المسألة الثالثة : إنما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1الحمد لله ) ولم يقل : أحمد الله ، لوجوه :
أحدها : أن
nindex.php?page=treesubj&link=24411الحمد صفة القلب [ ص: 120 ] وربما احتاج الإنسان إلى أن يذكر هذه اللفظة حال كونه غافلا بقلبه عن استحضار معنى الحمد والثناء ، فلو قال في ذلك الوقت : أحمد الله ، كان كاذبا واستحق عليه الذم والعقاب ، حيث أخبر عن دعوى شيء مع أنه ما كان موجودا . أما إذا قال : الحمد لله ، فمعناه : أن
nindex.php?page=treesubj&link=33144ماهية الحمد وحقيقته مسلمة لله تعالى . وهذا الكلام حق وصدق سواء كان معنى الحمد والثناء حاضرا في قلبه أو لم يكن ، وكان تكلمه بهذا الكلام عبادة شريفة وطاعة رفيعة ، فظهر الفرق بين هذين اللفظين .
وثانيها : روي أنه تعالى أوحى إلى
داود عليه السلام يأمره بالشكر ، فقال
داود : يا رب وكيف أشكرك وشكري لك لا يحصل إلا أن توفقني لشكرك ، وذلك التوفيق نعمة زائدة ، وإنها توجب الشكر لي أيضا ، وذلك يجر إلى ما لا نهاية له ولا طاقة لي بفعل ما لا نهاية له ؟ فأوحى الله تعالى إلى
داود : لما عرفت عجزك عن شكري فقد شكرتني .
إذا عرفت هذا فنقول : لو قال العبد : أحمد الله ، كان دعوى أنه أتى بالحمد والشكر فيتوجه عليه ذلك السؤال . أما لو قال : الحمد لله فليس فيه ادعاء أن العبد أتى بالحمد والثناء ، بل ليس فيه إلا أنه سبحانه مستحق للحمد والثناء سواء قدر على الإتيان بذلك الحمد أو لم يقدر عليه ، فظهر التفاوت بين هذين اللفظين من هذا الوجه ، وثالثها : أنه لو قال : أحمد الله ، كان ذلك مشعرا بأنه ذكر حمد نفسه ولم يذكر حمد غيره . أما إذا قال : الحمد لله ، فقد دخل فيه حمده وحمد غيره من أول خلق العالم إلى آخر استقرار المكلفين في درجات الجنان ودركات النيران ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=10دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام ) [يونس : 10] فكان هذا الكلام أفضل وأكمل .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : إِنَّمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1الْحَمْدُ لِلَّهِ ) وَلَمْ يَقُلْ : أَحْمَدُ اللَّهَ ، لِوُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24411الْحَمْدَ صِفَةُ الْقَلْبِ [ ص: 120 ] وَرُبَّمَا احْتَاجَ الْإِنْسَانُ إِلَى أَنْ يَذْكُرَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ حَالَ كَوْنِهِ غَافِلًا بِقَلْبِهِ عَنِ اسْتِحْضَارِ مَعْنَى الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ ، فَلَوْ قَالَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ : أَحْمَدُ اللَّهَ ، كَانَ كَاذِبًا وَاسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الذَّمَّ وَالْعِقَابَ ، حَيْثُ أَخْبَرَ عَنْ دَعْوَى شَيْءٍ مَعَ أَنَّهُ مَا كَانَ مَوْجُودًا . أَمَّا إِذَا قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، فَمَعْنَاهُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33144مَاهِيَّةَ الْحَمْدِ وَحَقِيقَتَهُ مُسَلَّمَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى . وَهَذَا الْكَلَامُ حَقٌّ وَصِدْقٌ سَوَاءٌ كَانَ مَعْنَى الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ حَاضِرًا فِي قَلْبِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَكَانَ تَكَلُّمُهُ بِهَذَا الْكَلَامِ عِبَادَةً شَرِيفَةً وَطَاعَةً رَفِيعَةً ، فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ .
وَثَانِيهَا : رُوِيَ أَنَّهُ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى
دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَأْمُرُهُ بِالشُّكْرِ ، فَقَالَ
دَاوُدُ : يَا رَبِّ وَكَيْفَ أَشْكُرُكَ وَشُكْرِي لَكَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا أَنْ تُوَفِّقَنِي لِشُكْرِكَ ، وَذَلِكَ التَّوْفِيقُ نِعْمَةٌ زَائِدَةٌ ، وَإِنَّهَا تُوجِبُ الشُّكْرَ لِي أَيْضًا ، وَذَلِكَ يَجُرُّ إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ وَلَا طَاقَةَ لِي بِفِعْلِ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى
دَاوُدَ : لَمَّا عَرَفْتَ عَجْزَكَ عَنْ شُكْرِي فَقَدْ شَكَرْتَنِي .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : لَوْ قَالَ الْعَبْدُ : أَحْمَدُ اللَّهَ ، كَانَ دَعْوَى أَنَّهُ أَتَى بِالْحَمْدِ وَالشُّكْرِ فَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ السُّؤَالُ . أَمَّا لَوْ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ فَلَيْسَ فِيهِ ادِّعَاءٌ أَنَّ الْعَبْدَ أَتَى بِالْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ ، بَلْ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِذَلِكَ الْحَمْدِ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ ، فَظَهَرَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَثَالِثُهَا : أَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَحْمَدُ اللَّهَ ، كَانَ ذَلِكَ مُشْعِرًا بِأَنَّهُ ذَكَرَ حَمْدَ نَفْسِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ حَمْدَ غَيْرِهِ . أَمَّا إِذَا قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، فَقَدْ دَخَلَ فِيهِ حَمْدُهُ وَحَمْدُ غَيْرِهِ مِنْ أَوَّلِ خَلْقِ الْعَالَمِ إِلَى آخِرِ اسْتِقْرَارِ الْمُكَلَّفِينَ فِي دَرَجَاتِ الْجِنَانِ وَدَرَكَاتِ النِّيرَانِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=10دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ) [يُونُسَ : 10] فَكَانَ هَذَا الْكَلَامُ أَفْضَلَ وَأَكْمَلَ .