[ ص: 320 ] nindex.php?page=treesubj&link=19059_29778_31931_32420_32423_32424_32428_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89ولما جاءهم كتاب من عند الله وهو القرآن، وتنكيره للتعظيم، ووصفه للتشريف والإيذان بأنه جدير بأن يقبل ما فيه، ويتبع، لأنه من خالقهم، وإلههم الناظر في مصالحهم، والجملة عطف على " قالوا قلوبنا غلف " أي وكذبوا لما جاءهم إلخ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89مصدق لما معهم من كتابهم، أي نازل حسبما نعت أو مطابق له، ومصدق صفة ثانية لكتاب، وقدمت الأولى عليها لأن الوصف بكينونته من عنده تعالى آكد، ووصفه بالتصديق ناشئ عنها، وجعله مصدقا لكتابهم لا مصدقا به إشارة إلى أنه بمنزلة الواقع، ونفس الأمر لكتابهم، لكونه مشتملا على الإخبار عنه، محتاجا في صدقه إليه، وإلى أنه بإعجازه مستغن عن تصديق الغير، وفي مصحف
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي (مصدقا) بالنصب، وبه قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12356ابن أبي عبلة، وهو حينئذ حال من الضمير المستقر في الظرف، أو من (كتاب)، لتخصيصه بالوصف المقرب له من المعرفة، واحتمال أن الظرف لغة متعلق (بجاء) بعيد، فلا يضر، على أن
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه جوز مجيء الحال من النكرة بلا شرط،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا نزلت في
بني قريظة والنضير كانوا يستفتحون على
الأوس والخزرج برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قبل مبعثه، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما،
nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ، والمعنى: يطلبون من الله تعالى أن ينصرهم به على المشركين، كما روى
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي أنهم كانوا إذا اشتد الحرب بينهم وبين المشركين أخرجوا التوراة ووضعوا أيديهم على موضع ذكر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وقالوا : اللهم إنا نسألك بحق نبيك الذي وعدتنا أن تبعثه في آخر الزمان أن تنصرنا اليوم على عدونا، فينصرون، فالسين للطلب، والفتح معنى النصر بواسطة (على)، أو يفتحون عليهم من قولهم : فتح عليه إذا علمه، ووقفه كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=76أتحدثونهم بما فتح الله عليكم أي يعرفون المشركين أن نبيا يبعث منهم، وقد قرب زمانه، فالسين زائدة للمبالغة، كأنهم فتحوا بعد طلبه من أنفسهم، والشيء بعد الطلب أبلغ، وهو من باب التجريد، جردوا من أنفسهم أشخاصا وسألوهم الفتح كقولهم : استعجل، كأنه طلب العجلة من نفسه، ويؤول المعنى إلى يا نفس عرفي المشركين أن نبيا يبعث منهم، وقيل : يستفتحون بمعنى يستخبرون عنه صلى الله تعالى عليه وسلم، هل ولد مولود صفته كذا وكذا، نقله
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب وغيره، وما قيل : إنه لا يتعدى بعلى، لا يسمع بمجرد التشهي.
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به كنى عن الكتاب المتقدم بما عرفوا، لأن معرفة من أنزل عليه معرفة له، والاستفتاح به استفتاح به، وإيراد الموصول دون الاكتفاء بالإضمار لبيان كمال مكابرتهم، ويحتمل أن يراد به النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وما قد يعبر بها عن صفات من يعقل، وبعضهم فسره بالحق إشارة إلى وجه التعبير عنه عليه الصلاة والسلام (بما) وهو أن المراد به الحق لا خصوصية ذاته المطهرة، وعرفانهم ذلك حصل بدلالة المعجزات والموافقة لما نعت في كتابهم، فإنه كالصريح عند الراسخين، فلا يرد أن نعت الرسول في التوراة إن كان مذكورا على التعيين فكيف ينكرونه، فإنه مذكور بالتواتر، وإلا فلا عرفان للاشتباه على أن الإيراد في غاية السقوط، لأن الآية مساقة على حد قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=14وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم أي جحدوه مع علمهم به، وهذا أبلغ في ذمهم، (وكفروا) جواب (لما) الأولى، (ولما) الثانية تكرير لها، لطول العهد، كما في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=188لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب وإلى ذلك ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء : (لما) الثانية مع جوابها جواب الأولى، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي إلخ، وعلى الوجهين يكون قوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89وكانوا من قبل جملة حالية بتقدير: قد مقررة، واختار
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج nindex.php?page=showalam&ids=13673والأخفش أن جواب الأولى
[ ص: 321 ] محذوف، أي كذبوا به مثلا، وعليه يكون
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89وكانوا من قبل إلخ، مع ما عطف عليه من قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89فلما جاءهم من الشرط والجزاء جملة معطوفة على " لما جاءهم " بعد تمامها، تدل الأولى على معاملتهم مع الكتاب المصدق، والثانية مع الرسول المستفتح به ، وارتضاه بعض المحققين لما في الأولى من لزوم التأكيد، والتأسيس أولى منه، واستعمال الفاء للتراخي الرتبي، فإن مرتبة المؤكد بعد مرتبة المؤكد، ولما في الثاني من دخول الفاء في جواب (لما) مع أنه ماض، وهو قليل جدا، حتى لم يجوزه البصريون، ولو جوز وقوعها زائدة (فلما) لا تجاب بمثلها، لا يقال: لما جاء زيد لما قعد عمرو أكرمتك، بل هو كما ترى تركيب معقود في لسانهم مع خلو الوجهين عن فائدة عظيمة، وهو بيان سوء معاملتهم مع الرسول، واستلزامهما جعل (وكانوا) حالا، واختار
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء إن (كفروا) جواب (لما) الأولى، والثانية، ولا حذف، لأن مقتضاهما واحد، وليس بشيء، كجعل
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89فلعنة الله على الكافرين جوابا للأولى، وما بينهما اعتراض، واللام في (الكافرين) للعهد، أي عليهم، ووضع المظهر موضع المضمر للإشعار بأن حلول اللعنة عليهم بسبب كفرهم، كما أن الفاء للإيذان بترتبها عليه، وجوز كونها للجنس، ويدخلون فيه دخولا أوليا، واعترض بأن دلالة العام متساوية، فليس فيها شيء أول ولا أسبق من شيء، والجواب أن المراد دخولا قصديا، لأن الكلام سيق بالأصالة فيهم، ويكون ذلك من الكناية الإيمائية، ويصار إليها، إذا كان الموصوف مبالغا في ذلك الوصف، ومنهمكا فيه، حتى إذا ذكر خطر ذلك الوصف بالبال كقولهم لمن يقتني رذيلة ويصر عليها: أنا إذا نظرتك خطر ببالي سبابك، وسباب كل من هو من أبناء جنسك، فاليهود لما بالغوا في الكفر والعناد وكتمان أمر الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، ونعى الله تعالى عليهم ذلك، صار الكفر كأنه صفة غير مفارقة لذكرهم، وكان هذا الكلام لازما لذكرهم، ورديفه، وأنهم أولى الناس دخولا فيه لكونهم تسببوا استجلاب هذا القول في غيرهم، وجعل
السكاكي من هذا القبيل قوله :
إذا الله لم يسق إلا الكراما فيسقي وجوه بني حنبل
فإنه في إفادة كرم بني حنبل، كما ترى لا خفاء فيه،
[ ص: 320 ] nindex.php?page=treesubj&link=19059_29778_31931_32420_32423_32424_32428_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَهُوَ الْقُرْآنُ، وَتَنْكِيرُهُ لِلتَّعْظِيمِ، وَوَصْفُهُ لِلتَّشْرِيفِ وَالْإِيذَانِ بِأَنَّهُ جَدِيرٌ بِأَنْ يُقْبَلَ مَا فِيهِ، وَيُتَّبَعَ، لِأَنَّهُ مِنْ خَالِقِهِمْ، وَإِلَهِهِمُ النَّاظِرِ فِي مَصَالِحِهِمْ، وَالْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى " قَالُوا قُلُوبَنَا غَلَّفَ " أَيْ وَكَذَّبُوا لَمَّا جَاءَهُمْ إِلَخْ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ مِنْ كِتَابِهِمْ، أَيْ نَازِلٌ حَسْبَمَا نُعِتَ أَوْ مُطَابِقٌ لَهُ، وَمُصَدِّقٌ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِكِتَابٍ، وَقُدِّمَتِ الْأُولَى عَلَيْهَا لِأَنَّ الْوَصْفَ بِكَيْنُونَتِهِ مِنْ عِنْدِهِ تَعَالَى آكَدٌ، وَوَصْفُهُ بِالتَّصْدِيقِ نَاشِئٌ عَنْهَا، وَجَعَلَهُ مُصَدِّقًا لِكِتَابِهِمْ لَا مُصَدِّقًا بِهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَاقِعِ، وَنَفْسُ الْأَمْرِ لِكِتَابِهِمْ، لِكَوْنِهِ مُشْتَمِلًا عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْهُ، مُحْتَاجًا فِي صِدْقِهِ إِلَيْهِ، وَإِلَى أَنَّهُ بِإِعْجَازِهِ مُسْتَغْنٍ عَنْ تَصْدِيقِ الْغَيْرِ، وَفِي مُصْحَفِ
nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيٍّ (مُصَدِّقًا) بِالنَّصْبِ، وَبِهِ قَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=12356ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ، وَهُوَ حِينَئِذٍ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمُسْتَقِرِّ فِي الظَّرْفِ، أَوْ مِنْ (كِتَابٌ)، لِتَخْصِيصِهِ بِالْوَصْفِ الْمُقَرِّبِ لَهُ مِنَ الْمَعْرِفَةِ، وَاحْتِمَالُ أَنَّ الظَّرْفَ لُغَةً مُتَعَلِّقٌ (بِجَاءَ) بَعِيدٌ، فَلَا يَضُرُّ، عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ جَوَّزَ مَجِيءَ الْحَالِ مِنَ النَّكِرَةِ بِلَا شَرْطٍ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا نَزَلَتْ فِي
بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى
الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا،
nindex.php?page=showalam&ids=16815وَقَتَادَةُ ، وَالْمَعْنَى: يَطْلُبُونَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَنْصُرَهُمْ بِهِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، كَمَا رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا اشْتَدَّ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ أَخْرَجُوا التَّوْرَاةَ وَوَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى مَوْضِعِ ذِكْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالُوا : اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِحَقِّ نَبِيِّكَ الَّذِي وَعَدْتَنَا أَنْ تَبْعَثَهُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَنْ تَنْصُرَنَا الْيَوْمَ عَلَى عَدُوِّنَا، فَيُنْصَرُونَ، فَالسِّينُ لِلطَّلَبِ، وَالْفَتْحُ مَعْنًى النَّصْرُ بِوَاسِطَةِ (عَلَى)، أَوْ يَفْتَحُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَوْلِهِمْ : فَتَحَ عَلَيْهِ إِذَا عَلَّمَهُ، وَوَقَفَهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=76أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أَيْ يُعَرِّفُونَ الْمُشْرِكِينَ أَنَّ نَبِيًّا يُبْعَثُ مِنْهُمْ، وَقَدْ قَرُبَ زَمَانُهُ، فَالسِّينُ زَائِدَةٌ لِلْمُبَالَغَةِ، كَأَنَّهُمْ فَتَحُوا بَعْدَ طَلَبِهِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَالشَّيْءُ بَعْدَ الطَّلَبِ أَبْلَغُ، وَهُوَ مِنْ بَابِ التَّجْرِيدِ، جَرَّدُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَشْخَاصًا وَسَأَلُوهُمُ الْفَتْحَ كَقَوْلِهِمُ : اسْتَعْجَلَ، كَأَنَّهُ طَلَبَ الْعَجَلَةَ مِنْ نَفْسِهِ، وَيُؤَوَّلُ الْمَعْنَى إِلَى يَا نَفْسُ عَرِّفِي الْمُشْرِكِينَ أَنَّ نَبِيًّا يُبْعَثُ مِنْهُمْ، وَقِيلَ : يَسْتَفْتِحُونَ بِمَعْنَى يَسْتَخْبِرُونَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَلْ وُلِدَ مَوْلُودٌ صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا، نَقَلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14343الرَّاغِبُ وَغَيْرُهُ، وَمَا قِيلَ : إِنَّهُ لَا يَتَعَدَّى بِعَلَى، لَا يُسْمَعُ بِمُجَرَّدِ التَّشَهِّي.
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ كَنَّى عَنِ الْكِتَابِ الْمُتَقَدِّمِ بِمَا عَرَفُوا، لِأَنَّ مَعْرِفَةَ مَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَعْرِفَةٌ لَهُ، وَالِاسْتِفْتَاحُ بِهِ اسْتِفْتَاحٌ بِهِ، وَإِيرَادُ الْمَوْصُولِ دُونَ الِاكْتِفَاءِ بِالْإِضْمَارِ لِبَيَانِ كَمَالِ مُكَابَرَتِهِمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا قَدْ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ صِفَاتِ مَنْ يَعْقِلُ، وَبَعْضُهُمْ فَسَّرَهُ بِالْحَقِّ إِشَارَةً إِلَى وَجْهِ التَّعْبِيرِ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (بِمَا) وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَقُّ لَا خُصُوصِيَّةُ ذَاتِهِ الْمُطَهَّرَةِ، وَعِرْفَانُهُمْ ذَلِكَ حَصَلَ بِدِلَالَةِ الْمُعْجِزَاتِ وَالْمُوَافَقَةِ لِمَا نُعِتَ فِي كِتَابِهِمْ، فَإِنَّهُ كَالصَّرِيحِ عِنْدَ الرَّاسِخِينَ، فَلَا يَرُدُّ أَنَّ نَعْتَ الرَّسُولِ فِي التَّوْرَاةِ إِنْ كَانَ مَذْكُورًا عَلَى التَّعْيِينِ فَكَيْفَ يُنْكِرُونَهُ، فَإِنَّهُ مَذْكُورٌ بِالتَّوَاتُرِ، وَإِلَّا فَلَا عِرْفَانَ لِلِاشْتِبَاهِ عَلَى أَنَّ الْإِيرَادَ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ، لِأَنَّ الْآيَةَ مُسَاقَةٌ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=14وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ أَيْ جَحَدُوهُ مَعَ عِلْمِهِمْ بِهِ، وَهَذَا أَبْلَغُ فِي ذَمِّهِمْ، (وَكَفَرُوا) جَوَابٌ (لِمَا) الْأُولَى، (وَلِمَا) الثَّانِيَةِ تَكْرِيرٌ لَهَا، لِطُولِ الْعَهْدِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=188لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=15153الْمُبَرِّدُ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14888الْفَرَّاءُ : (لِمَا) الثَّانِيَةِ مَعَ جَوَابِهَا جَوَابُ الْأُولَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ إِلَخْ، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ يَكُونُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ جُمْلَةً حَالِيَّةً بِتَقْدِيرِ: قَدْ مُقَرِّرَةً، وَاخْتَارَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ nindex.php?page=showalam&ids=13673وَالْأَخْفَشُ أَنَّ جَوَابَ الْأُولَى
[ ص: 321 ] مَحْذُوفٌ، أَيْ كَذَّبُوا بِهِ مَثَلًا، وَعَلَيْهِ يَكُونُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ إِلَخْ، مَعَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89فَلَمَّا جَاءَهُمْ مِنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ جُمْلَةً مَعْطُوفَةً عَلَى " لَمَّا جَاءَهُمْ " بَعْدَ تَمَامِهَا، تَدُلُّ الْأُولَى عَلَى مُعَامَلَتِهِمْ مَعَ الْكِتَابِ الْمُصَدِّقِ، وَالثَّانِيَةُ مَعَ الرَّسُولِ الْمُسْتَفْتَحِ بِهِ ، وَارْتَضَاهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ لِمَا فِي الْأُولَى مِنْ لُزُومِ التَّأْكِيدِ، وَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى مِنْهُ، وَاسْتِعْمَالُ الْفَاءِ لِلتَّرَاخِي الرُّتَبِيِّ، فَإِنَّ مَرْتَبَةَ الْمُؤَكِّدِ بَعْدَ مَرْتَبَةِ الْمُؤَكَّدِ، وَلِمَا فِي الثَّانِي مِنْ دُخُولِ الْفَاءِ فِي جَوَابِ (لَمَّا) مَعَ أَنَّهُ مَاضٍ، وَهُوَ قَلِيلٌ جِدًّا، حَتَّى لَمْ يُجَوِّزْهُ الْبَصْرِيُّونَ، وَلَوْ جُوِّزَ وُقُوعُهَا زَائِدَةً (فَلَمَّا) لَا تُجَابُ بِمِثْلِهَا، لَا يُقَالُ: لَمَّا جَاءَ زَيْدٌ لَمَّا قَعَدَ عَمْرٌو أَكْرَمْتُكَ، بَلْ هُوَ كَمَا تَرَى تَرْكِيبٌ مَعْقُودٌ فِي لِسَانِهِمْ مَعَ خُلُوِّ الْوَجْهَيْنِ عَنْ فَائِدَةٍ عَظِيمَةٍ، وَهُوَ بَيَانُ سُوءِ مُعَامَلَتِهِمْ مَعَ الرَّسُولِ، وَاسْتِلْزَامُهُمَا جَعْلَ (وَكَانُوا) حَالًا، وَاخْتَارَ
nindex.php?page=showalam&ids=14803أَبُو الْبَقَاءِ إِنَّ (كَفَرُوا) جَوَابٌ (لِمَا) الْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ، وَلَا حَذْفَ، لِأَنَّ مُقْتَضَاهُمَا وَاحِدٌ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، كَجَعْلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ جَوَابًا لِلْأُولَى، وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ، وَاللَّامُ فِي (الْكَافِرِينَ) لِلْعَهْدِ، أَيْ عَلَيْهِمْ، وَوَضْعُ الْمُظْهَرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ حُلُولَ اللَّعْنَةِ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ، كَمَا أَنَّ الْفَاءَ لِلْإِيذَانِ بِتَرَتُّبِهَا عَلَيْهِ، وَجُوِّزَ كَوْنُهَا لِلْجِنْسِ، وَيَدْخُلُونَ فِيهِ دُخُولًا أَوَّلِيًّا، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ دِلَالَةَ الْعَامِّ مُتَسَاوِيَةٌ، فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ أَوَّلُ وَلَا أَسْبَقُ مِنْ شَيْءٍ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ دُخُولًا قَصْدِيًّا، لِأَنَّ الْكَلَامَ سِيقَ بِالْأَصَالَةِ فِيهِمْ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنَ الْكِنَايَةِ الْإِيمَائِيَّةِ، وَيُصَارُ إِلَيْهَا، إِذَا كَانَ الْمَوْصُوفُ مُبَالِغًا فِي ذَلِكَ الْوَصْفِ، وَمُنْهَمِكًا فِيهِ، حَتَّى إِذَا ذُكِرَ خَطَرُ ذَلِكَ الْوَصْفِ بِالْبَالِ كَقَوْلِهِمْ لِمَنْ يَقْتَنِي رَذِيلَةً وَيُصِرُّ عَلَيْهَا: أَنَا إِذَا نَظَرْتُكَ خَطَرَ بِبَالِي سِبَابُكَ، وَسِبَابُ كُلِّ مَنْ هُوَ مِنْ أَبْنَاءِ جِنْسِكَ، فَالْيَهُودُ لَمَّا بَالَغُوا فِي الْكُفْرِ وَالْعِنَادِ وَكِتْمَانِ أَمْرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَعَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، صَارَ الْكُفْرُ كَأَنَّهُ صِفَةٌ غَيْرُ مُفَارِقَةٍ لِذِكْرِهِمْ، وَكَانَ هَذَا الْكَلَامُ لَازِمًا لِذِكْرِهِمْ، وَرَدِيفَهُ، وَأَنَّهُمْ أَوْلَى النَّاسِ دُخُولًا فِيهِ لِكَوْنِهِمْ تَسَبَّبُوا اسْتِجْلَابَ هَذَا الْقَوْلِ فِي غَيْرِهِمْ، وَجَعَلَ
السَّكَّاكِيُّ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلَهُ :
إِذَا اللَّهُ لَمْ يَسْقِ إِلَّا الْكِرَامَا فَيَسْقِي وُجُوهَ بَنِي حَنْبَلِ
فَإِنَّهُ فِي إِفَادَةِ كَرَمِ بَنِي حَنْبَلٍ، كَمَا تَرَى لَا خَفَاءَ فِيهِ،