وأما الطائفة الثالثة ، فأطلقوا في
nindex.php?page=treesubj&link=28707_28712_28713النفي والإثبات ما جاء به الكتاب والسنة ، وما تنازع النظار في نفيه وإثباته من غير اعتصام بالكتاب والسنة ، لم توافقهم فيه على ما ابتدعوه في الشرع وخالفوا به العقل ، بل إما أن يمسكوا عن التكلم بالبدع نفيا وإثباتا ، وإما أن يفصلوا القول في اللفظ
[ ص: 110 ] والملفوظ المجمل ، فما كان في إثباته من حق يوافق الشرع أو العقل أثبتوه ، وما كان من نفيه حق
[1] في الشرع أو العقل نفوه ، ولا يتصور عندهم تعارض الأدلة الصحيحة العلمية ، لا السمعية ولا العقلية .
والكتاب والسنة يدل بالإخبار تارة ، ويدل بالتنبيه تارة ، والإرشاد والبيان للأدلة العقلية تارة ، وخلاصة ما عند أرباب النظر العقلي في الإلهيات من الأدلة اليقينية والمعارف الإلهية قد جاء به الكتاب والسنة ، مع زيادات وتكميلات لم يهتد إليها إلا من هداه الله بخطابه ، فكان فيما جاء به الرسول
[2] من
nindex.php?page=treesubj&link=28707_28724الأدلة العقلية والمعارف اليقينية فوق ما في عقول جميع العقلاء من الأولين والآخرين .
وهذه الجملة لها بسط عظيم قد بسط من ذلك ما بسط في مواضع متعددة ، والبسط التام لا يتحمله هذا المقام ، فإن لكل مقام مقالا .
ولكن
الرافضة لما اعتضدت
بالمعتزلة ، وأخذوا يذمون أهل السنة بما هم فيه مفترون : عمدا أو جهلا ، ذكرنا ما يناسب ذلك في هذا المقام .
والمقصود هنا أن أهل السنة ]
[3] متفقون على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28707_28713_28712الله ليس كمثله شيء ، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله . ولكن لفظ " التشبيه " في كلام هؤلاء
النفاة المعطلة [4] لفظ مجمل ، فإن أراد بلفظ
[5] التشبيه ما نفاه
[ ص: 111 ] ( 1 القرآن ودل عليه العقل فهذا حق ، فإن خصائص الرب تعالى لا يوصف بها شيء 1 )
[6] من المخلوقات ، ولا يماثله [ شيء من المخلوقات في ]
[7] شيء من صفاته .
nindex.php?page=treesubj&link=28707مذهب سلف الأمة وأئمتها أن يوصف الله بما وصف به نفسه ، وبما وصفه به رسوله ، من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل ، يثبتون لله ما أثبته من الصفات ، وينفون عنه مماثلة
[8] المخلوقات ، [ يثبتون له صفات الكمال ، وينفون عنه ضروب
[9] الأمثال ، ينزهونه عن النقص والتعطيل ، وعن التشبيه والتمثيل ]
[10] ، إثبات بلا تشبيه
[11] ، وتنزيه بلا تعطيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء ) رد على الممثلة ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11وهو السميع البصير ) [ سورة الشورى : 11 ] رد على
المعطلة .
nindex.php?page=treesubj&link=28712_28713_28717ومن جعل صفات الخالق مثل صفات المخلوق فهو المشبه المبطل المذموم . وإن أراد بالتشبيه أنه لا يثبت لله شيء من الصفات ، فلا يقال : له علم ولا قدرة ولا حياة ; لأن العبد موصوف بهذه الصفات ; فلزمه
[12] أن لا يقال له : حي عليم قدير ; لأن العبد يسمى بهذه الأسماء ، وكذلك في كلامه وسمعه وبصره ورؤيته وغير ذلك .
[ ص: 112 ] وهم يوافقون أهل السنة ( *
[13] على أن الله موجود حي عليم قادر ، والمخلوق يقال له : [ موجود ]
[14] حي عليم قدير ولا يقال : هذا تشبيه
[15] يجب نفيه .
[ وهذا مما يدل عليه الكتاب والسنة
[16] وصريح العقل ، ولا يمكن أن يخالف فيه عاقل ، فإن الله تعالى سمى نفسه بأسماء ، وسمى بعض عباده بأسماء ، وكذلك سمى صفاته بأسماء ، وسمى بعضها صفات خلقه ، وليس المسمى كالمسمى ، فسمى نفسه حيا عليما قديرا ، رءوفا رحيما ، عزيزا حكيما ، سميعا بصيرا ، ملكا مؤمنا ، جبارا متكبرا ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) [ سورة البقرة : 255 ] ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=50إنه عليم قدير ) [ سورة الشورى : 50 ] ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=225ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم ) [ سورة البقرة : 225 ] ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228والله عزيز حكيم ) [ سورة البقرة : 228 ، 240 ] ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=65إن الله بالناس لرءوف رحيم ) [ سورة الحج : 65 ] ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إن الله كان سميعا بصيرا ) [ سورة النساء : 58 ] ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=23هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ) [ سورة الحشر : 23 ] .
وقد سمى بعض عباده حيا ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=19يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ) [ سورة الروم : 19 ] .
[ ص: 113 ] وبعضهم عليما بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=28وبشروه بغلام عليم ) [ سورة الذاريات : 28 ]
[17] ، وبعضهم حليما بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=101فبشرناه بغلام حليم ) [ سورة الصافات : 101 ] ، وبعضهم رءوفا رحيما بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128بالمؤمنين رءوف رحيم ) [ سورة التوبة : 128 ] ، وبعضهم سميعا بصيرا ( بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2فجعلناه سميعا بصيرا ) [ سورة الإنسان : 2 ] )
[18] ، وبعضهم عزيزا بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51قالت امرأة العزيز ) [ سورة يوسف : 51 ] ، وبعضهم ملكا بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=79وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ) [ سورة الكهف : 79 ] ، وبعضهم مؤمنا بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=18أفمن كان مؤمنا ) [ سورة السجدة : 18 ] ، وبعضهم جبارا متكبرا بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=35كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ) [ سورة غافر : 35 ] .
ومعلوم أنه لا يماثل الحي الحي ، ولا العليم العليم ، ولا العزيز العزيز ، ولا الرءوف الرءوف ، ولا الرحيم الرحيم ، ولا الملك الملك ، ولا الجبار الجبار ، ولا المتكبر المتكبر .
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ) [ سورة البقرة : 255 ] ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=166أنزله بعلمه ) [ سورة النساء : 166 ] ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=11وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ) [ سورة فاطر : 11 ] ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=58إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) [ سورة الذاريات : 58 ] ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=15أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ) [ سورة فصلت : 15 ] .
وفي الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=655903كان رسول الله - صلى الله [ ص: 114 ] عليه وسلم - يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن ، يقول : " إذا هم أحدكم بالأمر فيركع ركعتين من غير الفريضة ، ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب . اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر - يسميه - خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ، فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ، فاصرفه عني واصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به " [19] .
وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر الذي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي وغيره ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر أن
[20] النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو بهذا الدعاء : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=667549اللهم بعلمك الغيب ، وبقدرتك على الخلق ، أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ، اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة ، وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا ، وأسألك القصد في [ ص: 115 ] الفقر والغنى ، وأسألك نعيما لا ينفد ، وقرة عين لا تنقطع ، وأسألك الرضا بعد القضاء ، وأسألك برد العيش بعد الموت ، وأسألك لذة النظر إلى وجهك ، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ، ولا فتنة مضلة ، اللهم زينا بزينة الإيمان ، واجعلنا هداة مهتدين "
[21] .
فقد سمى الله ورسوله صفات الله تعالى علما وقدرة وقوة ، وقد قال الله تعالى
[22] : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=54الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة ) [ سورة الروم : 54 ] ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=68وإنه لذو علم لما علمناه ) [ سورة يوسف : 68 ] ، ومعلوم أنه ليس العلم كالعلم ، ولا القوة كالقوة ، ونظائر هذا كثيرة .
وهذا لازم لجميع العقلاء ، فإن من نفى بعض ما وصف الله به نفسه كالرضا والغضب والمحبة والبغض ونحو ذلك ، وزعم أن ذلك يستلزم التشبيه والتجسيم .
قيل له : فأنت تثبت له الإرادة والكلام والسمع والبصر ، مع أن ما تثبته ليس مثل صفات المخلوقين ، فقل فيما أثبته مثل قولك فيما نفيته وأثبته الله ورسوله إذ لا فرق بينهما .
فإن قال : أنا لا أثبت شيئا من الصفات .
قيل له : فأنت تثبت له الأسماء الحسنى مثل : حي وعليم وقدير ،
[ ص: 116 ] والعبد يسمى بهذه الأسماء ، وليس ما تثبت للرب من هذه الأسماء مماثلا لما تثبت للعبد ، فقل في صفاته نظير قولك ذلك في مسمى أسمائه .
فإن قال : وأنا لا أثبت له الأسماء الحسنى ، بل أقول هي مجاز ، أو هي أسماء لبعض مبتدعاته ، كقول غلاة
الباطنية والمتفلسفة .
قيل له : فلا بد أن تعتقد أنه حق قائم بنفسه ،
nindex.php?page=treesubj&link=28713_29626والجسم موجود قائم بنفسه وليس هو مماثلا له .
فإن قال : أنا لا أثبت شيئا ، بل أنكر وجود الواجب .
قيل له : معلوم بصريح العقل أن الموجود إما واجب بنفسه ، وإما غير واجب بنفسه ، وإما قديم أزلي ، وإما حادث كائن بعد أن لم يكن ، وإما مخلوق مفتقر إلى خالق ، وإما غير مخلوق ولا مفتقر إلى خالق ، وإما فقير إلى ما سواه ، وإما غني عما سواه .
وغير الواجب بنفسه لا يكون إلا بالواجب بنفسه ، والحادث لا يكون إلا بقديم ، والمخلوق لا يكون إلا بخالق ، والفقير لا يكون إلا بغني عنه ، فقد لزم على تقدير النقيضين وجود موجود واجب بنفسه قديم أزلي خالق غني عما سواه ، وما سواه بخلاف ذلك .
وقد علم بالحس والضرورة وجود موجود حادث كائن بعد أن لم يكن ، والحادث لا يكون واجبا بنفسه ، ولا قديما أزليا ، ولا خالقا لما سواه ، ولا غنيا عما سواه ، فثبت بالضرورة وجود موجودين : أحدهما غني والآخر فقير ، وأحدهما خالق والآخر مخلوق ، وهما متفقان في كون كل منهما شيئا موجودا ثابتا ، بل وإذا كان المحدث جسما فكل منهما قائم بنفسه .
[ ص: 117 ] ومن المعلوم أيضا أن أحدهما ليس مماثلا للآخر في حقيقته ، إذ لو كان كذلك لتماثلا فيما يجب ويجوز ويمتنع ; وأحدهما يجب قدمه وهو موجود بنفسه ; وأحدهما غني عن كل ما سواه والآخر ليس بغني ، وأحدهما خالق والآخر ليس بخالق ، فلو تماثلا للزم أن يكون كل منهما واجب القدم ليس بواجب القدم ، موجودا بنفسه ليس بموجود بنفسه ، غنيا عما سواه ليس بغني عما سواه ، خالقا ليس بخالق ، فيلزم اجتماع النقيضين على تقدير تماثلهما ، [ وهو ]
[23] منتف بصريح العقل ، كما هو منتف بنصوص الشرع ، مع اتفاقهما في أمور أخرى ، كما أن كلا منهما موجود ثابت له حقيقة وذات هي نفسه ، والجسم قائم بنفسه ، وهو قائم بنفسه .
فعلم بهذه البراهين البينة اتفاقهما من وجه واختلافهما من وجه ، فمن نفى ما اتفقا فيه كان معطلا قائلا للباطل ، ومن جعلهما متماثلين كان مشبها قائلا للباطل ، والله أعلم ] * )
[24] .
وذلك ; لأنهما وإن اتفقا في مسمى ما اتفقا فيه
[25] ، فالله تعالى مختص بوجوده وعلمه وقدرته [ وسائر صفاته ]
[26] ، والعبد لا يشركه في شيء من ذلك ، والعبد [ أيضا ]
[27] مختص بوجوده وعلمه وقدرته ، والله تعالى
[28] منزه
[ ص: 118 ] عن مشاركة العبد في خصائصه ، وإذا اتفقا في مسمى الوجود والعلم والقدرة ، فهذا المشترك مطلق كلي يوجد في الأذهان لا في الأعيان ، والموجود
[29] في الأعيان مختص لا اشتراك فيه .
وهذا موضع اضطرب فيه كثير من النظار ; حيث توهموا أن [ الاتفاق في ]
[30] مسمى هذه الأشياء يوجب أن يكون الوجود الذي للرب هو الوجود الذي للعبد .
وطائفة ظنت أن لفظ " الوجود " يقال بالاشتراك اللفظي ، وكابروا عقولهم ، فإن هذه الأسماء عامة قابلة للتقسيم ، كما يقال : الموجود ينقسم إلى واجب وممكن وقديم وحادث . ومورد التقسيم [ مشترك ]
[31] بين الأقسام ، واللفظ المشترك كلفظ " المشترى " الواقع على المبتاع والكوكب لا ينقسم معناه ، ولكن يقال لفظ " المشترى " يقال على كذا وعلي كذا .
وطائفة ظنت أنها إذا سمت هذا اللفظ ونحوه مشككا لكون الوجود بالواجب أولى منه بالممكن ، خلصت من هذه الشبهة ، وليس كذلك . فإن تفاضل المعنى المشترك الكلي لا يمنع
[32] أن يكون أصل المعنى مشتركا بين اثنين ، كما أن معنى " السواد " مشترك بين هذا السواد وهذا السواد ، وبعضه أشد من بعض .
[ ص: 119 ] وطائفة ظنت أن من قال : الوجود متواطئ عام ، فإنه يقول : وجود الخالق زائد على حقيقته ، ومن قال : حقيقته هي وجوده ، قال : إنه مشترك اشتراكا لفظيا ، وأمثال هذه المقالات التي قد بسط الكلام عليها في غير هذا الموضع .
وأصل خطأ هؤلاء توهمهم أن هذه الأسماء العامة الكلية يكون مسماها المطلق الكلي هو بعينه ثابتا في هذا المعين [ وهذا المعين ]
[33] ، وليس كذلك فإن ما يوجد في الخارج لا يوجد مطلقا كليا ، لا يوجد إلا معينا مختصا . ( * وهذه الأسماء إذا سمي بها كان مسماها مختصا به ، ( 2 وإذا سمي بها العبد كان مسماها مختصا به 2 )
[34] * )
[35] nindex.php?page=treesubj&link=29625_29442فوجود الله وحياته لا يشركه فيها [36] غيره ، بل وجود هذا الموجود المعين لا يشركه فيه غيره ، فكيف بوجود الخالق ؟ .
وإذا قيل : قد اشتركا في مسمى الوجود
[37] ، فلا بد أن يتميز أحدهما عن الآخر بما يخصه ، وهو الماهية والحقيقة التي تخصه .
قيل : اشتراكا في الوجود المطلق الذهني ، لا اشتراكا في مسمى الحقيقة
[38] والماهية والذات والنفس . وكما أن حقيقة هذا تخصه ،
[ ص: 120 ] فكذلك وجوده يخصه ، والغلط نشأ من جهة [ أخذ ]
[39] الوجود مطلقا ، وأخذ الحقيقة مختصة ، وكل منهما يمكن أخذه مطلقا ومختصا ، فالمطلق مساو للمطلق ، والمختص مساو للمختص ، فالوجود المطلق مطابق للحقيقة المطلقة ، ووجوده
[40] المختص مطابق لحقيقته المختصة ، والمسمى بهذا وهذا واحد ، وإن تعددت جهة التسمية ، كما يقال : هذا هو ذاك فالمشار إليه واحد ، لكن بوجهين مختلفين .
[ وأيضا فإذا اشتركا في مسمى الوجود الكلي ، فإن أحدهما يمتاز عن الآخر بوجوده الذي يخصه ، كما أن الحيوانين والإنسانين إذا اشتركا في مسمى الحيوانية والإنسانية ، فإنه يمتاز أحدهما عن الآخر بحيوانية تخصه وإنسانية تخصه ، فلو قدر أن الوجود الكلي ثابت في الخارج ، لكان التمييز يحصل بوجود خاص ، لا يحتاج أن يقال : هو مركب من وجود وماهية ، فكيف والأمر بخلاف ذلك ؟ .
ومن قال : إنه وجود مطلق بشرط سلب كل أمر ثبوتي ، فقوله أفسد من هذه الأقوال ]
[41] وهذه المعاني مبسوطة في غير هذا الموضع .
والمقصود أن
nindex.php?page=treesubj&link=28712_28713إثبات الأسماء والصفات لله ، لا يستلزم أن يكون سبحانه مشبها مماثلا لخلقه .
وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّالِثَةُ ، فَأَطْلَقُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28707_28712_28713النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، وَمَا تَنَازَعَ النُّظَّارُ فِي نَفْيِهِ وَإِثْبَاتِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِصَامٍ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، لَمْ تُوَافِقْهُمْ فِيهِ عَلَى مَا ابْتَدَعُوهُ فِي الشَّرْعِ وَخَالَفُوا بِهِ الْعَقْلَ ، بَلْ إِمَّا أَنْ يُمْسِكُوا عَنِ التَّكَلُّمِ بِالْبِدَعِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا ، وَإِمَّا أَنْ يُفَصِّلُوا الْقَوْلَ فِي اللَّفْظِ
[ ص: 110 ] وَالْمَلْفُوظِ الْمُجْمَلِ ، فَمَا كَانَ فِي إِثْبَاتِهِ مِنْ حَقٍّ يُوَافِقُ الشَّرْعَ أَوِ الْعَقْلَ أَثْبَتُوهُ ، وَمَا كَانَ مِنْ نَفْيِهِ حَقٌّ
[1] فِي الشَّرْعِ أَوِ الْعَقْلِ نَفَوْهُ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَهُمْ تَعَارُضُ الْأَدِلَّةِ الصَّحِيحَةِ الْعِلْمِيَّةِ ، لَا السَّمْعِيَّةِ وَلَا الْعَقْلِيَّةِ .
وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَدُلُّ بِالْإِخْبَارِ تَارَةً ، وَيَدُلُّ بِالتَّنْبِيهِ تَارَةً ، وَالْإِرْشَادِ وَالْبَيَانِ لِلْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ تَارَةً ، وَخُلَاصَةُ مَا عِنْدَ أَرْبَابِ النَّظَرِ الْعَقْلِيِّ فِي الْإِلَهِيَّاتِ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْيَقِينِيَّةِ وَالْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ قَدْ جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، مَعَ زِيَادَاتٍ وَتَكْمِيلَاتٍ لَمْ يَهْتَدِ إِلَيْهَا إِلَّا مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ بِخِطَابِهِ ، فَكَانَ فِيمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ
[2] مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=28707_28724الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْمَعَارِفِ الْيَقِينِيَّةِ فَوْقَ مَا فِي عُقُولِ جَمِيعِ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ .
وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ لَهَا بَسْطٌ عَظِيمٌ قَدْ بُسِطَ مِنْ ذَلِكَ مَا بُسِطَ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ ، وَالْبَسْطُ التَّامُّ لَا يَتَحَمَّلُهُ هَذَا الْمَقَامُ ، فَإِنَّ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالًا .
وَلَكِنَّ
الرَّافِضَةَ لَمَّا اعْتَضَدَتْ
بِالْمُعْتَزِلَةِ ، وَأَخَذُوا يَذُمُّونَ أَهْلَ السُّنَّةِ بِمَا هُمْ فِيهِ مُفْتَرُونَ : عَمْدًا أَوْ جَهْلًا ، ذَكَرْنَا مَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَقَامِ .
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ ]
[3] مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28707_28713_28712اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ . وَلَكِنَّ لَفْظَ " التَّشْبِيهِ " فِي كَلَامِ هَؤُلَاءِ
النُّفَاةِ الْمُعَطِّلَةِ [4] لَفْظٌ مُجْمَلٌ ، فَإِنْ أَرَادَ بِلَفْظِ
[5] التَّشْبِيهِ مَا نَفَاهُ
[ ص: 111 ] ( 1 الْقُرْآنُ وَدَلَّ عَلَيْهِ الْعَقْلُ فَهَذَا حَقٌّ ، فَإِنَّ خَصَائِصَ الرَّبِّ تَعَالَى لَا يُوصَفُ بِهَا شَيْءٌ 1 )
[6] مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ ، وَلَا يُمَاثِلُهُ [ شَيْءٌ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ فِي ]
[7] شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28707مَذْهَبُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ ، مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ ، وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ ، يُثْبِتُونَ لِلَّهِ مَا أَثْبَتَهُ مِنَ الصِّفَاتِ ، وَيَنْفُونَ عَنْهُ مُمَاثَلَةَ
[8] الْمَخْلُوقَاتِ ، [ يُثْبِتُونَ لَهُ صِفَاتِ الْكَمَالِ ، وَيَنْفُونَ عَنْهُ ضُرُوبَ
[9] الْأَمْثَالِ ، يُنَزِّهُونَهُ عَنِ النَّقْصِ وَالتَّعْطِيلِ ، وَعَنِ التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ ]
[10] ، إِثْبَاتٌ بِلَا تَشْبِيهٍ
[11] ، وَتَنْزِيهٌ بِلَا تَعْطِيلٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) رَدٌّ عَلَى الْمُمَثِّلَةِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) [ سُورَةُ الشُّورَى : 11 ] رَدٌّ عَلَى
الْمُعَطِّلَةِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28712_28713_28717وَمَنْ جَعَلَ صِفَاتِ الْخَالِقِ مِثْلَ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِ فَهُوَ الْمُشَبِّهُ الْمُبْطِلُ الْمَذْمُومُ . وَإِنْ أَرَادَ بِالتَّشْبِيهِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِلَّهِ شَيْءٌ مِنَ الصِّفَاتِ ، فَلَا يُقَالُ : لَهُ عِلْمٌ وَلَا قُدْرَةٌ وَلَا حَيَاةٌ ; لِأَنَّ الْعَبْدَ مَوْصُوفٌ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ ; فَلَزِمَهُ
[12] أَنْ لَا يُقَالَ لَهُ : حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ; لِأَنَّ الْعَبْدَ يُسَمَّى بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ ، وَكَذَلِكَ فِي كَلَامِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَرُؤْيَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ .
[ ص: 112 ] وَهُمْ يُوَافِقُونَ أَهْلَ السُّنَّةِ ( *
[13] عَلَى أَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ حَيٌّ عَلِيمٌ قَادِرٌ ، وَالْمَخْلُوقُ يُقَالُ لَهُ : [ مَوْجُودٌ ]
[14] حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ وَلَا يُقَالُ : هَذَا تَشْبِيهٌ
[15] يَجِبُ نَفْيُهُ .
[ وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ
[16] وَصَرِيحُ الْعَقْلِ ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُخَالِفَ فِيهِ عَاقِلٌ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى نَفْسَهُ بِأَسْمَاءٍ ، وَسَمَّى بَعْضَ عِبَادِهِ بِأَسْمَاءٍ ، وَكَذَلِكَ سَمَّى صِفَاتِهِ بِأَسْمَاءٍ ، وَسَمَّى بَعْضَهَا صِفَاتِ خَلْقِهِ ، وَلَيْسَ الْمُسَمَّى كَالْمُسَمَّى ، فَسَمَّى نَفْسَهُ حَيًّا عَلِيمًا قَدِيرًا ، رَءُوفًا رَحِيمًا ، عَزِيزًا حَكِيمًا ، سَمِيعًا بَصِيرًا ، مَلِكًا مُؤْمِنًا ، جَبَّارًا مُتَكَبِّرًا ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 255 ] ، وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=50إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ) [ سُورَةُ الشُّورَى : 50 ] ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=225وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 225 ] ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 228 ، 240 ] ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=65إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ) [ سُورَةُ الْحَجِّ : 65 ] ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) [ سُورَةُ النِّسَاءِ : 58 ] ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=23هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ) [ سُورَةُ الْحَشْرِ : 23 ] .
وَقَدْ سَمَّىَ بَعْضَ عِبَادِهِ حَيًّا ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=19يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ) [ سُورَةُ الرُّومِ : 19 ] .
[ ص: 113 ] وَبَعْضَهُمْ عَلِيمًا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=28وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ) [ سُورَةُ الذَّارِيَاتِ : 28 ]
[17] ، وَبَعْضَهُمْ حَلِيمًا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=101فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ) [ سُورَةُ الصَّافَّاتِ : 101 ] ، وَبَعْضَهُمْ رَءُوفًا رَحِيمًا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) [ سُورَةُ التَّوْبَةِ : 128 ] ، وَبَعْضَهُمْ سَمِيعًا بَصِيرًا ( بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ) [ سُورَةُ الْإِنْسَانِ : 2 ] )
[18] ، وَبَعْضَهُمْ عَزِيزًا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=51قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ ) [ سُورَةُ يُوسُفَ : 51 ] ، وَبَعْضَهُمْ مَلِكًا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=79وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ) [ سُورَةُ الْكَهْفِ : 79 ] ، وَبَعْضَهُمْ مُؤْمِنًا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=18أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا ) [ سُورَةُ السَّجْدَةِ : 18 ] ، وَبَعْضَهُمْ جَبَّارًا مُتَكَبِّرًا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=35كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ) [ سُورَةُ غَافِرٍ : 35 ] .
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُمَاثِلُ الْحَيُّ الْحَيَّ ، وَلَا الْعَلِيمُ الْعَلِيمَ ، وَلَا الْعَزِيزُ الْعَزِيزَ ، وَلَا الرَّءُوفُ الرَّءُوفَ ، وَلَا الرَّحِيمُ الرَّحِيمَ ، وَلَا الْمَلِكُ الْمَلِكَ ، وَلَا الْجَبَّارُ الْجَبَّارَ ، وَلَا الْمُتَكَبِّرُ الْمُتَكَبِّرَ .
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ) [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 255 ] ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=166أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ ) [ سُورَةُ النِّسَاءِ : 166 ] ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=11وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ) [ سُورَةُ فَاطِرٍ : 11 ] ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=58إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) [ سُورَةُ الذَّارِيَاتِ : 58 ] ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=15أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ) [ سُورَةُ فُصِّلَتْ : 15 ] .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=655903كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ [ ص: 114 ] عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ ، يَقُولُ : " إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ، ثُمَّ لِيَقُلِ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ . اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ - يُسَمِّيهِ - خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي ، فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي ، فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ ، وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ " [19] .
وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=56عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ الَّذِي رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15397النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=56عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ
[20] النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=667549اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ ، وَبِقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ ، أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي ، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا ، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي [ ص: 115 ] الْفَقْرِ وَالْغِنَى ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ ، وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ "
[21] .
فَقَدْ سَمَّى اللَّهُ وَرَسُولُهُ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى عِلْمًا وَقُدْرَةً وَقُوَّةً ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
[22] : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=54اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ) [ سُورَةُ الرُّومِ : 54 ] ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=68وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ ) [ سُورَةُ يُوسُفَ : 68 ] ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ الْعِلْمُ كَالْعِلْمِ ، وَلَا الْقُوَّةُ كَالْقُوَّةِ ، وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ .
وَهَذَا لَازِمٌ لِجَمِيعِ الْعُقَلَاءِ ، فَإِنَّ مَنْ نَفَى بَعْضَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ كَالرِّضَا وَالْغَضَبِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْبُغْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ التَّشْبِيهَ وَالتَّجْسِيمَ .
قِيلَ لَهُ : فَأَنْتَ تُثْبِتُ لَهُ الْإِرَادَةَ وَالْكَلَامَ وَالسَّمْعَ وَالْبَصَرَ ، مَعَ أَنَّ مَا تُثْبِتُهُ لَيْسَ مِثْلَ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ ، فَقُلْ فِيمَا أَثْبَتَّهُ مِثْلَ قَوْلِكَ فِيمَا نَفَيْتَهُ وَأَثْبَتَهَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا .
فَإِنْ قَالَ : أَنَا لَا أُثْبِتُ شَيْئًا مِنَ الصِّفَاتِ .
قِيلَ لَهُ : فَأَنْتَ تُثْبِتُ لَهُ الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى مِثْلَ : حَيٍّ وَعَلِيمٍ وَقَدِيرٍ ،
[ ص: 116 ] وَالْعَبْدُ يُسَمَّى بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ ، وَلَيْسَ مَا تُثْبِتُ لِلرَّبِّ مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ مُمَاثِلًا لِمَا تُثْبِتُ لِلْعَبْدِ ، فَقُلْ فِي صِفَاتِهِ نَظِيرَ قَوْلِكَ ذَلِكَ فِي مُسَمَّى أَسْمَائِهِ .
فَإِنْ قَالَ : وَأَنَا لَا أُثْبِتُ لَهُ الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى ، بَلْ أَقُولُ هِيَ مَجَازٌ ، أَوْ هِيَ أَسْمَاءٌ لِبَعْضِ مُبْتَدَعَاتِهِ ، كَقَوْلِ غُلَاةِ
الْبَاطِنِيَّةِ وَالْمُتَفَلْسِفَةِ .
قِيلَ لَهُ : فَلَا بُدَّ أَنْ تَعْتَقِدَ أَنَّهُ حَقٌّ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28713_29626وَالْجِسْمُ مَوْجُودٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ هُوَ مُمَاثِلًا لَهُ .
فَإِنْ قَالَ : أَنَا لَا أُثْبِتُ شَيْئًا ، بَلْ أُنْكِرُ وُجُودَ الْوَاجِبِ .
قِيلَ لَهُ : مَعْلُومٌ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ أَنَّ الْمَوْجُودَ إِمَّا وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ ، وَإِمَّا غَيْرُ وَاجِبٍ بِنَفْسِهِ ، وَإِمَّا قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ ، وَإِمَّا حَادِثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ ، وَإِمَّا مَخْلُوقٌ مُفْتَقِرٌ إِلَى خَالِقٍ ، وَإِمَّا غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَلَا مُفْتَقِرٍ إِلَى خَالِقٍ ، وَإِمَّا فَقِيرٌ إِلَى مَا سِوَاهُ ، وَإِمَّا غَنِيٌّ عَمَّا سِوَاهُ .
وَغَيْرُ الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ ، وَالْحَادِثُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِقَدِيمٍ ، وَالْمَخْلُوقُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِخَالِقٍ ، وَالْفَقِيرُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِغَنِيٍّ عَنْهُ ، فَقَدْ لَزِمَ عَلَى تَقْدِيرِ النَّقِيضَيْنِ وُجُودُ مَوْجُودٍ وَاجِبٍ بِنَفْسِهِ قَدِيمٍ أَزَلِيٍّ خَالِقٍ غَنِيٍّ عَمَّا سِوَاهُ ، وَمَا سِوَاهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ .
وَقَدْ عُلِمَ بِالْحِسِّ وَالضَّرُورَةِ وُجُودُ مَوْجُودٍ حَادِثٍ كَائِنٍ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ ، وَالْحَادِثُ لَا يَكُونُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ ، وَلَا قَدِيمًا أَزَلِيًّا ، وَلَا خَالِقًا لِمَا سِوَاهُ ، وَلَا غَنِيًّا عَمَّا سِوَاهُ ، فَثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ وُجُودُ مَوْجُودَيْنِ : أَحَدُهُمَا غَنِيٌّ وَالْآخِرُ فَقِيرٌ ، وَأَحَدُهُمَا خَالِقٌ وَالْآخِرُ مَخْلُوقٌ ، وَهُمَا مُتَّفِقَانِ فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا شَيْئًا مَوْجُودًا ثَابِتًا ، بَلْ وَإِذَا كَانَ الْمُحْدَثُ جِسْمًا فَكُلٌّ مِنْهُمَا قَائِمٌ بِنَفْسِهِ .
[ ص: 117 ] وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَيْضًا أَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ مُمَاثِلًا لِلْآخَرِ فِي حَقِيقَتِهِ ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَتَمَاثَلَا فِيمَا يَجِبُ وَيَجُوزُ وَيَمْتَنِعُ ; وَأَحَدُهُمَا يَجِبُ قِدَمُهُ وَهُوَ مَوْجُودٌ بِنَفْسِهِ ; وَأَحَدُهُمَا غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ وَالْآخِرُ لَيْسَ بِغَنِيٍّ ، وَأَحَدُهُمَا خَالِقٌ وَالْآخِرُ لَيْسَ بِخَالِقٍ ، فَلَوْ تَمَاثَلَا لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَاجِبَ الْقِدَمِ لَيْسَ بِوَاجِبِ الْقِدَمِ ، مَوْجُودًا بِنَفْسِهِ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ بِنَفْسِهِ ، غَنِيًّا عَمَّا سِوَاهُ لَيْسَ بِغَنِيٍّ عَمَّا سِوَاهُ ، خَالِقًا لَيْسَ بِخَالِقٍ ، فَيَلْزَمُ اجْتِمَاعَ النَّقِيضَيْنِ عَلَى تَقْدِيرِ تُمَاثِلِهِمَا ، [ وَهُوَ ]
[23] مُنْتَفٍ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ ، كَمَا هُوَ مُنْتَفٍ بِنُصُوصِ الشَّرْعِ ، مَعَ اتِّفَاقِهِمَا فِي أُمُورٍ أُخْرَى ، كَمَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَوْجُودٌ ثَابِتٌ لَهُ حَقِيقَةٌ وَذَاتٌ هِيَ نَفْسُهُ ، وَالْجِسْمُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ ، وَهُوَ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ .
فَعُلِمَ بِهَذِهِ الْبَرَاهِينِ الْبَيِّنَةِ اتِّفَاقُهُمَا مِنْ وَجْهٍ وَاخْتِلَافُهُمَا مِنْ وَجْهٍ ، فَمَنْ نَفَى مَا اتَّفَقَا فِيهِ كَانَ مُعَطِّلًا قَائِلًا لِلْبَاطِلِ ، وَمَنْ جَعَلَهُمَا مُتَمَاثِلَيْنِ كَانَ مُشَبِّهًا قَائِلًا لِلْبَاطِلِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ] * )
[24] .
وَذَلِكَ ; لِأَنَّهُمَا وَإِنِ اتَّفَقَا فِي مُسَمَّى مَا اتَّفَقَا فِيهِ
[25] ، فَاللَّهُ تَعَالَى مُخْتَصٌّ بِوُجُودِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ [ وَسَائِرِ صِفَاتِهِ ]
[26] ، وَالْعَبْدُ لَا يَشْرَكُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَالْعَبْدُ [ أَيْضًا ]
[27] مُخْتَصٌّ بِوُجُودِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى
[28] مُنَزَّهٌ
[ ص: 118 ] عَنْ مُشَارَكَةِ الْعَبْدِ فِي خَصَائِصِهِ ، وَإِذَا اتَّفَقَا فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ ، فَهَذَا الْمُشْتَرُكُ مُطْلَقٌ كُلِّيٌّ يُوجَدُ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ ، وَالْمَوْجُودُ
[29] فِي الْأَعْيَانِ مُخْتَصٌّ لَا اشْتِرَاكَ فِيهِ .
وَهَذَا مَوْضِعٌ اضْطَرَبَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النُّظَّارِ ; حَيْثُ تَوَهَّمُوا أَنَّ [ الِاتِّفَاقَ فِي ]
[30] مُسَمَّى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْوُجُودُ الَّذِي لِلرَّبِّ هُوَ الْوُجُودُ الَّذِي لِلْعَبْدِ .
وَطَائِفَةٌ ظَنَّتْ أَنَّ لَفْظَ " الْوُجُودِ " يُقَالُ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ ، وَكَابَرُوا عُقُولَهُمْ ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ عَامَّةٌ قَابِلَةٌ لِلتَّقْسِيمِ ، كَمَا يُقَالُ : الْمَوْجُودُ يَنْقَسِمُ إِلَى وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ وَقَدِيمٍ وَحَادِثٍ . وَمَوْرِدُ التَّقْسِيمِ [ مُشْتَرَكٌ ]
[31] بَيْنَ الْأَقْسَامِ ، وَاللَّفْظُ الْمُشْتَرَكُ كَلَفْظِ " الْمُشْتَرَى " الْوَاقِعِ عَلَى الْمُبْتَاعِ وَالْكَوْكَبِ لَا يَنْقَسِمُ مَعْنَاهُ ، وَلَكِنْ يُقَالُ لَفْظُ " الْمُشْتَرَى " يُقَالُ عَلَى كَذَا وَعَلَيَ كَذَا .
وَطَائِفَةٌ ظَنَّتْ أَنَّهَا إِذَا سَمَّتْ هَذَا اللَّفْظَ وَنَحْوَهُ مُشَكِّكًا لَكَوْنِ الْوُجُودِ بِالْوَاجِبِ أَوْلَى مِنْهُ بِالْمُمْكِنِ ، خَلَصْتُ مِنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ . فَإِنْ تَفَاضُلَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرِكِ الْكُلِّيِّ لَا يَمْنَعُ
[32] أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْمَعْنَى مُشْتَرِكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ ، كَمَا أَنَّ مَعْنَى " السَّوَادِ " مُشْتَرِكٌ بَيْنَ هَذَا السَّوَادِ وَهَذَا السَّوَادِ ، وَبَعْضُهُ أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ .
[ ص: 119 ] وَطَائِفَةٌ ظَنَّتْ أَنَّ مَنْ قَالَ : الْوُجُودُ مُتَوَاطِئٌ عَامٌّ ، فَإِنَّهُ يَقُولُ : وُجُودُ الْخَالِقِ زَائِدٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ ، وَمَنْ قَالَ : حَقِيقَتُهُ هِيَ وُجُودُهُ ، قَالَ : إِنَّهُ مُشْتَرِكٌ اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا ، وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ الَّتِي قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَأَصْلُ خَطَأِ هَؤُلَاءِ تَوَهُّمُهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ الْعَامَّةَ الْكُلِّيَّةَ يَكُونُ مُسَمَّاهَا الْمُطْلَقُ الْكُلِّيُّ هُوَ بِعَيْنِهِ ثَابِتًا فِي هَذَا الْمُعَيَّنِ [ وَهَذَا الْمُعَيَّنُ ]
[33] ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ لَا يُوجَدُ مُطْلَقًا كُلِّيًّا ، لَا يُوجَدُ إِلَّا مُعَيَّنًا مُخْتَصًّا . ( * وَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ إِذَا سُمِّيَ بِهَا كَانَ مُسَمَّاهَا مُخْتَصًّا بِهِ ، ( 2 وَإِذَا سُمِّيَ بِهَا الْعَبْدُ كَانَ مُسَمَّاهَا مُخْتَصًّا بِهِ 2 )
[34] * )
[35] nindex.php?page=treesubj&link=29625_29442فَوُجُودُ اللَّهِ وَحَيَاتُهُ لَا يَشْرَكُهُ فِيهَا [36] غَيْرُهُ ، بَلْ وُجُودُ هَذَا الْمَوْجُودِ الْمُعَيَّنِ لَا يَشْرَكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ ، فَكَيْفَ بِوُجُودِ الْخَالِقِ ؟ .
وَإِذَا قِيلَ : قَدِ اشْتَرَكَا فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ
[37] ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ بِمَا يَخُصُّهُ ، وَهُوَ الْمَاهِيَّةُ وَالْحَقِيقَةُ الَّتِي تَخُصُّهُ .
قِيلَ : اشْتِرَاكًا فِي الْوُجُودِ الْمُطْلَقِ الذِّهْنِيِّ ، لَا اشْتِرَاكًا فِي مُسَمَّى الْحَقِيقَةِ
[38] وَالْمَاهِيَّةُ وَالذَّاتُ وَالنَّفْسُ . وَكَمَا أَنَّ حَقِيقَةُ هَذَا تَخُصُّهُ ،
[ ص: 120 ] فَكَذَلِكَ وُجُودُهُ يَخُصُّهُ ، وَالْغَلَطُ نَشَأَ مِنْ جِهَةِ [ أَخْذِ ]
[39] الْوُجُودِ مُطْلَقًا ، وَأَخْذِ الْحَقِيقَةِ مُخْتَصَّةً ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ مُطْلَقًا وَمُخْتَصًّا ، فَالْمُطْلَقُ مُسَاوٍ لِلْمُطْلَقِ ، وَالْمُخْتَصُّ مُسَاوٍ لِلْمُخْتَصِّ ، فَالْوُجُودُ الْمُطْلَقُ مُطَابِقٌ لِلْحَقِيقَةِ الْمُطْلَقَةِ ، وَوُجُودُهُ
[40] الْمُخْتَصُّ مُطَابِقٌ لِحَقِيقَتِهِ الْمُخْتَصَّةِ ، وَالْمُسَمَّى بِهَذَا وَهَذَا وَاحِدٌ ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ جِهَةُ التَّسْمِيَةِ ، كَمَا يُقَالُ : هَذَا هُوَ ذَاكَ فَالْمُشَارُ إِلَيْهِ وَاحِدٌ ، لَكِنْ بِوَجْهَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ .
[ وَأَيْضًا فَإِذَا اشْتَرَكَا فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ الْكُلِّيِّ ، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا يَمْتَازُ عَنِ الْآخَرِ بِوُجُودِهِ الَّذِي يَخُصُّهُ ، كَمَا أَنَّ الْحَيَوَانَيْنِ وَالْإِنْسَانَيْنِ إِذَا اشْتَرَكَا فِي مُسَمَّى الْحَيَوَانِيَّةِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ ، فَإِنَّهُ يَمْتَازُ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ بِحَيَوَانِيَّةٍ تَخُصُّهُ وَإِنْسَانِيَّةٍ تَخُصُّهُ ، فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْوُجُودَ الْكُلِّيَّ ثَابِتٌ فِي الْخَارِجِ ، لَكَانَ التَّمْيِيزُ يَحْصُلُ بِوُجُودٍ خَاصٍّ ، لَا يَحْتَاجُ أَنْ يُقَالَ : هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ وُجُودٍ وَمَاهِيَّةٍ ، فَكَيْفَ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ ؟ .
وَمَنْ قَالَ : إِنَّهُ وُجُودٌ مُطْلَقٌ بِشَرْطِ سَلْبِ كُلِّ أَمْرٍ ثُبُوتِيٍّ ، فَقَوْلُهُ أَفْسَدُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ ]
[41] وَهَذِهِ الْمَعَانِي مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28712_28713إِثْبَاتَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ لِلَّهِ ، لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ سُبْحَانَهُ مُشَبَّهًا مُمَاثِلًا لِخَلْقِهِ .