وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28716_28717_28718_28719المنحرفون عن طريقهم ، فثلاث طوائف : أهل التخييل ، وأهل التأويل ، وأهل التجهيل ، فأما ( أهل التخييل ) وهم
المتفلسفة ومن سلك سبيلهم من متكلم ومتصوف ، فإنهم يقولون : إن ما ذكره الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أمر الإيمان واليوم الآخر ، إنما هو تخييل للحقائق ; لينتفع به الجمهور ، لا أنه بين به الحق ، ولا هدى به الخلق ، ولا أوضح الحقائق . وليس فوق هذا الكفر كفر .
( وأهل التأويل ) هم الذين يقولون : إن النصوص الواردة في الصفات ، لم يقصد بها الرسول أن يعتقد الناس الباطل ، ولكن قصد بها معاني ، ولم يبين لهم ذلك ، ولا دلهم عليها ، ولكن أراد أن ينظروا ، فيعرفوا الحق بعقولهم ، ثم يجتهدوا في صرف تلك النصوص عن مدلولها ، ومقصوده امتحانهم وتكليفهم وإتعاب أذهانهم وعقولهم في أن يصرفوه عن مدلوله ومقتضاه ،
[ ص: 117 ] ويعرفوا الحق في غيره وسواه . وهذا قول المتكلمة
والجهمية والمعتزلة ، ومن نحا منحاهم . ولا يخفى ما في ضمن كلام هؤلاء من قصد الإضلال ، وعدم النصح ، ومناقضة ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - وما وصفه الله به من الرأفة والرحمة ، وقد تظاهر هؤلاء بنصر السنة ، وهم في الحقيقة لا للإسلام نصروا ، ولا
للفلاسفة كسروا ، بل فتحوا لأهل الإلحاد الباب ، وسلطوا
القرامطة الباطنية من ذوي الفساد على الإلحاد في السنة والكتاب .
( وأهل التجهيل ) هم الذين يقولون : إن الرسول لم يعرف معاني ما أنزل عليه من آيات الصفات ، ولا
جبريل يعرف معاني الآيات ، ولا السابقون الأولون عرفوا ذلك ، وكذلك قولهم في أحاديث الصفات ، وأن الرسول تكلم بكلام لا يعرف معناه ، وهذا قول كثير من المنتسبين إلى السنة واتباع السلف ، فيقولون في آيات الصفات وأحاديثها : لا يعلم معرفتها إلا الله ، ويستدلون بقوله - تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وما يعلم تأويله إلا الله ) ، ويقولون : تجرى على ظاهرها ، وظاهرها مراد مع قولهم : إن لها تأويلا بهذا المعنى لا يعلمه إلا الله .
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية في " الحموية " : التأويل الذي لا يعلمه إلا الله ، هو الحقيقة التي يئول الكلام إليها ، فتأويل الصفات هو الحقيقة التي انفرد الله - تعالى - بعلمها ، وهو الكيف المجهول الذي قال فيه السلف كمالك وغيره : الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، فكيفية الاستواء مثلا هو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله - جل وعلا .
( تنبيه ) : اختلف الناس
nindex.php?page=treesubj&link=28707_28716في إثبات صفات الباري - جل شأنه ، فأثبتها أهل الحق من غير نفي لها ولا لبعضها ، وهذا مذهب سلف الأمة وسائر الأئمة . وأثبت المتكلمون بعضها من الحياة والقدرة والإرادة والعلم والكلام والسمع والبصر ، ويسمونها الصفات الثبوتية والمعنوية ، وما عداها من صفات الأفعال والسلوب ونحوها فحادثة عندهم . وذهبت
المعتزلة والفلاسفة وأكثر فرق أهل الضلال إلى نفيها كما يأتي تحرير بعض قول
أهل الاعتزال ، نعم ،
المعتزلة تثبت له - تعالى - الأسماء دون الصفات ، والله أعلم .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28716_28717_28718_28719الْمُنْحَرِفُونَ عَنْ طَرِيقِهِمْ ، فَثَلَاثُ طَوَائِفَ : أَهْلُ التَّخْيِيلِ ، وَأَهْلُ التَّأْوِيلِ ، وَأَهْلُ التَّجْهِيلِ ، فَأَمَّا ( أَهْلُ التَّخْيِيلِ ) وَهُمُ
الْمُتَفَلْسِفَةُ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَمُتَصَوِّفٍ ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّ مَا ذَكَرَهُ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَمْرِ الْإِيمَانِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، إِنَّمَا هُوَ تَخْيِيلٌ لِلْحَقَائِقِ ; لِيَنْتَفِعَ بِهِ الْجُمْهُورُ ، لَا أَنَّهُ بَيَّنَ بِهِ الْحَقَّ ، وَلَا هَدَى بِهِ الْخَلْقَ ، وَلَا أَوْضَحَ الْحَقَائِقَ . وَلَيْسَ فَوْقَ هَذَا الْكُفْرِ كُفْرٌ .
( وَأَهْلُ التَّأْوِيلِ ) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ : إِنَّ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ فِي الصِّفَاتِ ، لَمْ يَقْصِدْ بِهَا الرَّسُولُ أَنْ يَعْتَقِدَ النَّاسُ الْبَاطِلَ ، وَلَكِنْ قَصَدَ بِهَا مَعَانِيَ ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ ذَلِكَ ، وَلَا دَلَّهُمْ عَلَيْهَا ، وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرُوا ، فَيَعْرِفُوا الْحَقَّ بِعُقُولِهِمْ ، ثُمَّ يَجْتَهِدُوا فِي صَرْفِ تِلْكَ النُّصُوصِ عَنْ مَدْلُولِهَا ، وَمَقْصُودُهُ امْتِحَانُهُمْ وَتَكْلِيفُهُمْ وَإِتْعَابُ أَذْهَانِهِمْ وَعُقُولِهِمْ فِي أَنْ يَصْرِفُوهُ عَنْ مَدْلُولِهِ وَمُقْتَضَاهُ ،
[ ص: 117 ] وَيَعْرِفُوا الْحَقَّ فِي غَيْرِهِ وَسِوَاهُ . وَهَذَا قَوْلُ الْمُتَكَلِّمَةِ
وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ ، وَمَنْ نَحَا مَنْحَاهُمْ . وَلَا يَخْفَى مَا فِي ضِمْنِ كَلَامِ هَؤُلَاءِ مِنْ قَصْدِ الْإِضْلَالِ ، وَعَدَمِ النُّصْحِ ، وَمُنَاقَضَةِ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا وَصَفَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ ، وَقَدْ تَظَاهَرَ هَؤُلَاءِ بِنَصْرِ السُّنَّةِ ، وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ لَا لِلْإِسْلَامِ نَصَرُوا ، وَلَا
لِلْفَلَاسِفَةِ كَسَرُوا ، بَلْ فَتَحُوا لِأَهْلِ الْإِلْحَادِ الْبَابَ ، وَسَلَّطُوا
الْقَرَامِطَةَ الْبَاطِنِيَّةَ مِنْ ذَوِي الْفَسَادِ عَلَى الْإِلْحَادِ فِي السُّنَّةِ وَالْكِتَابِ .
( وَأَهْلُ التَّجْهِيلِ ) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ : إِنَّ الرَّسُولَ لَمْ يَعْرِفْ مَعَانِيَ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ ، وَلَا
جِبْرِيلُ يَعْرِفُ مَعَانِيَ الْآيَاتِ ، وَلَا السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ عَرَفُوا ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ ، وَأَنَّ الرَّسُولَ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ ، وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ وَاتِّبَاعِ السَّلَفِ ، فَيَقُولُونَ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثِهَا : لَا يَعْلَمُ مَعْرِفَتَهَا إِلَّا اللَّهُ ، وَيَسْتَدِلُّونَ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ) ، وَيَقُولُونَ : تُجْرَى عَلَى ظَاهِرِهَا ، وَظَاهِرُهَا مُرَادٌ مَعَ قَوْلِهِمْ : إِنَّ لَهَا تَأْوِيلًا بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ .
قَالَ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي " الْحَمَوِيَّةِ " : التَّأْوِيلُ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ ، هُوَ الْحَقِيقَةُ الَّتِي يَئُولُ الْكَلَامُ إِلَيْهَا ، فَتَأْوِيلُ الصِّفَاتِ هُوَ الْحَقِيقَةُ الَّتِي انْفَرَدَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِعِلْمِهَا ، وَهُوَ الْكَيْفُ الْمَجْهُولُ الَّذِي قَالَ فِيهِ السَّلَفُ كَمَالِكٍ وَغَيْرِهِ : الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ ، وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ ، فَكَيْفِيَّةُ الِاسْتِوَاءِ مَثَلًا هُوَ التَّأْوِيلُ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا .
( تَنْبِيهٌ ) : اخْتَلَفَ النَّاسُ
nindex.php?page=treesubj&link=28707_28716فِي إِثْبَاتِ صِفَاتِ الْبَارِي - جَلَّ شَأْنُهُ ، فَأَثْبَتَهَا أَهْلُ الْحَقِّ مِنْ غَيْرِ نَفْيٍ لَهَا وَلَا لِبَعْضِهَا ، وَهَذَا مَذْهَبُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَسَائِرِ الْأَئِمَّةِ . وَأَثْبَتَ الْمُتَكَلِّمُونَ بَعْضَهَا مِنَ الْحَيَاةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَالْعِلْمِ وَالْكَلَامِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ ، وَيُسَمُّونَهَا الصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةَ وَالْمَعْنَوِيَّةَ ، وَمَا عَدَاهَا مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ وَالسُّلُوبِ وَنَحْوِهَا فَحَادِثَةٌ عِنْدَهُمْ . وَذَهَبَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ وَالْفَلَاسِفَةُ وَأَكْثَرُ فِرَقِ أَهْلِ الضَّلَالِ إِلَى نَفْيِهَا كَمَا يَأْتِي تَحْرِيرُ بَعْضِ قَوْلِ
أَهْلِ الِاعْتِزَالِ ، نَعَمْ ،
الْمُعْتَزِلَةُ تُثْبِتُ لَهُ - تَعَالَى - الْأَسْمَاءَ دُونَ الصِّفَاتِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .