والثاني وجوب
nindex.php?page=treesubj&link=10191_26166رد عين المسروق على صاحبه إذا كان قائما بعينه ، وجملة الكلام فيه : أن المسروق في يد السارق لا يخلو إما أن كان على حاله لم يتغير ، وإما أن أحدث السارق فيه حدثا ، فإن كان على حاله رده على المالك ; لما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=21691 : على اليد ما أخذت حتى ترده } .
وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37541من وجد عين ماله فهو أحق به } .
وروي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7549أنه عليه الصلاة والسلام رد رداء صفوان رضي الله عنه عليه ، وقطع السارق فيه } ، وكذلك إن كان السارق قد ملك المسروق رجلا ببيع أو هبة ، أو صدقة ، أو تزوج امرأة عليه ، أو كان السارق امرأته فاختلعت من نفسها به .
وهو قائم في يد المالك فلصاحبه أن يأخذه ; لأنه ملكه ، إذ السرقة لا توجب زوال الملك عن العين المسروقة ، فكان تمليك السارق باطلا ، ويرجع المشتري على السارق بالثمن الذي اشتراه به ; لما مر ، فإن كان قد هلك في يدي القابض ، وكان البيع قبل القطع ، أو بعده فلا ضمان لا على السارق ، ولا على القابض ; لما بينا فيما تقدم ، وإن أحدث السارق فيه حدثا لا يخلو إما أن أحدث حدثا أوجب النقصان ، وإما إن أحدث حدثا أوجب الزيادة ، فإن أحدث حدثا أوجب النقصان يقطع ، وتسترد العين على المالك ، وليس عليه ضمان النقصان ; لأن نقصان المسروق هلاك بعضه ، ولو هلك كله يقطع ، ولا ضمان عليه كذا إذا هلك البعض ، ويرد العين ; لأن القطع لا يمنع الرد .
ألا ترى أنه لا يمنع رد الكل فكذا البعض ، وإن أحدث حدثا أوجب الزيادة فالأصل في هذا أن السارق إذا أحدث في المسروق حدثا لو أحدثه الغاصب في المغصوب لا يقطع حق المالك ، ينقطع حق المسروق منه ، وإلا فلا ، إلا أن في باب الغصب يضمن الغاصب للمالك مثل المغصوب ، أو قيمته ، وههنا لا يضمن السارق لمانع وهو القطع ، إذا عرف هذا فنقول : السارق إذا
nindex.php?page=treesubj&link=10715_10191قطع الثوب المسروق ، وخاطه قميصا ; انقطع حق المالك ; لأنه لو فعله الغاصب لانقطع حق المغصوب منه كذا إذا فعله السارق ، ولا
[ ص: 90 ] ضمان على السارق ; لما بينا ولو صبغه أحمر أو أصفر فكذلك لا سبيل للمالك على العين المسروقة في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة - رحمه الله - وفي قولهما يأخذ المالك الثوب ، ويعطيه ما زاد الصبغ فيه .
( وجه ) قولهما : أنه لو وجد هذا من الغاصب لخير المالك بين أن يضمن الغاصب قيمة الثوب ، وبين أن يأخذ الثوب ، ويعطيه ما زاد الصبغ فيه ، إلا أن التضمين ههنا متعذر لضرورة القطع فتعين الوجه الآخر وهو : أن يأخذ الثوب ، ويعطيه ما زاد الصبغ فيه إذ الغصب ، والسرقة لا يختلفان في هذا الباب إلا في الضمان ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990ولأبي حنيفة الفرق بين الغصب ، والسرقة ههنا وهو : أن حق المغصوب منه إنما لم ينقطع عن الثوب بالصبغ ; لأن أصل الثوب ملكه ، وهو متقوم ، وللغاصب فيه حق متقوم أيضا ، إلا أنا أثبتنا الخيار للمالك لا للغاصب ; لأن المالك صاحب أصل ، والغاصب صاحب وصف ، وههنا حق السارق في الصبغ متقوم ، وحق المالك في أصل الثوب ليس بمتقوم في حق السارق لأجل القطع .
ألا ترى أنه لو أتلفه السارق لا ضمان عليه ، فاعتبر حق السارق ، وجعل حق المالك في الأصل تبعا لحقه في الوصف ، وتعذر تضمينه لضرورة القطع فيكون له مجانا ، ولكن لا يحل له أن ينتفع بهذا الثوب بوجه من الوجوه كذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة - رحمه الله - ; لأن الثوب على ملك المسروق منه إلا أنه تعذر رده ، وتضمينه في الحكم ، والقضاء ، فما لم يملكه السارق لا يحل له الانتفاع به ; لأنه ملكه بوجه محظور من غير بدل لتعذر إيجاب الضمان ; فلا يباح له الانتفاع به ، ويجوز أن يصير مال إنسان في يد غيره على وجه يخرج من أن يكون واجب الرد ، والضمان إليه من طريق الحكم والقضاء ، لكن لا يحل له الانتفاع به فيما بينه ، وبين الله - تبارك وتعالى - كالمسلم إذا دخل دار الحرب بأمان فأخذ شيئا من أموالهم لا يحكم عليه بالرد ، ويلزمه ذلك فيما بينه ، وبين الله - جل جلاله .
وكذلك الباغي إذا أتلف مال العادل ، ثم تاب لا يحكم عليه بالضمان ، ويفتى به فيما بينه ، وبين الله - تبارك وتعالى - وكذلك الحربي إذا أتلف شيئا من مالنا ، ثم أسلم لا يحكم عليه بالرد ، ويفتى بذلك فيما بينه ، وبين الله - جلت عظمته - وكذلك السارق إذا استهلك المسروق لا يقضى عليه بالضمان ، ولكن يفتى به فيما بينه ، وبين الله تعالى ، وكذا قاطع الطريق إذا قتل إنسانا بعصا ثم جاء تائبا بطل عنه الحد ، ويؤمر بأداء الدية إلى ولي القتيل ، ولو قتل حربي مسلما بعصا ، ثم أسلم لا يفتى بدفع الدية إلى الولي ، بخلاف الباغي ، وقاطع الطريق ، والفرق أن القتل من الحربي لم يقع سببا لوجوب الضمان ; لأن عصمة المقتول لم تظهر في حقه ، فلا يجب بالإسلام ; لأنه يجب ما قبله .
وقال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } ، بخلاف قاطع الطريق ; لأن فعله ، وقع سببا لوجوب الضمان إلا أنه لا يحكم بالضمان لمانع ، وهو ضرورة إقامة الحد ، إلا أن الحد إذا لم يجب لشبهة يحكم بالضمان فيظهر أثر المانع في الحكم ، والقضاء لا في الفتوى ، وكذا فعل الباغي ، وقع سببا لوجوب الضمان لكن لم يحكم بالوجوب لمانع ، وهو عدم الفائدة لقيام المنعة ، وهذا المانع يخص الحكم ، والقضاء ، فكان الوجوب ثابتا عند الله - سبحانه وتعالى - فيقضى به ، وعلى هذا يخرج ما إذا
nindex.php?page=treesubj&link=10715_26166_10191_10270سرق نقرة فضة فضربها دراهم أنه يقطع ، والدراهم ترد على صاحبها في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة .
وعندهما ينقطع حق المالك عن الدراهم ; بناء على أن هذا الصنع لا يقطع حق المالك في باب الغصب عنده ، وعندهما ينقطع ، ولو
nindex.php?page=treesubj&link=10715_10191سرق حديدا ، أو صفرا ، أو نحاسا ، أو ما أشبه ذلك فضربها أواني ينظر إن كان بعد الصناعة ، والضرب تباع وزنا فهو على الاختلاف الذي ذكرنا ، وإن كانت تباع عددا فيقطع حق المالك بالإجماع - كما في الغصب - وعلى هذا
nindex.php?page=treesubj&link=10191إذا سرق حنطة فطحنها ، وغير ذلك من هذا الجنس ، وسنذكر جملة ذلك في كتاب الغصب - إن شاء الله تعالى - ، والله أعلم بالصواب .
وَالثَّانِي وُجُوبُ
nindex.php?page=treesubj&link=10191_26166رَدِّ عَيْنِ الْمَسْرُوقِ عَلَى صَاحِبِهِ إذَا كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ : أَنَّ الْمَسْرُوقَ فِي يَدِ السَّارِقِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ عَلَى حَالِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ ، وَإِمَّا أَنْ أَحْدَثَ السَّارِقُ فِيهِ حَدَثًا ، فَإِنْ كَانَ عَلَى حَالِهِ رَدَّهُ عَلَى الْمَالِكِ ; لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=21691 : عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ } .
وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37541مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ } .
وَرُوِيَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7549أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَدَّ رِدَاءَ صَفْوَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَيْهِ ، وَقَطَعَ السَّارِقَ فِيهِ } ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ السَّارِقُ قَدْ مَلَّكَ الْمَسْرُوقَ رَجُلًا بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ ، أَوْ صَدَقَةٍ ، أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَيْهِ ، أَوْ كَانَ السَّارِقُ امْرَأَتَهُ فَاخْتَلَعَتْ مِنْ نَفْسِهَا بِهِ .
وَهُوَ قَائِمٌ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ ; لِأَنَّهُ مِلْكُهُ ، إذْ السَّرِقَةُ لَا تُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ عَنْ الْعَيْنِ الْمَسْرُوقَةِ ، فَكَانَ تَمْلِيكُ السَّارِقِ بَاطِلًا ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى السَّارِقِ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ ; لِمَا مَرَّ ، فَإِنْ كَانَ قَدْ هَلَكَ فِي يَدَيْ الْقَابِضِ ، وَكَانَ الْبَيْعُ قَبْلَ الْقَطْعِ ، أَوْ بَعْدَهُ فَلَا ضَمَانَ لَا عَلَى السَّارِقِ ، وَلَا عَلَى الْقَابِضِ ; لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَإِنْ أَحْدَثَ السَّارِقُ فِيهِ حَدَثًا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْجَبَ النُّقْصَانَ ، وَإِمَّا إنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْجَبَ الزِّيَادَةَ ، فَإِنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْجَبَ النُّقْصَانَ يُقْطَعْ ، وَتُسْتَرَدَّ الْعَيْنُ عَلَى الْمَالِكِ ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانُ النُّقْصَانِ ; لِأَنَّ نُقْصَانَ الْمَسْرُوقِ هَلَاكُ بَعْضِهِ ، وَلَوْ هَلَكَ كُلُّهُ يُقْطَعُ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَذَا إذَا هَلَكَ الْبَعْضُ ، وَيَرُدُّ الْعَيْنَ ; لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ رَدَّ الْكُلِّ فَكَذَا الْبَعْضِ ، وَإِنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْجَبَ الزِّيَادَةَ فَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ السَّارِقَ إذَا أَحْدَثَ فِي الْمَسْرُوقِ حَدَثًا لَوْ أَحْدَثَهُ الْغَاصِبُ فِي الْمَغْصُوبِ لَا يُقْطَعُ حَقُّ الْمَالِكِ ، يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ ، وَإِلَّا فَلَا ، إلَّا أَنَّ فِي بَابِ الْغَصْبِ يَضْمَنُ الْغَاصِبُ لِلْمَالِكِ مِثْلَ الْمَغْصُوبِ ، أَوْ قِيمَتَهُ ، وَهَهُنَا لَا يَضْمَنُ السَّارِقُ لِمَانِعٍ وَهُوَ الْقَطْعُ ، إذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ : السَّارِقُ إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=10715_10191قَطَعَ الثَّوْبَ الْمَسْرُوقَ ، وَخَاطَهُ قَمِيصًا ; انْقَطَعَ حَقُّ الْمَالِكِ ; لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ الْغَاصِبُ لَانْقَطَعَ حَقُّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ كَذَا إذَا فَعَلَهُ السَّارِقُ ، وَلَا
[ ص: 90 ] ضَمَانَ عَلَى السَّارِقِ ; لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ فَكَذَلِكَ لَا سَبِيلَ لِلْمَالِكِ عَلَى الْعَيْنِ الْمَسْرُوقَةِ فِي قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي قَوْلِهِمَا يَأْخُذُ الْمَالِكُ الثَّوْبَ ، وَيُعْطِيهِ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِمَا : أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ هَذَا مِنْ الْغَاصِبِ لَخُيِّرَ الْمَالِكُ بَيْنَ أَنْ يَضْمَنَ الْغَاصِبُ قِيمَةَ الثَّوْبِ ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ ، وَيُعْطِيَهُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ ، إلَّا أَنَّ التَّضْمِينَ هَهُنَا مُتَعَذَّرٌ لِضَرُورَةِ الْقَطْعِ فَتَعَيَّنَ الْوَجْهُ الْآخَرُ وَهُوَ : أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ ، وَيُعْطِيَهُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ إذْ الْغَصْبُ ، وَالسَّرِقَةُ لَا يَخْتَلِفَانِ فِي هَذَا الْبَابِ إلَّا فِي الضَّمَانِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990وَلِأَبِي حَنِيفَةَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْغَصْبِ ، وَالسَّرِقَةِ هَهُنَا وَهُوَ : أَنَّ حَقَّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ إنَّمَا لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْ الثَّوْبِ بِالصَّبْغِ ; لِأَنَّ أَصْلَ الثَّوْبِ مِلْكُهُ ، وَهُوَ مُتَقَوِّمٌ ، وَلِلْغَاصِبِ فِيهِ حَقٌّ مُتَقَوِّمٌ أَيْضًا ، إلَّا أَنَّا أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ لِلْمَالِكِ لَا لِلْغَاصِبِ ; لِأَنَّ الْمَالِكَ صَاحِبُ أَصْلٍ ، وَالْغَاصِبَ صَاحِبُ وَصْفٍ ، وَهَهُنَا حَقُّ السَّارِقِ فِي الصَّبْغِ مُتَقَوِّمٌ ، وَحَقُّ الْمَالِكِ فِي أَصْلِ الثَّوْبِ لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ السَّارِقِ لِأَجْلِ الْقَطْعِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَهُ السَّارِقُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، فَاعْتُبِرَ حَقُّ السَّارِقِ ، وَجُعِلَ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الْأَصْلِ تَبَعًا لَحَقِّهِ فِي الْوَصْفِ ، وَتَعَذَّرَ تَضْمِينُهُ لِضَرُورَةِ الْقَطْعِ فَيَكُونُ لَهُ مَجَّانًا ، وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَذَا الثَّوْبِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كَذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ; لِأَنَّ الثَّوْبَ عَلَى مِلْكِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّهُ ، وَتَضْمِينُهُ فِي الْحُكْمِ ، وَالْقَضَاءِ ، فَمَا لَمْ يَمْلِكْهُ السَّارِقُ لَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ ; لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِوَجْهٍ مَحْظُورٍ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ لِتَعَذُّرِ إيجَابِ الضَّمَانِ ; فَلَا يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ مَالُ إنْسَانٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبُ الرَّدِّ ، وَالضَّمَانُ إلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَالْقَضَاءِ ، لَكِنْ لَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِيمَا بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - كَالْمُسْلِمِ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَأَخَذَ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ ، وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ اللَّهِ - جَلَّ جَلَالُهُ .
وَكَذَلِكَ الْبَاغِي إذَا أَتْلَفَ مَالَ الْعَادِلِ ، ثُمَّ تَابَ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ ، وَيُفْتَى بِهِ فِيمَا بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - وَكَذَلِكَ الْحَرْبِيُّ إذَا أَتْلَفَ شَيْئًا مِنْ مَالِنَا ، ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ ، وَيُفْتَى بِذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ اللَّهِ - جَلَّتْ عَظَمَتُهُ - وَكَذَلِكَ السَّارِقُ إذَا اسْتَهْلَكَ الْمَسْرُوقَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ ، وَلَكِنْ يُفْتَى بِهِ فِيمَا بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَكَذَا قَاطِعُ الطَّرِيقِ إذَا قَتَلَ إنْسَانًا بِعَصًا ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا بَطَلَ عَنْهُ الْحَدُّ ، وَيُؤْمَرُ بِأَدَاءِ الدِّيَةِ إلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ ، وَلَوْ قَتَلَ حَرْبِيٌّ مُسْلِمًا بِعَصًا ، ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يُفْتَى بِدَفْعِ الدِّيَةِ إلَى الْوَلِيِّ ، بِخِلَافِ الْبَاغِي ، وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَتْلَ مِنْ الْحَرْبِيِّ لَمْ يَقَعْ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ ; لِأَنَّ عِصْمَةَ الْمَقْتُولِ لَمْ تَظْهَرْ فِي حَقِّهِ ، فَلَا يُجَبُّ بِالْإِسْلَامِ ; لِأَنَّهُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ .
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } ، بِخِلَافِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ ; لِأَنَّ فِعْلَهُ ، وَقَعَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِالضَّمَانِ لِمَانِعٍ ، وَهُوَ ضَرُورَةُ إقَامَةِ الْحَدِّ ، إلَّا أَنَّ الْحَدَّ إذَا لَمْ يَجِبْ لِشُبْهَةٍ يُحْكَمُ بِالضَّمَانِ فَيَظْهَرُ أَثَرُ الْمَانِعِ فِي الْحُكْمِ ، وَالْقَضَاءِ لَا فِي الْفَتْوَى ، وَكَذَا فِعْلُ الْبَاغِي ، وَقَعَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ لَكِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِالْوُجُوبِ لِمَانِعٍ ، وَهُوَ عَدَمُ الْفَائِدَةِ لِقِيَامِ الْمَنَعَةِ ، وَهَذَا الْمَانِعُ يَخُصُّ الْحُكْمَ ، وَالْقَضَاءَ ، فَكَانَ الْوُجُوبُ ثَابِتًا عِنْدَ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فَيُقْضَى بِهِ ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=10715_26166_10191_10270سَرَقَ نَقْرَةَ فِضَّةٍ فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ أَنَّهُ يُقْطَعُ ، وَالدَّرَاهِمُ تُرَدُّ عَلَى صَاحِبِهَا فِي قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ .
وَعِنْدَهُمَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْ الدَّرَاهِمِ ; بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا الصُّنْعَ لَا يَقْطَعُ حَقَّ الْمَالِكِ فِي بَابِ الْغَصْبِ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا يَنْقَطِعُ ، وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=10715_10191سَرَقَ حَدِيدًا ، أَوْ صُفْرًا ، أَوْ نُحَاسًا ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَضَرَبَهَا أَوَانِيَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ بَعْدَ الصِّنَاعَةِ ، وَالضَّرْبِ تُبَاعُ وَزْنًا فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا ، وَإِنْ كَانَتْ تُبَاعُ عَدَدًا فَيُقْطَعُ حَقُّ الْمَالِكِ بِالْإِجْمَاعِ - كَمَا فِي الْغَصْبِ - وَعَلَى هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=10191إذَا سَرَقَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ ، وَسَنَذْكُرُ جُمْلَةَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - ، وَاَللَّهُ أَعْلَم بِالصَّوَابِ .