أم لا ؟ والسبب في قوله هذا أنه رأى نقضا بعد إحكام ، فقاس الحال على أحوال الخلق ، وهو أن من بنى ثم نقض لا لمعنى فليس بحكيم ، قال : وجوابه لو كان حاضرا أن يقال : بماذا بان لك أن النقض ليس بحكمة ؟ أليس بعقلك الذي وهبه الصانع لك ؟ فكيف يهب لك الذهن الكامل ويفوته هو الكمال ؟ وهذه المحنة التي جرت لإبليس ، فإنه أخذ يعيب الحكمة بعقله ، فلو فكر علم أن واهب العقل أعلى من العقل ، وأن
nindex.php?page=treesubj&link=28723_29682حكمته أوفى من كل حكيم ; لأنه بحكمته التامة أنشأ العقول ، فهذا إذا تأمله المنصف ، زال عنه الشك . انتهى .
ومراد
الحافظ ابن الجوزي من كان ممن لا يرى طريقا إلى إدراك حكمته إلا بالعقل ، كيف وقد جاء في صحيح المنقول ما يوافق صريح المعقول من الكتاب والسنة ما لا يبقي في لب اللبيب أقل اختلاج وأدنى ريب ، والله أعلم بكل غيب . وهو ( الوارث ) أي الباقي بعد فناء الخلق ، والمسترد لأملاكهم ومواريثهم بعد موتهم ، قال - تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=40إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون )
[ ص: 46 ] وقال - تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=23وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون ) ، فلا يبقى عليها ولا عليهم لأحد غيره - سبحانه - ملك ولا ملك ، ويقول الله - تعالى - في ذلك اليوم بعد فناء الخلق : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=16لمن الملك اليوم ) ، ولا أحد يجيبه ، فيجيب نفسه فيقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=16لله الواحد القهار ) . وسيأتي الكلام على دقائق تتعلق بالأسماء عند مباحثها ، إن شاء الله تعالى .
ثم إني بعد ابتدائي بالبسملة والحمدلة ، والثناء عليه - تعالى - بما هو أهله ، عقبته
nindex.php?page=treesubj&link=24462_24459بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - إظهارا لعظمة قدره ، وأداء لبعض حقوقه الواجبة ، إذ هو الواسطة بين الله وبين عباده ، وجميع النعم الواصلة إليهم التي من أعظمها الهداية للدين القويم إنما هي به وعلى يديه - صلى الله عليه وسلم ، وامتثالا لقوله - تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=56ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) ، واغتناما للثواب الوارد في قوله - صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026044من صلى علي في كتاب ، لم تزل الملائكة تستغفر له " . وفي رواية : تصلي عليه ما دام اسمي في ذلك الكتاب " . وللجمع بين الثناء على الله - تعالى - وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة عليه ، فقلت :
" سُبْحَانَهُ " وَتَعَالَى ، وَهُوَ اسْمٌ بِمَعْنَى التَّسْبِيحِ الَّذِي هُوَ التَّنْزِيهُ ، وَانْتِصَابُهُ بِفِعْلٍ مَتْرُوكٍ إِظْهَارُهُ ، وَلَا يَخْفَى حُسْنُ مَوْقِعِهِ هُنَا . أَيْ هُوَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ سُدًى ، أَوْ يُشَارِكَهُ فِي إِحْدَاثِ شَيْءٍ مِنَ الْحَوَادِثِ شَرِيكٌ ، بَلْ هُوَ الْخَالِقُ الْمُخْتَارُ بِلَا حَاجَةٍ وَلَا اضْطِرَارٍ بِقُدْرَةٍ قَاهِرَةٍ لِحِكْمَةٍ بَاهِرَةٍ ، وَلِهَذَا قُلْنَا (
nindex.php?page=treesubj&link=28723فَهُوَ ) - تَعَالَى - ( الْحَكِيمُ ) ، أَيِ الْمُتْقِنُ لِخَلْقِ الْأَشْيَاءِ بِحُسْنِ
[ ص: 45 ] التَّدْبِيرِ وَبَدِيعِ التَّقْدِيرِ ، بِحَيْثُ يَخْضَعُ الْعَقْلُ لِرِفْعَتِهِ ، وَيَشْهَدُ بِإِتْقَانِ صَنْعَتِهِ ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=7أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ) ، وَالْحَكِيمُ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى ، وَهُوَ ذُو الْحِكْمَةِ ، وَهِيَ إِصَابَةُ الْحَقِّ بِالْعِلْمِ .
nindex.php?page=treesubj&link=29682_28723فَالْحِكْمَةُ مِنْهُ - تَعَالَى - عِلْمُ الْأَشْيَاءِ ، وَإِيجَادُهَا عَلَى غَايَةِ الْإِحْكَامِ ، وَمِنَ الْإِنْسَانِ مَعْرِفَةُ الْمَوْجُودَاتِ وَفِعْلُ الْخَيْرَاتِ ، وَهَذَا الَّذِي وُصِفَ بِهِ
لُقْمَانُ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=12وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ) . قَالَ الْإِمَامُ
الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ ( صَيْدِ الْخَاطِرِ ) : الْعَقْلُ لَا يَنْتَهِي إِلَى حِكْمَةِ الْخَالِقِ - سُبْحَانَهُ - وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُ وُجُودُهُ وَمُلْكُهُ وَحِكْمَتُهُ ، فَتَعَرُّضُهُ بِالتَّفَاصِيلِ عَلَى مَا تَجْرِي بِهِ عَادَاتُ الْخَلْقِ جَهْلٌ . ثُمَّ قَالَ : أَلَا تَرَى إِلَى أَوَّلِ الْمُعْتَرِضِينَ ، وَهُوَ إِبْلِيسُ اللَّعِينُ ، كَيْفَ نَاظَرَ فَقَالَ : أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ . وَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11880أَبِي الْعَلَاءِ الْمَعَرِّي :
رَأَى مِنْكَ مَا لَا يَشْتَهِي فَتَزَنْدَقَا
. ثُمَّ قَالَ : وَيْحَكَ أَحْضِرْ عَقْلَكَ وَقَلْبَكَ وَاسْمَعْ مَا أَقُولُ ، أَلَيْسَ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْحَقَّ مَالِكٌ ، وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَتَصَرَّفَ كَيْفَ يَشَاءُ ؟ أَلَيْسَ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ حَكِيمٌ ، وَالْحَكِيمُ لَا يَعْبَثُ ؟ . قَالَ : وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ فِي نَفْسِكَ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ شَيْئًا ، فَإِنَّكَ قَدْ سَمِعْتَ عَنْ
جَالِينُوسَ أَنَّهُ قَالَ : مَا أَدْرِي أَحَكِيمٌ هُوَ أَمْ لَا ؟ وَالسَّبَبُ فِي قَوْلِهِ هَذَا أَنَّهُ رَأَى نَقْضًا بَعْدَ إِحْكَامٍ ، فَقَاسَ الْحَالَ عَلَى أَحْوَالِ الْخَلْقِ ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ بَنَى ثُمَّ نَقَضَ لَا لِمَعْنًى فَلَيْسَ بِحَكِيمٍ ، قَالَ : وَجَوَابُهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا أَنْ يُقَالَ : بِمَاذَا بَانَ لَكَ أَنَّ النَّقْضَ لَيْسَ بِحِكْمَةٍ ؟ أَلَيْسَ بِعَقْلِكَ الَّذِي وَهَبَهُ الصَّانِعُ لَكَ ؟ فَكَيْفَ يَهَبُ لَكَ الذِّهْنَ الْكَامِلَ وَيَفُوتُهُ هُوَ الْكَمَالُ ؟ وَهَذِهِ الْمِحْنَةُ الَّتِي جَرَتْ لِإِبْلِيسَ ، فَإِنَّهُ أَخَذَ يَعِيبُ الْحِكْمَةَ بِعَقْلِهِ ، فَلَوْ فَكَّرَ عَلِمَ أَنَّ وَاهِبَ الْعَقْلِ أَعْلَى مِنَ الْعَقْلِ ، وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28723_29682حِكْمَتَهُ أَوْفَى مِنْ كُلِّ حَكِيمٍ ; لِأَنَّهُ بِحِكْمَتِهِ التَّامَّةِ أَنْشَأَ الْعُقُولَ ، فَهَذَا إِذَا تَأَمَّلَهُ الْمُنْصِفُ ، زَالَ عَنْهُ الشَّكُّ . انْتَهَى .
وَمُرَادُ
الْحَافِظِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ مَنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَرَى طَرِيقًا إِلَى إِدْرَاكِ حِكْمَتِهِ إِلَّا بِالْعَقْلِ ، كَيْفَ وَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيحِ الْمَنْقُولِ مَا يُوَافِقُ صَرِيحَ الْمَعْقُولِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا لَا يُبْقِي فِي لُبِّ اللَّبِيبِ أَقَلَّ اخْتِلَاجٍ وَأَدْنَى رَيْبٍ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِكُلِّ غَيْبٍ . وَهُوَ ( الْوَارِثُ ) أَيِ الْبَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ الْخَلْقِ ، وَالْمُسْتَرِدُّ لِأَمْلَاكِهِمْ وَمَوَارِيثِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ ، قَالَ - تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=40إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ )
[ ص: 46 ] وَقَالَ - تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=23وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ ) ، فَلَا يَبْقَى عَلَيْهَا وَلَا عَلَيْهِمْ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ - سُبْحَانَهُ - مُلْكٌ وَلَا مِلْكٌ ، وَيَقُولُ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بَعْدَ فَنَاءِ الْخَلْقِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=16لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ) ، وَلَا أَحَدَ يُجِيبُهُ ، فَيُجِيبُ نَفْسَهُ فَيَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=16لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) . وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى دَقَائِقَ تَتَعَلَّقُ بِالْأَسْمَاءِ عِنْدَ مَبَاحِثِهَا ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
ثُمَّ إِنِّي بَعْدَ ابْتِدَائِي بِالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ - تَعَالَى - بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، عَقَّبْتُهُ
nindex.php?page=treesubj&link=24462_24459بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِظْهَارًا لِعَظَمَةِ قَدْرِهِ ، وَأَدَاءً لِبَعْضِ حُقُوقِهِ الْوَاجِبَةِ ، إِذْ هُوَ الْوَاسِطَةُ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ عِبَادِهِ ، وَجَمِيعُ النِّعَمِ الْوَاصِلَةِ إِلَيْهِمُ الَّتِي مِنْ أَعْظَمِهَا الْهِدَايَةُ لِلدِّينِ الْقَوِيمِ إِنَّمَا هِيَ بِهِ وَعَلَى يَدَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَامْتِثَالًا لِقَوْلِهِ - تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=56يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) ، وَاغْتِنَامًا لِلثَّوَابِ الْوَارِدِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026044مَنْ صَلَّى عَلَيَّ فِي كِتَابٍ ، لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تَسْتَغْفِرُ لَهُ " . وَفِي رِوَايَةٍ : تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ اسْمِي فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ " . وَلِلْجَمْعِ بَيْنَ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَعَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ ، فَقُلْتُ :