الوجه السادس : أن يقال : هذا المعصوم يكون وحده معصوما ؟ أو كل من نوابه معصوما
[1] ؟ وهم لا يقولون بالثاني ، والقول به مكابرة . فإن
nindex.php?page=treesubj&link=21385نواب النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكونوا معصومين ، ولا نواب nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، بل كان في بعضهم من الشر والمعصية ما لم يكن مثله في نواب nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية لأميرهم ، فأين العصمة ؟
وإن قلت : يشترط فيه وحده .
قيل : فالبلاد الغائبة عن الإمام ، لا سيما إذا لم يكن المعصوم قادرا على قهر نوابه بل هو عاجز ، ماذا ينتفعون بعصمة الإمام ، وهم يصلون
[ ص: 401 ] خلف غير معصوم ، ويحكم بينهم غير معصوم ، ويطيعون غير معصوم
[2] ، ويأخذ أموالهم غير معصوم ؟ .
فإن قيل : الأمور ترجع إلى المعصومين .
قيل : لو كان المعصوم قادرا ذا سلطان ، كما كان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان nindex.php?page=showalam&ids=33ومعاوية وغيرهم ، لم يتمكن أن يوصل إلى كل من رعيته
[3] العدل الواجب الذي يعلمه هو . وغاية ما يقدر عليه أن يولي أفضل من يقدر عليه ، لكن إذا لم يجد
[4] إلا عاجزا أو ظالما ، كيف يمكنه تولية قادر عادل ؟
[5] .
فإن قالوا : إذا لم يخلق الله إلا هذا سقط عنه التكليف .
قيل : فإذا لم يجب على الله أن يخلق قادرا عادلا مطلقا ، بل أوجب على الإمام أن يفعل ما يقدر عليه ، فكذلك الناس عليهم أن يولوا أصلح من خلقه الله تعالى ، وإن كان فيه نقص : إما من قدرته ، وإما من عدله .
وقد كان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله عنه - يقول : " اللهم إليك أشكو جلد الفاجر
[6] وعجز الثقة " ، وما ساس العالم أحد مثل
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، فكيف الظن بغيره ؟ .
هذا إذا كان المتولي نفسه قادرا عادلا ، فكيف إذا كان المعصوم عاجزا ؟ بل كيف إذا كان مفقودا ؟ من الذي يوصل الرعية إليه حتى يخبروه بأحوالهم ؟ ومن الذي يلزمها بطاعته حتى تطيعه ؟ وإذا أظهر بعض نوابه
[ ص: 402 ] طاعته حتى يوليه ، ثم أخذ ما شاء من الأموال ، وسكن في مدائن الملوك ، فأي حيلة للمعصوم فيه ؟
فعلم أن المعصوم الواحد لا يحصل به المقصود ، إذا كان ذا سلطان ، فكيف إذا كان عاجزا مقهورا ؟ فكيف إذا كان مفقودا غائبا لا يمكنه مخاطبة أحد ؟ فكيف إذا كان معدوما لا حقيقة له ؟
الْوَجْهُ السَّادِسُ : أَنْ يُقَالَ : هَذَا الْمَعْصُومُ يَكُونُ وَحْدَهُ مَعْصُومًا ؟ أَوْ كُلٌّ مِنْ نُوَّابِهِ مَعْصُومًا
[1] ؟ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِالثَّانِي ، وَالْقَوْلُ بِهِ مُكَابَرَةٌ . فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=21385نُوَّابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُونُوا مَعْصُومِينَ ، وَلَا نُوَّابَ nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ ، بَلْ كَانَ فِي بَعْضِهِمْ مِنَ الشَّرِّ وَالْمَعْصِيَةِ مَا لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي نُوَّابِ nindex.php?page=showalam&ids=33مُعَاوِيَةَ لِأَمِيرِهِمْ ، فَأَيْنَ الْعِصْمَةُ ؟
وَإِنْ قُلْتَ : يُشْتَرَطُ فِيهِ وَحْدَهُ .
قِيلَ : فَالْبِلَادُ الْغَائِبَةُ عَنِ الْإِمَامِ ، لَا سِيَّمَا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَعْصُومُ قَادِرًا عَلَى قَهْرِ نُوَّابِهِ بَلْ هُوَ عَاجِزٌ ، مَاذَا يَنْتَفِعُونَ بِعِصْمَةِ الْإِمَامِ ، وَهُمْ يُصَلُّونَ
[ ص: 401 ] خَلْفَ غَيْرِ مَعْصُومٍ ، وَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ غَيْرُ مَعْصُومٍ ، وَيُطِيعُونَ غَيْرَ مَعْصُومٍ
[2] ، وَيَأْخُذُ أَمْوَالَهُمْ غَيْرُ مَعْصُومٍ ؟ .
فَإِنْ قِيلَ : الْأُمُورُ تَرْجِعُ إِلَى الْمَعْصُومِينَ .
قِيلَ : لَوْ كَانَ الْمَعْصُومُ قَادِرًا ذَا سُلْطَانٍ ، كَمَا كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ nindex.php?page=showalam&ids=7وَعُثْمَانُ nindex.php?page=showalam&ids=33وَمُعَاوِيَةُ وَغَيْرُهُمْ ، لَمْ يَتَمَكَّنْ أَنْ يُوصِلَ إِلَى كُلٍّ مِنْ رَعِيَّتِهِ
[3] الْعَدْلَ الْوَاجِبَ الَّذِي يَعْلَمُهُ هُوَ . وَغَايَةُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَنْ يُوَلِّيَ أَفْضَلَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ ، لَكِنْ إِذَا لَمْ يَجِدْ
[4] إِلَّا عَاجِزًا أَوْ ظَالِمًا ، كَيْفَ يُمْكِنُهُ تَوْلِيَةُ قَادِرٍ عَادِلٍ ؟
[5] .
فَإِنْ قَالُوا : إِذَا لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ إِلَّا هَذَا سَقَطَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ .
قِيلَ : فَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَخْلُقَ قَادِرًا عَادِلًا مُطْلَقًا ، بَلْ أَوْجَبَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ، فَكَذَلِكَ النَّاسُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُوَلُّوا أَصْلَحَ مَنْ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَقْصٌ : إِمَّا مِنْ قُدْرَتِهِ ، وَإِمَّا مِنْ عَدْلِهِ .
وَقَدْ كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ : " اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو جَلَدَ الْفَاجِرِ
[6] وَعَجْزَ الثِّقَةِ " ، وَمَا سَاسَ الْعَالَمَ أَحَدٌ مِثْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ ، فَكَيْفَ الظَّنُّ بِغَيْرِهِ ؟ .
هَذَا إِذَا كَانَ الْمُتَوَلِّي نَفْسُهُ قَادِرًا عَادِلًا ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ الْمَعْصُومُ عَاجِزًا ؟ بَلْ كَيْفَ إِذَا كَانَ مَفْقُودًا ؟ مَنِ الَّذِي يُوَصِّلُ الرَّعِيَّةَ إِلَيْهِ حَتَّى يُخْبِرُوهُ بِأَحْوَالِهِمْ ؟ وَمَنِ الَّذِي يُلْزِمُهَا بِطَاعَتِهِ حَتَّى تُطِيعَهُ ؟ وَإِذَا أَظْهَرَ بَعْضُ نُوَّابِهِ
[ ص: 402 ] طَاعَتَهُ حَتَّى يُوَلِّيَهُ ، ثُمَّ أَخَذَ مَا شَاءَ مِنَ الْأَمْوَالِ ، وَسَكَنَ فِي مَدَائِنِ الْمُلُوكِ ، فَأَيُّ حِيلَةٍ لِلْمَعْصُومِ فِيهِ ؟
فَعُلِمَ أَنَّ الْمَعْصُومَ الْوَاحِدَ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ ، إِذَا كَانَ ذَا سُلْطَانٍ ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ عَاجِزًا مَقْهُورًا ؟ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مَفْقُودًا غَائِبًا لَا يُمْكِنُهُ مُخَاطَبَةُ أَحَدٍ ؟ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مَعْدُومًا لَا حَقِيقَةَ لَهُ ؟