[ ص: 38 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=5تنزيل العزيز الرحيم nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=6لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون )
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=5تنزيل العزيز الرحيم ) قرئ بالجر على أنه بدل من القرآن ، كأنه قال : ( والقرآن الحكيم ، تنزيل العزيز الرحيم ، إنك لمن المرسلين لتنذر ) وقرئ بالنصب ، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه مصدر فعله منوي كأنه قال : نزل تنزيل العزيز الرحيم لتنذر ويكون تقديره : نزل القرآن أو الكتاب الحكيم .
والثاني : أنه مفعول فعل منوي كأنه قال : ( والقرآن الحكيم أعني تنزيل العزيز الرحيم إنك لمن المرسلين لتنذر ) ، وهذا ما اختاره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري .
وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدأ منوي ، كأنه قال : هذا
nindex.php?page=treesubj&link=32238_29693تنزيل العزيز الرحيم لتنذر ، ويحتمل وجها آخر على هذه القراءة ، وهو أن يكون مبتدأ خبره ( لتنذر ) ، كأنه قال : تنزيل العزيز للإنذار ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=5العزيز الرحيم ) إشارة إلى أن الملك إذا أرسل رسولا ، فالمرسل إليهم إما أن يخالفوا المرسل ويهينوا المرسل ، وحينئذ لا يقدر الملك على الانتقام منهم إلا إذا كان عزيزا ، أو يخافوا المرسل ويكرموا المرسل وحينئذ يرحمهم الملك ، أو نقول : المرسل يكون معه في رسالته منع عن أشياء وإطلاق لأشياء ، فالمنع يؤكد العزة والإطلاق يدل على الرحمة .
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=6nindex.php?page=treesubj&link=29007_32026_31037لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون ) .
قد تقدم تفسيره في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=46لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك ) ( القصص : 46 ) وقيل : المراد الإثبات ، وهو على وجهين :
أحدهما : لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم ، فتكون ما مصدرية .
الثاني : أن تكون موصولة ؛ معناه : لتنذر قوما ، الذين أنذر آباؤهم فهم غافلون ، فعلى قولنا : ما نافية تفسيره ظاهر ، فإن من لم ينذر آباؤه وبعد الإنذار عنه ، فهو يكون غافلا ، وعلى قولنا : هي للإثبات كذلك لأن معناه لتنذرهم إنذار آبائهم فإنهم غافلون ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : كيف يفهم التفسيران ، وأحدهما يقتضي أن لا يكون آباؤهم منذرين ، والآخر يقتضي أن يكونوا منذرين وبينهما تضاد ؟ نقول : على قولنا : ما نافية معناه ما أنذر آباؤهم ، وإنذار آبائهم الأولين لا ينافي أن يكون المتقدمون من آبائهم منذرين ، والمتأخرون منهم غير منذرين .
المسألة الثانية : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=6لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم ) يقتضي أن لا يكون النبي صلى الله عليه وسلم مأمورا بإنذار
اليهود ؛ لأن آباءهم أنذروا ، نقول : ليس كذلك ، أما على قولنا : ما للإثبات لا للنفي فظاهر ، وأما على قولنا هي نافية فكذلك ، وقد بينا ذلك في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=3بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك ) [السجدة : 3] وقلنا : إن المراد أن آباءهم قد أنذروا بعد ضلالهم وبعد إرسال من تقدم ، فإن الله إذا أرسل رسولا ، فما دام في القوم من يبين دين ذلك النبي ويأمر به لا يرسل الرسول في أكثر الأمر ، فإذا لم يبق فيهم من يبين ، ويضل الكل ، ويتباعد العهد ، ويفشو الكفر يبعث رسولا آخر مقررا لدين من كان قبله ، أو واضعا لشرع آخر ، فمعنى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=6لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم ) أي ما أنذروا بعدما ضلوا عن طريق الرسول المتقدم ،
واليهود والنصارى دخلوا فيه ؛ لأنهم لم تنذر آباؤهم الأدنون بعدما ضلوا ، فهذا دليل على كون النبي صلى الله عليه وسلم مبعوثا بالحق إلى الخلق كافة .
المسألة الثالثة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=6فهم غافلون ) دليل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28749_19960البعثة لا تكون إلا عند الغفلة ، أما إن حصل لهم العلم بما أنزل الله بأن يكون منهم من يبلغهم شريعة ويخالفونه ، فحق عليهم الهلاك ، ولا يكون ذلك تعذيبا من
[ ص: 39 ] قبل أن يبعث الله رسولا ، وكذلك من خالف الأمور التي لا تفتقر إلى بيان الرسل يستحق الإهلاك من غير بعثة ، وليس هذا قولا بمذهب
المعتزلة من التحسين والتقبيح العقلي بل معناه أن الله تعالى لو خلق في قوم علما بوجوب الأشياء وتركوه لا يكونون غافلين ، فلا يتوقف تعذيبهم على بعثة الرسل .
[ ص: 38 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=5تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=6لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ )
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=5تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ) قُرِئَ بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنَ الْقُرْآنِ ، كَأَنَّهُ قَالَ : ( وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ، تَنْزِيلِ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ، إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ لِتُنْذِرَ ) وَقُرِئَ بِالنَّصْبِ ، وَفِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مَصْدَرٌ فِعْلُهُ مَنْوِيٌّ كَأَنَّهُ قَالَ : نُزِّلَ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ لِتُنْذِرَ وَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ : نَزَلَ الْقُرْآنُ أَوِ الْكِتَابُ الْحَكِيمُ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ مَفْعُولُ فِعْلٍ مَنْوِيٍّ كَأَنَّهُ قَالَ : ( وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ أَعْنِي تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ لِتُنْذِرَ ) ، وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ .
وَقُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَنْوِيٍّ ، كَأَنَّهُ قَالَ : هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=32238_29693تَنْزِيلُ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ لِتُنْذِرَ ، وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ ( لِتُنْذِرَ ) ، كَأَنَّهُ قَالَ : تَنْزِيلُ الْعَزِيزِ لِلْإِنْذَارِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=5الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمَلِكَ إِذَا أَرْسَلَ رَسُولًا ، فَالْمُرْسَلُ إِلَيْهِمْ إِمَّا أَنْ يُخَالِفُوا الْمُرْسِلَ وَيُهِينُوا الْمُرْسَلَ ، وَحِينَئِذٍ لَا يَقْدِرُ الْمَلِكُ عَلَى الِانْتِقَامِ مِنْهُمْ إِلَّا إِذَا كَانَ عَزِيزًا ، أَوْ يَخَافُوا الْمُرْسِلَ وَيُكْرِمُوا الْمُرْسَلَ وَحِينَئِذٍ يَرْحَمُهُمُ الْمَلِكُ ، أَوْ نَقُولُ : الْمُرْسَلُ يَكُونُ مَعَهُ فِي رِسَالَتِهِ مَنْعٌ عَنْ أَشْيَاءَ وَإِطْلَاقٌ لِأَشْيَاءَ ، فَالْمَنْعُ يُؤَكِّدُ الْعِزَّةَ وَالْإِطْلَاقُ يَدُلُّ عَلَى الرَّحْمَةِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=6nindex.php?page=treesubj&link=29007_32026_31037لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ) .
قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=46لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ ) ( الْقَصَصِ : 46 ) وَقِيلَ : الْمُرَادُ الْإِثْبَاتُ ، وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ ، فَتَكُونُ مَا مَصْدَرِيَّةً .
الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً ؛ مَعْنَاهُ : لِتُنْذِرَ قَوْمًا ، الَّذِينَ أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ، فَعَلَى قَوْلِنَا : مَا نَافِيَةٌ تَفْسِيرُهُ ظَاهِرٌ ، فَإِنَّ مَنْ لَمْ يُنْذَرْ آبَاؤُهُ وَبَعُدَ الْإِنْذَارُ عَنْهُ ، فَهُوَ يَكُونُ غَافِلًا ، وَعَلَى قَوْلِنَا : هِيَ لِلْإِثْبَاتِ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لِتُنْذِرَهُمْ إِنْذَارَ آبَائِهِمْ فَإِنَّهُمْ غَافِلُونَ ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : كَيْفَ يُفْهَمُ التَّفْسِيرَانِ ، وَأَحَدُهُمَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ آبَاؤُهُمْ مُنْذَرِينَ ، وَالْآخَرُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونُوا مُنْذَرِينَ وَبَيْنَهُمَا تَضَادٌّ ؟ نَقُولُ : عَلَى قَوْلِنَا : مَا نَافِيَةٌ مَعْنَاهُ مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ ، وَإِنْذَارُ آبَائِهِمُ الْأَوَّلِينَ لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ آبَائِهِمْ مُنْذَرِينَ ، وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ غَيْرَ مُنْذَرِينَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=6لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ ) يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَأْمُورًا بِإِنْذَارِ
الْيَهُودِ ؛ لِأَنَّ آبَاءَهُمْ أُنْذِرُوا ، نَقُولُ : لَيْسَ كَذَلِكَ ، أَمَّا عَلَى قَوْلِنَا : مَا لِلْإِثْبَاتِ لَا لِلنَّفْيِ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِنَا هِيَ نَافِيَةٌ فَكَذَلِكَ ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=3بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ ) [السَّجْدَةِ : 3] وَقُلْنَا : إِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ آبَاءَهُمْ قَدْ أُنْذِرُوا بَعْدَ ضَلَالِهِمْ وَبَعْدَ إِرْسَالِ مَنْ تَقَدَّمَ ، فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرْسَلَ رَسُولًا ، فَمَا دَامَ فِي الْقَوْمِ مَنْ يُبَيِّنُ دِينَ ذَلِكَ النَّبِيِّ وَيَأْمُرُ بِهِ لَا يُرْسَلُ الرَّسُولُ فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ فِيهِمْ مَنْ يُبَيِّنُ ، وَيَضِلُّ الْكُلُّ ، وَيَتَبَاعَدُ الْعَهْدُ ، وَيَفْشُو الْكُفْرُ يَبْعَثُ رَسُولًا آخَرَ مُقَرِّرًا لِدِينِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ ، أَوْ وَاضِعًا لِشَرْعٍ آخَرَ ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=6لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ ) أَيْ مَا أُنْذِرُوا بَعْدَمَا ضَلُّوا عَنْ طَرِيقِ الرَّسُولِ الْمُتَقَدِّمِ ،
وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى دَخَلُوا فِيهِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ تُنْذَرْ آبَاؤُهُمُ الْأَدْنَوْنَ بَعْدَمَا ضَلُّوا ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَبْعُوثًا بِالْحَقِّ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=6فَهُمْ غَافِلُونَ ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28749_19960الْبَعْثَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا عِنْدَ الْغَفْلَةِ ، أَمَّا إِنْ حَصَلَ لَهُمُ الْعِلْمُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِأَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ مَنْ يُبَلِّغُهُمْ شَرِيعَةً وَيُخَالِفُونَهُ ، فَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْهَلَاكُ ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تَعْذِيبًا مِنْ
[ ص: 39 ] قَبْلِ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ رَسُولًا ، وَكَذَلِكَ مَنْ خَالَفَ الْأُمُورَ الَّتِي لَا تَفْتَقِرُ إِلَى بَيَانِ الرُّسُلِ يَسْتَحِقُّ الْإِهْلَاكَ مِنْ غَيْرِ بَعْثَةٍ ، وَلَيْسَ هَذَا قَوْلًا بِمَذْهَبِ
الْمُعْتَزِلَةِ مِنَ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيِّ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ خَلَقَ فِي قَوْمٍ عِلْمًا بِوُجُوبِ الْأَشْيَاءِ وَتَرَكُوهُ لَا يَكُونُونَ غَافِلِينَ ، فَلَا يَتَوَقَّفُ تَعْذِيبُهُمْ عَلَى بَعْثَةِ الرُّسُلِ .