[ ص: 403 ] قال الحاكي عنهم : فقلت لهم : إنهم يقولون لنا : إذا كان اعتقادكم في الباري - تعالى - أنه واحد ، فما حملكم على أن تقولوا : أب وابن وروح قدس ، فتوهمون السامعين أنكم تعتقدون في الله ثلاثة أشخاص مركبة ، أو ثلاثة آلهة ، أو ثلاثة أجزاء ، وأن له ابنا ، ويظن من لا يعرف اعتقادكم أنكم تريدون بذلك ابن المباضعة والتناسل ، فتطرقون على أنفسكم تهمة أنتم منها بريئون ؟
قالوا : وهم أيضا ، لما كان اعتقادهم في الباري جلت عظمته أنه غير ذي جسم ، وغير ذي جوارح وأعضاء ، وغير محصور في مكان ، فما حملهم على أن يقولوا : إن له عينين يبصر بهما ، ويدين يبسطهما ، وساقا ، ووجها يوليه إلى كل مكان ، وجنبا ، وأنه يأتي في ظلل من الغمام ، فيوهمون السامعين أن الله ذو جسم وذو أعضاء وجوارح ، وأنه ينتقل من مكان إلى مكان في ظلل من الغمام ، فيظن من لا يعرف اعتقادهم أنهم يجسمون الباري ، حتى إن قوما منهم اعتقدوا ذلك واتخذوه مذهبا ، ومن لم يتحقق اعتقادهم يتهمهم بما هم بريئون منه .
[ ص: 404 ] قال : فقلت لهم : إنهم يقولون : إن العلة في قولهم هذا ، أن الله له عينان ويدان ووجه وساق وجنب ، وأنه يأتي في ظلل من الغمام ، فهو أن القرآن نطق به ، وأن ذلك غير ظاهر اللفظ ، وكل من يحمل ذلك على ظاهر اللفظ ويعتقد أن الله له عينان ويدان ووجه وجنب وجوارح وأعضاء ، وأن ذاته تنتقل ، فهم يلعنونه ويكفرونه ، فإذا كفروا من يعتقد هذا ، فليس لمخالفيهم أن يلزموهم هذا بعد أن لا يعتقدوه .
قالوا : وكذلك نحن أيضا
النصارى ، العلة في قولنا : إن الله ثلاثة أقانيم : أب ، وابن ، وروح قدس ، أن الإنجيل نطق به ، والمراد بالأقانيم : غير الأشخاص المركبة والأجزاء والأبعاض وغير ذلك مما يقتضي الشرك والتكثير ، وبالأب والابن غير أبوة وبنوة نكاح أو تناسل ، أو جماع أو مباضعة .
وكل من يعتقد أن الثلاثة أقانيم ثلاثة آلهة مختلفة ، أو ثلاثة آلهة متفقة ، أو ثلاثة أجسام مؤلفة ، أو ثلاثة أجزاء متفرقة ، أو ثلاثة أشخاص مركبة ، أو أعراض ، أو قوى ، أو غير ذلك مما يقتضي الاشتراك والتكثير والتبعيض والتشبيه ، أو بنوة نكاح ، أو تناسل ، أو مباضعة ، أو جماع ، أو ولادة زوجة ، أو من بعض الأجسام ، أو من بعض الملائكة ، أو من بعض المخلوقين ، فنحن نلعنه ونكفره ونجرمه .
وإذا لعنا أو كفرنا من يعتقد ذلك ، فليس لمخالفينا أن يلزمونا بعد أن لا نعتقده ، وإن ألزمونا الشرك والتشبيه لأجل قولنا : أب وابن وروح
[ ص: 405 ] قدس ; لأن ظاهر ذلك يقتضي التكثير والتشبيه ، ألزمناهم أيضا - نحن - التجسيم والتشبيه لقولهم : إن الله له عينان ويدان ووجه وساق وجنب ، وأن ذاته تنتقل من مكان إلى مكان ، وأنه استوى على العرش من بعد أن لم يكن عليه ، وغير ذلك مما يقتضي ظاهره التجسيم والتشبيه .
والجواب من وجوه :
أحدها : أن يقال :
nindex.php?page=treesubj&link=34095_28718من آمن بما جاءت به الرسل وقال ما قالوه من غير تحريف للفظه ولا معناه ، فهذا لا إنكار عليه ، بخلاف من ابتدع أقوالا لم تقلها الرسل ، بل هي تخالف ما قالوه ، وحرف ما قالوه ، إما لفظا ومعنى ، وإما معنى فقط ، فهذا يستحق الإنكار عليه باتفاق الطوائف .
nindex.php?page=treesubj&link=29443وأصل دين المسلمين أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه في كتبه ، وبما وصفته به رسله ، من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل ، بل يثبتون له - تعالى - ما أثبته لنفسه ، وينفون عنه ما نفاه عن نفسه ، ويتبعون في ذلك أقوال رسله ، ويجتنبون ما خالف أقوال الرسل ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=180سبحان ربك رب العزة عما يصفون أي عما يصفه الكفار المخالفون للرسل .
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=181وسلام على المرسلين [ ص: 406 ] لسلامة ما قالوه من النقص والعيب .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45والحمد لله رب العالمين .
فالرسل وصفوا الله بصفات الكمال ، ونزهوه عن النقائص المناقضة للكمال ، ونزهوه عن أن يكون له مثل في شيء من صفات الكمال ، وأثبتوا له صفات الكمال على وجه التفصيل ، ونفوا عنه التمثيل ، فأتوا بإثبات مفصل ونفي مجمل .
nindex.php?page=treesubj&link=28717_28719فمن نفى عنه ما أثبته لنفسه من الصفات ، كان معطلا ، ومن جعلها مثل صفات المخلوقين ، كان ممثلا ، والمعطل يعبد عدما ، والممثل يعبد صنما .
وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء وهو رد على الممثلة ،
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11وهو السميع البصير وهو رد على المعطلة .
[ ص: 407 ] فوصفته الرسل بأنه حي منزه عن الموت ، عليم منزه عن الجهل ، قدير قوي عزيز منزه عن العجز والضعف والذل واللغوب ، سميع بصير منزه عن الصم والعمى ، غني منزه عن الفقر ، جواد منزه عن البخل ، حكيم حليم منزه عن السفه ، صادق منزه عن الكذب ، إلى سائر صفات الكمال ، مثل وصفه بأنه ودود رحيم لطيف ، وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=1قل هو الله أحد nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=2الله الصمد nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=3لم يلد ولم يولد nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=4ولم يكن له كفوا أحد .
فالصمد ، اسم يتضمن إثبات صفات الكمال ونفي النقائص ، وهو العليم الكامل في علمه ، القدير الكامل في قدرته ، الحكيم الكامل في حكمته .
ولنا مصنف مبسوط في تفسير هذه السورة ، وآخر في بيان أنها تعادل ثلث القرآن ، وذكرنا كلام علماء المسلمين من الصحابة والتابعين في معنى " الصمد " وأن عامة ما قالوه حق ، كقول من قال
[ ص: 408 ] منهم : ( إن الصمد الذي لا جوف له ) ومن قال منهم : ( إنه السيد الذي انتهى سؤدده ) كما قيل : ( إنه المستغني عن كل ما سواه ، وكل ما سواه محتاج إليه ) وكما قيل : ( إنه العليم الكامل في علمه ، والقدير الكامل في قدرته ) إلى سائر صفات الكمال .
وذكر تعالى في هذه السورة ، أنه أحد ليس له كفوا أحد ، فنفى بذلك أن يكون شيئا من الأشياء له كفوا ، وبين أنه أحد لا نظير له .
وقال في آية أخرى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=65فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=74فلا تضربوا لله الأمثال وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22فلا تجعلوا لله أندادا
وما ورد في القرآن والسنة من إثبات صفات الله ، فقد ورد في التوراة وغيرها من كتب الله مثل ذلك .
فهو أمر اتفقت عليه الرسل ، وأهل الكتاب في ذلك كالمسلمين .
[ ص: 409 ] وإذا كان كذلك ،
nindex.php?page=treesubj&link=29434فهم في أمانتهم لم يقولوا ما قاله المسيح والأنبياء ، بل ابتدعوا اعتقادا لا يوجد في كلام الأنبياء ، فليس في كلام الأنبياء لا
المسيح ولا غيره ذكر أقانيم لله ، لا ثلاثة ولا أكثر ، ولا إثبات ثلاث صفات ، ولا تسمية شيء من صفات الله ابنا لله ولا ربا ، ولا تسمية حياته روحا ، ولا أن لله ابنا هو إله حق من إله حق ، من جوهر أبيه ، وأنه خالق كما أن الله خالق ، إلى غير ذلك من الأقوال المتضمنة لأنواع من الكفر ، لم تنقل عن نبي من الأنبياء .
فقالوا في شريعة إيمانهم : نؤمن بالله الأب ، مالك كل شيء ، صانع ما يرى وما لايرى ، وهذا حق .
ثم قالوا : وبالرب الواحد يسوع
المسيح ابن الله الواحد ، بكر الخلايق كلها ، مولود ليس بمصنوع ، إله حق من إله حق ، من جوهر أبيه ، نور من نور ، مساو للأب في الجوهر الذي بيده أتقنت العوالم وخلق كل شيء ، الذي من أجلنا - معشر الناس - ومن أجل خلاصنا نزل من السماء ، وتجسد من روح القدس ، ومن مريم العذراء البتول ، وصار إنسانا ، وحبل به وولد من مريم البتول ، وتألم وصلب ودفن ، وقام في اليوم الثالث ، كما هو مكتوب ، وصعد إلى
[ ص: 410 ] السماء ، وجلس عن يمين أبيه وهو مستعد للمجيء تارة أخرى للقضاء بين الأموات والأحياء .
ونؤمن بروح القدس المحيي ، وروح الحق المنبثق من أبيه ، أو الذي خرج من أبيه روح محييه .
nindex.php?page=treesubj&link=29434فأين في كلام الأنبياء أن شيئا من صفات الله أو من مخلوقاته يقال فيه : إنه أقنوم ، وإنه حق من إله حق ، من جوهر أبيه ، وإنه مساو لله في الجوهر ، وإنه خالق خلق كل شيء ، وإنه قعد عن يمين الله فوق العرش ، وإنه الذي يقضي بين الناس يوم القيامة ؟
وأين في كلام الأنبياء أن لله ولدا قديما أزليا ؟
ومن الذي سمى كلام الله أو علمه أو حكمته - مولودا له أو ابنا له ، أو شيئا من صفاته مولودا له أو ابنا له ؟
ومن الذي قال من الأنبياء : إنه مولود ، وهو - مع ذلك - قديم أزلي ؟
وأين في كلامهم أن لله أقنوما ثالثا هو حياته ، ويسمى بروح القدس ، وأنه أيضا رب حي محي .
فلو كان
النصارى آمنوا بنصوص الأنبياء ، كما آمن المؤمنون ،
[ ص: 411 ] لم يكن عليهم ملام .
ومن اعترض على نصوص الأنبياء ، كان لفساد فهمه ونقص معرفته .
ولكنهم ابتدعوا أقوالا وعقائد ليست منصوصة عن أحد من الأنبياء - عليهم السلام - وفيها كفر ظاهر وتناقض بين .
فلو قدر أنهم أرادوا بها معنى صحيحا ، لم يكن لأحد أن يبتدع كلاما لم يأت به نبي يدل على الكفر المتناقض الذي يخالف الشرع والعقل ، ويقول : إني أردت به معنى صحيحا ، من غير أن يكون لفظه دالا على ذلك ، فكيف والمراد الذي يفسرون به كلامهم فاسد متناقض كما تقدم ؟
فهم ابتدعوا أقوالا منكرة وفسروها بتفسير منكر ، فكان الرد عليهم من كل واحد من الوجهين ، وهم - في ذلك - نظير بعض ملاحدة المسلمين الذين يعتقدون إلهية بعض أهل البيت ، أو بعض المشايخ ، ويصفون الله بصفات لم ينطق بها كتاب ، وهؤلاء ملحدون عند المسلمين .
بخلاف المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسله ، الذين آمنوا بما قالت الأنبياء ، ولم يبتدعوا أقوالا لم يأت بها الأنبياء ، وجعلوها أصل دينهم .
الوجه الثاني : أن يقال : ما ذكرتموه عن المسلمين كذب ظاهر عليهم .
فهذا النظم الذي ذكروه ليس هو في القرآن ، ولا في الحديث ،
[ ص: 412 ] nindex.php?page=treesubj&link=28716_28712ولا يعرف عالم مشهور من علماء المسلمين ، ولا طائفة مشهورة من طوائفهم ، يطلقون العبارة التي حكوها عن المسلمين ، حيث قالوا عنهم : ( إنهم يقولون : إن لله عينين يبصر بهما ، ويدين يبسطهما ، وساقا ووجها يوليه إلى كل مكان ، وجنبا ) .
ولكن هؤلاء ركبوا من ألفاظ القرآن بسوء تصرفهم وفهمهم ، تركيبا زعموا أن المسلمين يطلقونه .
وليس في القرآن ما يدل ظاهره على ما ذكروه ، فإن الله - تعالى - قال في كتابه :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء
واليهود أرادوا بقولهم : ( يد الله مغلولة ) أنه بخيل ، فكذبهم الله في ذلك ، وبين أنه جواد لا يبخل ، فأخبر أن يديه مبسوطتان ، كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا
فبسط اليدين المراد به الجواد والعطاء ، ليس المراد ما توهموه من بسط مجرد .
ولما كان العطاء باليد يكون ببسطها ، صار من المعروف في اللغة التعبير ببسط اليد عن العطاء .
[ ص: 413 ] فلما قالت اليهود : ( يد الله مغلولة ) وأرادوا بذلك أنه بخيل ، كذبهم الله في ذلك ، وبين أنه جواد ماجد .
وإثبات اليدين له موجود في التوراة وسائر النبوات ، كما هو موجود في القرآن .
فلم يكن في هذا شيء يخالف ما جاءت به الرسل ، ولا ما يناقض العقل ، وقد قال تعالى لإبليس :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي
فأخبر أنه خلق آدم بيديه ، وجاءت الأحاديث الصحيحة توافق ذلك .
وأما لفظ ( العينين ) ، فليس هو في القرآن ، ولكن جاء في حديث .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري عن أهل السنة والحديث أنهم يقولون : إن لله عينين .
ولكن الذي جاء في القرآن :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39ولتصنع على عيني nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=37واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ،
[ ص: 414 ] nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=13وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا .
وأما قولهم : ( له وجه يوليه إلى كل مكان ) فليس هذا في القرآن ولكن في القرآن :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=26كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=88كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله
وهذا قد قال فيه طائفة من السلف : فثم قبلة الله ; أي فثم جهة الله ، والجهة كالوعد والعدة ، والوزن والزنة .
والمراد بوجه الله وجهة الله - الوجه ، والجهة والوجهة الذي لله يستقبل في الصلاة ، كما قال في أول الآية :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115ولله المشرق والمغرب ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فأينما تولوا فثم وجه الله
كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=142سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم [ ص: 415 ] فإذا كان لله المشرق والمغرب ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=148ولكل وجهة هو موليها وقوله : ( موليها ) ; أي متوليها أو مستقبلها ، فهذا كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فأينما تولوا فثم وجه الله أي فأينما تستقبلوا فثم وجه الله . وقد قيل : إنه يدل على صفة الله ، لكن يدل على أن ثم وجه لله ، وأن العباد أينما يولون فثم وجه الله ، فهم الذين يولون ويستقبلون ، لا أنه هو يولي وجهه إلى كل مكان ، فهذا تحريف منهم للفظ القرآن عن معناه وكذب على المسلمين .
ومن قال بالقول الثاني من المسلمين ، فإن ذلك يقتضي أن الله محيط بالعالم كله ، كما قد بسطت هذه الأمور في غير هذا الموضع .
إذ المقصود هنا بيان ضلال هؤلاء في دينهم فيما ابتدعوا من الكفر والتثليث والاتحاد ، دون الذين آمنوا بالله ورسله ، وما أخبرت به الرسل عن الله - تبارك وتعالى - .
وأما قولهم : ( وجنب ) فإنه لا يعرف عالم مشهور عند المسلمين ، ولا طائفة مشهورة من طوائف المسلمين ، أثبتوا لله جنبا نظير جنب الإنسان ، وهذا اللفظ جاء في القرآن في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=56أن تقول نفس ياحسرتا على ما فرطت في جنب الله
فليس في مجرد الإضافة ما يستلزم أن يكون المضاف إلى الله
[ ص: 416 ] صفة له ، بل قد يضاف إليه من الأعيان المخلوقة وصفاتها القائمة بها ما ليس بصفة له باتفاق الخلق ، كقوله : ( بيت الله ) و ( ناقة الله ) و ( عباد الله ) بل وكذلك ( روح الله ) عند سلف المسلمين وأئمتهم وجمهورهم .
ولكن إذا أضيف إليه ما هو صفة له وليس بصفة لغيره ، مثل كلام الله وعلم الله ، ويد الله ونحو ذلك ، كان صفة له .
وفي القرآن ما يبين أنه
nindex.php?page=treesubj&link=29010ليس المراد بالجنب ما هو نظير جنب الإنسان فإنه قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=56أن تقول نفس ياحسرتا على ما فرطت في جنب الله
والتفريط ليس في شيء من صفات الله - عز وجل - .
والإنسان إذا قال : فلان قد فرط في جنب فلان أو جانبه ، لا يريد به أن التفريط وقع في شيء من نفس ذلك الشخص ، بل يريد به أنه فرط في جهته وفي حقه .
فإذا كان هذا اللفظ إذا أضيف إلى المخلوق لا يكون ظاهره أن التفريط في نفس جنب الإنسان المتصل بأضلاعه ، بل ذلك التفريط لم يلاصقه ، فكيف يظن أن ظاهره في حق الله - أن التفريط كان في ذاته ؟
وجنب الشيء وجانبه ، قد يراد به منتهاه وحده ، ويسمى جنب الإنسان جنبا بهذا الاعتبار ، قال تعالى :
[ ص: 417 ] nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=16تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمران بن حصين :
nindex.php?page=hadith&LINKID=20744 ( صل قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع ، فعلى جنب )
وإذا قدر أن الإضافة هنا تتضمن صفة الله ، كان الكلام في هذا كالكلام في سائر ما يضاف إليه تعالى من الصفات ، وفي التوراة من ذلك نظير ما في القرآن .
وهذا يتبين بالوجه الثالث : وهو أن يقال ما في القرآن والحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وصف الله بهذه الصفات التي يسميها بعض الناس تجسيما ، هو مثل ما في التوراة وسائر كتب الأنبياء ، وهذا الذي في التوراة وكتب الأنبياء ليس مما أحدثه أهل الكتاب .
[ ص: 418 ] ولو كانوا هم ابتدعوا ذلك ، ووصفوا الخالق بما يمتنع عليه من التجسيم ، لكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ذمهم على ذلك ، كما ذمهم على ما وصفوه به من النقائص في مثل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=181لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=38ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب
فنفى عنه اللغوب الذي يظن في لفظ الاستراحة الذي في التوراة ، فإن فيها أن الله خلق العالم في ستة أيام ، ثم استراح في يوم السبت ، فظن بعض الناس أنه تعب فاستراح .
ثم من علماء المسلمين من قال : إن هذا اللفظ حرفوا معناه دون لفظه ، وهذا لفظ التوراة المنزلة . قاله ابن قتيبة
[ ص: 419 ] وغيره وقالوا معناه : ثم ترك الخلق ، فعبر عن ذلك بلفظ استراح .
ومنهم من قال : بل حرفوا لفظه ، كما قال
أبو بكر الأنباري وغيره .
وقالوا : ليس هذا لفظ التوراة المنزلة ، وأما ما في التوراة من إثبات الصفات ، فلم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا من ذلك ، بل كان علماء اليهود إذا ذكروا شيئا من ذلك يقرهم عليه ويصدقهم عليه ، كما في الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=656897أن حبرا من اليهود جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( يا محمد إن الله - عز وجل - يوم القيامة يحمل السماوات على إصبع ، [ ص: 420 ] والأرض على إصبع ، والجبال والشجر على إصبع ، والماء والثرى على إصبع ، وسائر الخلق على إصبع ، ثم يهزهن فيقول : أنا الملك ) . قال : فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه تعجبا وتصديقا لقول الحبر ، ثم قرأ : nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه الآية .
وفي التوراة : " إن الله كتب التوراة بإصبعه " .
[ ص: 403 ] قَالَ الْحَاكِي عَنْهُمْ : فَقُلْتُ لَهُمْ : إِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَنَا : إِذَا كَانَ اعْتِقَادُكُمْ فِي الْبَارِي - تَعَالَى - أَنَّهُ وَاحِدٌ ، فَمَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنْ تَقُولُوا : أَبٌ وَابْنٌ وَرُوحُ قُدُسٍ ، فَتُوهِمُونَ السَّامِعِينَ أَنَّكُمْ تَعْتَقِدُونَ فِي اللَّهِ ثَلَاثَةَ أَشْخَاصٍ مُرَكَّبَةٍ ، أَوْ ثَلَاثَةَ آلِهَةٍ ، أَوْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ ، وَأَنَّ لَهُ ابْنًا ، وَيَظُنُّ مَنْ لَا يَعْرِفُ اعْتِقَادَكُمْ أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ بِذَلِكَ ابْنَ الْمُبَاضَعَةِ وَالتَّنَاسُلِ ، فَتُطْرِقُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ تُهْمَةً أَنْتُمْ مِنْهَا بَرِيئُونَ ؟
قَالُوا : وَهُمْ أَيْضًا ، لَمَّا كَانَ اعْتِقَادُهُمْ فِي الْبَارِي جَلَّتْ عَظَمَتُهُ أَنَّهُ غَيْرُ ذِي جِسْمٍ ، وَغَيْرُ ذِي جَوَارِحَ وَأَعْضَاءٍ ، وَغَيْرُ مَحْصُورٍ فِي مَكَانٍ ، فَمَا حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ يَقُولُوا : إِنَّ لَهُ عَيْنَيْنِ يُبْصِرُ بِهِمَا ، وَيَدَيْنِ يَبْسُطُهُمَا ، وَسَاقًا ، وَوَجْهًا يُوَلِّيهِ إِلَى كُلِّ مَكَانٍ ، وَجَنْبًا ، وَأَنَّهُ يَأْتِي فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ، فَيُوهِمُونَ السَّامِعِينَ أَنَّ اللَّهَ ذُو جِسْمٍ وَذُو أَعْضَاءٍ وَجَوَارِحَ ، وَأَنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ، فَيَظُنُّ مَنْ لَا يَعْرِفُ اعْتِقَادَهُمْ أَنَّهُمْ يُجَسِّمُونَ الْبَارِيَ ، حَتَّى إِنَّ قَوْمًا مِنْهُمُ اعْتَقَدُوا ذَلِكَ وَاتَّخَذُوهُ مَذْهَبًا ، وَمَنْ لَمْ يَتَحَقَّقِ اعْتِقَادَهُمْ يَتَّهِمُهُمْ بِمَا هُمْ بَرِيئُونَ مِنْهُ .
[ ص: 404 ] قَالَ : فَقُلْتُ لَهُمْ : إِنَّهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّ الْعِلَّةَ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا ، أَنَّ اللَّهَ لَهُ عَيْنَانِ وَيَدَانِ وَوَجْهٌ وَسَاقٌ وَجَنْبٌ ، وَأَنَّهُ يَأْتِي فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ، فَهُوَ أَنَّ الْقُرْآنَ نَطَقَ بِهِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ ، وَكُلُّ مَنْ يَحْمِلُ ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَيَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ لَهُ عَيْنَانِ وَيَدَانِ وَوَجْهٌ وَجَنْبٌ وَجَوَارِحُ وَأَعْضَاءٌ ، وَأَنَّ ذَاتَهُ تَنْتَقِلُ ، فَهُمْ يَلْعَنُونَهُ وَيُكَفِّرُونَهُ ، فَإِذَا كَفَّرُوا مَنْ يَعْتَقِدُ هَذَا ، فَلَيْسَ لِمُخَالِفِيهِمْ أَنْ يُلْزِمُوهُمْ هَذَا بَعْدَ أَنْ لَا يَعْتَقِدُوهُ .
قَالُوا : وَكَذَلِكَ نَحْنُ أَيْضًا
النَّصَارَى ، الْعِلَّةُ فِي قَوْلِنَا : إِنَّ اللَّهَ ثَلَاثَةُ أَقَانِيمَ : أَبٌ ، وَابْنٌ ، وَرُوحُ قُدُسٍ ، أَنَّ الْإِنْجِيلَ نَطَقَ بِهِ ، وَالْمُرَادُ بِالْأَقَانِيمِ : غَيْرُ الْأَشْخَاصِ الْمُرَكَّبَةِ وَالْأَجْزَاءِ وَالْأَبْعَاضِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي الشِّرْكَ وَالتَّكْثِيرَ ، وَبِالْأَبِ وَالِابْنِ غَيْرُ أُبُوَّةِ وَبُنُوَّةِ نِكَاحٍ أَوْ تَنَاسُلٍ ، أَوْ جِمَاعٍ أَوْ مُبَاضَعَةٍ .
وَكُلُّ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ أَقَانِيمَ ثَلَاثَةُ آلِهَةٍ مُخْتَلِفَةٍ ، أَوْ ثَلَاثَةُ آلِهَةٍ مُتَّفِقَةٍ ، أَوْ ثَلَاثَةُ أَجْسَامٍ مُؤَلَّفَةٍ ، أَوْ ثَلَاثَةُ أَجْزَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ ، أَوْ ثَلَاثَةُ أَشْخَاصٍ مُرَكَّبَةٍ ، أَوْ أَعْرَاضٌ ، أَوْ قُوًى ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ وَالتَّكْثِيرَ وَالتَّبْعِيضَ وَالتَّشْبِيهَ ، أَوْ بُنُوَّةُ نِكَاحٍ ، أَوْ تَنَاسُلٍ ، أَوْ مُبَاضَعَةٍ ، أَوْ جِمَاعٍ ، أَوْ وِلَادَةُ زَوْجَةٍ ، أَوْ مِنْ بَعْضِ الْأَجْسَامِ ، أَوْ مِنْ بَعْضِ الْمَلَائِكَةِ ، أَوْ مِنْ بَعْضِ الْمَخْلُوقِينَ ، فَنَحْنُ نَلْعَنُهُ وَنُكَفِّرُهُ وَنُجَرِّمُهُ .
وَإِذَا لَعَنَّا أَوْ كَفَّرْنَا مَنْ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ ، فَلَيْسَ لِمُخَالِفِينَا أَنْ يُلْزِمُونَا بَعْدَ أَنْ لَا نَعْتَقِدَهُ ، وَإِنْ أَلْزَمُونَا الشِّرْكَ وَالتَّشْبِيهَ لِأَجْلِ قَوْلِنَا : أَبٌ وَابْنٌ وَرُوحُ
[ ص: 405 ] قُدُسٍ ; لِأَنَّ ظَاهِرَ ذَلِكَ يَقْتَضِي التَّكْثِيرَ وَالتَّشْبِيهَ ، أَلْزَمْنَاهُمْ أَيْضًا - نَحْنُ - التَّجْسِيمَ وَالتَّشْبِيهَ لِقَوْلِهِمْ : إِنَّ اللَّهَ لَهُ عَيْنَانِ وَيَدَانِ وَوَجْهٌ وَسَاقٌ وَجَنْبٌ ، وَأَنَّ ذَاتَهُ تَنْتَقِلُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ ، وَأَنَّهُ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مِنْ بَعْدِ أَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ التَّجْسِيمَ وَالتَّشْبِيهَ .
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنْ يُقَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=34095_28718مَنْ آمَنَ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَقَالَ مَا قَالُوهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ لِلَفْظِهِ وَلَا مَعْنَاهُ ، فَهَذَا لَا إِنْكَارَ عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ مَنِ ابْتَدَعَ أَقْوَالًا لَمْ تَقُلْهَا الرُّسُلُ ، بَلْ هِيَ تُخَالِفُ مَا قَالُوهُ ، وَحَرَّفَ مَا قَالُوهُ ، إِمَّا لَفْظًا وَمَعْنًى ، وَإِمَّا مَعْنًى فَقَطْ ، فَهَذَا يَسْتَحِقُّ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِ الطَّوَائِفِ .
nindex.php?page=treesubj&link=29443وَأَصْلُ دِينِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ يَصِفُونَ اللَّهَ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كُتُبِهِ ، وَبِمَا وَصَفَتْهُ بِهِ رُسُلُهُ ، مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ ، وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ ، بَلْ يُثْبِتُونَ لَهُ - تَعَالَى - مَا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ ، وَيَنْفُونَ عَنْهُ مَا نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ ، وَيَتَّبِعُونَ فِي ذَلِكَ أَقْوَالَ رُسُلِهِ ، وَيَجْتَنِبُونَ مَا خَالَفَ أَقْوَالَ الرُّسُلِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=180سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ أَيْ عَمَّا يَصِفُهُ الْكُفَّارُ الْمُخَالِفُونَ لِلرُّسُلِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=181وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ [ ص: 406 ] لِسَلَامَةِ مَا قَالُوهُ مِنَ النَّقْصِ وَالْعَيْبِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
فَالرُّسُلُ وَصَفُوا اللَّهَ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ ، وَنَزَّهُوهُ عَنِ النَّقَائِصِ الْمُنَاقِضَةِ لِلْكَمَالِ ، وَنَزَّهُوهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ فِي شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ ، وَأَثْبَتُوا لَهُ صِفَاتِ الْكَمَالِ عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ ، وَنَفَوْا عَنْهُ التَّمْثِيلَ ، فَأَتَوْا بِإِثْبَاتٍ مُفَصَّلٍ وَنَفْيٍ مُجْمَلٍ .
nindex.php?page=treesubj&link=28717_28719فَمَنْ نَفَى عَنْهُ مَا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ مِنَ الصِّفَاتِ ، كَانَ مُعَطِّلًا ، وَمَنْ جَعَلَهَا مِثْلَ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ ، كَانَ مُمَثِّلًا ، وَالْمُعَطِّلُ يَعْبُدُ عَدَمًا ، وَالْمُمَثِّلِ يَعْبُدُ صَنَمًا .
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ رَدٌّ عَلَى الْمُمَثِّلَةِ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وَهُوَ رَدٌّ عَلَى الْمُعَطِّلَةِ .
[ ص: 407 ] فَوَصَفَتْهُ الرُّسُلُ بِأَنَّهُ حَيٌّ مُنَزَّهٌ عَنِ الْمَوْتِ ، عَلِيمٌ مُنَزَّهٌ عَنْ الْجَهْلِ ، قَدِيرٌ قَوِيٌّ عَزِيزٌ مُنَزَّهٌ عَنِ الْعَجْزِ وَالضَّعْفِ وَالذُّلِّ وَاللُّغُوبِ ، سُمَيْعٌ بَصِيرٌ مُنَزَّهٌ عَنْ الصَّمِّ وَالْعَمَى ، غَنِيٌّ مُنَزَّهٌ عَنِ الْفَقْرِ ، جَوَادٌ مُنَزَّهٌ عَنِ الْبُخْلِ ، حَكِيمٌ حَلِيمٌ مُنَزَّهٌ عَنِ السَّفَهِ ، صَادِقٌ مُنَزَّهٌ عَنِ الْكَذِبِ ، إِلَى سَائِرِ صِفَاتِ الْكَمَالِ ، مِثْلَ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ وَدُودٌ رَحِيمٌ لَطِيفٌ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=1قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=2اللَّهُ الصَّمَدُ nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=3لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=4وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ .
فَالصَّمَدُ ، اسْمٌ يَتَضَمَّنُ إِثْبَاتَ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَنَفْيَ النَّقَائِصِ ، وَهُوَ الْعَلِيمُ الْكَامِلُ فِي عِلْمِهِ ، الْقَدِيرُ الْكَامِلُ فِي قُدْرَتِهِ ، الْحَكِيمُ الْكَامِلُ فِي حِكْمَتِهِ .
وَلَنَا مُصَنَّفٌ مَبْسُوطٌ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ ، وَآخَرُ فِي بَيَانِ أَنَّهَا تُعَادِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ، وَذَكَرْنَا كَلَامَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي مَعْنَى " الصَّمَدِ " وَأَنَّ عَامَّةَ مَا قَالُوهُ حَقٌّ ، كَقَوْلِ مَنْ قَالَ
[ ص: 408 ] مِنْهُمْ : ( إِنَّ الصَّمَدَ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ ) وَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ : ( إِنَّهُ السَّيِّدُ الَّذِي انْتَهَى سُؤْدُدُهُ ) كَمَا قِيلَ : ( إِنَّهُ الْمُسْتَغْنِي عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ ) وَكَمَا قِيلَ : ( إِنَّهُ الْعَلِيمُ الْكَامِلُ فِي عِلْمِهِ ، وَالْقَدِيرُ الْكَامِلُ فِي قُدْرَتِهِ ) إِلَى سَائِرِ صِفَاتِ الْكَمَالِ .
وَذَكَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ ، أَنَّهُ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ، فَنَفَى بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ لَهُ كُفُوًا ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ أَحَدٌ لَا نَظِيرَ لَهُ .
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=65فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=74فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا
وَمَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مِنْ إِثْبَاتِ صِفَاتِ اللَّهِ ، فَقَدْ وَرَدَ فِي التَّوْرَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتِبَ اللَّهِ مِثْلُ ذَلِكَ .
فَهُوَ أَمْرٌ اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الرُّسُلُ ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ فِي ذَلِكَ كَالْمُسْلِمِينَ .
[ ص: 409 ] وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ،
nindex.php?page=treesubj&link=29434فَهُمْ فِي أَمَانَتِهِمْ لَمْ يَقُولُوا مَا قَالَهُ الْمَسِيحُ وَالْأَنْبِيَاءُ ، بَلِ ابْتَدَعُوا اعْتِقَادًا لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ ، فَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ لَا
الْمَسِيحِ وَلَا غَيْرِهِ ذِكْرُ أَقَانِيمَ لِلَّهِ ، لَا ثَلَاثَةٍ وَلَا أَكْثَرَ ، وَلَا إِثْبَاتُ ثَلَاثِ صِفَاتٍ ، وَلَا تَسْمِيَةُ شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ ابْنًا لِلَّهِ وَلَا رَبًّا ، وَلَا تَسْمِيَةُ حَيَاتِهِ رُوحًا ، وَلَا أَنَّ لِلَّهِ ابْنًا هُوَ إِلَهٌ حَقٌّ مِنْ إِلَهٍ حَقٍّ ، مِنْ جَوْهَرِ أَبِيهِ ، وَأَنَّهُ خَالِقٌ كَمَا أَنَّ اللَّهَ خَالِقٌ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِأَنْوَاعٍ مِنَ الْكُفْرِ ، لَمْ تُنْقَلْ عَنْ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ .
فَقَالُوا فِي شَرِيعَةِ إِيمَانِهِمْ : نُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْأَبِ ، مَالِكِ كُلِّ شَيْءٍ ، صَانِعِ مَا يُرَى وَمَا لَايُرَى ، وَهَذَا حَقٌّ .
ثُمَّ قَالُوا : وَبِالرَّبِّ الْوَاحِدِ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ ابْنِ اللَّهِ الْوَاحِدِ ، بِكْرِ الْخَلَايِقِ كُلِّهَا ، مَوْلُودٌ لَيْسَ بِمَصْنُوعٍ ، إِلَهٌ حَقٌّ مِنْ إِلَهٍ حَقٍّ ، مِنْ جَوْهَرِ أَبِيهِ ، نُورٌ مِنْ نُورٍ ، مُسَاوٍ لِلْأَبِ فِي الْجَوْهَرِ الَّذِي بِيَدِهِ أُتْقِنَتِ الْعَوَالِمُ وَخُلِقَ كُلُّ شَيْءٍ ، الَّذِي مِنْ أَجْلِنَا - مَعْشَرَ النَّاسِ - وَمِنْ أَجْلِ خَلَاصِنَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ ، وَتَجَسَّدَ مِنْ رُوحِ الْقُدُسِ ، وَمِنْ مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ ، وَصَارَ إِنْسَانًا ، وَحُبِلَ بِهِ وَوُلِدَ مِنْ مَرْيَمَ الْبَتُولِ ، وَتَأَلَّمَ وَصُلِبَ وَدُفِنَ ، وَقَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ ، وَصَعِدَ إِلَى
[ ص: 410 ] السَّمَاءِ ، وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ أَبِيهِ وَهُوَ مُسْتَعِدٌّ لِلْمَجِيءِ تَارَةً أُخْرَى لِلْقَضَاءِ بَيْنَ الْأَمْوَاتِ وَالْأَحْيَاءِ .
وَنُؤْمِنُ بِرُوحِ الْقُدُسِ الْمُحْيِي ، وَرُوحِ الْحَقِّ الْمُنْبَثِقِ مِنْ أَبِيهِ ، أَوْ الَّذِي خَرَجَ مِنْ أَبِيهِ رُوحِ مُحْيِيهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=29434فَأَيْنَ فِي كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّ شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ أَوْ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ يُقَالُ فِيهِ : إِنَّهُ أُقْنُومٌ ، وَإِنَّهُ حَقٌّ مِنْ إِلَهٍ حَقٍّ ، مِنْ جَوْهَرِ أَبِيهِ ، وَإِنَّهُ مُسَاوٍ لِلَّهِ فِي الْجَوْهَرِ ، وَإِنَّهُ خَالِقٌ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ، وَإِنَّهُ قَعَدَ عَنْ يَمِينِ اللَّهِ فَوْقَ الْعَرْشِ ، وَإِنَّهُ الَّذِي يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟
وَأَيْنَ فِي كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّ لِلَّهِ وَلَدًا قَدِيمًا أَزَلِيًّا ؟
وَمَنِ الَّذِي سَمَّى كَلَامَ اللَّهِ أَوْ عِلْمَهُ أَوْ حِكْمَتَهُ - مَوْلُودًا لَهُ أَوِ ابْنًا لَهُ ، أَوْ شَيْئًا مِنْ صِفَاتِهِ مَوْلُودًا لَهُ أَوِ ابْنًا لَهُ ؟
وَمَنِ الَّذِي قَالَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ : إِنَّهُ مَوْلُودٌ ، وَهُوَ - مَعَ ذَلِكَ - قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ ؟
وَأَيْنَ فِي كَلَامِهِمْ أَنَّ لِلَّهِ أُقْنُومًا ثَالِثًا هُوَ حَيَاتُهُ ، وَيُسَمَّى بِرُوحِ الْقُدُسِ ، وَأَنَّهُ أَيْضًا رَبٌّ حَيٌّ مُحْيٍ .
فَلَوْ كَانَ
النَّصَارَى آمَنُوا بِنُصُوصِ الْأَنْبِيَاءِ ، كَمَا آمَنَ الْمُؤْمِنُونَ ،
[ ص: 411 ] لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ مَلَامٌ .
وَمَنِ اعْتَرَضَ عَلَى نُصُوصِ الْأَنْبِيَاءِ ، كَانَ لِفَسَادِ فَهْمِهِ وَنَقَصِ مَعْرِفَتِهِ .
وَلَكِنَّهُمُ ابْتَدَعُوا أَقْوَالًا وَعَقَائِدَ لَيْسَتْ مَنْصُوصَةً عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - وَفِيهَا كُفْرٌ ظَاهِرٌ وَتَنَاقُضٌ بَيِّنٌ .
فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهَا مَعْنًى صَحِيحًا ، لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْتَدِعَ كَلَامًا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَبِيٌّ يَدُلُّ عَلَى الْكُفْرِ الْمُتَنَاقِضِ الَّذِي يُخَالِفُ الشَّرْعَ وَالْعَقْلَ ، وَيَقُولُ : إِنِّي أَرَدْتُ بِهِ مَعْنًى صَحِيحًا ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَفْظُهُ دَالًّا عَلَى ذَلِكَ ، فَكَيْفَ وَالْمُرَادُ الَّذِي يُفَسِّرُونَ بِهِ كَلَامَهُمْ فَاسِدٌ مُتَنَاقِضٌ كَمَا تَقَدَّمَ ؟
فَهُمُ ابْتَدَعُوا أَقْوَالًا مُنْكَرَةً وَفَسَّرُوهَا بِتَفْسِيرٍ مُنْكَرٍ ، فَكَانَ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْوَجْهَيْنِ ، وَهُمْ - فِي ذَلِكَ - نَظِيرُ بَعْضِ مَلَاحِدَةِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ إِلَهِيَّةَ بَعْضِ أَهْلِ الْبَيْتِ ، أَوْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ ، وَيَصِفُونَ اللَّهَ بِصِفَاتٍ لَمْ يَنْطِقْ بِهَا كِتَابٌ ، وَهَؤُلَاءِ مُلْحِدُونَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ .
بِخِلَافِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ، الَّذِينَ آمَنُوا بِمَا قَالَتِ الْأَنْبِيَاءُ ، وَلَمْ يَبْتَدِعُوا أَقْوَالًا لَمْ يَأْتِ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ ، وَجَعَلُوهَا أَصْلَ دِينِهِمْ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنْ يُقَالَ : مَا ذَكَرْتُمُوهُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ كَذِبٌ ظَاهِرٌ عَلَيْهِمْ .
فَهَذَا النَّظْمُ الَّذِي ذَكَرُوهُ لَيْسَ هُوَ فِي الْقُرْآنِ ، وَلَا فِي الْحَدِيثِ ،
[ ص: 412 ] nindex.php?page=treesubj&link=28716_28712وَلَا يُعْرَفُ عَالِمٌ مَشْهُورٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا طَائِفَةٌ مَشْهُورَةٌ مِنْ طَوَائِفِهِمْ ، يُطْلِقُونَ الْعِبَارَةَ الَّتِي حَكَوْهَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ ، حَيْثُ قَالُوا عَنْهُمْ : ( إِنَّهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّ لِلَّهِ عَيْنَيْنِ يُبْصِرُ بِهِمَا ، وَيَدَيْنِ يَبْسُطُهُمَا ، وَسَاقًا وَوَجْهًا يُوَلِّيهِ إِلَى كُلِّ مَكَانٍ ، وَجَنْبًا ) .
وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ رَكَّبُوا مِنْ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ بِسُوءِ تَصَرُّفِهِمْ وَفَهْمِهِمْ ، تَرْكِيبًا زَعَمُوا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُطْلِقُونَهُ .
وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ ظَاهِرُهُ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَالَ فِي كِتَابِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ
وَالْيَهُودُ أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ : ( يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ) أَنَّهُ بَخِيلٌ ، فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ جَوَّادٌ لَا يَبْخَلُ ، فَأَخْبَرَ أَنَّ يَدَيْهِ مَبْسُوطَتَانِ ، كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا
فَبَسْطُ الْيَدَيْنِ الْمُرَادُ بِهِ الْجَوَادُ وَالْعَطَاءُ ، لَيْسَ الْمُرَادُ مَا تَوَهَّمُوهُ مِنْ بَسْطٍ مُجَرَّدٍ .
وَلَمَّا كَانَ الْعَطَاءُ بِالْيَدِ يَكُونُ بِبَسْطِهَا ، صَارَ مِنَ الْمَعْرُوفِ فِي اللُّغَةِ التَّعْبِيرُ بِبَسْطِ الْيَدِ عَنِ الْعَطَاءِ .
[ ص: 413 ] فَلَمَّا قَالَتِ الْيَهُودُ : ( يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ) وَأَرَادُوا بِذَلِكَ أَنَّهُ بَخِيلٌ ، كَذَّبَهُمُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ جَوَّادٌ مَاجِدٌ .
وَإِثْبَاتُ الْيَدَيْنِ لَهُ مَوْجُودٌ فِي التَّوْرَاةِ وَسَائِرِ النُّبُوَّاتِ ، كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ .
فَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا شَيْءٌ يُخَالِفُ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ ، وَلَا مَا يُنَاقِضُ الْعَقْلَ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى لِإِبْلِيسَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ
فَأَخْبَرَ أَنَّهُ خَلَقَ آدَمَ بِيَدَيْهِ ، وَجَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تُوَافِقُ ذَلِكَ .
وَأَمَّا لَفْظُ ( الْعَيْنَيْنِ ) ، فَلَيْسَ هُوَ فِي الْقُرْآنِ ، وَلَكِنْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ .
وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=13711الْأَشْعَرِيُّ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّ لِلَّهِ عَيْنَيْنِ .
وَلَكِنَّ الَّذِي جَاءَ فِي الْقُرْآنِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=37وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا ،
[ ص: 414 ] nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=13وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا .
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : ( لَهُ وَجْهٌ يُوَلِّيهِ إِلَى كُلِّ مَكَانٍ ) فَلَيْسَ هَذَا فِي الْقُرْآنِ وَلَكِنْ فِي الْقُرْآنِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=26كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=88كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ
وَهَذَا قَدْ قَالَ فِيهِ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ : فَثَمَّ قِبْلَةُ اللَّهِ ; أَيْ فَثَمَّ جِهَةُ اللَّهِ ، وَالْجِهَةُ كَالْوَعْدِ وَالْعِدَةِ ، وَالْوَزْنِ وَالزِّنَةِ .
وَالْمُرَادُ بِوَجْهِ اللَّهِ وَجِهَةِ اللَّهِ - الْوَجْهُ ، وَالْجِهَةُ وَالْوِجْهَةُ الَّذِي لِلَّهِ يُسْتَقْبَلُ فِي الصَّلَاةِ ، كَمَا قَالَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ
كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=142سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [ ص: 415 ] فَإِذَا كَانَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=148وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا وَقَوْلُهُ : ( مُوَلِّيهَا ) ; أَيْ مُتَوَلِّيهَا أَوْ مُسْتَقْبِلُهَا ، فَهَذَا كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ أَيْ فَأَيْنَمَا تَسْتَقْبِلُوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهُ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى صِفَةِ اللَّهِ ، لَكِنْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ثَمَّ وَجْهٌ لِلَّهِ ، وَأَنَّ الْعِبَادَ أَيْنَمَا يُوَلُّونَ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ، فَهُمُ الَّذِينَ يُوَلُّونَ وَيَسْتَقْبِلُونَ ، لَا أَنَّهُ هُوَ يُوَلِّي وَجْهَهُ إِلَى كُلِّ مَكَانٍ ، فَهَذَا تَحْرِيفٌ مِنْهُمْ لِلَفْظِ الْقُرْآنِ عَنْ مَعْنَاهُ وَكَذِبٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ .
وَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ اللَّهَ مُحِيطٌ بِالْعَالَمِ كُلِّهِ ، كَمَا قَدْ بَسَطْتُ هَذِهِ الْأُمُورَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
إِذِ الْمَقْصُودُ هُنَا بَيَانُ ضَلَالِ هَؤُلَاءِ فِي دِينِهِمْ فِيمَا ابْتَدَعُوا مِنَ الْكُفْرِ وَالتَّثْلِيثِ وَالِاتِّحَادِ ، دُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ، وَمَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ عَنِ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - .
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : ( وَجَنْبٌ ) فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ عَالِمٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا طَائِفَةٌ مَشْهُورَةٌ مِنْ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ ، أَثْبَتُوا لِلَّهِ جَنْبًا نَظِيرَ جَنْبِ الْإِنْسَانِ ، وَهَذَا اللَّفْظُ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=56أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ
فَلَيْسَ فِي مُجَرَّدِ الْإِضَافَةِ مَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ الْمُضَافُ إِلَى اللَّهِ
[ ص: 416 ] صِفَةً لَهُ ، بَلْ قَدْ يُضَافُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَعْيَانِ الْمَخْلُوقَةِ وَصِفَاتِهَا الْقَائِمَةِ بِهَا مَا لَيْسَ بِصِفَةٍ لَهُ بِاتِّفَاقِ الْخَلْقِ ، كَقَوْلِهِ : ( بَيْتُ اللَّهِ ) وَ ( نَاقَةَ اللَّهِ ) وَ ( عِبَادَ اللَّهِ ) بَلْ وَكَذَلِكَ ( رُوحُ اللَّهِ ) عِنْدَ سَلَفِ الْمُسْلِمِينَ وَأَئِمَّتِهِمْ وَجُمْهُورِهِمْ .
وَلَكِنْ إِذَا أُضِيفَ إِلَيْهِ مَا هُوَ صِفَةٌ لَهُ وَلَيْسَ بِصِفَةٍ لِغَيْرِهِ ، مِثْلَ كَلَامِ اللَّهِ وَعِلْمِ اللَّهِ ، وَيَدِ اللَّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، كَانَ صِفَةً لَهُ .
وَفِي الْقُرْآنِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=29010لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجَنْبِ مَا هُوَ نَظِيرُ جَنْبِ الْإِنْسَانِ فَإِنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=56أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ
وَالتَّفْرِيطُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - .
وَالْإِنْسَانُ إِذَا قَالَ : فُلَانٌ قَدْ فَرَّطَ فِي جَنْبِ فُلَانٍ أَوْ جَانِبِهِ ، لَا يُرِيدُ بِهِ أَنَّ التَّفْرِيطَ وَقَعَ فِي شَيْءٍ مِنْ نَفْسِ ذَلِكَ الشَّخْصِ ، بَلْ يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ فَرَّطَ فِي جِهَتِهِ وَفِي حَقِّهِ .
فَإِذَا كَانَ هَذَا اللَّفْظُ إِذَا أُضِيفَ إِلَى الْمَخْلُوقِ لَا يَكُونُ ظَاهِرَهُ أَنَّ التَّفْرِيطَ فِي نَفْسِ جَنْبِ الْإِنْسَانِ الْمُتَّصِلِ بِأَضْلَاعِهِ ، بَلْ ذَلِكَ التَّفْرِيطُ لَمْ يُلَاصِقْهُ ، فَكَيْفَ يُظَنُّ أَنَّ ظَاهِرَهُ فِي حَقِّ اللَّهِ - أَنَّ التَّفْرِيطَ كَانَ فِي ذَاتِهِ ؟
وَجَنْبُ الشَّيْءِ وَجَانِبُهُ ، قَدْ يُرَادُ بِهِ مُنْتَهَاهُ وَحَدُّهُ ، وَيُسَمَّى جَنْبُ الْإِنْسَانِ جَنْبًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ ، قَالَ تَعَالَى :
[ ص: 417 ] nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=16تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ
وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=20744 ( صَلِّ قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ ، فَعَلَى جَنْبٍ )
وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ الْإِضَافَةَ هُنَا تَتَضَمَّنُ صِفَةَ اللَّهِ ، كَانَ الْكَلَامُ فِي هَذَا كَالْكَلَامِ فِي سَائِرِ مَا يُضَافُ إِلَيْهِ تَعَالَى مِنَ الصِّفَاتِ ، وَفِي التَّوْرَاةِ مِنْ ذَلِكَ نَظِيرُ مَا فِي الْقُرْآنِ .
وَهَذَا يَتَبَيَّنُ بِالْوَجْهِ الثَّالِثِ : وَهُوَ أَنْ يُقَالَ مَا فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وَصْفِ اللَّهِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الَّتِي يُسَمِّيهَا بَعْضُ النَّاسِ تَجْسِيمًا ، هُوَ مِثْلُ مَا فِي التَّوْرَاةِ وَسَائِرِ كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَهَذَا الَّذِي فِي التَّوْرَاةِ وَكُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ لَيْسَ مِمَّا أَحْدَثَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ .
[ ص: 418 ] وَلَوْ كَانُوا هُمُ ابْتَدَعُوا ذَلِكَ ، وَوَصَفُوا الْخَالِقَ بِمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مِنَ التَّجْسِيمِ ، لَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَمَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، كَمَا ذَمَّهُمْ عَلَى مَا وَصَفُوهُ بِهِ مِنَ النَّقَائِصِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=181لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=38وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ
فَنَفَى عَنْهُ اللُّغُوبَ الَّذِي يُظَنُّ فِي لَفْظِ الِاسْتِرَاحَةِ الَّذِي فِي التَّوْرَاةِ ، فَإِنَّ فِيهَا أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْعَالَمَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ، ثُمَّ اسْتَرَاحَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ ، فَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ تَعِبَ فَاسْتَرَاحَ .
ثُمَّ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ مَنْ قَالَ : إِنَّ هَذَا اللَّفْظَ حَرَّفُوا مَعْنَاهُ دُونَ لَفْظِهِ ، وَهَذَا لَفْظُ التَّوْرَاةِ الْمُنَزَّلَةِ . قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ
[ ص: 419 ] وَغَيْرُهُ وَقَالُوا مَعْنَاهُ : ثُمَّ تَرَكَ الْخَلْقَ ، فَعُبِّرَ عَنْ ذَلِكَ بِلَفْظِ اسْتَرَاحَ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : بَلْ حَرَّفُوا لَفْظَهُ ، كَمَا قَالَ
أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَقَالُوا : لَيْسَ هَذَا لَفْظُ التَّوْرَاةِ الْمُنَزَّلَةِ ، وَأَمَّا مَا فِي التَّوْرَاةِ مِنْ إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ ، فَلَمْ يُنْكِرِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ، بَلْ كَانَ عُلَمَاءُ الْيَهُودِ إِذَا ذَكَرُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ يُقِرُّهُمْ عَلَيْهِ وَيُصَدِّقُهُمْ عَلَيْهِ ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=656897أَنَّ حَبْرًا مِنَ الْيَهُودِ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : ( يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ ، [ ص: 420 ] وَالْأَرْضَ عَلَى إِصْبَعٍ ، وَالْجِبَالَ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ ، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ فَيَقُولُ : أَنَا الْمَلِكُ ) . قَالَ : فَضَحَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ ، ثُمَّ قَرَأَ : nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ الْآيَةَ .
وَفِي التَّوْرَاةِ : " إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ التَّوْرَاةَ بِإِصْبَعِهِ " .