nindex.php?page=treesubj&link=32409_32412_34272_28985nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وآتاكم من كل ما سألتموه أي أعطاكم بعض جميع ما سألتموه حسبما تقتضيه مشيئته التابعة للحكمة والمصلحة فمن كل مفعول ثان لآتى و ( من ) تبعيضية وقال بعض الكاملين : إن ( كل ) للتكثير والتفخيم لا للإحاطة والتعميم كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فتحنا عليهم أبواب كل شيء واعترض على حمل ( من ) على التبعيض دون ابتداء الغاية بأنه يفضي إلى إخلاء لفظ ( كل ) عن فائدة زائدة لأن ( ما ) نص في العموم بل يوهم إيتاء البعض من كل فرد متعلق به السؤال ولا وجه له .
ودفع بأنه بعد تسليم كون ( ما ) نصا في العموم هنا عمومان عموم الأفراد وعموم الأصناف بمعنى كل صنف صنف وهما مقصودان هنا فالمعنى أعطاكم من جميع أفراد كل صنف سألتموه فإن الاحتياج بالذات إلى النوع
[ ص: 226 ] والصنف لا لفرد بخصوصه وفسر
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34ما سألتموه بما من شأنه أن يسأل لاحتياج الناس إليه سواء سئل بالفعل أم لم يسأل فلا ينفي إيتاء ما لا حاجة إليه مما يخطر بالبال وجعلوا الاحتياج إلى الشيء سؤالا له بلسان الحال وهو من باب التمثيل وسبيل هذا السؤال سبيل الجواب في رأي في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172ألست بربكم قالوا بلى وقيل : الأصل وآتاكم من كل ما سألتموه وما لم تسألوه فحذف الثاني لدلالة ما أبقي على ما ألقي و ( ما ) يحتمل أن تكون موصولة والضمير المنصوب في
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34سألتموه عائد عليها والتقدير من كل الذي سألتموه إياه ومنع
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان جواز أن يكون راجعا إليه تعالى ويكون العائد على الموصول محذوفا مستندا بأنه لو قدر متصلا لزم اتصال ضميرين متحدي الرتبة من دون اختلاف وهو لا يجوز ولو قدر منفصلا حسبما تقتضيه القاعدة في مثل ذلك لزم حذف العائد المتصل وقد نصوا على عدم جوازه . اهـ .
وذهب بعضهم إلى جواز كلا التقديرين مدعيا أن منع اتصال المتحدين رتبة خاص فيما إذا ذكرا معا أما إذا ذكر أحدهما وحذف الآخر فلا منع إذ الاتصال حينئذ محض اعتبار وعلة المنع لا تجري فيه وأن منع حذف المنفصل خاص أيضا فيما إذا كان الانفصال لغرض معنوي كالحصر في قولك : جاء الذي أباه ضربت إذ بالحذف حينئذ يفوت ذلك الغرض أما إذا كان لغرض لفظي كدفع اجتماع المثلين فلا منع إذ ليس هناك غرض يفوت ويحتمل أن تكون موصوفة والكلام في الضمير كما تقدم وأن تكون مصدرية والضمير لله تعالى والمصدر بمعنى المفعول أي مسؤولكم .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وعمرو بن قائد nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة وسلام nindex.php?page=showalam&ids=17379ويعقوب nindex.php?page=showalam&ids=17192ونافع في رواية ( من كل ) بالتنوين أي وآتاكم من كل شيء ما احتجتم إليه وسألتموه بلسان الحال وجوز على هذه القراءة أن تكون ( ما ) نافية والمفعول الثاني
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34من كل كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23وأوتيت من كل شيء والجملة المنفية في موضع الحال أي أتاكم من كل غير سائليه وهو إخبار منه تعالى بسبوغ نعمته سبحانه عليهم بما لم يسألوه من النعم وروي هذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك ولا يخفى أن الوجه هو الأول لما أن القراءة على هذا الوجه تخالف القراءة الأولى والأصل توافق القراءتين وإن فهم منها إيتاء ما سألوه بطريق الأولى .
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وإن تعدوا نعمت الله أي ما أنعم به عليكم كما هو الظاهر .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15466الواحدي : إن ( نعمة ) هنا اسم أقيم مقام المصدر يقال : أنعم إنعاما ونعمة كما يقال أنفقت إنفاقا ونفقة فالنعمة بمعنى الإنعام ولذا لم تجمع والمعول عليه ما أشرنا إليه من أنها اسم جنس بمعنى المنعم به والمراد بها الجمع كأنه قيل : وإن تعدوا نعم الله
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34لا تحصوها وقد نص بعضهم على أن المفرد يفيد الاستغراق بالإضافة وما قيل : إن الاستغراق ليس مأخوذا من الإضافة بل من الشرط والجزاء المخصوصين فيه نظر لأن الحكم المذكور يقتضي صحة إرادته منه ولولاه تنافيا والمراد بلا تحصوها لا تطيقوا حصرها ولو إجمالا فإنها غير متناهية وأصل الإحصاء العد بالحصى فإن
العرب كانوا يعتمدونه في العد كاعتمادنا فيه على الأصابع ولذا قال
الأعشى : .
ولست بالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر
[ ص: 227 ] ثم استعمل لمطلق العد وقال بعض الأفاضل : إن أصله أن الحاسب إذا بلغ عقدا معينا من عقود الأعداد وضع حصاة ليحفظه بها ففيه إيذان بعدم بلوغ مرتبة معتد بها من مراتبها فضلا عن بلوغ غايتها وهو من الحسن بمكان إلا أنه ذهب إلى الأول
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب وغيره وأول الإحصاء بالحصر لئلا يتنافى الشرط والجزاء إذا ثبت في الأول العد ونفي في الثاني ولو أول ( إن تعدوا ) بأن تريدوا العد يندفع السؤال على ما قيل أيضا والأول أولى وقال بعض الفضلاء : إن المعنى إن تشرعوا في عد أفراد نعمة من نعمه تعالى لا تطيقوا عدها .
وإنما أتي بإن وعدم العد مقطوع به نظرا إلى توهم أنه يطاق قيل : والكلام عليه أبلغ على الأول لما فيه من الإشارة إلى أن النعمة الواحدة لا يمكن عد تفاصيلها لكن أنت تعلم أن الظاهر هو الأول وقد ذكر الإمام مثالين يستوضح بهما الوقوف على أن
nindex.php?page=treesubj&link=29485نعم الله تعالى لا تحصى ولا يمكن أن تستقصى فقال : الأول أن الأطباء ذكروا أن الأعصاب قسمان دماغية ونخاعية والدماغية سبعة وقد أتعبوا أنفسهم في معرفة الحكم الناشئة من كل واحدة منها ولا شك أن كل واحدة تنقسم إلى شعب كثيرة وكل واحدة من تلك الشعب تنقسم أيضا إلى شعب أدق من الشعر ولكل واحد منها إلى الأعضاء ولو أن واحدة اختلت كيفا أو وضعا أو نحو ذلك لاختلت مصالح البنية ولكل منها على كثرتها حكم مخصوصة وكما اعتبرت هذا في الشظايا العصبية فاعتبر مثله في الشرايين والأوردة وفي كل واحد من الأعضاء البسيطة والمركبة بحسب الكمية والوضع والفعل والانفعال حتى ترى أقسام هذا الباب بحرا لا ساحل له وإذا اعتبرت هذا في بدن الإنسان فاعتبر في نفسه وروحه فإن عجائب عالم الأرواح أكثر من عجائب عالم الأجسام وإذا اعتبرت أحوال عالم الأفلاك والكواكب وطبقات العناصر وعجائب البر والبحر والنبات والمعدن والحيوان ظهر لك أن عقول جميع الخلائق لو ركبت وجعلت عقلا واحدا وتأمل به الإنسان في حكمة الله تعالى في أقل الأشياء لما أدرك منها إلا القليل .
الثاني أنه إذا أخذت لقمة من الخبز لتضعها في فمك فانظر إلى ما قبلها وإلى ما بعدها فأما الأول فاعرف أنها لا تتم إلا إذا كان هذا العالم بكليته قائما على الوجه الأصوب لأن الحنطة لا بد منها ولا تنبت إلا بمعونة الفصول وتركب الطبائع وظهور الأمطار والرياح ولا يحصل شيء من ذلك إلا بدوران الأفلاك واتصال بعض الكواكب ببعض على وجوه مخصوصة ثم بعد أن تكون الحنطة لا بد لها من آلات الطحن ونحوه وهي لا تحصل إلا عند تولد الحديد في أرحام الجبال ثم تأمل كيف تكونت على الأشكال المخصوصة ثم إذا حصلت تلك الآلات فانظر أنه لا بد من اجتماع العناصر حتى يمكن الطبخ وأما الثاني فتأمل في تركيب بدن الحيوان وهو أنه تعالى كيف خلق ذلك حتى يمكنه الانتفاع بتلك اللقمة وأنه كيف يتضرر الحيوان بالأكل وفي أي الأعضاء تحدث تلك المضار فلا يمكنك أن تعرف القليل إلا بمعرفة علم التشريح وعلم الطب على الوجه الأكمل وأنى للعقول بإدراك كل ذلك فظهر بالبرهان الباهر صحة هذه الشرطية . اهـ .
وقال مولانا
أبو السعود قدس سره بعد كلام : وإن رمت العثور على حقيقة الحق والوقوف على ما جل من السر ودق فاعلم أن الإنسان بمقتضى حقيقته الممكنة بمعزل عن استحقاق الوجود وما يتبعه من الكمالات اللائقة والملكات الرائقة بحيث لو انقطع ما بينه وبين العناية الإلهية من العلاقة لما استقر له القرار ولا اطمأنت به الدار إلا في مطمورة العدم والبوار ومهاوي الهلاك والدمار لكن يفيض عليه من الجناب الأقدس تعالى شأنه وتقدس في كل زمان يمضي وكل آن يمر وينقضي من أنواع الفيوض المتعلقة بذاته ووجوده وسائر الصفات الروحانية
[ ص: 228 ] والنفسانية والجسمانية ما لا يحيط به نطاق التعبير ولا يعلمه إلا اللطيف الخبير وتوضيحه أنه كما لا يستحق الوجود ابتداء لا يستحقه بقاء وإنما ذلك من جناب المبدئ الأول عز شأنه وجل فكما لا يتصور وجوده ابتداء ما لم يسند عليه جميع أنحاء عدمه الأصلي لا يتصور بقاؤه على الوجود بعد تحققه بعلته ما لم ينسد عليه جميع أنحاء عدمه الطارئ لأن الاستمرار والدوام من خصائص الوجود الواجبي .
وأنت خبير بأن ما يتوقف عليه وجوده من الأمور الوجودية التي هي علله وشرائطه وإن وجب كونها متناهية لوجوب تناهي ما دخل تحت الوجود لكن الأمور العدمية التي لها دخل في وجوده ليست كذلك إذ لا استحالة في أن يكون لشيء واحد موانع غير متناهية وإنما الاستحالة في دخولها تحت الوجود وارتفاع تلك الموانع التي لا تتناهى أعني بقاءها على العدم مع إمكان وجودها في أنفسها في كل آن من آنات وجوده نعم غير متناهية حقيقة لا ادعاء وكذا الحال في وجودات علله وشرائطه القريبة والبعيدة ابتداء وبقاء وكذا في كمالاته التابعة لوجوده . اهـ . ويتراءى منه أنه قد ترك الإمام في تحقيق هذا المقام وراءه وأنه لو سمع ذلك لافتدى به في ذكره ولعد من النعم اقتداءه وقريب منه ما يقال في بيان عدم تناهي النعم : إن الوجود نعمة وكذا كل ما يتبعه من الكمالات وذلك موقوف على وجوده تعالى في الأزمنة الموهومة الغير المتناهية وتحقق ما يتوقف عليه وجود النعمة نعمة فتحققه سبحانه في كل آن من تلك الآنات نعمة فالنعم غير متناهية ولك أن تقول في بيان ذلك : إنه ما من إنسان إلا وقد دفع الله تعالى عنه من البلايا ما لا يحيط به نطاق الحصر لأن البلايا الداخلة تحت حيطة الإمكان غير متناهية ولا شك أن دفع كل بلية نعمة فتكون النعم غير متناهية ومما يوضح عدم تناهي البلايا الممكنة أن أهل النار المخلدين فيها لا زال عذابهم بازدياد كما يرشد إليه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=30فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا وقد ذكر غير واحد في ذلك أنهم كلما استغاثوا من نوع من العذاب أغيثوا بأشد من ذلك فيكون كل مرتبة منه متناهيا في الشدة وإن كانت مراتبه غير متناهية بحسب العدد والمدة وعلى هذا نعم الله تعالى على المبتلى أيضا لا تحصى .
وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال : إن لله تعالى على أهل النار منة فلو شاء أن يعذبهم بأشد من النار لعذبهم ثم الظاهر أن المراد بالنعمة معناها اللغوي أعني الأمر الملائم لا المعنى الشرعي أعني الملائم الذي تحمد عاقبته إذ لا يتأتى عليه عموم الخطاب ولا يبعد إطلاق النعمة بذلك المعنى على نحو رفع الموانع وتحقق العلل والشرائط حسبما ذكر سابقا وظاهر ما تقدم يقتضي أن النعم في حد ذاتها غير محصورة والآية ظاهرة في أن الإنسان لا يحصرها بالعد وفرق بين الأمرين فتدبر وبالجملة ليس للعبد إلا العجز عن الوقوف على نهاية نعمه سبحانه وتعالى وكذا العجز عن شكر ذلك وما أحسن ما قال
nindex.php?page=showalam&ids=4أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه : من لم يعرف نعمة الله تعالى عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قل علمه وحضر عذابه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في الشعب وغيره عن
سليمان التيمي قال : إن الله تعالى أنعم على العباد على قدره سبحانه وكلفهم الشكر على قدرهم وعن
طلق بن حبيب قال : إن حق الله تعالى أثقل من أن يقوم به العباد وإن نعم الله سبحانه أكثر من أن يحصيها العباد ولكن أصبحوا توابين وأمسوا توابين وأفضل نعمه جل شأنه على عباده على ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة أن عرفهم أن لا إله إلا الله وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا وغيره عن
أبي أيوب القرشي مولى بني هاشم أن
داود عليه السلام قال : رب أخبرني ما أدنى نعمتك علي فأوحى الله تعالى إليه يا
داود [ ص: 229 ] تنفس فتنفس فقال تبارك وتعالى : هذا أدنى نعمتي عليك واشتهر أن أول النعم المقصودة لذتها الوجود وأنه معدن كل كمال كما أن العدم معدن كل نقص ويدل على أنه نعمة لا يكاد يقاس بها غيرها عند كثير من الناس أن الإنسان منهم يفدي نفسه بملك الدنيا لو كان بيده وعلم أن الفداء ممكن إذا ألم به الألم وتحقق العدم .
ومن العجيب أن
أبا علي الشبلي البغدادي وقيل :
ابن سيناء لم يعد وجود الإنسان نعمة عليه فقد قال من أبيات :
ودهر ينثر الأعمار نثرا كما للغصن بالورق انتثار
ودنيا كلما وضعت جنينا غذاه من نوائبها ظؤار
إلى أن قال :
نعاقب في الظهور وما ولدنا ويذبح في حشا الأم الحوار
وننتظر البلايا والرزايا وبعد فللوعيد لنا انتظار
ونخرج كارهين كما دخلنا خروج الضب أخرجه الوجار
فماذا الامتنان على وجود لغير الموجدين به الخيار
فكانت أنعما لو أن كونا نخير قبله أو نستشار
فهذا الداء ليس له دواء وهذا الكسر ليس له انجبار
إلى آخر ما قال ولعمري لقد غمط نعمة الله تعالى عليه وظلمها إن الإنسان لظلوم يظلم النعمة بإغفال شكرها بالكلية أو بوضعه في غير موضعه أو يظلم نفسه بتعريضها للحرمان بترك الشكر
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34كفار . (34) شديد الكفران والجحود وقيل : ظلوم في الشدة يشكو ويجزع كفار في النعمة يجمع ويمنع والأول أنسب بما قبله وأل في الإنسان للجنس ومصداق الحكم بالظلم وأخيه بعض من وجدا من أفراده فيه ويدخل في ذلك الذين بدلوا نعمة الله تعالى كفرا والظاهر أن الجملة استئناف بياني وقع جوابا لسؤال مقدر كأنه قيل : لم لم يراعوا حقها أو لم حرمها بعضهم وقيل : إنها تعليل لعدم تناهي النعم ولذا أتى بصيغتي المبالغة فيها وهو كما ترى هذا وفي النحل
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=18وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم وفرق
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان بين الختمين بأنه هنا لما تقدم قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=28ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا وبعده
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=30وجعلوا لله أندادا فكان ذلك نصا على ما فعلوا من القبائح من الظلم والكفران ناسب أن يختم بذم من وقع ذلك منه فختمت الآية بقوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34إن الإنسان لظلوم كفار وأما في النحل فلما ذكر عدة تفضلات وأطنب فيها وقال جل شأنه :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أفمن يخلق كمن لا يخلق أي من أوجد هذه النعم السابق ذكرها ليس كمن لا يقدر على الخلق ذكر من تفضلاته تعالى اتصافه بالغفران والرحمة تحريضا على الرجوع إليه سبحانه وأن هاتين الصفتين هو جل وعلا متصف بهما كما هو متصف بالخلق ففي ذلك إطماع لمن آمن به تعالى وانتقل من عبادة المخلوق إلى عبادة الخالق تبارك وتعالى أنه يغفر زلله السابق ويرحمه وأيضا فإنه لما ذكر أنه تعالى هو المتفضل بالنعم على الإنسان ذكر ما حصل من المنعم ومن جنس المنعم عليه فحصل من المنعم ما يناسب حالة عطائه وهو الغفران والرحمة إذ لولاهما لما أنعم عليه وحصل من جنس المنعم عليه ما يناسب حالة الإنعام عليه ويقع معها في الجملة وهو الظلم والكفران فكأنه قيل : إن صدر من الإنسان ظلم فالله تعالى غفور أو كفران فالله تعالى رحيم لعلمه بعجز الإنسان وقصوره وما نقل
nindex.php?page=showalam&ids=14467السخاوي عن
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من أن هذه الآية منسوخة
[ ص: 230 ] بآية النحل مما لا يلتفت إليه انتهى كلامه .
وفيه بحث وقيل : إنما ختم سبحانه آية النحل بما ختم للإطناب هناك في ذكر النعم مع تقدم الدعوة إلى الشكر صريحا فكان ذلك مظنة التقصير فيه ويناسب الإطناب في سرد النعم أن يذكر منها ما يتعلق بذلك وهو الغفران والرحمة فتأمل والله تعالى أعلم بأسرار كتابه .
nindex.php?page=treesubj&link=32409_32412_34272_28985nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ أَيْ أَعْطَاكُمْ بَعْضَ جَمِيعِ مَا سَأَلْتُمُوهُ حَسْبَمَا تَقْتَضِيهِ مَشِيئَتُهُ التَّابِعَةُ لِلْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ فَمِنْ كُلِّ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِآتَى وَ ( مِنْ ) تَبْعِيضِيَّةٌ وَقَالَ بَعْضُ الْكَامِلِينَ : إِنَّ ( كُلِّ ) لِلتَّكْثِيرِ وَالتَّفْخِيمِ لَا لِلْإِحَاطَةِ وَالتَّعْمِيمِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ وَاعْتُرِضَ عَلَى حَمْلِ ( مِنْ ) عَلَى التَّبْعِيضِ دُونَ ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ بِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى إِخْلَاءِ لَفْظِ ( كُلِّ ) عَنْ فَائِدَةٍ زَائِدَةٍ لِأَنَّ ( مَا ) نَصٌّ فِي الْعُمُومِ بَلْ يُوهِمُ إِيتَاءَ الْبَعْضِ مِنْ كُلِّ فَرْدٍ مُتَعَلِّقٍ بِهِ السُّؤَالُ وَلَا وَجْهَ لَهُ .
وَدُفِعَ بِأَنَّهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ كَوْنِ ( مَا ) نَصًّا فِي الْعُمُومِ هُنَا عُمُومَانِ عُمُومُ الْأَفْرَادِ وَعُمُومُ الْأَصْنَافِ بِمَعْنَى كُلِّ صِنْفٍ صِنْفٌ وَهُمَا مَقْصُودَانِ هُنَا فَالْمَعْنَى أَعْطَاكُمْ مِنْ جَمِيعِ أَفْرَادِ كُلِّ صِنْفٍ سَأَلْتُمُوهُ فَإِنَّ الِاحْتِيَاجَ بِالذَّاتِ إِلَى النَّوْعِ
[ ص: 226 ] وَالصِّنْفِ لَا لِفَرْدٍ بِخُصُوصِهِ وَفَسَّرَ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34مَا سَأَلْتُمُوهُ بِمَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُسْأَلَ لِاحْتِيَاجِ النَّاسِ إِلَيْهِ سَوَاءٌ سُئِلَ بِالْفِعْلِ أَمْ لَمْ يُسْأَلْ فَلَا يَنْفِي إِيتَاءَ مَا لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ مِمَّا يَخْطُرُ بِالْبَالِ وَجَعَلُوا الِاحْتِيَاجَ إِلَى الشَّيْءِ سُؤَالًا لَهُ بِلِسَانِ الْحَالِ وَهُوَ مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ وَسَبِيلُ هَذَا السُّؤَالِ سَبِيلُ الْجَوَابِ فِي رَأْيٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى وَقِيلَ : الْأَصْلُ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَمَا لَمْ تَسْأَلُوهُ فَحُذِفَ الثَّانِي لِدَلَالَةِ مَا أُبْقِيَ عَلَى مَا أُلْقِيَ وَ ( مَا ) يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34سَأَلْتُمُوهُ عَائِدٌ عَلَيْهَا وَالتَّقْدِيرُ مِنْ كُلِّ الَّذِي سَأَلْتُمُوهُ إِيَّاهُ وَمَنَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=11992أَبُو حَيَّانَ جَوَازَ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إِلَيْهِ تَعَالَى وَيَكُونُ الْعَائِدُ عَلَى الْمَوْصُولِ مَحْذُوفًا مُسْتَنِدًا بِأَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ مُتَّصِلًا لَزِمَ اتِّصَالُ ضَمِيرَيْنِ مُتَّحِدَيِ الرُّتْبَةِ مِنْ دُونِ اخْتِلَافٍ وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَلَوْ قُدِّرَ مُنْفَصِلًا حَسْبَمَا تَقْتَضِيهِ الْقَاعِدَةُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لَزِمَ حَذْفُ الْعَائِدِ الْمُتَّصِلِ وَقَدْ نَصُّوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ . اهَـ .
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى جَوَازِ كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ مُدَّعِيًا أَنَّ مَنْعَ اتِّصَالِ الْمُتَحِدَيْنِ رُتْبَةً خَاصٌّ فِيمَا إِذَا ذُكِرَا مَعًا أَمَّا إِذَا ذُكِرَ أَحَدُهُمَا وَحُذِفَ الْآخَرُ فَلَا مَنْعَ إِذِ الِاتِّصَالُ حِينَئِذٍ مَحْضُ اعْتِبَارٍ وَعِلَّةُ الْمَنْعِ لَا تَجْرِي فِيهِ وَأَنَّ مَنْعَ حَذْفِ الْمُنْفَصِلِ خَاصٌّ أَيْضًا فِيمَا إِذَا كَانَ الِانْفِصَالُ لِغَرَضٍ مَعْنَوِيٍّ كَالْحَصْرِ فِي قَوْلِكَ : جَاءَ الَّذِي أَبَاهُ ضَرَبْتُ إِذْ بِالْحَذْفِ حِينَئِذٍ يَفُوتُ ذَلِكَ الْغَرَضُ أَمَّا إِذَا كَانَ لِغَرَضٍ لَفْظِيٍّ كَدَفْعِ اجْتِمَاعِ الْمِثْلَيْنِ فَلَا مَنْعَ إِذْ لَيْسَ هُنَاكَ غَرَضٌ يَفُوتُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُوفَةً وَالْكَلَامُ فِي الضَّمِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً وَالضَّمِيرُ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْمَصْدَرُ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ أَيْ مَسْؤُولِكُمْ .
وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=14676وَالضَّحَّاكُ nindex.php?page=showalam&ids=14102وَالْحَسَنُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعَمْرُو بْنُ قَائِدٍ nindex.php?page=showalam&ids=16815وَقَتَادَةُ وَسَلَامٌ nindex.php?page=showalam&ids=17379وَيَعْقُوبُ nindex.php?page=showalam&ids=17192وَنَافِعٌ فِي رِوَايَةٍ ( مِنْ كُلٍّ ) بِالتَّنْوِينِ أَيْ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَا احْتَجْتُمْ إِلَيْهِ وَسَأَلْتُمُوهُ بِلِسَانِ الْحَالِ وَجُوِّزَ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَنْ تَكُونَ ( مَا ) نَافِيَةً وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34مِنْ كُلِّ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَالْجُمْلَةُ الْمَنْفِيَّةُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ أَيْ أَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ غَيْرِ سَائِلِيهِ وَهُوَ إِخْبَارٌ مِنْهُ تَعَالَى بِسُبُوغِ نِعْمَتِهِ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ بِمَا لَمْ يَسْأَلُوهُ مِنَ النِّعَمِ وَرُوِيَ هَذَا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضَّحَّاكِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْوَجْهَ هُوَ الْأَوَّلُ لِمَا أَنَّ الْقِرَاءَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تُخَالِفُ الْقِرَاءَةَ الْأَوْلَى وَالْأَصْلُ تَوَافُقُ الْقِرَاءَتَيْنِ وَإِنْ فُهِمْ مِنْهَا إِيتَاءُ مَا سَأَلُوهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى .
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ أَيْ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15466الْوَاحِدِيُّ : إِنَّ ( نِعْمَةَ ) هُنَا اسْمٌ أُقِيمَ مَقَامَ الْمَصْدَرِ يُقَالُ : أَنْعَمَ إِنْعَامًا وَنِعْمَةً كَمَا يُقَالُ أَنْفَقْتُ إِنْفَاقًا وَنَفَقَةً فَالنِّعْمَةُ بِمَعْنَى الْإِنْعَامِ وَلِذَا لَمْ تُجْمَعْ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ أَنَّهَا اسْمُ جِنْسٍ بِمَعْنَى الْمُنْعَمِ بِهِ وَالْمُرَادُ بِهَا الْجَمْعُ كَأَنَّهُ قِيلَ : وَإِنْ تُعُدُّوا نِعَمَ اللَّهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34لا تُحْصُوهَا وَقَدْ نَصَّ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُفْرَدَ يُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ بِالْإِضَافَةِ وَمَا قِيلَ : إِنَّ الِاسْتِغْرَاقَ لَيْسَ مَأْخُوذًا مِنَ الْإِضَافَةِ بَلْ مِنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ الْمَخْصُوصَيْنِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ يَقْتَضِي صِحَّةَ إِرَادَتِهِ مِنْهُ وَلَوْلَاهُ تَنَافَيَا وَالْمُرَادُ بِلَا تُحْصُوهَا لَا تُطِيقُوا حَصْرَهَا وَلَوْ إِجْمَالًا فَإِنَّهَا غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ وَأَصْلُ الْإِحْصَاءِ الْعَدُّ بِالْحَصَى فَإِنَّ
الْعَرَبَ كَانُوا يَعْتَمِدُونَهُ فِي الْعَدِّ كَاعْتِمَادِنَا فِيهِ عَلَى الْأَصَابِعِ وَلِذَا قَالَ
الْأَعْشَى : .
وَلَسْتُ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُمْ حَصًى وَإِنَّمَا الْعِزَّةُ لِلْكَاثِرِ
[ ص: 227 ] ثُمَّ اسْتُعْمِلَ لِمُطْلَقِ الْعَدِّ وَقَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ : إِنَّ أَصْلَهُ أَنَّ الْحَاسِبَ إِذَا بَلَغَ عَقْدًا مُعَيَّنًا مِنْ عُقُودِ الْأَعْدَادِ وَضَعَ حَصَاةً لِيَحْفَظَهُ بِهَا فَفِيهِ إِيذَانٌ بِعَدَمِ بُلُوغِ مَرْتَبَةٍ مُعْتَدٍّ بِهَا مِنْ مَرَاتِبِهَا فَضْلًا عَنْ بُلُوغِ غَايَتِهَا وَهُوَ مِنَ الْحُسْنِ بِمَكَانٍ إِلَّا أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى الْأَوَّلِ
nindex.php?page=showalam&ids=14343الرَّاغِبُ وَغَيْرُهُ وَأَوَّلُ الْإِحْصَاءِ بِالْحَصْرِ لِئَلَّا يَتَنَافَى الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ إِذَا ثَبَتَ فِي الْأَوَّلِ الْعَدُّ وَنُفِيَ فِي الثَّانِي وَلَوْ أُوِّلَ ( إِنْ تَعُدُّوا ) بِأَنْ تُرِيدُوا الْعَدَّ يَنْدَفِعُ السُّؤَالُ عَلَى مَا قِيلَ أَيْضًا وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ : إِنَّ الْمَعْنَى إِنْ تَشْرَعُوا فِي عَدِّ أَفْرَادِ نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِهِ تَعَالَى لَا تُطِيقُوا عَدَّهَا .
وَإِنَّمَا أُتِيَ بِإِنْ وَعَدَمُ الْعَدِّ مَقْطُوعٌ بِهِ نَظَرًا إِلَى تَوَهُّمِ أَنَّهُ يُطَاقُ قِيلَ : وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ أَبْلَغُ عَلَى الْأَوَّلِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ النِّعْمَةَ الْوَاحِدَةَ لَا يُمْكِنُ عَدُّ تَفَاصِيلِهَا لَكِنْ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ الْأَوَّلُ وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ مِثَالَيْنِ يَسْتَوْضِحُ بِهِمَا الْوُقُوفَ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29485نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُحْصَى وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُسْتَقْصَى فَقَالَ : الْأَوَّلُ أَنَّ الْأَطِبَّاءَ ذَكَرُوا أَنَّ الْأَعْصَابَ قِسْمَانِ دِمَاغِيَّةٌ وَنُخَاعِيَّةٌ وَالدِّمَاغِيَّةُ سَبْعَةٌ وَقَدِ أَتْعَبُوا أَنْفُسَهُمْ فِي مَعْرِفَةِ الْحِكَمِ النَّاشِئَةِ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ تَنْقَسِمُ إِلَى شُعَبٍ كَثِيرَةٍ وَكُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ تِلْكَ الشُّعَبِ تَنْقَسِمُ أَيْضًا إِلَى شُعَبٍ أَدَقَّ مِنَ الشَّعَرِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا إِلَى الْأَعْضَاءِ وَلَوْ أَنَّ وَاحِدَةً اخْتَلَّتْ كَيْفًا أَوْ وَضْعًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَاخْتَلَّتْ مَصَالِحُ الْبِنْيَةِ وَلِكُلٍّ مِنْهَا عَلَى كَثْرَتِهَا حِكَمٌ مَخْصُوصَةٌ وَكَمَا اعْتَبَرْتَ هَذَا فِي الشَّظَايَا الْعَصَبِيَّةِ فَاعْتَبِرْ مِثْلَهُ فِي الشَّرَايِينِ وَالْأَوْرِدَةِ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَعْضَاءِ الْبَسِيطَةِ وَالْمُرَكَّبَةِ بِحَسَبِ الْكَمِّيَّةِ وَالْوَضْعِ وَالْفِعْلِ وَالِانْفِعَالِ حَتَّى تَرَى أَقْسَامَ هَذَا الْبَابِ بَحْرًا لَا سَاحِلَ لَهُ وَإِذَا اعْتَبَرْتَ هَذَا فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ فَاعْتَبِرْ فِي نَفْسِهِ وَرُوحِهِ فَإِنَّ عَجَائِبَ عَالَمِ الْأَرْوَاحِ أَكْثَرُ مِنْ عَجَائِبِ عَالَمِ الْأَجْسَامِ وَإِذَا اعْتَبَرْتَ أَحْوَالَ عَالَمِ الْأَفْلَاكِ وَالْكَوَاكِبِ وَطَبَقَاتِ الْعَنَاصِرِ وَعَجَائِبَ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَالنَّبَاتِ وَالْمَعْدِنِ وَالْحَيَوَانِ ظَهَرَ لَكَ أَنَّ عُقُولَ جَمِيعِ الْخَلَائِقِ لَوْ رُكِّبَتْ وَجُعِلَتْ عَقْلًا وَاحِدًا وَتَأَمَّلَ بِهِ الْإِنْسَانُ فِي حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَقَلِّ الْأَشْيَاءِ لَمَا أَدْرَكَ مِنْهَا إِلَّا الْقَلِيلَ .
الثَّانِي أَنَّهُ إِذَا أَخَذْتَ لُقْمَةً مِنَ الْخُبْزِ لِتَضَعَهَا فِي فَمِكَ فَانْظُرْ إِلَى مَا قَبْلَهَا وَإِلَى مَا بَعْدَهَا فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَاعْرِفْ أَنَّهَا لَا تَتِمُّ إِلَّا إِذَا كَانَ هَذَا الْعَالَمُ بِكُلِّيَّتِهِ قَائِمًا عَلَى الْوَجْهِ الْأَصْوَبِ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ لَا بُدَّ مِنْهَا وَلَا تَنْبُتُ إِلَّا بِمَعُونَةِ الْفُصُولِ وَتَرَكُّبِ الطَّبَائِعِ وَظُهُورِ الْأَمْطَارِ وَالرِّيَاحِ وَلَا يَحْصُلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِدَوَرَانِ الْأَفْلَاكِ وَاتِّصَالِ بَعْضِ الْكَوَاكِبِ بِبَعْضٍ عَلَى وُجُوهٍ مَخْصُوصَةٍ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ الْحِنْطَةُ لَا بُدَّ لَهَا مِنَ آلَاتِ الطَّحْنِ وَنَحْوِهِ وَهِيَ لَا تَحْصُلُ إِلَّا عِنْدَ تَوَلُّدِ الْحَدِيدِ فِي أَرْحَامِ الْجِبَالِ ثُمَّ تَأَمَّلْ كَيْفَ تَكَوَّنَتْ عَلَى الْأَشْكَالِ الْمَخْصُوصَةِ ثُمَّ إِذَا حَصَلَتْ تِلْكَ الْآلَاتُ فَانْظُرْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ اجْتِمَاعِ الْعَنَاصِرِ حَتَّى يُمْكِنَ الطَّبْخُ وَأَمَّا الثَّانِي فَتَأَمَّلْ فِي تَرْكِيبِ بَدَنِ الْحَيَوَانِ وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى كَيْفَ خَلَقَ ذَلِكَ حَتَّى يُمْكِنَهُ الِانْتِفَاعُ بِتِلْكَ اللُّقْمَةِ وَأَنَّهُ كَيْفَ يَتَضَرَّرُ الْحَيَوَانُ بِالْأَكْلِ وَفِي أَيِّ الْأَعْضَاءِ تَحْدُثُ تِلْكَ الْمَضَارُّ فَلَا يُمْكِنُكَ أَنْ تَعْرِفَ الْقَلِيلَ إِلَّا بِمَعْرِفَةِ عِلْمِ التَّشْرِيحِ وَعِلْمِ الطِّبِّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ وَأَنَّى لِلْعُقُولِ بَإِدْرَاكِ كُلِّ ذَلِكَ فَظَهَرَ بِالْبُرْهَانِ الْبَاهِرِ صِحَّةُ هَذِهِ الشَّرْطِيَّةِ . اهَـ .
وَقَالَ مَوْلَانَا
أَبُو السُّعُودِ قُدِّسَ سِرُّهُ بَعْدَ كَلَامٍ : وَإِنْ رُمْتَ الْعُثُورَ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَقِّ وَالْوُقُوفِ عَلَى مَا جَلَّ مِنَ السِّرِّ وَدَقَّ فَاعْلَمْ أَنَّ الْإِنْسَانَ بِمُقْتَضَى حَقِيقَتِهِ الْمُمْكِنَةِ بِمَعْزِلٍ عَنِ اسْتِحْقَاقِ الْوُجُودِ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنَ الْكَمَالَاتِ اللَّائِقَةِ وَالْمَلَكَاتِ الرَّائِقَةِ بِحَيْثُ لَوِ انْقَطَعَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِنَايَةِ الْإِلَهِيَّةِ مِنَ الْعَلَاقَةِ لَمَا اسْتَقَرَّ لَهُ الْقَرَارُ وَلَا اطْمَأَنَّتْ بِهِ الدَّارُ إِلَّا فِي مَطْمُورَةِ الْعَدَمِ وَالْبَوَارِ وَمُهَاوِي الْهَلَاكِ وَالدَّمَارِ لَكِنْ يَفِيضُ عَلَيْهِ مِنَ الْجَنَابِ الْأَقْدَسِ تَعَالَى شَأْنُهُ وَتَقَدَّسَ فِي كُلِّ زَمَانٍ يَمْضِي وَكُلِّ آنٍ يَمُرُّ وَيَنْقَضِي مِنْ أَنْوَاعِ الْفُيُوضِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِذَاتِهِ وَوُجُودِهِ وَسَائِرِ الصِّفَاتِ الرُّوحَانِيَّةِ
[ ص: 228 ] وَالنَّفْسَانِيَّةِ وَالْجُسْمَانِيَّةِ مَا لَا يُحِيطُ بِهِ نِطَاقُ التَّعْبِيرِ وَلَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ وَتَوْضِيحُهُ أَنَّهُ كَمَا لَا يَسْتَحِقُّ الْوُجُودَ ابْتِدَاءً لَا يَسْتَحِقُّهُ بَقَاءً وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ جَنَابِ الْمُبْدِئِ الْأَوَّلِ عَزَّ شَأْنُهُ وَجَلَّ فَكَمَا لَا يُتَصَوَّرُ وَجُودُهُ ابْتِدَاءً مَا لَمْ يُسْنَدْ عَلَيْهِ جَمِيعُ أَنْحَاءِ عَدَمِهِ الْأَصْلِيِّ لَا يُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهُ عَلَى الْوُجُودِ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ بِعِلَّتِهِ مَا لَمْ يَنْسَدَّ عَلَيْهِ جَمِيعُ أَنْحَاءِ عَدَمِهِ الطَّارِئِ لِأَنَّ الِاسْتِمْرَارَ وَالدَّوَامَ مِنْ خَصَائِصِ الْوُجُودِ الْوَاجِبِيِّ .
وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنْ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُهُ مِنَ الْأُمُورِ الْوُجُودِيَّةِ الَّتِي هِيَ عِلَلُهُ وَشَرَائِطُهُ وَإِنْ وَجَبَ كَوْنُهَا مُتَنَاهِيَةً لِوُجُوبِ تَنَاهِي مَا دَخَلَ تَحْتَ الْوُجُودِ لَكِنَّ الْأُمُورَ الْعَدَمِيَّةَ الَّتِي لَهَا دَخْلٌ فِي وُجُودِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ إِذْ لَا اسْتِحَالَةَ فِي أَنْ يَكُونَ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ مَوَانِعُ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ وَإِنَّمَا الِاسْتِحَالَةُ فِي دُخُولِهَا تَحْتَ الْوُجُودِ وَارْتِفَاعُ تِلْكَ الْمَوَانِعِ الَّتِي لَا تَتَنَاهَى أَعْنِي بَقَاءَهَا عَلَى الْعَدَمِ مَعَ إِمْكَانِ وُجُودِهَا فِي أَنْفُسِهَا فِي كُلِّ آنٍ مِنْ آنَاتِ وُجُودِهِ نَعَمْ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ حَقِيقَةً لَا ادِّعَاءً وَكَذَا الْحَالُ فِي وَجُودَاتِ عِلَلِهِ وَشَرَائِطِهِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً وَكَذَا فِي كَمَالَاتِهِ التَّابِعَةِ لِوُجُودِهِ . اهَـ . وَيَتَرَاءَى مِنْهُ أَنَّهُ قَدْ تَرَكَ الْإِمَامُ فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْمَقَامِ وَرَاءَهُ وَأَنَّهُ لَوْ سَمِعَ ذَلِكَ لَافْتَدَى بِهِ فِي ذِكْرِهِ وَلَعَدَّ مِنَ النِّعَمِ اقْتِدَاءَهُ وَقَرِيبٌ مِنْهُ مَا يُقَالُ فِي بَيَانِ عَدَمِ تَنَاهِي النِّعَمِ : إِنَّ الْوُجُودَ نِعْمَةٌ وَكَذَا كَلُّ مَا يَتْبَعُهُ مِنَ الْكَمَالَاتِ وَذَلِكَ مَوْقُوفٌ عَلَى وُجُودِهِ تَعَالَى فِي الْأَزْمِنَةِ الْمَوْهُومَةِ الْغَيْرِ الْمُتَنَاهِيَةِ وَتَحَقُّقُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ النِّعْمَةِ نِعْمَةٌ فَتَحَقُّقُهُ سُبْحَانَهُ فِي كُلِّ آنٍ مِنْ تِلْكَ الْآنَاتِ نِعْمَةٌ فَالنِّعَمُ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ : إِنَّهُ مَا مِنْ إِنْسَانٍ إِلَّا وَقَدْ دَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنَ الْبَلَايَا مَا لَا يُحِيطُ بِهِ نِطَاقُ الْحَصْرِ لِأَنَّ الْبَلَايَا الدَّاخِلَةَ تَحْتَ حَيْطَةِ الْإِمْكَانِ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ دَفْعَ كُلِّ بَلِيَّةٍ نِعْمَةٌ فَتَكُونُ النِّعَمُ غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ وَمِمَّا يُوَضِّحُ عَدَمَ تَنَاهِي الْبَلَايَا الْمُمْكِنَةِ أَنَّ أَهْلَ النَّارِ الْمُخَلَّدِينَ فِيهَا لَا زَالَ عَذَابُهُمْ بِازْدِيَادٍ كَمَا يُرْشِدُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=30فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ كُلَّمَا اسْتَغَاثُوا مِنْ نَوْعٍ مِنَ الْعَذَابِ أُغِيثُوا بِأَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ كُلُّ مَرْتَبَةٍ مِنْهُ مُتَنَاهِيًا فِي الشِّدَّةِ وَإِنْ كَانَتْ مَرَاتِبُهُ غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ بِحَسَبِ الْعَدَدِ وَالْمُدَّةِ وَعَلَى هَذَا نِعَمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُبْتَلَى أَيْضًا لَا تُحْصَى .
وَفِي رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=12455ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا nindex.php?page=showalam&ids=13933وَالْبَيْهَقِيِّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى أَهْلِ النَّارِ مِنَّةً فَلَوْ شَاءَ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِأَشَدَّ مِنَ النَّارِ لَعَذَّبَهُمْ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّعْمَةِ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ أَعْنِي الْأَمْرَ الْمُلَائِمَ لَا الْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ أَعْنِي الْمُلَائِمَ الَّذِي تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ إِذْ لَا يَتَأَتَّى عَلَيْهِ عُمُومُ الْخِطَابِ وَلَا يَبْعُدُ إِطْلَاقُ النِّعْمَةِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى عَلَى نَحْوِ رَفْعِ الْمَوَانِعِ وَتَحَقُّقِ الْعِلَلِ وَالشَّرَائِطِ حَسْبَمَا ذُكِرَ سَابِقًا وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ يَقْتَضِي أَنَّ النِّعَمَ فِي حَدِّ ذَاتِهَا غَيْرُ مَحْصُورَةٍ وَالْآيَةُ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَحْصُرُهَا بِالْعَدِّ وَفَرْقٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَتَدَبَّرْ وَبِالْجُمْلَةِ لَيْسَ لِلْعَبْدِ إِلَّا الْعَجْزُ عَنِ الْوُقُوفِ عَلَى نِهَايَةِ نِعَمِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَكَذَا الْعَجْزُ عَنْ شُكْرِ ذَلِكَ وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=4أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : مَنْ لَمْ يَعْرِفْ نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ إِلَّا فِي مَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ فَقَدْ قَلَّ عِلْمُهُ وَحَضَرَ عَذَابُهُ .
وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=13933الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ وَغَيْرُهُ عَنْ
سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْعَمَ عَلَى الْعِبَادِ عَلَى قَدْرِهِ سُبْحَانَهُ وَكَلَّفَهُمُ الشُّكْرَ عَلَى قَدْرِهِمْ وَعَنْ
طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ قَالَ : إِنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى أَثْقَلُ مِنْ أَنْ يَقُومَ بِهِ الْعِبَادُ وَإِنَّ نِعَمَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصِيَهَا الْعِبَادُ وَلَكِنْ أَصْبَحُوا تَوَّابِينَ وَأَمْسَوْا تَوَّابِينَ وَأَفْضَلُ نِعَمِهِ جَلَّ شَأْنُهُ عَلَى عِبَادِهِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16008سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنْ عَرَّفَهُمْ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12455ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَغَيْرُهُ عَنْ
أَبِي أَيُّوبَ الْقُرَشِيِّ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ أَنَّ
دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : رَبِّ أَخْبِرْنِي مَا أَدْنَى نِعْمَتِكَ عَلَيَّ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ يَا
دَاوُدُ [ ص: 229 ] تَنَفَّسْ فَتَنَفَّسَ فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : هَذَا أَدْنَى نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَاشْتُهِرَ أَنَّ أَوَّلَ النِّعَمِ الْمَقْصُودَةِ لَذَّتُهَا الْوُجُودُ وَأَنَّهُ مَعْدِنُ كُلِّ كَمَالٍ كَمَا أَنَّ الْعَدَمَ مَعْدِنُ كُلِّ نَقْصٍ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ نِعْمَةٌ لَا يَكَادُ يُقَاسُ بِهَا غَيْرُهَا عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ أَنَّ الْإِنْسَانَ مِنْهُمْ يَفْدِي نَفْسَهُ بِمِلْكِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَ بِيَدِهِ وَعَلِمَ أَنَّ الْفِدَاءَ مُمْكِنٌ إِذَا أَلَمَّ بِهِ الْأَلَمُ وَتَحَقَّقَ الْعَدَمُ .
وَمِنَ الْعَجِيبِ أَنَّ
أَبَا عَلِيٍّ الشِّبْلِيَّ الْبَغْدَادِيَّ وَقِيلَ :
ابْنُ سَيْنَاءَ لَمْ يَعُدَّ وُجُودَ الْإِنْسَانِ نِعْمَةً عَلَيْهِ فَقَدْ قَالَ مِنْ أَبْيَاتٍ :
وَدَهْرٌ يَنْثُرُ الْأَعْمَارَ نَثْرًا كَمَا لِلْغُصْنِ بِالْوَرَقِ انْتِثَارُ
وَدُنْيَا كُلَّمَا وَضَعَتْ جَنِينًا غَذَّاهُ مِنْ نَوَائِبِهَا ظُؤَارُ
إِلَى أَنْ قَالَ :
نُعَاقَبُ فِي الظُّهُورِ وَمَا وُلِدْنَا وَيُذْبَحُ فِي حَشَا الْأُمِّ الْحُوَارُ
وَنَنْتَظِرُ الْبَلَايَا وَالرَّزَايَا وَبَعْدُ فَلِلْوَعِيدِ لَنَا انْتِظَارُ
وَنَخْرُجُ كَارِهِينَ كَمَا دَخَلْنَا خُرُوجَ الضَّبِّ أَخْرَجَهُ الْوِجَارُ
فَمَاذَا الِامْتِنَانُ عَلَى وُجُودٍ لِغَيْرِ الْمُوجِدِينَ بِهِ الْخِيَارُ
فَكَانَتْ أَنْعُمًا لَوْ أَنَّ كَوْنًا نُخَيَّرُ قَبْلَهُ أَوْ نُسْتَشَارُ
فَهَذَا الدَّاءُ لَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ وَهَذَا الْكَسْرُ لَيْسَ لَهُ انْجِبَارُ
إِلَى آخِرِ مَا قَالَ وَلَعَمْرِي لَقَدْ غَمَطَ نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ وَظَلَمَهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ يَظْلِمُ النِّعْمَةَ بِإِغْفَالِ شُكْرِهَا بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ بِوَضْعِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ أَوْ يَظْلِمُ نَفْسَهُ بِتَعْرِيضِهَا لِلْحِرْمَانِ بِتَرْكِ الشُّكْرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34كَفَّارٌ . (34) شَدِيدُ الْكُفْرَانِ وَالْجُحُودِ وَقِيلَ : ظَلُومٌ فِي الشِّدَّةِ يَشْكُو وَيَجْزَعُ كَفَّارٌ فِي النِّعْمَةِ يَجْمَعُ وَيَمْنَعُ وَالْأَوَّلُ أَنْسَبُ بِمَا قَبْلَهُ وَأَلْ فِي الْإِنْسَانِ لِلْجِنْسِ وَمِصْدَاقُ الْحُكْمِ بِالظُّلْمِ وَأَخِيهِ بَعْضَ مَنْ وَجَدَا مِنَ أَفْرَادِهِ فِيهِ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى كُفْرًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجُمْلَةَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ وَقَعَ جَوَابًا لِسُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُ قِيلَ : لِمَ لَمْ يُرَاعُوا حَقَّهَا أَوْ لِمَ حَرَمَهَا بَعْضَهُمْ وَقِيلَ : إِنَّهَا تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ تَنَاهِي النِّعَمِ وَلِذَا أَتَى بِصِيغَتَيِ الْمُبَالَغَةِ فِيهَا وَهُوَ كَمَا تَرَى هَذَا وَفِي النَّحْلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=18وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهِ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ وَفَرَّقَ
nindex.php?page=showalam&ids=11992أَبُو حَيَّانَ بَيْنَ الْخَتْمَيْنِ بِأَنَّهُ هُنَا لَمَّا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=28أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَبَعْدَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=30وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا فَكَانَ ذَلِكَ نَصًّا عَلَى مَا فَعَلُوا مِنَ الْقَبَائِحِ مِنَ الظُّلْمِ وَالْكُفْرَانِ نَاسَبَ أَنْ يُخْتَمَ بِذَمِّ مَنْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ فَخُتِمَتِ الْآيَةُ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ وَأَمَّا فِي النَّحْلِ فَلَمَّا ذَكَرَ عِدَّةَ تَفْضُّلَاتٍ وَأَطْنَبَ فِيهَا وَقَالَ جَلَّ شَأْنُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَيْ مَنْ أَوْجَدَ هَذِهِ النِّعَمَ السَّابِقَ ذِكْرُهَا لَيْسَ كَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخَلْقِ ذَكَرَ مِنْ تَفَضُّلَاتِهِ تَعَالَى اتِّصَافَهُ بِالْغُفْرَانِ وَالرَّحْمَةِ تَحْرِيضًا عَلَى الرُّجُوعِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَأَنَّ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ هُوَ جَلَّ وَعَلَا مُتَّصِفٌ بِهِمَا كَمَا هُوَ مُتَّصِفٌ بِالْخَلْقِ فَفِي ذَلِكَ إِطْمَاعٌ لِمَنْ آمَنَ بِهِ تَعَالَى وَانْتَقَلَ مِنْ عِبَادَةِ الْمَخْلُوقِ إِلَى عِبَادَةِ الْخَالِقِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ يَغْفِرُ زَلَلَهُ السَّابِقَ وَيَرْحَمُهُ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُتَفَضِّلُ بِالنِّعَمِ عَلَى الْإِنْسَانِ ذَكَرَ مَا حَصَلَ مِنَ الْمُنْعِمِ وَمِنْ جِنْسِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ فَحَصَلَ مِنَ الْمُنْعِمِ مَا يُنَاسِبُ حَالَةَ عَطَائِهِ وَهُوَ الْغُفْرَانُ وَالرَّحْمَةُ إِذْ لَوْلَاهُمَا لَمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ وَحَصَلَ مِنْ جِنْسِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ مَا يُنَاسِبُ حَالَةَ الْإِنْعَامِ عَلَيْهِ وَيَقَعُ مَعَهَا فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ الظُّلْمُ وَالْكُفْرَانُ فَكَأَنَّهُ قِيلَ : إِنْ صَدَرَ مِنَ الْإِنْسَانِ ظُلْمٌ فَاللَّهُ تَعَالَى غَفُورٌ أَوْ كُفْرَانٌ فَاللَّهُ تَعَالَى رَحِيمٌ لِعِلْمِهِ بِعَجْزِ الْإِنْسَانِ وَقُصُورِهِ وَمَا نَقَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=14467السَّخَاوِيُّ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ
[ ص: 230 ] بِآيَةِ النَّحْلِ مِمَّا لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَفِيهِ بَحْثٌ وَقِيلَ : إِنَّمَا خَتَمَ سُبْحَانَهُ آيَةَ النَّحْلِ بِمَا خَتَمَ لِلْإِطْنَابِ هُنَاكَ فِي ذِكْرِ النِّعَمِ مَعَ تَقَدُّمِ الدَّعْوَةِ إِلَى الشُّكْرِ صَرِيحًا فَكَانَ ذَلِكَ مَظِنَّةَ التَّقْصِيرِ فِيهِ وَيُنَاسِبُ الْإِطْنَابَ فِي سَرْدِ النِّعَمِ أَنْ يَذْكُرَ مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَهُوَ الْغُفْرَانُ وَالرَّحْمَةُ فَتَأَمَّلْ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِأَسْرَارِ كِتَابِهِ .