( فصل ) :
ثم كل نكاح جاز بين المسلمين ، وهو الذي استجمع شرائط الجواز التي وصفناها ، فهو جائز بين أهل الذمة .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=11444ما ، فسد بين المسلمين من الأنكحة ، فإنها منقسمة في حقهم منها ما يصح ، ومنها ما يفسد ، وهذا قول
أصحابنا الثلاثة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر : كل نكاح ، فسد في حق المسلمين ، فسد في حق أهل الذمة حتى لو أظهروا النكاح بغير شهود يعترض عليهم ، ويحملون على أحكامنا ، وإن لم يرفعوا إلينا .
وكذا إذا أسلموا يفرق بينهما عنده ، وعندنا لا يفرق بينهما ، وإن تحاكما إلينا أو أسلما بل يقران عليه ( وجه ) قولهم إنهم لما قبلوا عقد الذمة ، فقد التزموا أحكامنا ورضوا بها ، ومن أحكامنا أنه لا يجوز النكاح بغير شهود ، ولهذا لم يجز نكاحهم المحارم في حكم الإسلام ; ولأن تحريم النكاح بغير شهود في شريعتنا ثبت بخطاب الشرع على سبيل العموم بقوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31083لا نكاح إلا بشهود } .
والكفار مخاطبون بشرائع هي حرمات في الصحيح من الأقوال ، فكانت حرمة النكاح بغير شهود ثابتة في حقهم .
( ولنا ) أنهم كانوا يتدينون النكاح بغير شهود ، والكلام فيه ، ونحن أمرنا بتركهم ، وما يدينون إلا ما استثني من عقودهم كالزنا ، وهذا غير مستثنى منها
[ ص: 311 ] فيصح في حقهم كما يصح منهم تملك الخمر ، والخنزير ، وتمليكهما ، فلا يعترض عليهم كما لا يعترض في الخمر والخنزير ; ولأن الشهادة ليست بشرط بقاء النكاح على الصحة بدليل أنه لا يبطل بموت الشهود ، فلا يجوز أن يكون شرط ابتداء العقد في حق الكافر ; لأن في الشهادة معنى العبادة قال الله : تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2، وأقيموا الشهادة لله } ، فلا يؤاخذ الكافر بمراعاة هذا الشرط في العقد ; ولأن نصوص الكتاب العزيز مطلقة عن شرط الشهادة ، والتقييد بالشهادة في نكاح المسلم ثبت بدليل ، فمن ادعى التقييد بها في حق الكافر يحتاج إلى الدليل .
( وأما ) قوله إنهم بالذمة التزموا أحكام الإسلام ، فنعم لكن جواز أنكحتهم بغير شهود من أحكام الإسلام ، وقوله تحريم
nindex.php?page=treesubj&link=11233النكاح بغير شهود عام ممنوع بل هو خاص في حق المسلمين لوجود المخصص لأهل الذمة ، وهو عمومات الكتاب .
ولو
nindex.php?page=treesubj&link=10999_11233_11451_11411_11446تزوج ذمي ذمية في عدة من ذمي جاز النكاح في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، وهذا ، والنكاح بغير شهود سواء عندنا حتى لا يعترض عليهما بالتفريق ، وإن ترافعا إلينا .
ولو أسلما يقران على ذلك .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف ،
nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : النكاح فاسد يفرق بينهما ( وجه ) قولهم على نحو ما ذكرنا
nindex.php?page=showalam&ids=15922لزفر في النكاح بغير شهود ، وهو أنهم بقبول الذمة التزموا أحكامنا ، ومن أحكامنا المجمع عليها ، فساد نكاح المعتدة ; ولأن الخطاب بتحريم نكاح المعتدة عام قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=235ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } ، والكفار مخاطبون بالحرمات ، وكلام
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة على نحو ما تقدم أيضا ; لأن في ديانتهم عدم وجوب العدة ، والكلام فيه ، فلم يكن هذا نكاح المعتدة في اعتقادهم ، ونحن أمرنا بأن نتركهم ، وما يدينون .
وكذا عمومات النكاح من الكتاب العزيز ، والسنة مطلقة عن هذه الشريطة أعني الخلو عن العدة ، وإنما عرف شرطا في نكاح المسلمين بالإجماع ، وقوله عز وجل {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=235ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } خطاب للمسلمين ، أو يحمل عليه عملا بالدلائل كلها صيانة لها عن التناقض ; ولأن العدة فيها معنى العبادة ، وهي حق الزوج أيضا من وجه قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=49فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } ، فمن حيث هي عبادة لا يمكن إيجابها على الكافرة ; لأن الكفار لا يخاطبون بشرائع هي عبادات أو قربات .
وكذا من حيث هي حق الزوج ; لأن الكافر لا يعتقده حقا لنفسه بخلاف المسلم إذا تزوج كتابية في عدة من مسلم أنه لا يجوز ; لأن المسلم يعتقد العدة حقا واجبا ، فيمكن الإيجاب لحقه إن كان لا يمكن لحق الله تعالى من حيث هي عبادة ، ولهذا قلنا إنه
nindex.php?page=treesubj&link=11372_11405_10989_10990_10988_17952_17941_262_260_250ليس للزوج المسلم أن يجبر امرأته الكافرة على الغسل من الجنابة والحيض والنفاس ; لأن الغسل من باب القربة ، وهي ليست مخاطبة بالقربات ، وله أن يمنعها من الخروج من البيت ; لأن الإسكان حقه ، وأما نكاح المحارم ، والجمع بين خمس نسوة ، والجمع بين الأختين ، فقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=15071الكرخي أن ذلك كله فاسد في حكم الإسلام بالإجماع ; لأن ، فساد هذه الأنكحة في حق المسلمين ثبت لفساد قطيعة الرحم ، وخوف الجور في قضاء الحقوق من النفقة ، والسكنى ، والكسوة ، وغير ذلك ، وهذا المعنى لا يوجب الفصل بين المسلم ، والكافر إلا أنه مع الحرمة ، والفساد لا يتعرض لهم قبل المرافعة ، وقبل الإسلام ; ولأنهم دانوا ذلك ، ونحن أمرنا أن نتركهم ، وما يدينون كما لا يتعرض لهم في عبادة غير الله تعالى ، وإن كانت محرمة ، وإذا ترافعا إلى القاضي ، فالقاضي يفرق بينهما كما يفرق بينهما بعد الإسلام ; لأنهما إذا ترافعا ، فقد تركا ما داناه ، ورضيا بحكم الإسلام ، ولقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42، فإن جاءوك فاحكم بينهم } ، وأما إذا لم يترافعا ، ولم يوجد الإسلام أيضا ، فقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد إنهما يقران على نكاحهما ، ولا يعترض عليهما بالتفريق .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف : يفرق بينهما الحاكم إذا علم ذلك سواء ترافعا إلينا أو لم يترافعا .
ولو رفع أحدهما دون الآخر قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : لا يعترض عليهما ما لم يترافعا جميعا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد : إذا رفع أحدهما يفرق بينهما أما الكلام في المسألة الأولى ، فوجه قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ظاهر قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49، وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم } أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم بما أنزله مطلقا عن شرط المرافعة ، وقد أنزل سبحانه وتعالى حرمة هذه الأنكحة ، فيلزم الحكم بها مطلقا ; ولأن الأصل في الشرائع هو العموم في حق الناس كافة إلا أنه تعذر تنفيذها في دار الحرب لعدم الولاية ، وأمكن في دار الإسلام ، فلزم التنفيذ فيها ، وكان النكاح فاسدا ، والنكاح الفاسد زنا من وجه ، فلا يمكنون منه كما لا يمكنون من الزنا في دار الإسلام ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990ولأبي حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42، فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } ، والآية حجة له في المسألتين جميعا أما في المسألة الأولى ; فلأنه شرط المجيء للحكم عليهم ، وأثبت
[ ص: 312 ] سبحانه ، وتعالى التخيير بين الحكم والإعراض إلا أنه قام الدليل على نسخ التخيير ، ولا دليل على نسخ شرط المجيء ، فكان حكم الشرط باقيا ، ويحمل المطلق على المقيد لتعذر العمل بهما ، وإمكان جعل المقيد بيانا للمطلق .
وأما في المسألة الثانية ; فلأنه سبحانه ، وتعالى شرط مجيئهم للحكم عليهم ، فإذا جاء أحدهما دون الآخر ، فلم يوجد الشرط ، وهو مجيئهم ، فلا يحكم بينهم .
وروي {
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى مجوس هجر إما أن تذروا الربا أو تأذنوا بحرب من الله ورسوله } ، ولم يكتب إليهم في أنكحتهم شيئا .
ولو كان التفريق مستحقا قبل المرافعة لكتب به كما كتب بترك الربا .
وروي أن المسلمين لما فتحوا
بلاد فارس ، ولم يتعرضوا لأنكحتهم ، وما روي أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه كتب أن يفرق بينهم وبين أمهاتهم لا يكاد يثبت ; لأنه لو ثبت لنقل على طريق الاستفاضة لتوفر الدواعي إلى نقلها ، فلما لم ينقل دل أنه لم يثبت أو يحمل على أنه كتب ، ثم رجع عنه ، ولم يعمل به ; ولأن ترك التعرض ، والإعراض ثبت حقا لهما ، فإذا رفع أحدهما ، فقد أسقط حق نفسه ، فبقي حق الآخر .
( وجه ) قول
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد أنه لما رفع أحدهما ، فقد رضي بحكم الإسلام ، فيلزم إجراء حكم الإسلام في حقه ، فيتعدى إلى الآخر كما إذا أسلم أحدهما إلا أن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة يقول الرضا بالحكم ليس نظير الإسلام بدليل أنه لو رضي ، ثم رجع عنه قبل الحكم عليه لم يلزمه بحكم الإسلام ، وبعد ما أسلم لا يمكنه أن يأبى الرضا بأحكام الإسلام ، وإذا لم يكن ذلك أمرا لازما ضروريا ، فلا يتعدى إلى غيره ، وجعل رضاه في حق الغير كالعدم بخلاف الإسلام .
وذكر القاضي الإمام
أبو زيد أن إنكاح المحارم صحيح فيما بينهم في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة بدليل أن الذمي إذا تزوج بمحارمه ، ودخل بها لم يسقط إحصانه عنده حتى لو قذفه إنسان بالزنا بعد ما أسلم يحد قاذفه عنده .
ولو كان النكاح فاسدا لسقط إحصانه ; لأن الدخول في النكاح الفاسد يسقط الإحصان كما في سائر الأنكحة الفاسدة ، وكذلك لو ترافعا إلينا ، فطلبت المرأة النفقة ، فإن القاضي يقضي بالنفقة في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، فدل أن نكاح المحارم ، وقع صحيحا فيما بينهم في حكم الإسلام ، واتفقوا على أنه لو
nindex.php?page=treesubj&link=11455تزوج حربي أختين في عقدة ، واحدة أو على التعاقب ، ثم فارق إحداهما قبل الإسلام ، ثم أسلم أن نكاح الباقية صحيح ، ومعلوم أن الباقي غير الثابت .
ولو وقع نكاحها فاسدا حال وقوعه لما أقر عليه بعد الإسلام ، وكذلك لو تزوج خمسا في عقد متفرقة ، ثم فارق الأولى منهن ، ثم أسلم بقي نكاح الأربع على الصحة .
ولو وقع فاسدا من الأصل لما انقلب صحيحا بالإسلام بل كان يتأكد الفساد ، فثبت أن هذه الأنكحة ، وقعت صحيحة في حقهم في حكم الإسلام ، ثم يفرق بينهما بعد الإسلام ; لأنه لا صحة لها في حق المسلمين .
ولو
nindex.php?page=treesubj&link=11446_11411_11448طلق الذمي امرأته ثلاثا أو خالعها ، ثم قام عليها كقيامه عليها قبل الطلاق يفرق بينهما ، وإن لم يترافعا ; لأن العقد قد بطل بالطلقات الثلاث وبالخلع ; لأنه يدين بذلك ، فكان إقراره على قيامه عليها إقرارا على الزنا ، وهذا لا يجوز .
ولو تزوج ذمي ذمية على أن لا مهر لها ، وذلك في دينهم جائز صح ذلك ، ولا شيء لها في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة سواء دخل بها أو لم يدخل بها طلقها أو مات عنها أسلما أو أسلم أحدهما .
وعند
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ،
nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد لها مهر مثلها ، ثم إن طلقها بعد الدخول أو بعد الخلوة بها أو مات عنها تأكد ذلك ، وإن طلقها قبل الدخول بها أو قبل الخلوة سقط مهر المثل ، ولها المتعة كالمسلمة .
ولو تزوج حربي حربية في دار الحرب على أن لا مهر لها جاز ذلك ، ولا شيء لها في قولهم جميعا ، والكلام في الجانبين على نحو ما ذكرنا في المسائل المتقدمة هما يقولان : إن حكم الإسلام قد لزم الزوجين الذميين لالتزامهما أحكامنا ، ومن أحكامنا أنه لا يجوز النكاح من غير مال بخلاف الحربيين ; لأنهما ما التزما أحكامنا
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة يقول : إن في ديانتهم جواز النكاح بلا مهر ، ونحن أمرنا بأن نتركهم ، وما يدينون إلا فيما وقع الاستثناء في عقودهم كالربا ، وهذا لم يقع الاستثناء عنه ، فلا نتعرض لهم ، ويكون جائزا في حقهم في حكم الإسلام كما يجوز لهم في حكم الإسلام تملك الخمور ، والخنازير ، وتمليكها هذا إذا تزوجها ، وبقي المهر .
فأما إذا تزوجها ، وسكت عن تسميته بأن تزوجها ، ولم يسم لها مهرا ، فلها مهر المثل في ظاهر رواية الأصل ، فإنه ذكر في الأصل أن الذمي إذا تزوج ذمية بميتة ، أو دم أو بغير شيء أن النكاح جائز ، ولها مهر مثلها ، فظاهر قوله أو بغير شيء يشعر بالسكوت عن التسمية إلا بالنفي ، فيدل على وجوب مهر المثل حال السكوت عن التسمية ، ففرق
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة بين السكوت ، وبين النفي ، وحكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15071الكرخي أنه قال : قياس قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أنه
[ ص: 313 ] لا فرق بين حالة السكوت ، وبين النفي ، ووجهه أنه لما جاز النكاح في ديانتهم بمهر ، وبغير مهر لم يكن في نفس العقد ما يدل على التزام المهر ، فلا بد لوجوبه من دليل ، وهو التسمية ، ولم توجد ، فلا يجب بخلاف نكاح المسلمين ; لأنه لا جواز له بدون المهر ، فكان ذلك العقد التزاما للمهر ( ووجه ) الفرق بين السكوت ، وبين النفي على ظاهر الرواية أنه لما سكت عن تسمية المهر لم تعرف ديانته النكاح بلا مهر ، فيجعل إقدامه على النكاح التزاما للمهر كما في حق المسلمين ، وإذا نفى المهر نصا دل أنه يدين النكاح ، ويعتقده جائزا بلا مهر ، فلا يلزمه حكم نكاح أهل الإسلام بل يترك ، وما يدينه ، فهو الفرق ، ثم ما صلح مهرا في نكاح المسلمين ، فإنه يصلح مهرا في نكاح أهل الذمة لا شك فيه ; لأنه لما جاز نكاحنا عليه كان نكاحهم عليه أجوز ، وما لا يصلح مهرا في نكاح المسلمين لا يصلح مهرا في نكاحهم أيضا إلا الخمر ، والخنزير ; لأن ذلك مال متقوم في حقهم بمنزلة الشاة ، والخل في حق المسلمين ، فيجوز أن يكون مهرا في حقهم في حكم الإسلام ، فإن تزوج ذمي ذمية على خمر أو خنزير ، ثم أسلما أو أسلم أحدهما ، فإن كان الخمر ، والخنزير بعينه ، ولم يقبض ، فليس لها إلا العين ، وإن كان بغير عينه بأن كان في الذمة ، فلها في الخمر القيمة ، وفي الخنزير مهر مثلها ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف : لها مهر مثلها سواء كان بعينه أو بغير عينه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد لها القيمة سواء كان بعينه أو بغير عينه ، ولا خلاف في أن
nindex.php?page=treesubj&link=11182_24203_26787_11178الخمر والخنزير إذا كان دينا في الذمة ليس لها غير ذلك ( وجه ) قولهما في أنه لا يجوز أن يكون لها العين أن الملك في العين ، وإن ثبت لها قبل الإسلام لكن في القبض معنى التمليك ; لأنه مؤكد للملك ; لأن ملكها قبل القبض واه غير متأكد ألا ترى أنه لو هلك عند الزوج كان الهلاك عليه .
وكذا لو تعيب ، وبعد القبض كان ذلك كله عليها ، فثبت أن الملك قبل القبض غير متأكد ، فكان القبض مؤكدا للملك ، والتأكيد إثبات من وجه ، فكان القبض تمليكا من وجه والمسلم منهي عن ذلك ، ولهذا لو اشترى ذمي من ذمي خمرا ، ثم أسلما أو أسلم أحدهما قبل القبض ينتقض البيع ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990ولأبي حنيفة أن المرأة تملك المهر قبل القبض ملكا تاما إذ الملك نوعان : ملك رقبة ، وملك يد ، وهو ملك التصرف ، ولا شك أن ملك الرقبة ثابت لها قبل القبض ، وكذلك ملك التصرف ; لأنها تملك التصرف في المهر قبل القبض من كل وجه ، فلم يبق إلا صورة القبض ، والمسلم غير منهي عن صورة قبض الخمر والخنزير وإقباضهما كما إذا غصب مسلم من مسلم خمرا أن الغاصب يكون مأمورا بالتسليم ، والمغصوب منه يكون مأذونا له في القبض .
وكذا الذمي إذا غصب منه الخمر ، ثم أسلم ، وكمسلم أودعه الذمي خمرا ، ثم أسلم الذمي أن له أن يأخذ الخمر من المودع يبقى هذا القدر ، وهو أنه دخل المهر في ضمانها بالقبض لكن هذا لا يوجب ثبوت ملك لها لما ذكرنا أن ملكها تام قبل القبض مع ما أن دخوله في ضمانها أمر عليها ، فكيف يكون ملكا لها بخلاف المبيع فإن ملك الرقبة ، وإن كان ثابتا قبل القبض ، فملك التصرف لم يثبت ، وإنما يثبت بالقبض ، وفيه معنى التمليك ، والتملك ، والإسلام يمنع من ذلك هذا إذا كانا عينين ، فإن كانا دينين ، فليس لها إلا العين بالإجماع ; لأن الملك في هذه العين التي تأخذها ما كان ثابتا لها بالعقد بل كان ثابتا في الدين في الذمة ، وإنما يثبت الملك في هذا المعين بالقبض ، والقبض تملك من وجه ، والمسلم ممنوع من ذلك ( وجه ) قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف أن الإسلام لما منع القبض ، والقبض حكم العقد جعل كأن المنع كان ثابتا ، وقت العقد فيصار إلى مهر المثل كما لو كانا عند العقد مسلمين وجه قول
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد أن العقد وقع صحيحا ، والتسمية في العقد قد صحت إلا أنه تعذر التسليم بسبب الإسلام لما في التسليم من التمليك من وجه على ما بينا ، والمسلم ممنوع من ذلك ، فيوجب القيمة كما لو هلك المسمى قبل القبض ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة يوجب القيمة في الخمر لما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد ، وهو القياس في الخنزير أيضا إلا أنه استحسن في الخنزير أيضا ، وأوجب مهر المثل ; لأن الخنزير حيوان .
ومن تزوج امرأة على حيوان في الذمة يخير بين تسليمه ، وبين تسليم قيمة الوسط منه بل القيمة هي الأصل في التسليم ; لأن الوسط يعرف بها على ما ذكرنا فيما تقدم ، فكان إيفاء قيمة الخنزير بعد الإسلام حكم إيفاء الخنزير من وجه ، ولا سبيل إلى إيفاء العين بعد الإسلام ، فلا سبيل إلى إيفاء القيمة بخلاف الخمر ; لأن قيمتها لم تكن واجبة قبل الإسلام ألا ترى أنه لو جاء الزوج بالقيمة لا تجبر المرأة على القبول ، فلم يكن لبقائها حكم بقاء الخمر من وجه لذلك افترقا هذا كله إذا لم يكن المهر مقبوضا قبل الإسلام ، فإن كان مقبوضا ، فلا شيء
[ ص: 314 ] للمرأة ; لأن الإسلام متى ورد ، والحرام مقبوض يلاقيه بالعفو ; لأن الملك قد ثبت على سبيل الكمال بالعقد والقبض في حال الكفر ، فلا يثبت بعد الإسلام ملك ، وإنما يوجد ، دوام الملك ، والإسلام لا ينافيه ، كمسلم تخمر عصيره أنه لا يؤمر بإبطال ملكه فيها ، وكما في نزول تحريم الربا .
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل
مكة أبطل من الربا ما لم يقبض ، ولم يتعرض صلى الله عليه وسلم لما قبض بالفسخ ، وهو أحد تأويلات قوله عز وجل {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=278يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين } أمر سبحانه بترك ما بقي من الربا ، والأمر بترك ما بقي من الربا هو النهي عن قبضه ، والله عز وجل الموفق .
ولو تزوجها على ميتة أو دم ذكر في الأصل أن لها مهر مثلها ، وذكر في الجامع الصغير أنه لا شيء لها منهم ، ووفق بين الروايتين ، فحمل ما ذكره في الأصل على الذميين ، وما ذكره في الجامع على الحربيين ، ومنهم من جعل في المسألة روايتين ( وجه ) رواية الأصل أنه لما تزوجها على الميتة والدم ، فلم يرض باستحقاق بضعها إلا ببدل ، وقد تعذر استحقاق المسمى ; لأنه ليس بمال في حق أحد ، فكان لها مهر المثل كالمسلمة ( وجه ) رواية الجامع الصغير أنها لما رضيت بالميتة مع أنها ليست بمال كان ذلك منها دلالة الرضا باستحقاق بضعها بغير عوض أصلا كما إذا تزوجها على أن لا مهر لها ، والله عز وجل أعلم .
( فَصْلٌ ) :
ثُمَّ كُلُّ نِكَاحٍ جَازَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَهُوَ الَّذِي اسْتَجْمَعَ شَرَائِطَ الْجَوَازِ الَّتِي وَصَفْنَاهَا ، فَهُوَ جَائِزٌ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=11444مَا ، فَسَدَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْأَنْكِحَةِ ، فَإِنَّهَا مُنْقَسِمَةٌ فِي حَقِّهِمْ مِنْهَا مَا يَصِحُّ ، وَمِنْهَا مَا يَفْسُدُ ، وَهَذَا قَوْلُ
أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15922زُفَرُ : كُلُّ نِكَاحٍ ، فَسَدَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ ، فَسَدَ فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ حَتَّى لَوْ أَظْهَرُوا النِّكَاحَ بِغَيْرِ شُهُودٍ يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمْ ، وَيُحْمَلُونَ عَلَى أَحْكَامِنَا ، وَإِنْ لَمْ يُرْفَعُوا إلَيْنَا .
وَكَذَا إذَا أَسْلَمُوا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُ ، وَعِنْدَنَا لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ تَحَاكَمَا إلَيْنَا أَوْ أَسْلَمَا بَلْ يُقَرَّانِ عَلَيْهِ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِمْ إنَّهُمْ لَمَّا قَبِلُوا عَقْدَ الذِّمَّةِ ، فَقَدْ الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا وَرَضُوا بِهَا ، وَمِنْ أَحْكَامِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ نِكَاحُهُمْ الْمَحَارِمَ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ ; وَلِأَنَّ تَحْرِيمَ النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ فِي شَرِيعَتِنَا ثَبَتَ بِخِطَابِ الشَّرْعِ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31083لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ } .
وَالْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِشَرَائِعَ هِيَ حُرُمَاتٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْأَقْوَالِ ، فَكَانَتْ حُرْمَةُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ ثَابِتَةً فِي حَقِّهِمْ .
( وَلَنَا ) أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَدَيَّنُونَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ شُهُودٍ ، وَالْكَلَامُ فِيهِ ، وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ ، وَمَا يَدِينُونَ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ عُقُودِهِمْ كَالزِّنَا ، وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَثْنًى مِنْهَا
[ ص: 311 ] فَيَصِحُّ فِي حَقِّهِمْ كَمَا يَصِحُّ مِنْهُمْ تَمَلُّكُ الْخَمْرِ ، وَالْخِنْزِيرِ ، وَتَمْلِيكُهُمَا ، فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمْ كَمَا لَا يُعْتَرَضُ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ; وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطِ بَقَاءِ النِّكَاحِ عَلَى الصِّحَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الشُّهُودِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَرْطُ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ ; لِأَنَّ فِي الشَّهَادَةِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ قَالَ اللَّهُ : تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2، وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } ، فَلَا يُؤَاخَذُ الْكَافِرُ بِمُرَاعَاةِ هَذَا الشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ ; وَلِأَنَّ نُصُوصَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ مُطْلَقَةٌ عَنْ شَرْطِ الشَّهَادَةِ ، وَالتَّقْيِيدُ بِالشَّهَادَةِ فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ ، فَمَنْ ادَّعَى التَّقْيِيدَ بِهَا فِي حَقِّ الْكَافِرِ يَحْتَاجُ إلَى الدَّلِيلِ .
( وَأَمَّا ) قَوْلُهُ إنَّهُمْ بِالذِّمَةِ الْتَزَمُوا أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ ، فَنَعَمْ لَكِنَّ جَوَازَ أَنْكِحَتِهِمْ بِغَيْرِ شُهُودٍ مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ ، وَقَوْلُهُ تَحْرِيمُ
nindex.php?page=treesubj&link=11233النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ عَامٌّ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ خَاصٌّ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ لِوُجُودِ الْمُخَصِّصِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ ، وَهُوَ عُمُومَاتُ الْكِتَابِ .
وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=10999_11233_11451_11411_11446تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً فِي عِدَّةٍ مِنْ ذِمِّيٍّ جَازَ النِّكَاحُ فِي قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ ، وَهَذَا ، وَالنِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ سَوَاءٌ عِنْدَنَا حَتَّى لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمَا بِالتَّفْرِيقِ ، وَإِنْ تَرَافَعَا إلَيْنَا .
وَلَوْ أَسْلَمَا يُقَرَّانِ عَلَى ذَلِكَ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبُو يُوسُفَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16908وَمُحَمَّدٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15922وَزُفَرُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ : النِّكَاحُ فَاسِدٌ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ( وَجْهُ ) قَوْلِهِمْ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15922لِزُفَرَ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ ، وَهُوَ أَنَّهُمْ بِقَبُولِ الذِّمَّةِ الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا ، وَمِنْ أَحْكَامِنَا الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا ، فَسَادُ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ ; وَلِأَنَّ الْخِطَابَ بِتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ عَامٌّ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=235وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ } ، وَالْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِالْحُرُمَاتِ ، وَكَلَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ أَيْضًا ; لِأَنَّ فِي دِيَانَتِهِمْ عَدَمَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ ، وَالْكَلَامُ فِيهِ ، فَلَمْ يَكُنْ هَذَا نِكَاحَ الْمُعْتَدَّةِ فِي اعْتِقَادِهِمْ ، وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ ، وَمَا يَدِينُونَ .
وَكَذَا عُمُومَاتُ النِّكَاحِ مِنْ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ ، وَالسُّنَّةُ مُطْلَقَةٌ عَنْ هَذِهِ الشَّرِيطَةِ أَعْنِي الْخُلُوَّ عَنْ الْعِدَّةِ ، وَإِنَّمَا عُرِفَ شَرْطًا فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ بِالْإِجْمَاعِ ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=235وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ } خِطَابٌ لِلْمُسْلِمِينَ ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَيْهِ عَمَلًا بِالدَّلَائِلِ كُلِّهَا صِيَانَةً لَهَا عَنْ التَّنَاقُضِ ; وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ ، وَهِيَ حَقُّ الزَّوْجِ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=49فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } ، فَمِنْ حَيْثُ هِيَ عِبَادَةٌ لَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا عَلَى الْكَافِرَةِ ; لِأَنَّ الْكُفَّارَ لَا يُخَاطَبُونَ بِشَرَائِعَ هِيَ عِبَادَاتٌ أَوْ قُرُبَاتٌ .
وَكَذَا مِنْ حَيْثُ هِيَ حَقُّ الزَّوْجِ ; لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَعْتَقِدُهُ حَقًّا لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ إذَا تَزَوَّجَ كِتَابِيَّةً فِي عِدَّةٍ مِنْ مُسْلِمٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ; لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَعْتَقِدُ الْعِدَّةَ حَقًّا وَاجِبًا ، فَيُمْكِنُ الْإِيجَابُ لِحَقِّهِ إنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ هِيَ عِبَادَةٌ ، وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=11372_11405_10989_10990_10988_17952_17941_262_260_250لَيْسَ لِلزَّوْجِ الْمُسْلِمِ أَنْ يُجْبِرَ امْرَأَتَهُ الْكَافِرَةَ عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ ; لِأَنَّ الْغُسْلَ مِنْ بَابِ الْقُرْبَةِ ، وَهِيَ لَيْسَتْ مُخَاطَبَةً بِالْقُرُبَاتِ ، وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْبَيْتِ ; لِأَنَّ الْإِسْكَانَ حَقُّهُ ، وَأَمَّا نِكَاحُ الْمَحَارِمِ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ خَمْسِ نِسْوَةٍ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ، فَقَدْ ذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=15071الْكَرْخِيُّ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فَاسِدٌ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ بِالْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّ ، فَسَادَ هَذِهِ الْأَنْكِحَةِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ ثَبَتَ لِفَسَادِ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ ، وَخَوْفِ الْجَوْرِ فِي قَضَاءِ الْحُقُوقِ مِنْ النَّفَقَةِ ، وَالسُّكْنَى ، وَالْكِسْوَةِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ ، وَالْكَافِرِ إلَّا أَنَّهُ مَعَ الْحُرْمَةِ ، وَالْفَسَادِ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ قَبْلَ الْمُرَافَعَةِ ، وَقَبْلَ الْإِسْلَامِ ; وَلِأَنَّهُمْ دَانُوا ذَلِكَ ، وَنَحْنُ أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ ، وَمَا يَدِينُونَ كَمَا لَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ فِي عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً ، وَإِذَا تَرَافَعَا إلَى الْقَاضِي ، فَالْقَاضِي يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا كَمَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ ; لِأَنَّهُمَا إذَا تَرَافَعَا ، فَقَدْ تَرَكَا مَا دَانَاهُ ، وَرَضِيَا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42، فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ } ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَرَافَعَا ، وَلَمْ يُوجَدْ الْإِسْلَامُ أَيْضًا ، فَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16908وَمُحَمَّدٌ إنَّهُمَا يُقَرَّانِ عَلَى نِكَاحِهِمَا ، وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمَا بِالتَّفْرِيقِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبُو يُوسُفَ : يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا الْحَاكِمُ إذَا عَلِمَ ذَلِكَ سَوَاءٌ تَرَافَعَا إلَيْنَا أَوْ لَمْ يَتَرَافَعَا .
وَلَوْ رَفَعَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمَا مَا لَمْ يَتَرَافَعَا جَمِيعًا .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّدٌ : إذَا رَفَعَ أَحَدُهُمَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا أَمَّا الْكَلَامُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، فَوَجْهُ قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبِي يُوسُفَ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49، وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ } أَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَهُ مُطْلَقًا عَنْ شَرْطِ الْمُرَافَعَةِ ، وَقَدْ أَنْزَلَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَنْكِحَةِ ، فَيَلْزَمُ الْحُكْمُ بِهَا مُطْلَقًا ; وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّرَائِعِ هُوَ الْعُمُومُ فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ تَنْفِيذُهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ ، وَأَمْكَنَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، فَلَزِمَ التَّنْفِيذُ فِيهَا ، وَكَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا ، وَالنِّكَاحُ الْفَاسِدُ زِنًا مِنْ وَجْهٍ ، فَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْهُ كَمَا لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الزِّنَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16908وَمُحَمَّدٍ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42، فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } ، وَالْآيَةُ حُجَّةٌ لَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا أَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ; فَلِأَنَّهُ شَرَطَ الْمَجِيءَ لِلْحُكْمِ عَلَيْهِمْ ، وَأَثْبَتَ
[ ص: 312 ] سُبْحَانَهُ ، وَتَعَالَى التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْحُكْمِ وَالْإِعْرَاضِ إلَّا أَنَّهُ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى نَسْخِ التَّخْيِيرِ ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى نَسْخِ شَرْطِ الْمَجِيءِ ، فَكَانَ حُكْمُ الشَّرْطِ بَاقِيًا ، وَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهِمَا ، وَإِمْكَانِ جَعْلِ الْمُقَيَّدِ بَيَانًا لِلْمُطْلَقِ .
وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ; فَلِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ ، وَتَعَالَى شَرَطَ مَجِيئَهُمْ لِلْحُكْمِ عَلَيْهِمْ ، فَإِذَا جَاءَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ ، فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ ، وَهُوَ مَجِيئُهُمْ ، فَلَا يُحْكَمُ بَيْنَهُمْ .
وَرُوِيَ {
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى مَجُوسِ هَجَرَ إمَّا أَنْ تَذَرُوا الرِّبَا أَوْ تَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } ، وَلَمْ يَكْتُبْ إلَيْهِمْ فِي أَنْكِحَتِهِمْ شَيْئًا .
وَلَوْ كَانَ التَّفْرِيقُ مُسْتَحَقًّا قَبْلَ الْمُرَافَعَةِ لَكَتَبَ بِهِ كَمَا كَتَبَ بِتَرْكِ الرِّبَا .
وَرُوِيَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا فَتَحُوا
بِلَادَ فَارِسَ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِأَنْكِحَتِهِمْ ، وَمَا رُوِيَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أُمَّهَاتِهِمْ لَا يَكَادُ يَثْبُتُ ; لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَنُقِلَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِفَاضَةِ لِتَوَفُّرِ الدَّوَاعِي إلَى نَقْلِهَا ، فَلَمَّا لَمْ يُنْقَلْ دَلَّ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَوْ يُحْمَلْ عَلَى أَنَّهُ كَتَبَ ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ ، وَلَمْ يُعْمَلْ بِهِ ; وَلِأَنَّ تَرْكَ التَّعَرُّضِ ، وَالْإِعْرَاضُ ثَبَتَ حَقًّا لَهُمَا ، فَإِذَا رَفَعَ أَحَدُهُمَا ، فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّ نَفْسِهِ ، فَبَقِيَ حَقُّ الْآخَرِ .
( وَجْهُ ) قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَمَّا رَفَعَ أَحَدُهُمَا ، فَقَدْ رَضِيَ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ ، فَيَلْزَمُ إجْرَاءُ حُكْمِ الْإِسْلَامِ فِي حَقِّهِ ، فَيَتَعَدَّى إلَى الْآخَرِ كَمَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا إلَّا أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ الرِّضَا بِالْحُكْمِ لَيْسَ نَظِيرَ الْإِسْلَامِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَضِيَ ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ لَمْ يُلْزِمْهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ ، وَبَعْدَ مَا أَسْلَمَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْبَى الرِّضَا بِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ أَمْرًا لَازِمًا ضَرُورِيًّا ، فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ ، وَجَعَلَ رِضَاهُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ كَالْعَدَمِ بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ
أَبُو زَيْدٍ أَنَّ إنْكَاحَ الْمَحَارِمِ صَحِيحٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ بِدَلِيلِ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا تَزَوَّجَ بِمَحَارِمِهِ ، وَدَخَلَ بِهَا لَمْ يَسْقُطْ إحْصَانُهُ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ قَذَفَهُ إنْسَانٌ بِالزِّنَا بَعْدَ مَا أَسْلَمَ يُحَدُّ قَاذِفُهُ عِنْدَهُ .
وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا لَسَقَطَ إحْصَانُهُ ; لِأَنَّ الدُّخُولَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ يُسْقِطُ الْإِحْصَانَ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا ، فَطَلَبَتْ الْمَرْأَةُ النَّفَقَةَ ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالنَّفَقَةِ فِي قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ ، فَدَلَّ أَنَّ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ ، وَقَعَ صَحِيحًا فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=11455تَزَوَّجَ حَرْبِيٌّ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ ، وَاحِدَةٍ أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ ، ثُمَّ فَارَقَ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَنَّ نِكَاحَ الْبَاقِيَةِ صَحِيحٌ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبَاقِيَ غَيْرُ الثَّابِتِ .
وَلَوْ وَقَعَ نِكَاحُهَا فَاسِدًا حَالَ وُقُوعِهِ لَمَا أُقِرَّ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ خَمْسًا فِي عَقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ ، ثُمَّ فَارَقَ الْأُولَى مِنْهُنَّ ، ثُمَّ أَسْلَمَ بَقِيَ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ عَلَى الصِّحَّةِ .
وَلَوْ وَقَعَ فَاسِدًا مِنْ الْأَصْلِ لَمَا انْقَلَبَ صَحِيحًا بِالْإِسْلَامِ بَلْ كَانَ يَتَأَكَّدُ الْفَسَادُ ، فَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْأَنْكِحَةَ ، وَقَعَتْ صَحِيحَةً فِي حَقِّهِمْ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ ، ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ ; لِأَنَّهُ لَا صِحَّةَ لَهَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ .
وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=11446_11411_11448طَلَّقَ الذِّمِّيُّ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا أَوْ خَالَعَهَا ، ثُمَّ قَامَ عَلَيْهَا كَقِيَامِهِ عَلَيْهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ لَمْ يَتَرَافَعَا ; لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ بَطَلَ بِالطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ وَبِالْخُلْعِ ; لِأَنَّهُ يَدِينُ بِذَلِكَ ، فَكَانَ إقْرَارُهُ عَلَى قِيَامِهِ عَلَيْهَا إقْرَارًا عَلَى الزِّنَا ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَلَوْ تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا ، وَذَلِكَ فِي دِينِهِمْ جَائِزٌ صَحَّ ذَلِكَ ، وَلَا شَيْءِ لَهَا فِي قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا .
وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبِي يُوسُفَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16908وَمُحَمَّدٍ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ، ثُمَّ إنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَ الْخَلْوَةِ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا تَأَكَّدَ ذَلِكَ ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ قَبْلَ الْخَلْوَةِ سَقَطَ مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَلَهَا الْمُتْعَةُ كَالْمُسْلِمَةِ .
وَلَوْ تَزَوَّجَ حَرْبِيٌّ حَرْبِيَّةً فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا جَازَ ذَلِكَ ، وَلَا شَيْءَ لَهَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ، وَالْكَلَامُ فِي الْجَانِبَيْنِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ هُمَا يَقُولَانِ : إنَّ حُكْمَ الْإِسْلَامِ قَدْ لَزِمَ الزَّوْجَيْنِ الذِّمِّيَّيْنِ لِالْتِزَامِهِمَا أَحْكَامَنَا ، وَمِنْ أَحْكَامِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ مِنْ غَيْرِ مَالٍ بِخِلَافِ الْحَرْبِيَّيْنِ ; لِأَنَّهُمَا مَا الْتَزَمَا أَحْكَامَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=11990وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : إنَّ فِي دِيَانَتِهِمْ جَوَازَ النِّكَاحِ بِلَا مَهْرٍ ، وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ ، وَمَا يَدِينُونَ إلَّا فِيمَا وَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي عُقُودِهِمْ كَالرِّبَا ، وَهَذَا لَمْ يَقَعْ الِاسْتِثْنَاءُ عَنْهُ ، فَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ ، وَيَكُونُ جَائِزًا فِي حَقِّهِمْ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ كَمَا يَجُوزُ لَهُمْ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ تَمَلُّكُ الْخُمُورِ ، وَالْخَنَازِيرِ ، وَتَمْلِيكُهَا هَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا ، وَبَقِيَ الْمَهْرُ .
فَأَمَّا إذَا تَزَوَّجَهَا ، وَسَكَتَ عَنْ تَسْمِيَتِهِ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا ، وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ، فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي ظَاهِرِ رِوَايَةِ الْأَصْلِ ، فَإِنَّهُ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا تَزَوَّجَ ذِمِّيَّةً بِمَيْتَةٍ ، أَوْ دَمٍ أَوْ بِغَيْرِ شَيْءٍ أَنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ ، وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ، فَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ شَيْءٍ يُشْعِرُ بِالسُّكُوتِ عَنْ التَّسْمِيَةِ إلَّا بِالنَّفْيِ ، فَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ حَالَ السُّكُوتِ عَنْ التَّسْمِيَةِ ، فَفَرَّقَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ السُّكُوتِ ، وَبَيْنَ النَّفْيِ ، وَحُكِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15071الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ قَالَ : قِيَاسُ قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ
[ ص: 313 ] لَا فَرْقَ بَيْنَ حَالَةِ السُّكُوتِ ، وَبَيْنَ النَّفْيِ ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ النِّكَاحُ فِي دِيَانَتِهِمْ بِمَهْرٍ ، وَبِغَيْرِ مَهْرٍ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْتِزَامِ الْمَهْرِ ، فَلَا بُدَّ لِوُجُوبِهِ مِنْ دَلِيلٍ ، وَهُوَ التَّسْمِيَةُ ، وَلَمْ تُوجَدْ ، فَلَا يَجِبُ بِخِلَافِ نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ ; لِأَنَّهُ لَا جَوَازَ لَهُ بِدُونِ الْمَهْرِ ، فَكَانَ ذَلِكَ الْعَقْدُ الْتِزَامًا لِلْمَهْرِ ( وَوَجْهُ ) الْفَرْقِ بَيْنَ السُّكُوتِ ، وَبَيْنَ النَّفْيِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَمَّا سَكَتَ عَنْ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ لَمْ تُعْرَفْ دِيَانَتُهُ النِّكَاحَ بِلَا مَهْرٍ ، فَيُجْعَلْ إقْدَامُهُ عَلَى النِّكَاحِ الْتِزَامًا لِلْمَهْرِ كَمَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِذَا نَفَى الْمَهْرَ نَصًّا دَلَّ أَنَّهُ يَدِينُ النِّكَاحَ ، وَيَعْتَقِدُهُ جَائِزًا بِلَا مَهْرٍ ، فَلَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ نِكَاحِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بَلْ يُتْرَكُ ، وَمَا يَدِينُهُ ، فَهُوَ الْفَرْقُ ، ثُمَّ مَا صَلُحَ مَهْرًا فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ ، فَإِنَّهُ يَصْلُحُ مَهْرًا فِي نِكَاحِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا شَكَّ فِيهِ ; لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ نِكَاحُنَا عَلَيْهِ كَانَ نِكَاحُهُمْ عَلَيْهِ أَجْوَزَ ، وَمَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فِي نِكَاحِهِمْ أَيْضًا إلَّا الْخَمْرُ ، وَالْخِنْزِيرُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِمْ بِمَنْزِلَةِ الشَّاةِ ، وَالْخَلِّ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا فِي حَقِّهِمْ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ ، فَإِنْ تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ ، ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا ، فَإِنْ كَانَ الْخَمْرُ ، وَالْخِنْزِيرُ بِعَيْنِهِ ، وَلَمْ يُقْبَضْ ، فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْعَيْنُ ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ بِأَنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ ، فَلَهَا فِي الْخَمْرِ الْقِيمَةُ ، وَفِي الْخِنْزِيرِ مَهْرُ مِثْلِهَا ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبُو يُوسُفَ : لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا سَوَاءٌ كَانَ بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّدٌ لَهَا الْقِيمَةُ سَوَاءٌ كَانَ بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=11182_24203_26787_11178الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ إذَا كَانَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ لَيْسَ لَهَا غَيْرُ ذَلِكَ ( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهَا الْعَيْنُ أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْعَيْنِ ، وَإِنْ ثَبَتَ لَهَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ لَكِنْ فِي الْقَبْضِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ ; لِأَنَّهُ مُؤَكِّدٌ لِلْمِلْكِ ; لِأَنَّ مِلْكَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَاهٍ غَيْرُ مُتَأَكَّدٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ عِنْدَ الزَّوْجِ كَانَ الْهَلَاكُ عَلَيْهِ .
وَكَذَا لَوْ تَعَيَّبَ ، وَبَعْدَ الْقَبْضِ كَانَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَيْهَا ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ غَيْرُ مُتَأَكِّدٍ ، فَكَانَ الْقَبْضُ مُؤَكِّدًا لِلْمِلْكِ ، وَالتَّأْكِيدُ إثْبَاتٌ مِنْ وَجْهٍ ، فَكَانَ الْقَبْضُ تَمْلِيكًا مِنْ وَجْهٍ وَالْمُسْلِمُ مَنْهِيٌّ عَنْ ذَلِكَ ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا ، ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَمْلِكُ الْمَهْرَ قَبْلَ الْقَبْضِ مِلْكًا تَامًّا إذْ الْمِلْكُ نَوْعَانِ : مِلْكُ رَقَبَةٍ ، وَمِلْكُ يَدٍ ، وَهُوَ مِلْكُ التَّصَرُّفِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ ثَابِتٌ لَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَكَذَلِكَ مِلْكُ التَّصَرُّفِ ; لِأَنَّهَا تَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَهْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا صُورَةُ الْقَبْض ، وَالْمُسْلِمُ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْ صُورَةِ قَبْضِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَإِقْبَاضُهُمَا كَمَا إذَا غَصَبَ مُسْلِمٌ مِنْ مُسْلِمٍ خَمْرًا أَنَّ الْغَاصِبَ يَكُونُ مَأْمُورًا بِالتَّسْلِيمِ ، وَالْمَغْصُوبَ مِنْهُ يَكُونُ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقَبْضِ .
وَكَذَا الذِّمِّيُّ إذَا غُصِبَ مِنْهُ الْخَمْرُ ، ثُمَّ أَسْلَمَ ، وَكَمُسْلِمٍ أَوْدَعَهُ الذِّمِّيُّ خَمْرًا ، ثُمَّ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْخَمْرَ مِنْ الْمُودِعِ يَبْقَى هَذَا الْقَدْرُ ، وَهُوَ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَهْرُ فِي ضَمَانِهَا بِالْقَبْضِ لَكِنْ هَذَا لَا يُوجِبُ ثُبُوتَ مِلْكٍ لَهَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مِلْكَهَا تَامٌّ قَبْلَ الْقَبْضِ مَعَ مَا أَنَّ دُخُولَهُ فِي ضَمَانِهَا أَمْرٌ عَلَيْهَا ، فَكَيْفَ يَكُونُ مِلْكًا لَهَا بِخِلَافِ الْمَبِيعِ فَإِنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ ، وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الْقَبْضِ ، فَمِلْكُ التَّصَرُّفِ لَمْ يَثْبُتْ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ ، وَفِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ ، وَالتَّمَلُّكِ ، وَالْإِسْلَامُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ هَذَا إذَا كَانَا عَيْنَيْنِ ، فَإِنْ كَانَا دَيْنَيْنِ ، فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْعَيْنُ بِالْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي هَذِهِ الْعَيْنِ الَّتِي تَأْخُذُهَا مَا كَانَ ثَابِتًا لَهَا بِالْعَقْدِ بَلْ كَانَ ثَابِتًا فِي الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي هَذَا الْمُعَيَّنِ بِالْقَبْضِ ، وَالْقَبْضُ تَمَلُّكٌ مِنْ وَجْهٍ ، وَالْمُسْلِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ ( وَجْهُ ) قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبِي يُوسُف أَنَّ الْإِسْلَامَ لَمَّا مَنْعَ الْقَبْضَ ، وَالْقَبْضُ حُكْمُ الْعَقْدِ جُعِلَ كَأَنَّ الْمَنْعَ كَانَ ثَابِتًا ، وَقْتَ الْعَقْدِ فَيُصَارُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ كَانَا عِنْدَ الْعَقْدِ مُسْلِمَيْنِ وَجْهُ قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّدٍ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ صَحِيحًا ، وَالتَّسْمِيَةُ فِي الْعَقْدِ قَدْ صَحَّتْ إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ لِمَا فِي التَّسْلِيمِ مِنْ التَّمْلِيكِ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَالْمُسْلِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ ، فَيُوجِبُ الْقِيمَةَ كَمَا لَوْ هَلَكَ الْمُسَمَّى قَبْلَ الْقَبْضِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990وَأَبُو حَنِيفَةَ يُوجِبُ الْقِيمَةَ فِي الْخَمْرِ لِمَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّدٌ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْخِنْزِيرِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ اسْتَحْسَنَ فِي الْخِنْزِيرِ أَيْضًا ، وَأَوْجَبَ مَهْرَ الْمِثْلِ ; لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ حَيَوَانٌ .
وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى حَيَوَانٍ فِي الذِّمَّةِ يُخَيَّرُ بَيْنَ تَسْلِيمِهِ ، وَبَيْنَ تَسْلِيمِ قِيمَةِ الْوَسَطِ مِنْهُ بَلْ الْقِيمَةُ هِيَ الْأَصْلُ فِي التَّسْلِيمِ ; لِأَنَّ الْوَسَطَ يُعْرَفُ بِهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ ، فَكَانَ إيفَاءُ قِيمَةِ الْخِنْزِيرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ حُكْمَ إيفَاءِ الْخِنْزِيرِ مِنْ وَجْهٍ ، وَلَا سَبِيلَ إلَى إيفَاءِ الْعَيْنِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ ، فَلَا سَبِيلَ إلَى إيفَاءِ الْقِيمَةِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ ; لِأَنَّ قِيمَتَهَا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ جَاءَ الزَّوْجُ بِالْقِيمَةِ لَا تُجْبَرُ الْمَرْأَةُ عَلَى الْقَبُولِ ، فَلَمْ يَكُنْ لِبَقَائِهَا حُكْمُ بَقَاءِ الْخَمْرِ مِنْ وَجْهٍ لِذَلِكَ افْتَرَقَا هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا قَبْلَ الْإِسْلَامِ ، فَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا ، فَلَا شَيْءَ
[ ص: 314 ] لِلْمَرْأَةِ ; لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مَتَى وَرَدَ ، وَالْحَرَامُ مَقْبُوضٌ يُلَاقِيهِ بِالْعَفْوِ ; لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ ثَبَتَ عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ بِالْعَقْدِ وَالْقَبْضِ فِي حَالِ الْكُفْرِ ، فَلَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ مِلْكٌ ، وَإِنَّمَا يُوجَدُ ، دَوَامُ الْمِلْكِ ، وَالْإِسْلَامُ لَا يُنَافِيهِ ، كَمُسْلِمٍ تَخَمَّرَ عَصِيرُهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِإِبْطَالِ مِلْكِهِ فِيهَا ، وَكَمَا فِي نُزُولِ تَحْرِيمِ الرِّبَا .
وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ
مَكَّةَ أَبْطَلَ مِنْ الرِّبَا مَا لَمْ يُقْبَضْ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا قُبِضَ بِالْفَسْخِ ، وَهُوَ أَحَدُ تَأْوِيلَاتِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=278يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } أَمَرَ سُبْحَانَهُ بِتَرْكِ مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا ، وَالْأَمْرُ بِتَرْكِ مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا هُوَ النَّهْيُ عَنْ قَبْضِهِ ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُوَفِّقُ .
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا ، وَذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا مِنْهُمْ ، وَوَفَّقَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ ، فَحَمَلَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ عَلَى الذِّمِّيِّينَ ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ عَلَى الْحَرْبِيِّينَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ ( وَجْهُ ) رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَمَّا تَزَوَّجَهَا عَلَى الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ ، فَلَمْ يَرْضَ بِاسْتِحْقَاقِ بُضْعِهَا إلَّا بِبَدَلٍ ، وَقَدْ تَعَذَّرَ اسْتِحْقَاقُ الْمُسَمَّى ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ أَحَدٍ ، فَكَانَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ كَالْمُسْلِمَةِ ( وَجْهُ ) رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهَا لَمَّا رَضِيَتْ بِالْمَيْتَةِ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ كَانَ ذَلِكَ مِنْهَا دَلَالَةَ الرِّضَا بِاسْتِحْقَاقِ بُضْعِهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ أَصْلًا كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .