nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=53ذلك إشارة إلى ما يفيده النظم الكريم من كون ما حل بهم من العذاب منوطا بأعمالهم السيئة غير واقع بلا سابقة ما يقتضيه ، وهو مبتدأ خبره قوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=53بأن الله إلى آخره ، والباء للسببية ، والجملة مسوقة لتعليل ما أشير إليه أي: ذلك كائن بسبب أن الله سبحانه
nindex.php?page=treesubj&link=28723_30364_30531_28979nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=53لم يك مغيرا نعمة أنعمها أي : لم ينبغ له سبحانه ولم يصح في حكمته أن يكون بحيث يغير نعمة أي نعمة كانت جلت أو هانت أنعم بها (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=53على قوم ) من الأقوام (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=53حتى يغيروا ما بأنفسهم ) أي : ذواتهم من الأعمال والأحوال التي كانوا عليها وقت ملابستهم للنعمة ويتصفوا بما ينافيها سواء كانت أحوالهم السابقة مرضية صالحة أو أهون من الحالة الحادثة كدأب كفرة
قريش المذكورين حيث كانوا قبل البعثة كفرة عبدة أصنام
[ ص: 20 ] مستمرين على حال مصححة لإفاضة نعم الإمهال وسائر النعم الدنيوية عليهم كصلة الرحم والكف عن تعرض الآيات والرسل عليهم السلام، فلما بعث النبي صلى الله تعالى عليه وسلم غيروها على أسوء حال منها وأسخط حيث كذبوه عليه الصلاة والسلام وعادوه ومن تبعه من المؤمنين وتحزبوا عليهم وقطعوا أرحامهم فغير الله تعالى ما أنعم به عليهم من نعمة الإمهال ووجه إليهم نبال العقاب والنكال ، وقيل : إنهم لما كانوا متمكنين من الإيمان ثم لم يؤمنوا كان ذلك كأنه حاصل لهم فغيروه كما قيل في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=16أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ) ولا يخلو عن حسن ، وجعل بعضهم الإشارة إلى ما حل بهم ثم إنه لما رأى أن انتفاء تغيير الله تعالى حتى يغيروا لا يقتضي تحقق تغييره إذا غيروا، وأن العدم ليس سببا للوجود هنا، وأيضا عدم التغيير صارف عما حل بهم لا موجب له بحسب الظاهر قال : إن السبب ليس منطوق الآية بل مفهومها ، وهو جرى عادته سبحانه على التغيير حين غيروا حالهم فالسبب ليس انتفاء التغيير بل التغيير ، قيل : وإنما أوثر التعبير بذلك لأن الأصل عدم التغيير من الله تعالى لسبق إنعامه ورحمته ولأن الأصل فيهم الفطرة وأما جعله عادة جارية فبيان لما استقر عليه الحال من ذلك لا أن كونه عادة له دخل في السببية ، ولا يخفى أن ما ذكرناه أسلم من القيل والقال على أن ما فعله البعض لا يخلو بعد عن مقال فتدبر ، وأصل ( يك ) يكن فحذفت النون تخفيفا لشبهها بأحرف العلة في أنها من الزوائد وهي تحذف من أحرف المجزوم فلذا حذفت هذه وهو مختص بهذا الفعل لكثرة استعماله (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=53وأن الله سميع عليم ) عطف على ( أن الله ) إلخ داخل معه في حيز التعليل ، أي وسبب أنه تعالى سميع عليم يسمع ويعلم جميع ما يأتون ويذرون من الأقوال والأفعال السابقة واللاحقة فيرتب على كل منها ما يليق من إبقاء النعمة وتغييرها ، وقرئ ( وإن الله ) بكسر الهمزة، فالجملة حينئذ استئناف مقرر لمضمون ما قبله .
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=53ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا يُفِيدُهُ النَّظْمُ الْكَرِيمُ مِنْ كَوْنِ مَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ مَنُوطًا بِأَعْمَالِهِمُ السَّيِّئَةِ غَيْرَ وَاقِعٍ بِلَا سَابِقَةِ مَا يَقْتَضِيهِ ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=53بِأَنَّ اللَّهَ إِلَى آخِرِهِ ، وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ ، وَالْجُمْلَةُ مَسُوقَةٌ لِتَعْلِيلِ مَا أُشِيرَ إِلَيْهِ أَيْ: ذَلِكَ كَائِنٌ بِسَبَبِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ
nindex.php?page=treesubj&link=28723_30364_30531_28979nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=53لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا أَيْ : لَمْ يَنْبَغِ لَهُ سُبْحَانَهُ وَلَمْ يَصِحَّ فِي حِكْمَتِهِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يُغَيِّرُ نِعْمَةً أَيَّ نِعْمَةٍ كَانَتْ جَلَّتْ أَوْ هَانَتْ أَنْعَمَ بِهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=53عَلَى قَوْمٍ ) مِنَ الْأَقْوَامِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=53حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) أَيْ : ذَوَاتِهِمْ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْأَحْوَالِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا وَقْتَ مُلَابَسَتِهِمْ لِلنِّعْمَةِ وَيَتَّصِفُوا بِمَا يُنَافِيهَا سَوَاءٌ كَانَتْ أَحْوَالُهُمُ السَّابِقَةُ مُرْضِيَةً صَالِحَةً أَوْ أَهْوَنَ مِنَ الْحَالَةِ الْحَادِثَةِ كَدَأْبِ كَفَرَةِ
قُرَيْشٍ الْمَذْكُورِينَ حَيْثُ كَانُوا قَبْلَ الْبَعْثَةِ كَفَرَةً عَبَدَةَ أَصْنَامٍ
[ ص: 20 ] مُسْتَمِرِّينَ عَلَى حَالٍ مُصَحِّحَةٍ لِإِفَاضَةِ نِعَمِ الْإِمْهَالِ وَسَائِرِ النِّعَمِ الدُّنْيَوِيَّةِ عَلَيْهِمْ كَصِلَةِ الرَّحِمِ وَالْكَفِّ عَنْ تَعَرُّضِ الْآيَاتِ وَالرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيَّرُوهَا عَلَى أَسَوْءِ حَالٍ مِنْهَا وَأَسْخَطُ حَيْثُ كَذَّبُوهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَعَادُوهُ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَتَحَزَّبُوا عَلَيْهِمْ وَقَطَعُوا أَرْحَامَهُمْ فَغَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ نِعْمَةِ الْإِمْهَالِ وَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ نِبَالَ الْعِقَابِ وَالنَّكَالِ ، وَقِيلَ : إِنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا مُتَمَكِّنِينَ مِنَ الْإِيمَانِ ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا كَانَ ذَلِكَ كَأَنَّهُ حَاصِلٌ لَهُمْ فَغَيَّرُوهُ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=16أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى ) وَلَا يَخْلُو عَنْ حَسَنٍ ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمُ الْإِشَارَةَ إِلَى مَا حَلَّ بِهِمْ ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا رَأَى أَنَّ انْتِفَاءَ تَغْيِيرِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يُغَيِّرُوا لَا يَقْتَضِي تَحَقُّقَ تَغْيِيرِهِ إِذَا غَيَّرُوا، وَأَنَّ الْعَدَمَ لَيْسَ سَبَبًا لِلْوُجُودِ هُنَا، وَأَيْضًا عَدَمُ التَّغْيِيرِ صَارِفٌ عَمَّا حَلَّ بِهِمْ لَا مُوجِبٌ لَهُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ قَالَ : إِنَّ السَّبَبَ لَيْسَ مَنْطُوقَ الْآيَةِ بَلْ مَفْهُومَهَا ، وَهُوَ جَرَى عَادَتُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى التَّغْيِيرِ حِينَ غَيَّرُوا حَالَهُمْ فَالسَّبَبُ لَيْسَ انْتِفَاءَ التَّغْيِيرِ بَلِ التَّغْيِيرَ ، قِيلَ : وَإِنَّمَا أُوثِرُ التَّعْبِيرَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّغْيِيرِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِسَبْقِ إِنْعَامِهِ وَرَحْمَتِهِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِمُ الْفِطْرَةُ وَأَمَّا جَعْلُهُ عَادَةً جَارِيَةً فَبَيَانٌ لِمَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْحَالُ مِنْ ذَلِكَ لَا أَنَّ كَوْنَهُ عَادَةً لَهُ دَخَلَ فِي السَّبَبِيَّةِ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ أَسْلَمُ مِنَ الْقِيلِ وَالْقَالِ عَلَى أَنَّ مَا فَعَلَهُ الْبَعْضُ لَا يَخْلُو بَعْدُ عَنْ مَقَالٍ فَتَدَبَّرْ ، وَأَصْلُ ( يْكَ ) يَكُنْ فَحُذِفَتِ النُّونُ تَخْفِيفًا لِشَبَهِهَا بِأَحْرُفِ الْعِلَّةِ فِي أَنَّهَا مِنَ الزَّوَائِدِ وَهِيَ تُحْذَفُ مِنْ أَحْرُفِ الْمَجْزُومِ فَلِذَا حُذِفَتْ هَذِهِ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِهَذَا الْفِعْلِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=53وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) عَطْفٌ عَلَى ( أَنَّ اللَّهَ ) إِلَخْ دَاخِلٌ مَعَهُ فِي حَيِّزِ التَّعْلِيلِ ، أَيْ وَسَبَبُ أَنَّهُ تَعَالَى سَمِيعٌ عَلِيمٌ يَسْمَعُ وَيَعْلَمُ جَمِيعَ مَا يَأْتُونَ وَيَذَرُوَنَ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ السَّابِقَةِ وَاللَّاحِقَةِ فَيُرَتِّبُ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا مَا يَلِيقُ مِنْ إِبْقَاءِ النِّعْمَةِ وَتَغْيِيرِهَا ، وَقُرِئَ ( وَإِنَّ اللَّهَ ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، فَالْجُمْلَةُ حِينَئِذٍ اسْتِئْنَافٌ مُقَرِّرٌ لِمَضْمُونِ مَا قَبْلَهُ .