( أما الشواهد العقلية في
nindex.php?page=treesubj&link=18467فضيلة العلم ) فنقول : اعلم أن كون العلم صفة شرف وكمال ، وكون الجهل صفة نقصان أمر معلوم للعقلاء بالضرورة ، ولذلك لو قيل للرجل العالم : يا جاهل فإنه يتأذى بذلك وإن كان يعلم كذب ذلك ، ولو قيل للرجل الجاهل : يا عالم فإنه يفرح بذلك ، وإن كان يعلم أنه ليس كذلك وكل ذلك دليل على أن العلم شريف لذاته ومحبوب لذاته والجهل نقصان لذاته ، وأيضا فالعلم أينما وجد كان صاحبه محترما معظما حتى إن الحيوان إذا رأى الإنسان احتشمه بعض الاحتشام وانزجر به بعض الانزجار ، وإن كان ذلك الحيوان أقوى بكثير من الإنسان ، وكذلك جماعة الرعاة إذا رأوا من جنسهم من كان أوفر عقلا منهم وأغزر فضلا فيما هم فيه وبصدده انقادوا له طوعا ، فالعلماء إذا لم يعاندوا كانوا رؤساء بالطبع على من كان دونهم في العلم ، ولذلك فإن كثيرا ممن كانوا يعاندون النبي صلى الله عليه وسلم قصدوه ليقتلوه ، فما كان إلا أن وقع بصرهم عليه فألقى الله في قلوبهم منه روعة وهيبة فهابوه وانقادوا له صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا قال الشاعر :
لو لم تكن فيه آيات مبينة كانت بداهته تنبيك عن خبر
وأيضا فلا شك أن
nindex.php?page=treesubj&link=32411_32414الإنسان أفضل من سائر الحيوانات وليست تلك الفضيلة لقوته وصولته فإن كثيرا من الحيوانات يساويه فيها أو يزيد عليه ، فإذن تلك الفضيلة ليست إلا لاختصاصه بالمزية النورانية واللطيفة الربانية التي لأجلها صار مستعدا لإدراك حقائق الأشياء ، والاطلاع عليها ، والاشتغال بعبادة الله على ما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) [الذاريات : 56] وأيضا الجاهل كأنه في ظلمة شديدة لا يرى شيئا البتة والعالم كأنه يطير في أقطار الملكوت ، ويسبح في بحار المعقولات فيطالع الموجود والمعدوم والواجب والممكن والمحال ، ثم يعرف انقسام الممكن إلى الجوهر والعرض ، والجوهر إلى البسيط والمركب ، ويبالغ في تقسيم كل منها إلى أنواعها وأنواع أنواعها ، وأجزائها وأجزاء أجزائها ، والجزء الذي به يشارك غيره والجزء الذي به يمتاز عن غيره ، ويعرف أثر كل شيء ومؤثره ومعلوله وعلته ولازمه وملزومه وكليه وجزئيه ، وواحده ، وكثيره حتى يصير عقله كالنسخة التي أثبت فيها جميع المعلومات بتفاصيلها وأقسامها فأي سعادة فوق هذه الدرجة ، ثم إنه بعد صيرورته كذلك تصير النفوس الجاهلة عالمة فتصير تلك النفس كالشمس في عالم الأرواح وسببا للحياة الأبدية لسائر النفوس فإنها كانت كاملة ، ثم صارت مكملة وتصير واسطة بين الله وبين عباده ، ولهذا قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2ينزل الملائكة بالروح من أمره ] [النحل : 2] والمفسرون فسروا هذا الروح بالعلم والقرآن ، وكما أن البدن بلا
[ ص: 183 ] روح ميت فاسد فكذا الروح بلا علم ميت ، ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ) [الشورى : 52] فالعلم روح الروح ونور النور ولب اللب ، ومن خواص هذه السعادة أنها تكون باقية آمنة عن الفناء والتغير ، فإن التصورات الكلية لا يتطرق إليها الزوال والتغير وإذا كانت هذه السعادة في نهاية الجلالة في ذاتها ، ثم إنها باقية أبد الآبدين ودهر الداهرين كانت لا محالة أكمل السعادات ، وأيضا فالأنبياء صلوات الله عليهم ما بعثوا إلا للدعوة إلى الحق ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=125ادع إلى سبيل ربك بالحكمة ) [النحل : 125] إلى آخره ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ) [يوسف : 108] ثم خذ من أول الأمر فإنه سبحانه لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30إني جاعل في الأرض خليفة ) قالت الملائكة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30أتجعل فيها من يفسد فيها ) قال سبحانه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30إني أعلم ما لا تعلمون ) فأجابهم سبحانه بكونه عالما فلم يجعل سائر صفات الجلال من القدرة ، والإرادة ، والسمع ، والبصر ، والوجود ، والقدم ، والاستغناء عن المكان والجهة جوابا لهم وموجبا لسكوتهم ، وإنما جعل صفة العلم جوابا لهم وذلك يدل على أن صفات الجلال والكمال ، وإن كانت بأسرها في نهاية الشرف إلا أن صفة العلم أشرف من غيرها ثم إنه سبحانه إنما أظهر
nindex.php?page=treesubj&link=31812_31770فضل آدم عليه السلام بالعلم وذلك يدل أيضا على أن العلم أشرف من غيره ، ثم إنه سبحانه لما أظهر علمه جعله مسجود الملائكة ، وخليفة العالم السفلي وذلك يدل على أن تلك المنقبة إنما استحقها
آدم عليه السلام بالعلم ثم إن الملائكة افتخرت بالتسبيح والتقديس ، والافتخار بهما إنما يحصل لو كانا مقرونين بالعلم فإنهما إن حصلا بدون العلم كان ذلك نفاقا والنفاق أخس المراتب قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=145إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) [النساء : 145] أو تقليدا والتقليد مذموم فثبت أن تسبيحهم وتقديسهم إنما صار موجبا للافتخار ببركة العلم ، ثم إنه عليه السلام إنما وقع عليه اسم المعصية ؛ لأنه أخطأ في مسألة واحدة اجتهادية على ما سيأتي بيانه ولأجل هذا الخطأ القليل وقع فيما وقع فيه ، والشيء كلما كان الخطر فيه أكثر كان أشرف فذلك يدل على غاية جلالة العلم .
ثم إنه ببركة جلالة العلم لما تاب وأناب وترك الإصرار والاستكبار وجد خلعة الاجتباء ، ثم انظر إلى
إبراهيم عليه السلام كيف اشتغل في أول أمره بطلب العلم على ما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76فلما جن عليه الليل رأى كوكبا ) [الأنعام : 76] ثم انتقل من الكواكب إلى القمر ، ومن القمر إلى الشمس ، ولم يزل ينتقل بفكره من شيء إلى شيء إلى أن وصل بالدليل الزاهر ، والبرهان الباهر إلى المقصود وأعرض عن الشرك ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض ) [الأنعام : 79] فلما وصل إلى هذه الدرجة مدحه الله تعالى بأشرف المدائح وعظمه على أتم الوجوه فقال تارة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=75وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض ) [الأنعام : 75] وقال أخرى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=83وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء ) [الأنعام : 83] ثم إنه عليه السلام بعد الفراغ من معرفة المبدأ اشتغل بمعرفة المعاد ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=260وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى ) [البقرة : 260] ثم لما فرغ من التعلم اشتغل بالتعليم والمحاجة تارة مع أبيه على ما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=42لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ) [مريم : 42] وتارة مع قومه ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=52ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ) [الأنبياء : 52] وأخرى مع ملك زمانه ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=258ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ) [البقرة : 258] وانظر إلى
صالح وهود وشعيب كيف كان اشتغالهم في أوائل أمورهم وأواخرها بالتعلم والتعليم وإرشاد الخلق إلى النظر والتفكر في الدلائل ، وكذلك أحوال
موسى عليه السلام مع فرعون وجنوده ووجوه دلائله معه ، ثم انظر إلى حال سيدنا ومولانا
محمد صلى الله عليه وسلم كيف من الله عليه بالعلم مرة بعد أخرى ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=7ووجدك ضالا فهدى nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=8ووجدك عائلا فأغنى ) [الضحى : 7 ، 8] فقدم الامتنان
[ ص: 184 ] بالعلم على الامتنان بالمال وقال أيضا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ) [الشورى : 52] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=49ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ) [هود : 49] ثم إنه أول ما أوحى إليه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=1اقرأ باسم ربك ) [العلق : 1] ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=113وعلمك ما لم تكن تعلم ) [النساء : 113] وهو عليه الصلاة والسلام كان أبدا يقول :
أرنا الأشياء كما هي ، فلو لم يظهر للإنسان مما ذكرنا من الدلائل النقلية والعقلية شرف العلم لاستحال أن يظهر له شيء أصلا ، وأيضا فإن
nindex.php?page=treesubj&link=18467الله تعالى سمى العلم في كتابه بالأسماء الشريفة .
فمنها : الحياة (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=122أومن كان ميتا فأحييناه ) [الأنعام : 122] .
وثانيها : الروح (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ) [الشورى : 52] .
وثالثها : النور (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35الله نور السماوات والأرض ) [النور : 35] وأيضا قال تعالى في صفة
طالوت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=247إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم ) [البقرة : 247] فقدم العلم على الجسم ولا شك أن المقصود من سائر النعم سعادة البدن ، فسعادة البدن أشرف من السعادة المالية فإذا كانت
nindex.php?page=treesubj&link=18467السعادة العلمية راجحة على السعادة الجسمانية فأولى أن تكون راجحة على السعادة المالية .
وقال
يوسف (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=55اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ) [يوسف : 55] ولم يقل إني حسيب نسيب فصيح مليح ، وأيضا فقد جاء في الخبر "
المرء بأصغريه قلبه ولسانه " إن تكلم تكلم بلسانه ، وإن قاتل قاتل بجنانه ، قال الشاعر :
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
وأيضا فإن الله تعالى قدم عذاب الجهل على عذاب النار ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=15كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=16ثم إنهم لصالو الجحيم ) [المطففين : 15 ، 16] وقال بعضهم : العلوم مطالعها من ثلاثة أوجه ، قلب متفكر ، ولسان معبر ، وبيان مصور ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " عين العلم من العلو ، ولامه من اللطف ، وميمه من المروءة " وأيضا قيل : العلوم عشرة : علم التوحيد للأديان ، وعلم السر لرد الشيطان ، وعلم المعاشرة للإخوان ، وعلم الشريعة للأركان ، وعلم النجوم للأزمان ، وعلم المبارزة للفرسان ، وعلم السياسة للسلطان ، وعلم الرؤيا للبيان ، وعلم الفراسة للبرهان ، وعلم الطب للأبدان ، وعلم الحقيقة للرحمن ، وأيضا قيل : ضرب المثل في العلم بالماء قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=99أنزل من السماء ماء ) [الأنعام : 99] والمياه أربعة : ماء المطر ، وماء السيل ، وماء القناة ، وماء العين فكذا العلوم أربعة علم التوحيد كماء العين لا يجوز تحريكه لئلا يتكدر ، وكذا لا ينبغي طلب معرفة كيفية الله عز وجل لئلا يحصل الكفر ، وعلم الفقه يزداد بالاستنباط كماء القناة يزداد بالحفر ، وعلم الزهد كماء المطر ينزل صافيا ويتكدر بغبار الهواء ، كذلك علم الزهد صاف ويتكدر بالطمع ، وعلم البدع كماء السيل يميت الأحياء ويهلك الخلق ، فكذا البدع والله أعلم .
( أَمَّا الشَّوَاهِدُ الْعَقْلِيَّةُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=18467فَضِيلَةِ الْعِلْمِ ) فَنَقُولُ : اعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ الْعِلْمِ صِفَةَ شَرَفٍ وَكَمَالٍ ، وَكَوْنَ الْجَهْلِ صِفَةَ نُقْصَانٍ أَمْرٌ مَعْلُومٌ لِلْعُقَلَاءِ بِالضَّرُورَةِ ، وَلِذَلِكَ لَوْ قِيلَ لِلرَّجُلِ الْعَالِمِ : يَا جَاهِلُ فَإِنَّهُ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ كَذِبَ ذَلِكَ ، وَلَوْ قِيلَ لِلرَّجُلِ الْجَاهِلِ : يَا عَالِمُ فَإِنَّهُ يَفْرَحُ بِذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَكُلُّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ شَرِيفٌ لِذَاتِهِ وَمَحْبُوبٌ لِذَاتِهِ وَالْجَهْلَ نُقْصَانٌ لِذَاتِهِ ، وَأَيْضًا فَالْعِلْمُ أَيْنَمَا وُجِدَ كَانَ صَاحِبُهُ مُحْتَرَمًا مُعَظَّمًا حَتَّى إِنَّ الْحَيَوَانَ إِذَا رَأَى الْإِنْسَانَ احْتَشَمَهُ بَعْضَ الِاحْتِشَامِ وَانْزَجَرَ بِهِ بَعْضَ الِانْزِجَارِ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ أَقْوَى بِكَثِيرٍ مِنَ الْإِنْسَانِ ، وَكَذَلِكَ جَمَاعَةُ الرُّعَاةِ إِذَا رَأَوْا مِنْ جِنْسِهِمْ مَنْ كَانَ أَوْفَرَ عَقْلًا مِنْهُمْ وَأَغْزَرَ فَضْلًا فِيمَا هُمْ فِيهِ وَبِصَدَدِهِ انْقَادُوا لَهُ طَوْعًا ، فَالْعُلَمَاءُ إِذَا لَمْ يُعَانَدُوا كَانُوا رُؤَسَاءَ بِالطَّبْعِ عَلَى مَنْ كَانَ دُونَهُمْ فِي الْعِلْمِ ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ كَانُوا يُعَانِدُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَدُوهُ لِيَقْتُلُوهُ ، فَمَا كَانَ إِلَّا أَنْ وَقَعَ بَصَرُهُمْ عَلَيْهِ فَأَلْقَى اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْهُ رَوْعَةً وَهَيْبَةً فَهَابُوهُ وَانْقَادُوا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ وَلِهَذَا قَالَ الشَّاعِرُ :
لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ آيَاتٌ مُبَيِّنَةٌ كَانَتْ بَدَاهَتُهُ تُنْبِيكَ عَنْ خَبَرِ
وَأَيْضًا فَلَا شَكَّ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32411_32414الْإِنْسَانَ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَلَيْسَتْ تِلْكَ الْفَضِيلَةُ لِقُوَّتِهِ وَصَوْلَتِهِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْحَيَوَانَاتِ يُسَاوِيهِ فِيهَا أَوْ يَزِيدُ عَلَيْهِ ، فَإِذَنْ تِلْكَ الْفَضِيلَةُ لَيْسَتْ إِلَّا لِاخْتِصَاصِهِ بِالْمَزِيَّةِ النُّورَانِيَّةِ وَاللَّطِيفَةِ الرَّبَّانِيَّةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا صَارَ مُسْتَعِدًّا لِإِدْرَاكِ حَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ ، وَالِاطِّلَاعِ عَلَيْهَا ، وَالِاشْتِغَالِ بِعِبَادَةِ اللَّهِ عَلَى مَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) [الذَّارِيَاتِ : 56] وَأَيْضًا الْجَاهِلُ كَأَنَّهُ فِي ظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ لَا يَرَى شَيْئًا الْبَتَّةَ وَالْعَالِمُ كَأَنَّهُ يَطِيرُ فِي أَقْطَارِ الْمَلَكُوتِ ، وَيَسْبَحُ فِي بِحَارِ الْمَعْقُولَاتِ فَيُطَالِعُ الْمَوْجُودَ وَالْمَعْدُومَ وَالْوَاجِبَ وَالْمُمْكِنَ وَالْمُحَالَ ، ثُمَّ يَعْرِفُ انْقِسَامَ الْمُمْكِنِ إِلَى الْجَوْهَرِ وَالْعَرَضِ ، وَالْجَوْهَرِ إِلَى الْبَسِيطِ وَالْمُرَكَّبِ ، وَيُبَالِغُ فِي تَقْسِيمِ كُلٍّ مِنْهَا إِلَى أَنْوَاعِهَا وَأَنْوَاعِ أَنْوَاعِهَا ، وَأَجْزَائِهَا وَأَجْزَاءِ أَجْزَائِهَا ، وَالْجُزْءِ الَّذِي بِهِ يُشَارِكُ غَيْرَهُ وَالْجُزْءِ الَّذِي بِهِ يَمْتَازُ عَنْ غَيْرِهِ ، وَيَعْرِفُ أَثَرَ كُلِّ شَيْءٍ وَمُؤَثِّرَهُ وَمَعْلُولَهُ وَعِلَّتَهُ وَلَازِمَهُ وَمَلْزُومَهُ وَكُلِّيَّهُ وَجُزْئِيَّهُ ، وَوَاحِدَهُ ، وَكَثِيرَهُ حَتَّى يَصِيرَ عَقْلُهُ كَالنُّسْخَةِ الَّتِي أُثْبِتَ فِيهَا جَمِيعُ الْمَعْلُومَاتِ بِتَفَاصِيلِهَا وَأَقْسَامِهَا فَأَيُّ سَعَادَةٍ فَوْقَ هَذِهِ الدَّرَجَةِ ، ثُمَّ إِنَّهُ بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ كَذَلِكَ تَصِيرُ النُّفُوسُ الْجَاهِلَةُ عَالِمَةً فَتَصِيرُ تِلْكَ النَّفْسُ كَالشَّمْسِ فِي عَالَمِ الْأَرْوَاحِ وَسَبَبًا لِلْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ لِسَائِرِ النُّفُوسِ فَإِنَّهَا كَانَتْ كَامِلَةً ، ثُمَّ صَارَتْ مُكَمِّلَةً وَتَصِيرُ وَاسِطَةً بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ عِبَادِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ] [النَّحْلِ : 2] وَالْمُفَسِّرُونَ فَسَّرُوا هَذَا الرُّوحَ بِالْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ ، وَكَمَا أَنَّ الْبَدَنَ بِلَا
[ ص: 183 ] رُوحٍ مَيِّتٌ فَاسِدٌ فَكَذَا الرُّوحُ بِلَا عِلْمٍ مَيِّتٌ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ) [الشُّورَى : 52] فَالْعِلْمُ رُوحُ الرُّوحِ وَنُورُ النُّورِ وَلُبُّ اللُّبِّ ، وَمِنْ خَوَاصِّ هَذِهِ السَّعَادَةِ أَنَّهَا تَكُونُ بَاقِيَةً آمِنَةً عَنِ الْفَنَاءِ وَالتَّغَيُّرِ ، فَإِنَّ التَّصَوُّرَاتِ الْكُلِّيَّةَ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا الزَّوَالُ وَالتَّغَيُّرُ وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ السَّعَادَةُ فِي نِهَايَةِ الْجَلَالَةِ فِي ذَاتِهَا ، ثُمَّ إِنَّهَا بَاقِيَةٌ أَبَدَ الْآبِدِينَ وَدَهْرَ الدَّاهِرِينَ كَانَتْ لَا مَحَالَةَ أَكْمَلَ السِّعَادَاتِ ، وَأَيْضًا فَالْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مَا بُعِثُوا إِلَّا لِلدَّعْوَةِ إِلَى الْحَقِّ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=125ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ ) [النَّحْلِ : 125] إِلَى آخِرِهِ ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) [يُوسُفَ : 108] ثُمَّ خُذْ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا ) قَالَ سُبْحَانَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) فَأَجَابَهُمْ سُبْحَانَهُ بِكَوْنِهِ عَالِمًا فَلَمْ يَجْعَلْ سَائِرَ صِفَاتِ الْجَلَالِ مِنَ الْقُدْرَةِ ، وَالْإِرَادَةِ ، وَالسَّمْعِ ، وَالْبَصَرِ ، وَالْوُجُودِ ، وَالْقِدَمِ ، وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الْمَكَانِ وَالْجِهَةِ جَوَابًا لَهُمْ وَمُوجِبًا لِسُكُوتِهِمْ ، وَإِنَّمَا جَعَلَ صِفَةَ الْعِلْمِ جَوَابًا لَهُمْ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْكَمَالِ ، وَإِنْ كَانَتْ بِأَسْرِهَا فِي نِهَايَةِ الشَّرَفِ إِلَّا أَنَّ صِفَةَ الْعِلْمِ أَشْرَفُ مِنْ غَيْرِهَا ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا أَظْهَرَ
nindex.php?page=treesubj&link=31812_31770فَضْلَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْعِلْمِ وَذَلِكَ يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ أَشْرَفُ مِنْ غَيْرِهِ ، ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا أَظْهَرَ عِلْمَهُ جَعَلَهُ مَسْجُودَ الْمَلَائِكَةِ ، وَخَلِيفَةَ الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْمَنْقَبَةَ إِنَّمَا اسْتَحَقَّهَا
آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْعِلْمِ ثُمَّ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ افْتَخَرَتْ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ ، وَالِافْتِخَارُ بِهِمَا إِنَّمَا يَحْصُلُ لَوْ كَانَا مَقْرُونَيْنِ بِالْعِلْمِ فَإِنَّهُمَا إِنْ حَصَلَا بِدُونِ الْعِلْمِ كَانَ ذَلِكَ نِفَاقًا وَالنِّفَاقُ أَخَسُّ الْمَرَاتِبِ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=145إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) [النِّسَاءِ : 145] أَوْ تَقْلِيدًا وَالتَّقْلِيدُ مَذْمُومٌ فَثَبَتَ أَنَّ تَسْبِيحَهُمْ وَتَقْدِيسَهُمْ إِنَّمَا صَارَ مُوجِبًا لِلِافْتِخَارِ بِبَرَكَةِ الْعِلْمِ ، ثُمَّ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّمَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَعْصِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَخْطَأَ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَلِأَجْلِ هَذَا الْخَطَأِ الْقَلِيلِ وَقَعَ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ ، وَالشَّيْءُ كُلَّمَا كَانَ الْخَطَرُ فِيهِ أَكْثَرَ كَانَ أَشْرَفَ فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ جَلَالَةِ الْعِلْمِ .
ثُمَّ إِنَّهُ بِبَرَكَةِ جَلَالَةِ الْعِلْمِ لَمَّا تَابَ وَأَنَابَ وَتَرَكَ الْإِصْرَارَ وَالِاسْتِكْبَارَ وَجَدَ خُلْعَةَ الِاجْتِبَاءِ ، ثُمَّ انْظُرْ إِلَى
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَيْفَ اشْتَغَلَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ بِطَلَبِ الْعِلْمِ عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا ) [الْأَنْعَامِ : 76] ثُمَّ انْتَقَلَ مِنَ الْكَوَاكِبِ إِلَى الْقَمَرِ ، وَمِنَ الْقَمَرِ إِلَى الشَّمْسِ ، وَلَمْ يَزَلْ يَنْتَقِلُ بِفِكْرِهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ إِلَى أَنْ وَصَلَ بِالدَّلِيلِ الزَّاهِرِ ، وَالْبُرْهَانِ الْبَاهِرِ إِلَى الْمَقْصُودِ وَأَعْرَضَ عَنِ الشِّرْكِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) [الْأَنْعَامِ : 79] فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ مَدَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَشْرَفِ الْمَدَائِحِ وَعَظَّمَهُ عَلَى أَتَمِّ الْوُجُوهِ فَقَالَ تَارَةً : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=75وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) [الْأَنْعَامِ : 75] وَقَالَ أُخْرَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=83وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ) [الْأَنْعَامِ : 83] ثُمَّ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَبْدَأِ اشْتَغَلَ بِمَعْرِفَةِ الْمَعَادِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=260وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى ) [الْبَقَرَةِ : 260] ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنَ التَّعَلُّمِ اشْتَغَلَ بِالتَّعْلِيمِ وَالْمُحَاجَّةِ تَارَةً مَعَ أَبِيهِ عَلَى مَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=42لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ ) [مَرْيَمَ : 42] وَتَارَةً مَعَ قَوْمِهِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=52مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ) [الْأَنْبِيَاءِ : 52] وَأُخْرَى مَعَ مَلِكِ زَمَانِهِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=258أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ ) [الْبَقَرَةِ : 258] وَانْظُرْ إِلَى
صَالِحٍ وَهُودٍ وَشُعَيْبٍ كَيْفَ كَانَ اشْتِغَالُهُمْ فِي أَوَائِلِ أُمُورِهِمْ وَأَوَاخِرِهَا بِالتَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ وَإِرْشَادِ الْخَلْقِ إِلَى النَّظَرِ وَالتَّفَكُّرِ فِي الدَّلَائِلِ ، وَكَذَلِكَ أَحْوَالُ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ فِرْعَوْنِ وَجُنُودِهِ وَوُجُوهُ دَلَائِلِهِ مَعَهُ ، ثُمَّ انْظُرْ إِلَى حَالِ سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْعِلْمِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=7وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=8وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى ) [الضُّحَى : 7 ، 8] فَقَدَّمَ الِامْتِنَانَ
[ ص: 184 ] بِالْعِلْمِ عَلَى الِامْتِنَانِ بِالْمَالِ وَقَالَ أَيْضًا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ ) [الشُّورَى : 52] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=49مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا ) [هُودٍ : 49] ثُمَّ إِنَّهُ أَوَّلُ مَا أَوْحَى إِلَيْهِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=1اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ) [الْعَلَقِ : 1] ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=113وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ) [النِّسَاءِ : 113] وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ أَبَدًا يَقُولُ :
أَرِنَا الْأَشْيَاءَ كَمَا هِيَ ، فَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ لِلْإِنْسَانِ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنَ الدَّلَائِلِ النَّقْلِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ شَرَفُ الْعِلْمِ لَاسْتَحَالَ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ شَيْءٌ أَصْلًا ، وَأَيْضًا فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18467اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْعِلْمَ فِي كِتَابِهِ بِالْأَسْمَاءِ الشَّرِيفَةِ .
فَمِنْهَا : الْحَيَاةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=122أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ ) [الْأَنْعَامِ : 122] .
وَثَانِيهَا : الرُّوحُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ) [الشُّورَى : 52] .
وَثَالِثُهَا : النُّورُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) [النُّورِ : 35] وَأَيْضًا قَالَ تَعَالَى فِي صِفَةِ
طَالُوتَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=247إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ) [الْبَقَرَةِ : 247] فَقَدَّمَ الْعِلْمَ عَلَى الْجِسْمِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ سَائِرِ النِّعَمِ سَعَادَةُ الْبَدَنِ ، فَسَعَادَةُ الْبَدَنِ أَشْرَفُ مِنَ السَّعَادَةِ الْمَالِيَّةِ فَإِذَا كَانَتِ
nindex.php?page=treesubj&link=18467السَّعَادَةُ الْعِلْمِيَّةُ رَاجِحَةً عَلَى السَّعَادَةِ الْجُسْمَانِيَّةِ فَأَوْلَى أَنْ تَكُونَ رَاجِحَةً عَلَى السَّعَادَةِ الْمَالِيَّةِ .
وَقَالَ
يُوسُفُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=55اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) [يُوسُفَ : 55] وَلَمْ يَقُلْ إِنِّي حَسِيبٌ نَسِيبٌ فَصِيحٌ مَلِيحٌ ، وَأَيْضًا فَقَدْ جَاءَ فِي الْخَبَرِ "
الْمَرْءُ بِأَصْغَرَيْهِ قَلْبِهِ وَلِسَانِهِ " إِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِلِسَانِهِ ، وَإِنْ قَاتَلَ قَاتَلَ بِجَنَانِهِ ، قَالَ الشَّاعِرُ :
لِسَانُ الْفَتَى نَصِفٌ وَنِصْفٌ فُؤَادُهُ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا صُورَةُ اللَّحْمِ وَالدَّمِ
وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَ عَذَابَ الْجَهْلِ عَلَى عَذَابِ النَّارِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=15كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=16ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ ) [الْمُطَفِّفِينَ : 15 ، 16] وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الْعُلُومُ مَطَالِعُهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ ، قَلْبٍ مُتَفَكِّرٍ ، وَلِسَانٍ مُعَبِّرٍ ، وَبَيَانٍ مُصَوِّرٍ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " عَيْنُ الْعِلْمِ مِنَ الْعُلُوِّ ، وَلَامُهُ مِنَ اللُّطْفِ ، وَمِيمُهُ مِنَ الْمُرُوءَةِ " وَأَيْضًا قِيلَ : الْعُلُومُ عَشْرَةٌ : عِلْمُ التَّوْحِيدِ لِلْأَدْيَانِ ، وَعِلْمُ السِّرِّ لِرَدِّ الشَّيْطَانِ ، وَعِلْمُ الْمُعَاشَرَةِ لِلْإِخْوَانِ ، وَعِلْمُ الشَّرِيعَةِ لِلْأَرْكَانِ ، وَعِلْمُ النُّجُومِ لِلْأَزْمَانِ ، وَعِلْمُ الْمُبَارَزَةِ لِلْفُرْسَانِ ، وَعِلْمُ السِّيَاسَةِ لِلسُّلْطَانِ ، وَعِلْمُ الرُّؤْيَا لِلْبَيَانِ ، وَعِلْمُ الْفِرَاسَةِ لِلْبُرْهَانِ ، وَعِلْمُ الطِّبِّ لِلْأَبْدَانِ ، وَعِلْمُ الْحَقِيقَةِ لِلرَّحْمَنِ ، وَأَيْضًا قِيلَ : ضَرْبُ الْمَثَلِ فِي الْعِلْمِ بِالْمَاءِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=99أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ) [الْأَنْعَامِ : 99] وَالْمِيَاهُ أَرْبَعَةٌ : مَاءُ الْمَطَرِ ، وَمَاءُ السَّيْلِ ، وَمَاءُ الْقَنَاةِ ، وَمَاءُ الْعَيْنِ فَكَذَا الْعُلُومُ أَرْبَعَةٌ عِلْمُ التَّوْحِيدِ كَمَاءِ الْعَيْنِ لَا يَجُوزُ تَحْرِيكُهُ لِئَلَّا يَتَكَدَّرَ ، وَكَذَا لَا يَنْبَغِي طَلَبُ مَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِئَلَّا يَحْصُلَ الْكُفْرُ ، وَعِلْمُ الْفِقْهِ يَزْدَادُ بِالِاسْتِنْبَاطِ كَمَاءِ الْقَنَاةِ يَزْدَادُ بِالْحَفْرِ ، وَعِلْمُ الزُّهْدِ كَمَاءِ الْمَطَرِ يَنْزِلُ صَافِيًا وَيَتَكَدَّرُ بِغُبَارِ الْهَوَاءِ ، كَذَلِكَ عِلْمُ الزُّهْدِ صَافٍ وَيَتَكَدَّرُ بِالطَّمَعِ ، وَعِلْمُ الْبِدَعِ كَمَاءِ السَّيْلِ يُمِيتُ الْأَحْيَاءَ وَيُهْلِكُ الْخَلْقَ ، فَكَذَا الْبِدَعُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .