فصل
قال الرافضي
[1] : " الرابع :
[2] nindex.php?page=treesubj&link=28833أن الله تعالى قادر على نصب [ إمام ] [3] معصوم ، وحاجة العالم داعية إليه ، ولا مفسدة فيه ، فيجب نصبه . وغير علي لم يكن كذلك إجماعا
[4] ، فتعين أن يكون الإمام هو
nindex.php?page=showalam&ids=8علي [5] . أما القدرة فظاهرة ، وأما الحاجة فظاهرة أيضا لما بينا من وقوع التنازع بين العالم . وأما [ انتفاء ]
[6] المفسدة فظاهر
[7] أيضا ؛ لأن المفسدة لازمة لعدمه . وأما وجوب نصبه ، فلأن
[8] عند ثبوت القدرة والداعي وانتفاء الصارف يجب الفعل " .
والجواب : أن هذا هو الوجه الأول بعينه ولكن قرره . وقد تقدمت
[9] [ ص: 466 ] الأجوبة عنه بمنع المقدمة الأولى وبيان فساد هذا الاستدلال ، فإن مبناه على الاحتجاج بالإجماع ، فإن كان الإجماع معصوما أغنى عن عصمة [
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ]
[10] ، وإن لم يكن معصوما بطلت دلالته على عصمة
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، [ فبطل الدليل ]
[11] على التقديرين .
ومن العجب أن
الرافضة تثبت
[12] أصولها على ما تدعيه من النص والإجماع ، وهم أبعد الأمة عن معرفة النصوص والإجماعات
[13] ، والاستدلال بها
[14] ، بخلاف السنة
[15] والجماعة ; فإن السنة
[16] تتضمن النص ، والجماعة تتضمن الإجماع .
nindex.php?page=treesubj&link=28821_29613_29614فأهل السنة والجماعة هم المتبعون للنص والإجماع .
ونحن نتكلم على هذا التقرير
[17] ببيان فساده ، وذلك من وجوه : أحدها : أن يقال : لا نسلم أن الحاجة داعية إلى نصب إمام معصوم ، وذلك لأن عصمة الأمة مغنية عن عصمته ، وهذا مما
[18] ذكره العلماء في حكمة عصمة الأمة .
قالوا : لأن من كان من الأمم قبلنا كانوا إذا بدلوا دينهم بعث الله نبيا
[ ص: 467 ] يبين
[19] الحق ، وهذه الأمة لا نبي بعد نبيها ، فكانت عصمتها تقوم مقام النبوة ، فلا يمكن أحدا منهم أن يبدل شيئا من الدين إلا أقام الله من يبين خطأه فيما بدله ، فلا تجتمع الأمة
[20] على ضلال .
كما قال - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=674048لا تزال طائفة من أمتي على الحق ، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة "
[21] . وقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=75251إن الله أجاركم على لسان نبيكم أن تجتمعوا على ضلالة "
[22] . إلى غير ذلك من الدلائل الدالة على صحة الإجماع .
الثاني : إن أريد بالحاجة أن حالهم مع وجوده أكمل ، فلا ريب أن حالهم مع عصمة نواب الإمام أكمل ، وحالهم مع عصمة أنفسهم أكمل . وليس كل ما تقدره الناس أكمل لكل منهم يفعله الله ، ولا يجب عليه فعله .
وإن أريد أنهم مع عدمه يدخلون النار ، أو لا يعيشون
[23] في الدنيا ، أو يحصل لهم [ نوع ]
[24] من الأذى .
[ ص: 468 ] فيقال : هب أن الأمر كذلك . فلم قلت : إن إزالة هذا واجب . ومعلوم أن الأمراض
[25] والهموم والغموم موجودة ، والمصائب
[26] : في الأهل والمال ، والغلاء موجود ، والجوائح التي تصيب الثمار موجودة ، وليس
[27] ما يصيب المظلوم من الضرر بأعظم مما يصيبه من هذه الأسباب ، والله تعالى لم يزل ذلك .
الثالث : أن قوله : " عند ثبوت القدرة والداعي وانتفاء الصارف يجب الفعل " .
يقال له : لم
[28] قلت : إن الداعي ثابت والصارف منتف ؟
وقوله
[29] : " حاجة
[30] العالم
[31] داعية إليه " .
يقال له : الداعي هو الذي يكون داعيا للفاعل ، فلم قلت : إن مجرد الحاجة داعية للرب تعالى فيها ؟
وكذلك قوله : " وانتفاء الصارف " وأنت لم تدع إلا عدم المفسدة التي ادعيتها ، فلم قلت : لا مفسدة
[32] في ذلك ؟ كما يقال : إن الواحد منا
[33] يحتاج إلى المال
[34] والصحة والقوة وغير ذلك .
[ ص: 469 ] الرابع : أن قوله : إن الله قادر على نصب إمام معصوم " أتريد
[35] به معصوما يفعل الطاعات باختياره والمعاصي باختياره
[36] ، والله تعالى لم يخلق اختياره كما هو قولهم
[37] ؟ أم تريد
[38] به أنه معصوم يفعل الطاعات بغير اختيار يخلقه
[39] الله فيه ؟
فإن قالوا بالأول ، كان باطلا على أصلهم ، فإن الله عندهم لا يقدر على خلق مؤمن
[40] معصوم بهذا التفسير ، كما لا يقدر على خلق مؤمن وكافر عندهم بهذا التفسير . فإن الله عندهم لا يقدر على فعل الحي المختار ، ولا يخلق إرادته المختصة بالطاعة دون المعصية .
وإن قالوا بهذا الثاني ، لم يكن لهذا المعصوم ثواب على فعل الطاعة ولا على ترك المعصية . وحينئذ فسائر الناس يثابون على طاعتهم وترك معاصيهم أفضل منه ، فكيف يكون الإمام المعصوم الذي لا ثواب له أفضل من أهل الثواب ؟
فتبين انتقاض مذهبهم حيث جمعوا بين متناقضين
[41] ، بين إيجاب خلق معصوم على الله ، وبين قولهم : إن الله لا يقدر على جعل أحد معصوما باختياره ، بحيث يثاب على فعله للطاعات وتركه للمعاصي .
الوجه الخامس : أن يقال : قولك
[42] : " يقدر على نصب إمام معصوم "
[ ص: 470 ] لفظ مجمل ، فإنه يقال : إن الله يقدر على جعل هذا الجسم أسود وأبيض ، ومتحركا وساكنا ، وميتا وحيا ، وهذا صحيح ، بمعنى أن الله إن شاء سوده ( وإن شاء بيضه ) وإن شاء
[43] أحياه وإن شاء أماته ، لكن ليس المراد أنه يصير أبيض وأسود في حال واحدة ، فإن اجتماع الضدين
[44] ممتنع لذاته ، فليس بشيء ، ولا يسمى شيئا باتفاق الناس ، ولا يدخل في عموم قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284والله على كل شيء قدير ) [ سورة البقرة : 284 ] .
وإذا كان كذلك فقولك : " قادر على نصب إمام
[45] معصوم " إن أردت أنه قادر على أن ينصب إماما ، ويلهمه فعل الطاعات وترك المعاصي . فلا ريب أن الله قادر على ذلك وغيره ، كما هو قادر على أن يجعل جميع البشر معصومين كالإمام ، بجعل كل واحد من البشر نبيا ، وأمثال ذلك من مقدورات الله تعالى .
وإن أردت أنه مع ذلك تحصل حكمته المنافية لوجود ذلك ، التي يمتنع وجودها إلا مع عدم ذلك ، فهذا يستلزم الجمع بين الضدين ، فمن أين تعلم انتفاء جميع أنواع الحكمة التي تنافي [ وجود ]
[46] ذلك ؟ .
ولو لم يكن إلا عظم أجر المطيعين إذا لم يكن لهم إمام معصوم ، فإن معرفة الطاعة والعمل بها حينئذ أشق ، فثوابه أكبر
[47] . وهذا الثواب يفوت بوجود المعصوم .
[ ص: 471 ] وأيضا فحفظ
[48] الناس للشرع ، وتفقههم في الدين ، واجتهادهم في معرفة الدين والعمل [ به ]
[49] تقل
[50] بوجود المعصوم ، [ فتفوت ]
[51] هذه الحكم والمصالح .
وأيضا فجعل غير النبي مماثلا للنبي في ذلك ، قد يكون من أعظم الشبه والقدح في خاصة النبي ، فإنه إذا وجب أن
[52] يؤمن بجميع ما يقوله هذا
[53] ، كما يجب الإيمان بجميع ما يقوله
[54] النبي ، لم تظهر خاصة النبوة ، فإن الله أمرنا أن نؤمن بجميع ما أتى به النبيون ، فلو كان لنا من يساويهم في العصمة ، لوجب
[55] الإيمان بجميع ما يقوله ، فيبطل
[56] الفرق .
الوجه السادس : أن يقال : المعصوم الذي تدعو الحاجة إليه : أهو القادر
[57] على تحصيل المصالح وإزالة المفاسد ؟ أم هو عاجز عن ذلك
[58] ؟ الثاني ممنوع ; فإن العاجز لا يحصل به وجود المصلحة ولا دفع المفسدة ، بل القدرة شرط في ذلك ، فإن العصمة تفيد
[59] وجود داعية إلى
[ ص: 472 ] الصلاح ، لكن حصول الداعي
[60] بدون القدرة لا يوجب حصول المطلوب .
وإن قيل : بل المعصوم القادر .
قيل : فهذا لم يوجد
[61] . وإن كان هؤلاء
[62] الاثني عشر قادرين
[63] على ذلك ولم يفعلوه ، لزم أن يكونوا عصاة
[64] لا معصومين ، وإن لم يقدروا لزم أن يكونوا عاجزين . فأحد الأمرين لازم قطعا أو كلاهما : العجز وانتفاء
[65] العصمة . وإذا كان كذلك ، فنحن نعلم بالضرورة انتفاء ما استدل به على وجوده . والضروريات لا تعارض بالاستدلال .
الوجه السابع : أن يقال : هذا موجود في [ هذا ]
[66] الزمان وسائر الأزمنة ، وليس في هذا الزمان أحد يمكنه العلم بما يقوله ، فضلا عن كونه يجلب مصلحة أو يدفع مفسدة ، فكان ما ذكروه باطلا .
الوجه الثامن : أنه سبحانه وإن كان قادرا على نصب معصوم ، فلا نسلم أنه لا مفسدة في نصبه . وهذا النفي [ العام ]
[67] لا بد له من دليل ، ولا يكفي في ذلك عدم العلم بالمفسدة ، فإن عدم العلم ليس علما
[ ص: 473 ] بالعدم . ثم من المفاسد في ذلك أن يكون طاعة من ليس بنبي وتصديقه مثل طاعة النبي مطلقا . وإذا ساوى
[68] النبي في وجوب طاعته في كل شيء ووجوب تصديقه في كل شيء ، ونفي كل غلط منه
[69] .
فيقال : فأي
[70] شيء خاصة النبي التي انفرد بها عنه ، حتى صار هذا نبيا ، وهذا ليس بنبي ؟ .
فإن قيل : بنزول الوحي عليه .
قيل : إذا كان المقصود بنزول الوحي عليه قد حصل له ، فقد استراح من التعب الذي كان يحصل للنبي ، وقد شاركه في المقصود .
وأيضا فعصمته إنما تكون بإلهام الحق له ، وهذا وحي .
وأيضا فإما أن يخبر بما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم -
[71] ، ويأمر بما أمر به ، أو يخبر بأخبار وأوامر زائدة
[72] . فإن كان الأول لم يكن إليه حاجة ، ولا فيه فائدة ، فإن هذا قد عرف بأخبار الرسول
[73] . وأوامره . وإن كان غير
[74] ذلك ، وهو معصوم فيه ، فهذا نبي ، فإنه ليس
[75] بمبلغ عن الأول .
وإذا قيل : بل يحفظ
[76] ما جاء به الرسول .
[ ص: 474 ] قيل : يحفظه لنفسه أو للمؤمنين ؟ فإن كان لنفسه فلا حاجة بالناس إليه . وإن كان للناس فبأي شيء يصل إلى الناس ما يحفظه : أفبالتواتر
[77] أم بخبر الواحد ؟ فبأي طريق وصل ذلك منه إلى الناس الغائبين ، وصل من الرسول إليهم ، مع قلة الوسائط .
ففي الجملة
nindex.php?page=treesubj&link=21385_28833لا مصلحة في وجود معصوم بعد الرسول إلا وهي حاصلة بدونه ، وفيه من الفساد ما لا يزول إلا بعدمه . فقولهم : " الحاجة داعية إليه " ممنوع . وقولهم : " المفسدة فيه معدومة " ممنوع .
بل الأمر بالعكس ; فالمفسدة [ معه ]
[78] موجودة ، والمصلحة معه منتفية . وإذا كان اعتقاد وجوده قد أوجب من الفساد ما أوجب ، فما الظن بتحقق وجوده .
فَصْلٌ
قَالَ الرَّافِضِيُّ
[1] : " الرَّابِعُ :
[2] nindex.php?page=treesubj&link=28833أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى نَصْبِ [ إِمَامٍ ] [3] مَعْصُومٍ ، وَحَاجَةُ الْعَالَمِ دَاعِيَةٌ إِلَيْهِ ، وَلَا مَفْسَدَةَ فِيهِ ، فَيَجِبُ نَصْبُهُ . وَغَيْرُ عَلِيٍّ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ إِجْمَاعًا
[4] ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ هُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ [5] . أَمَّا الْقُدْرَةُ فَظَاهِرَةٌ ، وَأَمَّا الْحَاجَةُ فَظَاهِرَةٌ أَيْضًا لِمَا بَيَّنَّا مِنْ وُقُوعِ التَّنَازُعِ بَيْنَ الْعَالَمِ . وَأَمَّا [ انْتِفَاءُ ]
[6] الْمَفْسَدَةِ فَظَاهِرٌ
[7] أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْمَفْسَدَةَ لَازِمَةٌ لِعَدَمِهِ . وَأَمَّا وُجُوبُ نَصْبِهِ ، فَلِأَنَّ
[8] عِنْدَ ثُبُوتِ الْقُدْرَةِ وَالدَّاعِي وَانْتِفَاءِ الصَّارِفِ يَجِبُ الْفِعْلُ " .
وَالْجَوَابُ : أَنَّ هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ بِعَيْنِهِ وَلَكِنْ قَرَّرَهُ . وَقَدْ تَقَدَّمَتْ
[9] [ ص: 466 ] الْأَجْوِبَةُ عَنْهُ بِمَنْعِ الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى وَبَيَانِ فَسَادِ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ ، فَإِنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِالْإِجْمَاعِ ، فَإِنْ كَانَ الْإِجْمَاعُ مَعْصُومًا أَغْنَى عَنْ عِصْمَةِ [
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ ]
[10] ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا بَطَلَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى عِصْمَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ ، [ فَبَطَلَ الدَّلِيلُ ]
[11] عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ .
وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ
الرَّافِضَةَ تُثْبِتُ
[12] أُصُولُهَا عَلَى مَا تَدَّعِيهِ مِنَ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ، وَهُمْ أَبْعَدُ الْأُمَّةِ عَنْ مَعْرِفَةِ النُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعَاتِ
[13] ، وَالِاسْتِدْلَالِ بِهَا
[14] ، بِخِلَافِ السُّنَّةِ
[15] وَالْجَمَاعَةِ ; فَإِنَّ السُّنَّةَ
[16] تَتَضَمَّنُ النَّصَّ ، وَالْجَمَاعَةَ تَتَضَمَّنُ الْإِجْمَاعَ .
nindex.php?page=treesubj&link=28821_29613_29614فَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ هُمُ الْمُتَّبِعُونَ لِلنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ .
وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ
[17] بِبَيَانِ فَسَادِهِ ، وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يُقَالَ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى نَصْبِ إِمَامٍ مَعْصُومٍ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عِصْمَةَ الْأُمَّةِ مُغْنِيَةٌ عَنْ عِصْمَتِهِ ، وَهَذَا مِمَّا
[18] ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ فِي حِكْمَةِ عِصْمَةِ الْأُمَّةِ .
قَالُوا : لِأَنَّ مَنْ كَانَ مِنَ الْأُمَمِ قَبْلَنَا كَانُوا إِذَا بَدَّلُوا دِينَهُمْ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا
[ ص: 467 ] يُبَيِّنُ
[19] الْحَقَّ ، وَهَذِهِ الْأُمَّةُ لَا نَبِيَّ بَعْدَ نَبِيِّهَا ، فَكَانَتْ عِصْمَتُهَا تَقُومُ مَقَامَ النُّبُوَّةِ ، فَلَا يُمْكِنُ أَحَدًا مِنْهُمْ أَنْ يُبَدِّلَ شَيْئًا مِنَ الدِّينِ إِلَّا أَقَامَ اللَّهُ مَنْ يُبَيِّنُ خَطَأَهُ فِيمَا بَدَّلَهُ ، فَلَا تَجْتَمِعُ الْأُمَّةُ
[20] عَلَى ضَلَالٍ .
كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=674048لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ "
[21] . وَقَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=75251إِنَّ اللَّهَ أَجَارَكُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ أَنْ تَجْتَمِعُوا عَلَى ضَلَالَةٍ "
[22] . إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ .
الثَّانِي : إِنْ أُرِيدَ بِالْحَاجَةِ أَنَّ حَالَهُمْ مَعَ وُجُودِهِ أَكْمَلُ ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ حَالَهُمْ مَعَ عِصْمَةِ نُوَّابِ الْإِمَامِ أَكْمَلُ ، وَحَالَهُمْ مَعَ عِصْمَةِ أَنْفُسِهِمْ أَكْمَلُ . وَلَيْسَ كُلُّ مَا تُقَدِّرُهُ النَّاسُ أَكْمَلُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ يَفْعَلُهُ اللَّهُ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ .
وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُمْ مَعَ عَدَمِهِ يَدْخُلُونَ النَّارَ ، أَوْ لَا يَعِيشُونَ
[23] فِي الدُّنْيَا ، أَوْ يَحْصُلُ لَهُمْ [ نَوْعٌ ]
[24] مِنَ الْأَذَى .
[ ص: 468 ] فَيُقَالُ : هَبْ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ . فَلِمَ قُلْتَ : إِنَّ إِزَالَةَ هَذَا وَاجِبٌ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَمْرَاضَ
[25] وَالْهُمُومَ وَالْغُمُومَ مَوْجُودَةٌ ، وَالْمَصَائِبَ
[26] : فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ ، وَالْغَلَاءُ مَوْجُودٌ ، وَالْجَوَائِحُ الَّتِي تُصِيبُ الثِّمَارَ مَوْجُودَةٌ ، وَلَيْسَ
[27] مَا يُصِيبُ الْمَظْلُومَ مِنَ الضَّرَرِ بِأَعْظَمَ مِمَّا يُصِيبُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يُزِلْ ذَلِكَ .
الثَّالِثُ : أَنَّ قَوْلَهُ : " عِنْدَ ثُبُوتِ الْقُدْرَةِ وَالدَّاعِي وَانْتِفَاءِ الصَّارِفِ يَجِبُ الْفِعْلُ " .
يُقَالُ لَهُ : لِمَ
[28] قُلْتَ : إِنَّ الدَّاعِيَ ثَابِتٌ وَالصَّارِفَ مُنْتَفٍ ؟
وَقَوْلُهُ
[29] : " حَاجَةٌ
[30] الْعَالَمِ
[31] دَاعِيَةٌ إِلَيْهِ " .
يُقَالُ لَهُ : الدَّاعِي هُوَ الَّذِي يَكُونُ دَاعِيًا لِلْفَاعِلِ ، فَلِمَ قُلْتَ : إِنَّ مُجَرَّدَ الْحَاجَةِ دَاعِيَةٌ لِلرَّبِّ تَعَالَى فِيهَا ؟
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : " وَانْتِفَاءُ الصَّارِفِ " وَأَنْتَ لَمْ تَدَّعِ إِلَّا عَدَمَ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي ادَّعَيْتَهَا ، فَلِمَ قُلْتَ : لَا مَفْسَدَةَ
[32] فِي ذَلِكَ ؟ كَمَا يُقَالُ : إِنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا
[33] يَحْتَاجُ إِلَى الْمَالِ
[34] وَالصِّحَّةِ وَالْقُوَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ .
[ ص: 469 ] الرَّابِعُ : أَنَّ قَوْلَهُ : إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى نَصْبِ إِمَامٍ مَعْصُومٍ " أَتُرِيدُ
[35] بِهِ مَعْصُومًا يَفْعَلُ الطَّاعَاتِ بِاخْتِيَارِهِ وَالْمَعَاصِي بِاخْتِيَارِهِ
[36] ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقِ اخْتِيَارَهُ كَمَا هُوَ قَوْلُهُمْ
[37] ؟ أَمْ تُرِيدُ
[38] بِهِ أَنَّهُ مَعْصُومٌ يَفْعَلُ الطَّاعَاتِ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ يَخْلُقُهُ
[39] اللَّهُ فِيهِ ؟
فَإِنْ قَالُوا بِالْأَوَّلِ ، كَانَ بَاطِلًا عَلَى أَصْلِهِمْ ، فَإِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُمْ لَا يَقْدِرُ عَلَى خَلْقِ مُؤْمِنٍ
[40] مَعْصُومٍ بِهَذَا التَّفْسِيرِ ، كَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى خَلْقِ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ عِنْدَهُمْ بِهَذَا التَّفْسِيرِ . فَإِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُمْ لَا يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِ الْحَيِّ الْمُخْتَارِ ، وَلَا يَخْلُقُ إِرَادَتَهُ الْمُخْتَصَّةَ بِالطَّاعَةِ دُونَ الْمَعْصِيَةِ .
وَإِنْ قَالُوا بِهَذَا الثَّانِي ، لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْمَعْصُومِ ثَوَابٌ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَةِ وَلَا عَلَى تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ . وَحِينَئِذٍ فَسَائِرُ النَّاسِ يُثَابُونَ عَلَى طَاعَتِهِمْ وَتَرْكِ مَعَاصِيهِمْ أَفْضَلَ مِنْهُ ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْإِمَامُ الْمَعْصُومُ الَّذِي لَا ثَوَابَ لَهُ أَفْضَلَ مِنْ أَهْلِ الثَّوَابِ ؟
فَتَبَيَّنَ انْتِقَاضُ مَذْهَبِهِمْ حَيْثُ جَمَعُوا بَيْنَ مُتَنَاقِضَيْنِ
[41] ، بَيْنَ إِيجَابِ خَلْقٍ مَعْصُومٍ عَلَى اللَّهِ ، وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ : إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْدِرُ عَلَى جَعْلِ أَحَدٍ مَعْصُومًا بِاخْتِيَارِهِ ، بِحَيْثُ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ لِلطَّاعَاتِ وَتَرْكِهِ لِلْمَعَاصِي .
الْوَجْهُ الْخَامِسُ : أَنْ يُقَالَ : قَوْلُكَ
[42] : " يَقْدِرُ عَلَى نَصْبِ إِمَامٍ مَعْصُومٍ "
[ ص: 470 ] لَفْظٌ مُجْمَلٌ ، فَإِنَّهُ يُقَالُ : إِنَّ اللَّهَ يَقْدِرُ عَلَى جَعْلِ هَذَا الْجِسْمِ أَسْوَدَ وَأَبْيَضَ ، وَمُتَحَرِّكًا وَسَاكِنًا ، وَمَيِّتًا وَحَيًّا ، وَهَذَا صَحِيحٌ ، بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ إِنْ شَاءَ سَوَّدَهُ ( وَإِنْ شَاءَ بَيَّضَهُ ) وَإِنْ شَاءَ
[43] أَحْيَاهُ وَإِنْ شَاءَ أَمَاتَهُ ، لَكِنْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَصِيرُ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ ، فَإِنَّ اجْتِمَاعَ الضِّدَّيْنِ
[44] مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ ، وَلَا يُسَمَّى شَيْئًا بِاتِّفَاقِ النَّاسِ ، وَلَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 284 ] .
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَوْلُكَ : " قَادِرٌ عَلَى نَصْبِ إِمَامٍ
[45] مَعْصُومٍ " إِنْ أَرَدْتَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَصِّبَ إِمَامًا ، وَيُلْهِمَهُ فِعْلَ الطَّاعَاتِ وَتَرْكَ الْمَعَاصِي . فَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ وَغَيْرِهِ ، كَمَا هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ جَمِيعَ الْبَشَرِ مَعْصُومِينَ كَالْإِمَامِ ، بِجَعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْبَشَرِ نَبِيًّا ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنْ مَقْدُورَاتِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَإِنْ أَرَدْتَ أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ تَحْصُلُ حِكْمَتُهُ الْمُنَافِيَةُ لِوُجُودِ ذَلِكَ ، الَّتِي يَمْتَنِعُ وُجُودُهَا إِلَّا مَعَ عَدَمِ ذَلِكَ ، فَهَذَا يَسْتَلْزِمُ الْجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ ، فَمِنْ أَيْنَ تَعْلَمُ انْتِفَاءَ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْحِكْمَةِ الَّتِي تُنَافِي [ وُجُودَ ]
[46] ذَلِكَ ؟ .
وَلَوْ لَمْ يَكُنِ إِلَّا عِظَمُ أَجْرِ الْمُطِيعِينَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِمَامٌ مَعْصُومٌ ، فَإِنَّ مَعْرِفَةَ الطَّاعَةِ وَالْعَمَلِ بِهَا حِينَئِذٍ أَشَقُّ ، فَثَوَابُهُ أَكْبَرُ
[47] . وَهَذَا الثَّوَابُ يَفُوتُ بِوُجُودِ الْمَعْصُومِ .
[ ص: 471 ] وَأَيْضًا فَحِفْظُ
[48] النَّاسِ لِلشَّرْعِ ، وَتَفَقُّهُهُمْ فِي الدِّينِ ، وَاجْتِهَادُهُمْ فِي مَعْرِفَةِ الدِّينِ وَالْعَمَلِ [ بِهِ ]
[49] تَقِلُّ
[50] بِوُجُودِ الْمَعْصُومِ ، [ فَتَفُوتُ ]
[51] هَذِهِ الْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ .
وَأَيْضًا فَجَعْلُ غَيْرِ النَّبِيِّ مُمَاثِلًا لِلنَّبِيِّ فِي ذَلِكَ ، قَدْ يَكُونُ مِنْ أَعْظَمِ الشُّبَهِ وَالْقَدْحِ فِي خَاصَّةِ النَّبِيِّ ، فَإِنَّهُ إِذَا وَجَبَ أَنْ
[52] يُؤْمِنَ بِجَمِيعِ مَا يَقُولُهُ هَذَا
[53] ، كَمَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِجَمِيعِ مَا يَقُولُهُ
[54] النَّبِيُّ ، لَمْ تَظْهَرْ خَاصَّةُ النُّبُوَّةِ ، فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِجَمِيعِ مَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّونَ ، فَلَوْ كَانَ لَنَا مَنْ يُسَاوِيهِمْ فِي الْعِصْمَةِ ، لَوَجَبَ
[55] الْإِيمَانُ بِجَمِيعِ مَا يَقُولُهُ ، فَيَبْطُلُ
[56] الْفَرْقُ .
الْوَجْهُ السَّادِسُ : أَنْ يُقَالَ : الْمَعْصُومُ الَّذِي تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ : أَهُوَ الْقَادِرُ
[57] عَلَى تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَإِزَالَةِ الْمَفَاسِدِ ؟ أَمْ هُوَ عَاجِزٌ عَنْ ذَلِكَ
[58] ؟ الثَّانِي مَمْنُوعٌ ; فَإِنَّ الْعَاجِزَ لَا يَحْصُلُ بِهِ وُجُودُ الْمَصْلَحَةِ وَلَا دَفْعُ الْمَفْسَدَةِ ، بَلِ الْقُدْرَةُ شَرْطٌ فِي ذَلِكَ ، فَإِنَّ الْعِصْمَةَ تُفِيدُ
[59] وُجُودَ دَاعِيَةٍ إِلَى
[ ص: 472 ] الصَّلَاحِ ، لَكِنَّ حُصُولَ الدَّاعِي
[60] بِدُونِ الْقُدْرَةِ لَا يُوجِبُ حُصُولَ الْمَطْلُوبِ .
وَإِنْ قِيلَ : بَلِ الْمَعْصُومُ الْقَادِرُ .
قِيلَ : فَهَذَا لَمْ يُوجَدْ
[61] . وَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ
[62] الِاثْنَيْ عَشَرَ قَادِرِينَ
[63] عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَفْعَلُوهُ ، لَزِمَ أَنْ يَكُونُوا عُصَاةً
[64] لَا مَعْصُومِينَ ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا لَزِمَ أَنْ يَكُونُوا عَاجِزِينَ . فَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ قَطْعًا أَوْ كِلَاهُمَا : الْعَجْزُ وَانْتِفَاءُ
[65] الْعِصْمَةِ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، فَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ انْتِفَاءَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى وُجُودِهِ . وَالضَّرُورِيَّاتُ لَا تُعَارَضُ بِالِاسْتِدْلَالِ .
الْوَجْهُ السَّابِعُ : أَنْ يُقَالَ : هَذَا مَوْجُودٌ فِي [ هَذَا ]
[66] الزَّمَانِ وَسَائِرِ الْأَزْمِنَةِ ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَحَدٌ يُمْكِنُهُ الْعِلْمُ بِمَا يَقُولُهُ ، فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ يَجْلِبُ مُصْلَحَةً أَوْ يَدْفَعُ مَفْسَدَةً ، فَكَانَ مَا ذَكَرُوهُ بَاطِلًا .
الْوَجْهُ الثَّامِنُ : أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى نَصْبِ مَعْصُومٍ ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا مَفْسَدَةَ فِي نَصْبِهِ . وَهَذَا النَّفْيُ [ الْعَامُّ ]
[67] لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ ، وَلَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْمَفْسَدَةِ ، فَإِنَّ عَدَمَ الْعِلْمِ لَيْسَ عِلْمًا
[ ص: 473 ] بِالْعَدَمِ . ثُمَّ مِنَ الْمَفَاسِدِ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ طَاعَةُ مَنْ لَيْسَ بِنَبِيٍّ وَتَصْدِيقُهُ مِثْلَ طَاعَةِ النَّبِيِّ مُطْلَقًا . وَإِذَا سَاوَى
[68] النَّبِيَّ فِي وُجُوبِ طَاعَتِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَوُجُوبِ تَصْدِيقِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ ، وَنَفْيِ كُلِّ غَلَطٍ مِنْهُ
[69] .
فَيُقَالُ : فَأَيُّ
[70] شَيْءٍ خَاصَّةُ النَّبِيِّ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا عَنْهُ ، حَتَّى صَارَ هَذَا نَبِيًّا ، وَهَذَا لَيْسَ بِنَبِيٍّ ؟ .
فَإِنْ قِيلَ : بِنُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ .
قِيلَ : إِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ بِنُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ قَدْ حَصَلَ لَهُ ، فَقَدِ اسْتَرَاحَ مِنَ التَّعَبِ الَّذِي كَانَ يَحْصُلُ لِلنَّبِيِّ ، وَقَدْ شَارَكَهُ فِي الْمَقْصُودِ .
وَأَيْضًا فَعِصْمَتُهُ إِنَّمَا تَكُونُ بِإِلْهَامِ الْحَقِّ لَهُ ، وَهَذَا وَحْيٌ .
وَأَيْضًا فَإِمَّا أَنْ يُخْبِرَ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
[71] ، وَيَأْمُرُ بِمَا أَمَرَ بِهِ ، أَوْ يُخْبِرُ بِأَخْبَارٍ وَأَوَامِرَ زَائِدَةٍ
[72] . فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ ، وَلَا فِيهِ فَائِدَةٌ ، فَإِنَّ هَذَا قَدْ عُرِفَ بِأَخْبَارِ الرَّسُولِ
[73] . وَأَوَامِرِهِ . وَإِنْ كَانَ غَيْرَ
[74] ذَلِكَ ، وَهُوَ مَعْصُومٌ فِيهِ ، فَهَذَا نَبِيٌّ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ
[75] بِمُبَلِّغٍ عَنِ الْأَوَّلِ .
وَإِذَا قِيلَ : بَلْ يَحْفَظُ
[76] مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ .
[ ص: 474 ] قِيلَ : يَحْفَظُهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْمُؤْمِنِينَ ؟ فَإِنْ كَانَ لِنَفْسِهِ فَلَا حَاجَةَ بِالنَّاسِ إِلَيْهِ . وَإِنْ كَانَ لِلنَّاسِ فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَصِلُ إِلَى النَّاسِ مَا يَحْفَظُهُ : أَفَبِالتَّوَاتُرِ
[77] أَمْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ؟ فَبِأَيِّ طَرِيقٍ وَصَلَ ذَلِكَ مِنْهُ إِلَى النَّاسِ الْغَائِبِينَ ، وَصَلَ مِنَ الرَّسُولِ إِلَيْهِمْ ، مَعَ قِلَّةِ الْوَسَائِطِ .
فَفِي الْجُمْلَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=21385_28833لَا مَصْلَحَةَ فِي وُجُودِ مَعْصُومٍ بَعْدَ الرَّسُولِ إِلَّا وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِدُونِهِ ، وَفِيهِ مِنَ الْفَسَادِ مَا لَا يَزُولُ إِلَّا بِعَدَمِهِ . فَقَوْلُهُمْ : " الْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَيْهِ " مَمْنُوعٌ . وَقَوْلُهُمْ : " الْمَفْسَدَةُ فِيهِ مَعْدُومَةٌ " مَمْنُوعٌ .
بَلِ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ ; فَالْمَفْسَدَةُ [ مَعَهُ ]
[78] مَوْجُودَةٌ ، وَالْمَصْلَحَةُ مَعَهُ مُنْتَفِيَةٌ . وَإِذَا كَانَ اعْتِقَادُ وُجُودِهِ قَدْ أَوْجَبَ مِنَ الْفَسَادِ مَا أَوْجَبَ ، فَمَا الظَّنُّ بِتَحَقُّقِ وُجُودِهِ .