( الثالث )
الرأي مصدر رأى رأيا مهموز ، والجمع آراء ، وهو التفكر في مبادئ الأمور ونظر عواقبها وعلم ما تئول إليه من الخطأ والصواب ،
nindex.php?page=treesubj&link=21701وأصحاب الرأي عند الفقهاء هم أهل القياس والتأويل ، كأصحاب الإمام
أبي حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13711وأبي الحسن الأشعري . وأصحاب الرأي ضد أصحاب
الظاهر من
داود nindex.php?page=showalam&ids=13064وابن حزم ومن نحا نحوهم . وأصحاب التأويل ضد أصحابنا من أتباع المأثور ، والمرور كما جاء مع التفويض ، واعتقاد التنزيه بأن الله ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير .
وكان
nindex.php?page=treesubj&link=33763_20344سبب انتشار البدع وظهورها ، وزيادتها ونشورها ،
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون بن هارون الرشيد ، واسمه عبد الله ، وكنيته أبو العباس ، سابع خلفاء
بني العباس ، وأمه ( أمة ) ، اسمها
مراجل ، ولي الخلافة سنة مائة وسبعين ، وكان من رجال
بني العباس - حزما وعزما ، وحلما وعلما ، ورأيا ودهاء ، وشجاعة وبراعة ، وفصاحة وسماحة ، إلا أنه كان رافضيا معتزليا قدريا ، فهو خبيث الاعتقاد ، كبير الفساد والعناد .
وفي سنة مائتين وإحدى عشر أمر أن ينادى : برئت الذمة ممن ذكر
معاوية [ ص: 9 ] ( رضي الله عنه ) بخير ، فإن أفضل الخلفاء بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه . وفي سنة مائتين واثنتي عشرة ، أظهر
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون القول بخلق القرآن مضافا إلى تفضيل
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - على الشيخين
أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما . فاشمأزت منه النفوس ، ودعا الناس لرأيه المعكوس ، وكادت الفتن أن تقوم على ساقها . فكف عن ذلك إلى سنة ثمان عشرة ، فامتحن الناس بالقول بخلق القرآن ، فأجاب من أجاب طوعا وكرها ، وامتنع سيدنا الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - ومن امتنع معه من أئمة الحديث ، وطلب الإمام
أحمد ، فهلك
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون ولم يره الإمام
أحمد ، ولله الحمد . وكان هلاك
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون في شهر رجب سنة ثمان عشرة بعد المائتين .
قال العلماء : إن المأمون لما هادن بعض ملوك النصارى - أظنه صاحب
جزيرة قبرس - طلب منه خزانة
nindex.php?page=treesubj&link=33763كتب اليونان ، وكانت عندهم مجموعة في بيت لا يظهر عليه أحد ، فجمع الملك خواصه من ذوي الرأي واستشارهم في ذلك ، فكلهم أشاروا بعدم تجهيزها إليه إلا مطران واحد ، فإنه قال : جهزها إليهم ، فما دخلت هذه العلوم على دولة شرعية إلا أفسدتها ، وأوقعت بين علمائها .
قال
الصلاح الصفدي : حدثني من أثق به أن
شيخ الإسلام ابن تيمية - روح الله روحه - كان يقول : ما أظن أن الله يغفل عن
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون ، ولا بد أن يقابله على ما اعتمده مع هذه الأمة من إدخال هذه العلوم الفلسفية بين أهلها . قال
الصلاح الصفدي : لم يبتكر
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون النقل والتعريب ، بل فعل ذلك قبله كثير ، فإن
nindex.php?page=showalam&ids=17312يحيى بن خالد البرمكي عرب من كتب
الفرس كليلة ودمنة ، وعرب لأجله كتاب المجسطي من كتب اليونان . والمشهور أن أول من عرب كتب
اليونان nindex.php?page=showalam&ids=15815خالد بن يزيد بن معاوية ، لما ولع بكتب الكيمياء .
ثم قال
الصفدي : والخلاف ما زال في هذه الأمة منذ توفي - صلى الله عليه وسلم - حتى في موته ودفنه وأمر الخلافة بعده ، وأمر ميراثه ، وأمر قتال مانعي الزكاة ، إلى غير ذلك ، بل في نفس مرضه - صلى الله عليه وسلم - لما
[ ص: 10 ] قال : " ائتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي . على ما هو مذكور في مواطنه ، وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026027إن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة ، وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة ، وهي الجماعة " . وهو - صلى الله عليه وسلم - الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى ، قد أخبر أن هذه الأمة ستفترق ، ومتى افترقت خالف بعضها بعضا ، ومتى خالفت تمسكت بشبه وحجج ، وناظر كل فرقة من تخالفها ، فانفتح باب الجدل ، واحتاج كل أحد إلى ترجيح مذهبه وقوله بحجة عقلية أو نقلية أو مركبة منهما ، فهذا الأمر كان مأمونا قبل
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون ، نعم زاد الشر والضرر ، وقويت به حجج
المعتزلة وغيرهم ، وأخذ أصحاب الأهواء ومخالفو السنة مقدمات عقلية من
الفلاسفة ، فأدخلوها في مباحثهم ، وفرجوا بها مضايق جدالهم ، وبنوا عليها قواعد بدعهم ، فاتسع الخرق على الراقع ، وكاد منار الحق الواحد يشتبه بالثلاث الأثافي والرسوم البلاقع ، على أن السنة الشريفة مرفوعة المنار ، مأمونة السرار ، خافقة الأعلام ، راسخة الأحلام ، باهرة السنا ، ساطعة الجنى .
ويزيدها مر الليالي جدة وتقادم الأيام حسن شباب
وأهل السنة قد فتح لهم السلف الصالح مغلق أبوابها ، وذللوا بالشواهد الصادقة الصادعة ما جمح من صعابها ، وأطلقوا نيرها الأعظم ، فطمس من البدع تألق شهابها ، وأجنوا من اتبع هديهم ثمر اليقين متحد النوع وإن كان متشابها ، وجاسوا خلال الحق فميزوه ،
وأهل مكة أخبر بشعابها .
ومن قال إن الشهب أكبرها السها بغير دليل كذبته الدلائل
وما ذكره
الصلاح الصفدي مما يشم منه رائحة العذر
للمأمون عما أدخله على الأمة فيه حق وباطل ، فأصل الخلاف كان موجودا إلا أنه في أمور يسهل بعضها بخلاف ما فشا بفتنة المأمون . قال الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=14324الحافظ الذهبي في كتابه العرش : لما ولي
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون وكان متكلما عربت له كتب الأوائل ، فدعا
[ ص: 11 ] الناس إلى القول بخلق القرآن ، وتهددهم وخوفهم ، فأجابه خلق كثير رغبة ورهبة ، وامتنع من إجابته الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ،
nindex.php?page=showalam&ids=12153وأبو مسهر عالم
دمشق ،
nindex.php?page=showalam&ids=17211ونعيم بن حماد عالم
مصر ،
nindex.php?page=showalam&ids=13920والبويطي فقيه
مصر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16577وعفان محدث
العراق ، وطائفة سواهم ، فسجنهم ثم لم ينشب أن مات
بطرسوس ودفن ثم استخلف بعده أخوه
المعتصم ، فامتحن الناس ونهض بأعباء المحنة قاضيه
nindex.php?page=showalam&ids=12212أحمد بن أبي دؤاد ، وضربوا الإمام
أحمد - رضي الله عنه - ضربا مبرحا ، فلم يجبهم ، وناظروه وجرت أمور صعبة . انتهى .
وأما
خالد بن يزيد ، فعربت له كتب الطب والنجوم ، وقيل : الذي عربت له كتب الطب والنجوم
المنصور ، وأما
خالد فإنما ولعه في صنعة الكيمياء ، وله في ذلك رسائل ، وكان قد أخذ تلك الصناعة عن رجل من الرهبان يقال له
مرياس الرومي . وأما
المنصور فأول خليفة ترجمت له الكتب
السريانية والأعجمية بالعربية ، مثل : كليلة ودمنة وأقليدس ، كما في تاريخ الخلفاء للحافظ
جلال الدين السيوطي ، وقال : وهو أول خليفة قرب المنجمين ، وعمل بأحكام النجوم . وأما
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون فهو أول من أدخل علم المنطق وسائر العلوم اليونانية في الملة الإسلامية ، وأحضرها من
جزيرة قبرص ، وترجمت له كتب كثيرة كما في أوائل
السيوطي . انتهى .
وبسبب ذلك حدثت الفتن بين المسلمين ، والبغي على أئمة الدين ، وظهر اختلاف الآراء ، والميل إلى البدع والأهواء ، وكثرت الوقائع والاختلافات ، والرجوع إلى العلماء في المهمات ، فاشتغلوا بالنظر والاستدلال ، والاجتهاد والاستنباط وتمهيد القواعد والأصول ، وترتيب الأبواب والفصول ، وتكثير المسائل بأدلتها ، وإيراد الشبه بأجوبتها ، وتعيين الأوضاع والاصطلاحات ، وتبيين المذاهب والاختلافات ، فسموا ما يفيد معرفة الأحكام العملية عن أدلتها التفصيلية بالفقه ، ومعرفة أحوال الأدلة إجمالا في إفادتها الأحكام بأصول الفقه ، ومعرفة العقائد عن أدلتها بالكلام المشتق من الكلم ، وهو الجرح ومعظم خلافياته مع الفرق الإسلامية خصوصا
المعتزلة ; لأنهم أول فرقة أسسوا قواعد الخلاف لما ورد به ظاهر السنة ، وجرى عليه جماعة الصحابة
[ ص: 12 ] - رضي الله عنهم - في باب العقائد .
nindex.php?page=treesubj&link=28834_29418فأول من صنف في علم الكلام والجدال والخصام مع أهل السنة والجماعة
nindex.php?page=showalam&ids=17263أبو حذيفة واصل بن عطاء ، وهو رئيس
المعتزلة وأول من سمي معتزليا ، اعتزل مجلس
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري - رحمه الله - فسمي بذلك . كان
nindex.php?page=showalam&ids=17263واصل بن عطاء هذا أحد البلغاء المتكلمين في علم الكلام وغيره ، وكان يلثغ بالراء فيجعلها غينا ، وكان أحد الأعاجيب ; لأن لثغته كانت قبيحة جدا ، فكان يخلص كلامه من الراء ، ولا يفطن لذلك لاقتداره على الكلام وسهولة ألفاظه .
وذكر
ابن خلكان كغيره من أهل التاريخ وأخبار الناس أن
nindex.php?page=showalam&ids=17263واصل بن عطاء كان يجلس إلى
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري - رحمه الله - فلما ظهر الاختلاف ، فقالت
الخوارج بتكفير مرتكبي الكبيرة ، وقالت الجماعة بأنهم مؤمنون وإن فسقوا بالكبائر ، فخرج
nindex.php?page=showalam&ids=17263واصل بن عطاء من الفريقين ، وقال : إن الفاسق من هذه الأمة لا مؤمن ولا كافر منزلة بين منزلتين ، فطرده
الحسن عن مجلسه ، فاعتزل عنه وجلس إليه
nindex.php?page=showalam&ids=16711عمرو بن عبيد ، فقيل لهما ولأتباعهما معتزلون . فهذا
nindex.php?page=treesubj&link=28834سبب تسميتهم بالمعتزلة .
ولواصل من التصانيف كتاب المرجئة ، وكتاب التوبة ، وكتاب المنزلة بين المنزلتين ، وكتاب خطبته التي أخرج منها الراء ، وكتاب معاني القرآن ، وكتاب الخطب في العدل والتوحيد ، وكتاب ما جرى بينه وبين
nindex.php?page=showalam&ids=16711عمرو بن عبيد ، وكتاب السبيل إلى معرفة الحق ، وغير ذلك . وكانت ولادته سنة ثمانين من الهجرة
بمدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، وتوفي سنة إحدى وثلاثين ومائة ، وهو من موالي
بني منبه ( ؟ ) ، وقيل من موالي
بني مخزوم .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28834عمرو بن عبيد بن باب فمن موالي
بني عقيل آل غزادة بن يربوع بن مالك ، كان جده
باب من سبي
كابل من
جبال السند ، وكان
عمرو شيخ
المعتزلة في وقته ، وله كتاب تفسير عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ، وله كتاب الرد على
القدرية ، وله كلام كثير في العدل والتوحيد على اعتقاد
المعتزلة . وولد سنة ثمانين من الهجرة ، ومات سنة أربع وأربعين ومائة ، وهو
[ ص: 13 ] راجع إلى ( ؟ )
مكة بموضع يقال له
مران ، على ليلتين من
مكة من جهة
البصرة ، والله أعلم .
( الثَّالِثُ )
الرَّأْيُ مَصْدَرُ رَأَى رَأْيًا مَهْمُوزٌ ، وَالْجَمْعُ آرَاءٌ ، وَهُوَ التَّفَكُّرُ فِي مَبَادِئِ الْأُمُورِ وَنَظَرِ عَوَاقِبِهَا وَعِلْمِ مَا تَئُولُ إِلَيْهِ مِنَ الْخَطَأِ وَالصَّوَابِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=21701وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُمْ أَهْلُ الْقِيَاسِ وَالتَّأْوِيلِ ، كَأَصْحَابِ الْإِمَامِ
أَبِي حَنِيفَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13711وَأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ . وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ ضِدُّ أَصْحَابِ
الظَّاهِرِ مِنْ
دَاوُدَ nindex.php?page=showalam&ids=13064وَابْنِ حَزْمٍ وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ . وَأَصْحَابُ التَّأْوِيلِ ضِدُّ أَصْحَابِنَا مِنْ أَتْبَاعِ الْمَأْثُورِ ، وَالْمُرُورِ كَمَا جَاءَ مَعَ التَّفْوِيضِ ، وَاعْتِقَادِ التَّنْزِيهِ بِأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .
وَكَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=33763_20344سَبَبُ انْتِشَارِ الْبِدَعِ وَظُهُورِهَا ، وَزِيَادَتِهَا وَنُشُورِهَا ،
nindex.php?page=showalam&ids=15128الْمَأْمُونَ بْنَ هَارُونَ الرَّشِيدِ ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْعَبَّاسِ ، سَابِعُ خُلَفَاءِ
بَنِي الْعَبَّاسِ ، وَأُمُّهُ ( أَمَةٌ ) ، اسْمُهَا
مَرَاجِلُ ، وَلِيَ الْخِلَافَةَ سَنَةَ مِائَةٍ وَسَبْعِينَ ، وَكَانَ مِنْ رِجَالِ
بَنِي الْعَبَّاسِ - حَزْمًا وَعَزْمًا ، وَحِلْمًا وَعِلْمًا ، وَرَأْيًا وَدَهَاءً ، وَشَجَاعَةً وَبَرَاعَةً ، وَفَصَاحَةً وَسَمَاحَةً ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ رَافِضِيًّا مُعْتَزِلِيًّا قَدَرِيًّا ، فَهُوَ خَبِيثُ الِاعْتِقَادِ ، كَبِيرُ الْفَسَادِ وَالْعِنَادِ .
وَفِي سَنَةِ مِائَتَيْنِ وَإِحْدَى عَشَرَ أَمَرَ أَنْ يُنَادَى : بَرِئَتِ الذِّمَّةُ مِمَّنْ ذَكَرَ
مُعَاوِيَةَ [ ص: 9 ] ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) بِخَيْرٍ ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الْخُلَفَاءِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وَفِي سَنَةِ مِائَتَيْنِ وَاثْنَتَيْ عَشْرَةَ ، أَظْهَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=15128الْمَأْمُونُ الْقَوْلَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ مُضَافًا إِلَى تَفْضِيلِ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الشَّيْخَيْنِ
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا . فَاشْمَأَزَّتْ مِنْهُ النُّفُوسُ ، وَدَعَا النَّاسَ لِرَأْيِهِ الْمَعْكُوسِ ، وَكَادَتِ الْفِتَنُ أَنْ تَقُومَ عَلَى سَاقِهَا . فَكَفَّ عَنْ ذَلِكَ إِلَى سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ ، فَامْتُحِنَ النَّاسُ بِالْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ ، فَأَجَابَ مَنْ أَجَابَ طَوْعًا وَكَرْهًا ، وَامْتَنَعَ سَيِّدُنَا الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَنِ امْتَنَعَ مَعَهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ ، وَطُلِبَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ ، فَهَلَكَ
nindex.php?page=showalam&ids=15128الْمَأْمُونُ وَلَمْ يَرَهُ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ . وَكَانَ هَلَاكُ
nindex.php?page=showalam&ids=15128الْمَأْمُونِ فِي شَهْرِ رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ .
قَالَ الْعُلَمَاءُ : إِنَّ الْمَأْمُونَ لَمَّا هَادَنَ بَعْضَ مُلُوكِ النَّصَارَى - أَظُنُّهُ صَاحِبَ
جَزِيرَةِ قُبْرُسَ - طَلَبَ مِنْهُ خِزَانَةَ
nindex.php?page=treesubj&link=33763كُتُبِ الْيُونَانِ ، وَكَانَتْ عِنْدَهُمْ مَجْمُوعَةً فِي بَيْتٍ لَا يَظْهَرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ ، فَجَمَعَ الْمَلِكُ خَوَاصَّهُ مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ وَاسْتَشَارَهُمْ فِي ذَلِكَ ، فَكُلُّهُمْ أَشَارُوا بِعَدَمِ تَجْهِيزِهَا إِلَيْهِ إِلَّا مَطْرَانٌ وَاحِدٌ ، فَإِنَّهُ قَالَ : جَهِّزْهَا إِلَيْهِمْ ، فَمَا دَخَلَتْ هَذِهِ الْعُلُومُ عَلَى دَوْلَةٍ شَرْعِيَّةٍ إِلَّا أَفْسَدَتْهَا ، وَأَوْقَعَتْ بَيْنَ عُلَمَائِهَا .
قَالَ
الصَّلَاحُ الصَّفَدِيُّ : حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ
شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ - رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ - كَانَ يَقُولُ : مَا أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ يَغْفُلُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=15128الْمَأْمُونِ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُقَابِلَهُ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ مَعَ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ إِدْخَالِ هَذِهِ الْعُلُومِ الْفَلْسَفِيَّةِ بَيْنَ أَهْلِهَا . قَالَ
الصَّلَاحُ الصَّفَدِيُّ : لَمْ يَبْتَكِرِ
nindex.php?page=showalam&ids=15128الْمَأْمُونُ النَّقْلَ وَالتَّعْرِيبَ ، بَلْ فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَهُ كَثِيرٌ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=17312يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ الْبَرْمَكِيَّ عَرَّبَ مِنْ كُتُبِ
الْفُرْسِ كَلِيلَةَ وَدِمْنَةَ ، وَعَرَّبَ لِأَجْلِهِ كِتَابَ الْمَجِسْطِيِّ مِنْ كُتُبِ الْيُونَانِ . وَالْمَشْهُورُ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ عَرَّبَ كُتُبَ
الْيُونَانِ nindex.php?page=showalam&ids=15815خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، لِمَا وَلِعَ بِكُتُبِ الْكِيمْيَاءِ .
ثُمَّ قَالَ
الصَّفَدِيُّ : وَالْخِلَافُ مَا زَالَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مُنْذُ تُوُفِّيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى فِي مَوْتِهِ وَدَفْنِهِ وَأَمْرِ الْخِلَافَةِ بَعْدَهُ ، وَأَمْرِ مِيرَاثِهِ ، وَأَمْرِ قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، بَلْ فِي نَفْسِ مَرَضِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا
[ ص: 10 ] قَالَ : " ائْتُونِي بِدَوَاةٍ وَقِرْطَاسٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدِي . عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوَاطِنِهِ ، وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026027إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ افْتَرَقُوا عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، وَإِنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ " . وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ، قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ سَتَفْتَرِقُ ، وَمَتَى افْتَرَقَتْ خَالَفَ بَعْضُهَا بَعْضًا ، وَمَتَى خَالَفَتْ تَمَسَّكَتْ بِشُبَهٍ وَحُجَجٍ ، وَنَاظَرَ كُلَّ فِرْقَةٍ مَنْ تُخَالِفُهَا ، فَانْفَتَحَ بَابُ الْجَدَلِ ، وَاحْتَاجَ كُلُّ أَحَدٍ إِلَى تَرْجِيحِ مَذْهَبِهِ وَقَوْلِهِ بِحُجَّةٍ عَقْلِيَّةٍ أَوْ نَقْلِيَّةٍ أَوْ مُرَكَّبَةٍ مِنْهُمَا ، فَهَذَا الْأَمْرُ كَانَ مَأْمُونًا قَبْلَ
nindex.php?page=showalam&ids=15128الْمَأْمُونِ ، نَعَمْ زَادَ الشَّرُّ وَالضَّرَرُ ، وَقَوِيَتْ بِهِ حُجَجُ
الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَأَخَذَ أَصْحَابُ الْأَهْوَاءِ وَمُخَالِفُو السُّنَّةِ مُقَدِّمَاتٍ عَقْلِيَّةً مِنَ
الْفَلَاسِفَةِ ، فَأَدْخَلُوهَا فِي مَبَاحِثِهِمْ ، وَفَرَّجُوا بِهَا مَضَايِقَ جِدَالِهِمْ ، وَبَنَوْا عَلَيْهَا قَوَاعِدَ بِدَعِهِمْ ، فَاتَّسَعَ الْخَرْقُ عَلَى الرَّاقِعِ ، وَكَادَ مَنَارُ الْحَقِّ الْوَاحِدِ يَشْتَبِهُ بِالثَّلَاثِ الْأَثَافِيِّ وَالرُّسُومِ الْبَلَاقِعِ ، عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ الشَّرِيفَةَ مَرْفُوعَةُ الْمَنَارِ ، مَأْمُونَةُ السِّرَارِ ، خَافِقَةُ الْأَعْلَامِ ، رَاسِخَةُ الْأَحْلَامِ ، بَاهِرَةُ السَّنَا ، سَاطِعَةُ الْجَنَى .
وَيَزِيدُهَا مَرُّ اللَّيَالِي جِدَّةً وَتَقَادُمُ الْأَيَّامِ حُسْنَ شَبَابِ
وَأَهْلُ السُّنَّةِ قَدْ فَتَحَ لَهُمُ السَّلَفُ الصَّالِحُ مُغْلَقَ أَبْوَابِهَا ، وَذَلَّلُوا بِالشَّوَاهِدِ الصَّادِقَةِ الصَّادِعَةِ مَا جَمَحَ مِنْ صِعَابِهَا ، وَأَطْلَقُوا نِيَرَهَا الْأَعْظَمَ ، فَطَمَسَ مِنَ الْبِدَعِ تَأَلُّقَ شِهَابِهَا ، وَأَجْنَوْا مَنِ اتَّبَعَ هَدْيَهُمْ ثَمَرَ الْيَقِينِ مُتَّحِدَ النَّوْعِ وَإِنْ كَانَ مُتَشَابِهًا ، وَجَاسُوا خِلَالَ الْحَقِّ فَمَيَّزُوهُ ،
وَأَهْلُ مَكَّةَ أَخْبَرُ بِشِعَابِهَا .
وَمَنْ قَالَ إِنَّ الشُّهْبَ أَكْبَرُهَا السُّهَا بِغَيْرِ دَلِيلٍ كَذَّبَتْهُ الدَّلَائِلُ
وَمَا ذَكَرَهُ
الصَّلَاحُ الصَّفَدِيُّ مِمَّا يُشَمُّ مِنْهُ رَائِحَةُ الْعُذْرِ
لِلْمَأْمُونِ عَمَّا أَدْخَلَهُ عَلَى الْأُمَّةِ فِيهِ حَقٌّ وَبَاطِلٌ ، فَأَصْلُ الْخِلَافِ كَانَ مَوْجُودًا إِلَّا أَنَّهُ فِي أُمُورٍ يَسْهُلُ بَعْضُهَا بِخِلَافِ مَا فَشَا بِفِتْنَةِ الْمَأْمُونِ . قَالَ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=14324الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي كِتَابِهِ الْعَرْشِ : لَمَّا وَلِيَ
nindex.php?page=showalam&ids=15128الْمَأْمُونُ وَكَانَ مُتَكَلِّمًا عُرِّبَتْ لَهُ كُتُبُ الْأَوَائِلِ ، فَدَعَا
[ ص: 11 ] النَّاسَ إِلَى الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ ، وَتَهَدَّدَهُمْ وَخَوَّفَهُمْ ، فَأَجَابَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ رَغْبَةً وَرَهْبَةً ، وَامْتَنَعَ مِنْ إِجَابَتِهِ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12153وَأَبُو مُسْهِرٍ عَالِمُ
دِمَشْقَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17211وَنُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ عَالِمُ
مِصْرَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13920وَالْبُوَيْطِيُّ فَقِيهُ
مِصْرَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16577وَعَفَّانُ مُحَدِّثُ
الْعِرَاقِ ، وَطَائِفَةٌ سِوَاهُمْ ، فَسَجَنَهُمْ ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ أَنْ مَاتَ
بِطَرَسُوسَ وَدُفِنَ ثُمَّ اسْتُخْلِفَ بَعْدَهُ أَخُوهُ
الْمُعْتَصِمُ ، فَامْتَحَنَ النَّاسَ وَنَهَضَ بِأَعْبَاءِ الْمِحْنَةِ قَاضِيهِ
nindex.php?page=showalam&ids=12212أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دُؤَادٍ ، وَضَرَبُوا الْإِمَامَ
أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضَرْبًا مُبَرِّحًا ، فَلَمْ يُجِبْهُمْ ، وَنَاظَرُوهُ وَجَرَتْ أُمُورٌ صَعْبَةٌ . انْتَهَى .
وَأَمَّا
خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ ، فَعُرِّبَتْ لَهُ كُتُبُ الطِّبِّ وَالنُّجُومِ ، وَقِيلَ : الَّذِي عُرِّبَتْ لَهُ كُتُبُ الطِّبِّ وَالنُّجُومِ
الْمَنْصُورُ ، وَأَمَّا
خَالِدٌ فَإِنَّمَا وَلَعُهُ فِي صَنْعَةِ الْكِيمْيَاءِ ، وَلَهُ فِي ذَلِكَ رَسَائِلُ ، وَكَانَ قَدْ أَخَذَ تِلْكَ الصِّنَاعَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الرُّهْبَانِ يُقَالُ لَهُ
مِرْيَاسُ الرُّومِيُّ . وَأَمَّا
الْمَنْصُورُ فَأَوَّلُ خَلِيفَةٍ تُرْجِمَتْ لَهُ الْكُتُبُ
السُّرْيَانِيَّةُ وَالْأَعْجَمِيَّةُ بِالْعَرَبِيَّةِ ، مِثْلَ : كَلِيلَةَ وَدِمْنَةَ وَأَقْلِيدِسَ ، كَمَا فِي تَارِيخِ الْخُلَفَاءِ لِلْحَافِظِ
جَلَالِ الدِّينِ السَّيُوطِيِّ ، وَقَالَ : وَهُوَ أَوَّلُ خَلِيفَةٍ قَرَّبَ الْمُنَجِّمِينَ ، وَعَمِلَ بِأَحْكَامِ النُّجُومِ . وَأَمَّا
nindex.php?page=showalam&ids=15128الْمَأْمُونُ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَدْخَلَ عِلْمَ الْمَنْطِقِ وَسَائِرَ الْعُلُومِ الْيُونَانِيَّةِ فِي الْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ ، وَأَحْضَرَهَا مِنْ
جَزِيرَةِ قُبْرُصَ ، وَتُرْجِمَتْ لَهُ كُتُبٌ كَثِيرَةٌ كَمَا فِي أَوَائِلِ
السَّيُوطِيِّ . انْتَهَى .
وَبِسَبَبِ ذَلِكَ حَدَثَتِ الْفِتَنُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَالْبَغْيُ عَلَى أَئِمَّةِ الدِّينِ ، وَظَهَرَ اخْتِلَافُ الْآرَاءِ ، وَالْمَيْلُ إِلَى الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ ، وَكَثُرَتِ الْوَقَائِعُ وَالِاخْتِلَافَاتُ ، وَالرُّجُوعُ إِلَى الْعُلَمَاءِ فِي الْمُهِمَّاتِ ، فَاشْتَغَلُوا بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ ، وَالِاجْتِهَادِ وَالِاسْتِنْبَاطِ وَتَمْهِيدِ الْقَوَاعِدِ وَالْأُصُولِ ، وَتَرْتِيبِ الْأَبْوَابِ وَالْفُصُولِ ، وَتَكْثِيرِ الْمَسَائِلِ بِأَدِلَّتِهَا ، وَإِيرَادِ الشُّبَهِ بِأَجْوِبَتِهَا ، وَتَعْيِينِ الْأَوْضَاعِ وَالِاصْطِلَاحَاتِ ، وَتَبْيِينِ الْمَذَاهِبِ وَالِاخْتِلَافَاتِ ، فَسَمَّوْا مَا يُفِيدُ مَعْرِفَةَ الْأَحْكَامِ الْعَمَلِيَّةِ عَنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ بِالْفِقْهِ ، وَمَعْرِفَةَ أَحْوَالِ الْأَدِلَّةِ إِجْمَالًا فِي إِفَادَتِهَا الْأَحْكَامَ بِأُصُولِ الْفِقْهِ ، وَمَعْرِفَةَ الْعَقَائِدِ عَنْ أَدِلَّتِهَا بِالْكَلَامِ الْمُشْتَقِّ مِنَ الْكَلِمِ ، وَهُوَ الْجَرْحُ وَمُعْظَمُ خِلَافِيَّاتِهِ مَعَ الْفِرَقِ الْإِسْلَامِيَّةِ خُصُوصًا
الْمُعْتَزِلَةَ ; لِأَنَّهُمْ أَوَّلُ فِرْقَةٍ أَسَّسُوا قَوَاعِدَ الْخِلَافِ لِمَا وَرَدَ بِهِ ظَاهِرُ السُّنَّةِ ، وَجَرَى عَلَيْهِ جَمَاعَةُ الصَّحَابَةِ
[ ص: 12 ] - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي بَابِ الْعَقَائِدِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28834_29418فَأَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَالْجِدَالِ وَالْخِصَامِ مَعَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=17263أَبُو حُذَيْفَةَ وَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ ، وَهُوَ رَئِيسُ
الْمُعْتَزِلَةِ وَأَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ مُعْتَزِلِيًّا ، اعْتَزَلَ مَجْلِسَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَسُمِّيَ بِذَلِكَ . كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=17263وَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ هَذَا أَحَدَ الْبُلَغَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَغَيْرِهِ ، وَكَانَ يَلْثَغُ بِالرَّاءِ فَيَجْعَلُهَا غَيْنًا ، وَكَانَ أَحَدَ الْأَعَاجِيبِ ; لِأَنَّ لَثْغَتَهُ كَانَتْ قَبِيحَةً جِدًّا ، فَكَانَ يُخَلِّصُ كَلَامَهُ مِنَ الرَّاءِ ، وَلَا يُفْطَنُ لِذَلِكَ لِاقْتِدَارِهِ عَلَى الْكَلَامِ وَسُهُولَةِ أَلْفَاظِهِ .
وَذَكَرَ
ابْنُ خَلِّكَانَ كَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ التَّارِيخِ وَأَخْبَارِ النَّاسِ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=17263وَاصِلَ بْنَ عَطَاءٍ كَانَ يَجْلِسُ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَمَّا ظَهَرَ الِاخْتِلَافُ ، فَقَالَتِ
الْخَوَارِجُ بِتَكْفِيرِ مُرْتَكِبِي الْكَبِيرَةِ ، وَقَالَتِ الْجَمَاعَةُ بِأَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ وَإِنْ فَسَقُوا بِالْكَبَائِرِ ، فَخَرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=17263وَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ ، وَقَالَ : إِنَّ الْفَاسِقَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَا مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ مَنْزِلَةٌ بَيْنَ مَنْزِلَتَيْنِ ، فَطَرَدَهُ
الْحَسَنُ عَنْ مَجْلِسِهِ ، فَاعْتَزَلَ عَنْهُ وَجَلَسَ إِلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=16711عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ ، فَقِيلَ لَهُمَا وَلِأَتْبَاعِهِمَا مُعْتَزِلُونَ . فَهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=28834سَبَبُ تَسْمِيَتِهِمْ بِالْمُعْتَزِلَةِ .
وَلِوَاصِلٍ مِنَ التَّصَانِيفِ كِتَابُ الْمُرْجِئَةِ ، وَكِتَابُ التَّوْبَةِ ، وَكِتَابُ الْمَنْزِلَةِ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ ، وَكِتَابُ خُطْبَتِهِ الَّتِي أَخْرَجَ مِنْهَا الرَّاءَ ، وَكِتَابُ مَعَانِي الْقُرْآنِ ، وَكِتَابُ الْخُطَبِ فِي الْعَدْلِ وَالتَّوْحِيدِ ، وَكِتَابُ مَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ
nindex.php?page=showalam&ids=16711عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ ، وَكِتَابُ السَّبِيلِ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ . وَكَانَتْ وِلَادَتُهُ سَنَةَ ثَمَانِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ
بِمَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ ، وَهُوَ مِنْ مَوَالِي
بَنِي مُنَبِّهٍ ( ؟ ) ، وَقِيلَ مِنْ مَوَالِي
بَنِي مَخْزُومٍ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28834عَمْرُو بْنُ عُبَيْدِ بْنِ بَابٍ فَمِنْ مَوَالِي
بَنِي عَقِيلٍ آلِ غُزَادَةَ بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ مَالِكٍ ، كَانَ جَدُّهُ
بَابٌ مِنْ سَبْيِ
كَابُلَ مِنْ
جِبَالِ السِّنْدِ ، وَكَانَ
عَمْرٌو شَيْخَ
الْمُعْتَزِلَةِ فِي وَقْتِهِ ، وَلَهُ كِتَابُ تَفْسِيرٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، وَلَهُ كِتَابُ الرَّدِّ عَلَى
الْقَدَرِيَّةِ ، وَلَهُ كَلَامٌ كَثِيرٌ فِي الْعَدْلِ وَالتَّوْحِيدِ عَلَى اعْتِقَادِ
الْمُعْتَزِلَةِ . وَوُلِدَ سَنَةَ ثَمَانِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ ، وَمَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ ، وَهُوَ
[ ص: 13 ] رَاجِعٌ إِلَى ( ؟ )
مَكَّةَ بِمَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ
مِرَانُ ، عَلَى لَيْلَتَيْنِ مِنْ
مَكَّةَ مِنْ جِهَةِ
الْبَصْرَةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .