المسألة الثالثة : اعلم أنه بقي في الآية سؤالات :
السؤال الأول : لم قال في الآية الأولى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286ولا تحمل علينا إصرا ) وقال في هذه الآية (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286ولا تحملنا ) خص ذلك بالحمل وهذا بالتحميل ؟
الجواب : أن الشاق يمكن حمله أما ما لا يكون مقدورا لا يمكن حمله ، فالحاصل فيما لا يطاق هو التحميل فقط أما الحمل فغير ممكن وأما الشاق فالحمل والتحميل يمكنان فيه ، فلهذا السبب خص الآية الأخيرة بالتحميل .
السؤال الثاني : أنه لما طلب أن لا يكلفه بالفعل الشاق قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286ولا تحمل علينا إصرا ) كان من لوازمه أن لا يكلفه ما لا يطاق ، وعلى هذا التقدير كان عكس هذا الترتيب أولى .
[ ص: 130 ] والجواب : الذي أتخيله فيه - والعلم عند الله تعالى - أن للعبد مقامين أحدهما : قيامه بظاهر الشريعة والثاني : شروعه في بدء المكاشفات ، وذلك هو أن يشتغل بمعرفة الله وخدمته وطاعته وشكر نعمته ففي المقام الأول طلب ترك التشديد ، وفي المقام الثاني قال : لا تطلب مني حمدا يليق بجلالك ، ولا شكرا يليق بآلائك ونعمائك ، ولا معرفة تليق بقدس عظمتك ، فإن ذلك لا يليق بذكري وشكري وفكري ولا طاقة لي بذلك ، ولما كانت الشريعة متقدمة على الحقيقة لا جرم كان قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286ولا تحمل علينا إصرا ) مقدما في الذكر على قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) .
السؤال الثالث : أنه تعالى حكى عن المؤمنين هذه الأدعية بصيغة الجمع بأنهم قالوا (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) فما الفائدة في هذه الجمعية وقت الدعاء ؟
والجواب : المقصود منه بيان أن
nindex.php?page=treesubj&link=24425قبول الدعاء عند الاجتماع أكمل وذلك لأن للهمم تأثيرات فإذا اجتمعت الأرواح والدواعي على شيء واحد كان حصوله أكمل .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : اعْلَمْ أَنَّهُ بَقِيَ فِي الْآيَةِ سُؤَالَاتٌ :
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ : لِمَ قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا ) وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286وَلَا تُحَمِّلْنَا ) خَصَّ ذَلِكَ بِالْحَمْلِ وَهَذَا بِالتَّحْمِيلِ ؟
الْجَوَابُ : أَنَّ الشَّاقَّ يُمْكِنُ حَمْلُهُ أَمَّا مَا لَا يَكُونُ مَقْدُورًا لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ ، فَالْحَاصِلُ فِيمَا لَا يُطَاقُ هُوَ التَّحْمِيلُ فَقَطْ أَمَّا الْحَمْلُ فَغَيْرُ مُمْكِنٍ وَأَمَّا الشَّاقُّ فَالْحَمْلُ وَالتَّحْمِيلُ يُمْكِنَانِ فِيهِ ، فَلِهَذَا السَّبَبِ خَصَّ الْآيَةَ الْأَخِيرَةَ بِالتَّحْمِيلِ .
السُّؤَالُ الثَّانِي : أَنَّهُ لَمَّا طَلَبَ أَنْ لَا يُكَلِّفَهُ بِالْفِعْلِ الشَّاقِّ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا ) كَانَ مِنْ لَوَازِمِهِ أَنْ لَا يُكَلِّفَهُ مَا لَا يُطَاقُ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ كَانَ عَكْسُ هَذَا التَّرْتِيبِ أَوْلَى .
[ ص: 130 ] وَالْجَوَابُ : الَّذِي أَتَخَيَّلُهُ فِيهِ - وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى - أَنَّ لِلْعَبْدِ مَقَامَيْنِ أَحَدُهُمَا : قِيَامُهُ بِظَاهِرِ الشَّرِيعَةِ وَالثَّانِي : شُرُوعُهُ فِي بَدْءِ الْمُكَاشَفَاتِ ، وَذَلِكَ هُوَ أَنْ يَشْتَغِلَ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ وَخِدْمَتِهِ وَطَاعَتِهِ وَشُكْرِ نِعْمَتِهِ فَفِي الْمَقَامِ الْأَوَّلِ طَلَبَ تَرْكَ التَّشْدِيدِ ، وَفِي الْمَقَامِ الثَّانِي قَالَ : لَا تَطْلُبْ مِنِّي حَمْدًا يَلِيقُ بِجَلَالِكَ ، وَلَا شُكْرًا يَلِيقُ بِآلَائِكَ وَنَعْمَائِكَ ، وَلَا مَعْرِفَةً تَلِيقُ بِقُدْسِ عَظَمَتِكَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِذِكْرِي وَشُكْرِي وَفِكْرِي وَلَا طَاقَةَ لِي بِذَلِكَ ، وَلَمَّا كَانَتِ الشَّرِيعَةُ مُتَقَدِّمَةً عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا جَرَمَ كَانَ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا ) مُقَدَّمًا فِي الذَّكْرِ عَلَى قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) .
السُّؤَالُ الثَّالِثُ : أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنِ الْمُؤْمِنِينَ هَذِهِ الْأَدْعِيَةَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ بِأَنَّهُمْ قَالُوا (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) فَمَا الْفَائِدَةُ فِي هَذِهِ الْجَمْعِيَّةِ وَقْتَ الدُّعَاءِ ؟
وَالْجَوَابُ : الْمَقْصُودُ مِنْهُ بَيَانُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24425قَبُولَ الدُّعَاءِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ أَكْمَلُ وَذَلِكَ لِأَنَّ لِلْهِمَمِ تَأْثِيرَاتٍ فَإِذَا اجْتَمَعَتِ الْأَرْوَاحُ وَالدَّوَاعِي عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ كَانَ حُصُولُهُ أَكْمَلَ .