nindex.php?page=treesubj&link=28723_29711_30337_30347_30364_30497_30530_34091_34513_29010nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7إن تكفروا به تعالى مع مشاهدة ما ذكر من موجبات الإيمان والشكر
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7فإن الله غني عنكم أي فأخبركم أنه - عز وجل - غني عن إيمانكم، وشكركم غير متأثر من انتفائهما
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7ولا يرضى لعباده الكفر لما فيه من الضرر عليهم،
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7وإن تشكروا يرضه أي الشكر،
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=6لكم لما فيه من نفعكم، ومن قال بالحسن والقبح العقليين قال: عدم الرضا بالكفر لقبحه العقلي، والرضا بالشكر لحسنه العقلي، والرضا إما بمعنى المحبة أو بمعنى الإرادة مع ترك الاعتراض، ويقابله السخط كما في شرح المسايرة، فعباده على ظاهره من العموم، ومنهم من فسره بالإرادة من غير قيد، ويقابله الكره، وهؤلاء يقولونه قد يرضى بالكفر أي يريده لبعض الناس، كالكفرة ونقله
nindex.php?page=showalam&ids=14467السخاوي عن
النووي في كتابه الأصول والضوابط.
وابن الهمام عن
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري. وإمام الحرمين كذا قاله
الخفاجي في حواشيه على تفسير
nindex.php?page=showalam&ids=13926البيضاوي . والذي رأيته في الضوابط وهي نسخة صغيرة جدا ما نصه: مسألة مذهب أهل الحق الإيمان بالقدر، وإثباته، وأن جميع الكائنات خيرها وشرها بقضاء الله تعالى وقدره، وهو مريد لها كلها، ويكره المعاصي مع أنه سبحانه مريد لها لحكمة يعلمها جل وعلا، وهل يقال: إنه تعالى يرضى المعاصي ويحبها؟ فيه مذهبان لأصحابنا المتكلمين، حكاهما إمام الحرمين، وغيره، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين في الإرشاد: مما اختلف فيه أهل الحق إطلاق المحبة والرضاء، فقال بعض أصحابنا: لا يطلق القول بأن الله تعالى يحب المعاصي ويرضاها لقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7ولا يرضى لعباده الكفر ومن حقق من أئمتنا لم يلتفت إلى تهويل
المعتزلة [ ص: 242 ] بل قال: الله تعالى يريد الكفر ويحبه ويرضاه، والإرادة والمحبة والرضا بمعنى واحد، قال: والمراد بعباده في الآية الموفقون للإيمان، وأضيفوا إلى الله تعالى تشريفا لهم كل في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=6يشرب بها عباد الله أي خواصهم لا كلهم اهـ، فلا تغفل عن الفرق بينه وبين ما ذكره
الخفاجي ، وحكي تخصيص العباد في البحر، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
وقيل: يجوز مع ذلك حمل العباد على العموم، ويكون المعنى: ولا يرضى لجميع عباده الكفر، بل يرضاه ويريده لبعضهم نظير قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لا تدركه الأبصار على قول، ولعلامة الأعصار صاحب الكشف تحقيق نفيس في هذا المقام لم أره لغيره من العلماء الأعلام، وهو أن الرضا يقابل السخط، وقد يستعمل بعن والباء، ويعدى بنفسه، فإذا قلت: رضيت عن فلان، فإنما يدخل على العين لا المعنى، ولكن باعتبار صدور معنى منه يوجب الرضا، وفي مقابله: سخطت عليه، وبينهما فرقان: أنك إذا قلت: رضيت عن فلان بإحسانه لم يتعين الباء للسببية بل جاز أن يكون صلة، مثله في: رضيت بقضاء الله تعالى، وإذا قلت: سخطت عليه بإساءته، تعين السببية، فكان الأصل ها هنا ذكر الصلة، لكنه كثر الحذف في الاستعمال بخلافه ثمت إذ لا حذف، وإذا قيل: رضيت به، فهذا يجب دخوله على المعنى إلا إذا دخل على الذات تمهيدا للمعنى، ليكون أبلغ، تقول: رضيت بقضاء الله تعالى، ورضيت بالله - عز وجل - ربا وقاضيا، وقريب منه: سمعت حديث فلان، وسمعته يتحدث، وإذا عدي بنفسه جاز دخوله على الذات كقولك: رضيت زيدا، وإن كان باعتبار المعنى تنبيها على أن كله مرضي بتلك الخصلة، وفيه مبالغة، وجاز دخوله على المعنى، كقولك: رضيت إمارة فلان، والأول أكثر استعمالا، وهو على نحو قولهم: حمدت زيدا، وحمدت علمه، وأما إذا استعمل باللام تعدى بنفسه، كقولك: رضيت لك هذا، فمعناه ما سيجيء إن شاء الله تعالى قريبا، وإذا تمهد هذا لاح لك أن الرضا في الأصل متعلقه المعنى، وقد يكون الذات باعتبار تعلقه بالمعنى، أو باعتبار التمهيد فهذه ثلاثة أقسام حققت بأمثلتها، وأنه في الحقيقة حالة نفسانية تعقب حصول ملائم مع ابتهاج به، واكتفاء، فهو غير الإرادة بالضرورة، لأنها تسبق الفعل، وهذا يعقبه، وهذا المعنى في غير المستعمل باللام من الوضوح بمكان لا يخفى على ذي عينين، وأما فيه، فإنما اشتبه الأمر لأنك إذا قلت: رضيت لك التجارة، فالراضي بالتجارة هو مخاطبك وإنما أنت بينت له أن التجارة مما يحق أن يرضى به، وليس المعنى: رضيت بتجارتك بل المعنى استحمادك التجارة له، فالملاءمة ها هنا بين الواقع عليه الفعل والداخل عليه اللام، ثم إنه قد يرضى بما ترضاه له، إذا عرف وجه الملاءمة، وقد لا يرضى، وفيه تجوز إما لجعل الرضا مجازا على الاستحماد، لأن كل مرضي محمود أو لأنك جعلت كونه مرضيا له، بمنزلة كونه مرضيا لك، فاعلم أن الرضا في حق الله تعالى شأنه محال، لأنه سبحانه لا يحدث له صفة عقيب أمر البتة، فهو مجاز، كما أن الغضب كذلك إما من أسماء الصفات إذا فسر بإرادة أن يثيبهم إثابة من رضي عمن تحت يده، وإما من أسماء الأفعال إذا أريد الاستحماد، وأن مثل قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=119رضي الله عنهم ورضوا عنه إما من باب المشاكلة، وإما من باب المجاز المذكور، وأن مثل قوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3ورضيت لكم الإسلام دينا ، متعين أن يكون من ذلك الباب بالنسبة إلى من يصح اتصافه بالرضا حقيقة أيضا، فإذن قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7ولا يرضى لعباده الكفر كلام وارد على نهجه من غير تأويل دال على أنه جل شأنه لا يستحمد الكفر لعباده كما يستحمد الإسلام لهم، ويرتضيه، وأما أنه لا يريد الكفر أن يوجد، فليس من هذا الباب في شيء، ولا هو من مقتضيات هذا التركيب، وأن الخروج إلى تخصيص العباد من ضيق العطن، وأن قول المحققين
[ ص: 243 ] رضي الله تعالى عنهم: إن الطاعات برضى الله تعالى والمعاصي ليست كذلك ليس لهذه الآية، بل لأن الرضا بالمعنى الأصلي يستحيل عليه تعالى، وقد أخبر أنه رضي عن المؤمنين بسبب طاعتهم في مواضع عديدة من كتابه الكريم.
nindex.php?page=showalam&ids=14423والزمخشري عامله الله تعالى بعدله فسر الرضا في نحوه بالاختيار، وهو لا ينفك عن الإرادة، وأنت تعلم سقوطه مما حقق هذا، ثم إنا نقول: لما أرشد سبحانه إلى الحق، وهدد على الباطل إكمالا للرحمة على عباده كلهم الفريقين بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7إن تكفروا إلى قوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7يرضه لكم تنبيها على الغنى الذاتي، وأنه سبحانه تعالى أن يكون أمره بالخير لانتفاعه به، ونهيه عن الشر لتضرره منه، ثم في العدول عن مقتضى الظاهر من الخطاب إلى قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7ولا يرضى لعباده الكفر ما ينبه على أن عبوديتهم وربوبيته جل شأنه يقتضي أن لا يرضى لهم ذلك، وفيه أنهم إذا اتصفوا بالكفر فكأنهم قد خرجوا عن رتبة عبوديته تعالى، وبقوا في الذل الدائم، ثم قيل:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7يرضه لكم للتنبيه على مزيد الاختصاص، فهذا هو النظم السري الذي يحار دون إدراك طائفة من لطائفه الفكر البشري والله أعلم اهـ. وهو كلام رصين وبالقبول قمين، إلا أنه ربما يقال إنه: لا يتمشى على مذهب السلف حيث إنهم لا يؤولون الرضا في حقه تعالى، وكونه عبارة عن حالة نفسانية إلى آخر ما ذكر في تفسيره، إنما هو فينا، وحيث إن ذاته تعالى مباينة لسائر الذوات، فصفاته سبحانه كذلك، فحقيقة الرضا في حقه تعالى مباينة لحقيقته فينا، وأين التراب من رب الأرباب، وقد تقدم الكلام في هذا المقام على وجه يروي الأوام، ويبرئ السقام، فنقول: عدم التأويل لا يضر، فيما نحن بصدده، فالرضا إن أول أو لم يؤول غير الإرادة لحديث السبق والتأخر السابق، وممن صرح بذلك
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية ، قال: تأمل الإرادة فإن حقيقتها إنما هي فيما لم يقع بعد، والرضا حقيقته إنما هي فيما وقع، واعتبر هذا في آيات القرآن تجده، وإن كانت
العرب قد تستعمل في أشعارها على جهة التجوز هذا بدل هذا.
وقد ذهب إلى المغايرة بينهما بما ذكر هنا
ابن المنير أيضا، إلا أنه أول الرضا، وذكر أنه لا يتأتى حمله في الآية على الإرادة، وشنع على
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في ذلك جزاء ما تكلم على بعض
أهل السنة المخالفين
للمعتزلة في زعمهم اتحاد الرضا والإرادة، وأنه تعالى قد يريد ما لا يفعله العبد، وقد يفعل العبد ما لا يريده - عز وجل - فقال: هب أن المصر على هذا المعتقد على قلبه رين أو في ميزان عقله غين، أليس يدعي أو يدعى له أنه الخريت في معابر العبارات، فكيف هام عن جادة الإجادة في بهماء، وأعار منادي الحذاقة أذنا صماء، اللهم إلا أن يكون الهوى إذا تمكن، أرى الباطل حقا، وغطى على مكشوف العبارة فسحقا سحقا، أليس مقتضى العربية فضلا عن القوانين العقلية أن المشروط مرتب على الشرط، فلا يتصور وجود المشروط قبل الشرط عقلا ولا مضيه واستقبال الشرط لغة ونقلا، واستقر باتفاق الفريقين أهل السنة، وأهل البدعة أن إرادة الله تعالى لشكر العباد مثلا مقدمة على وجود الشكر منهم، فحينئذ كيف ينساغ حمل الرضا على الإرادة، وقد جعل في الآية مشروطا وجزاء، وجعل وقوع الشكر شرطا ومجزيا، واللازم من ذلك عقلا تقدم المراد، وهو الشكر على الإرادة، وهي الرضا، ولغة تقدم المشروط على الشرط، فإذا ثبت بطلان حمل الرضا على الإرادة عقلا ونقلا تعين المحمل الصحيح له، وهو المجازاة على الشكر بما عهد أن يجازي به المرضي عنه من الثواب والكرامة، فيكون معنى الآية والله تعالى أعلم: وإن تشكروا يجازكم على شكركم جزاء المرضي عنه، ولا شك أن المجازاة مستقبلة بالنسبة إلى الشكر، فجرى الشرط والجزاء على مقتضاها لغة وانتظم
[ ص: 244 ] ذلك بمقتضى الأدلة العقلية على بطلان تقدم المراد على الإرادة عقلا، ومثل هذا يقال في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7ولا يرضى لعباده الكفر أي لا يجازي الكافر مجازاة المرضي عنه، بل مجازاة المغضوب عليه من النكال والعقوبة، انتهى.
لا يقال: حيث كان قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7فإن الله غني عنكم جزاء باعتبار الإخبار كما أشير إليه فيما سلف، فليكن قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7يرضه لكم جزاء بذلك الاعتبار، فحينئذ لا يلزم أن يكون نفس الرضا مؤخرا، لأنا نقول: مثل هذا الاعتبار شائع في الجملة الاسمية المتحقق مضمونها قبل الشرط نحو:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=17وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير وفي الفعل الماضي إذا وقع جزاء نحو:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=77إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ، وأما في الفعل المضارع فليس كذلك، والذوق السليم يأبى هذا الاعتبار فيه، ومع هذا، أي حاجة تدعو إلى ذلك هنا، ولا أراها إلا نصرة الباطل والعياذ بالله تعالى، ثم إنه يعلم من مجموع ما قدمنا حقية ما قالوا من أنه لا تلازم بين الإرادة والرضا كما أن الرضا ليس عبارة عن حقيقة الإرادة، لكن
ابن تيمية، وتلميذه
ابن القيم قسما الإرادة إلى قسمين تكوينية وشرعية، وذكرا أن المعاصي كالكفر، وغيره، واقعة بإرادة الله تعالى التكوينية دون إرادته سبحانه الشرعية، وعلى هذا فالرضا لا ينفك عن الإرادة الشرعية، فكل مراد لله تعالى بالإرادة الشرعية مرضي له سبحانه، وهذا التقسيم لا أتعقله إلا أن تكون الإرادة الشرعية هي الإرادة التي يرتضي المراد بها فتدبر هذا، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير ،
nindex.php?page=showalam&ids=17192ونافع في رواية،
nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي "يرضه" بإشباع ضمة الهاء، والقاعدة في إشباع الهاء وعدمه أنها إن سكن ما قبلها لم تشبع نحو: عليه، وإليه، وإن تحرك أشبعت نحو: به، وغلامه، وها هنا قبلها ساكن تقديرا، وهو الألف المحذوفة للجازم، فإن جعلت موجودة حكما لم تشبع كما في قراءة ابن عامر،
وحفص ، وإن قطع النظر عنها أشبعت كما في قراءة من سمعت، وهذا هو الفصيح، وقد تشبع، وتختلس في غير ذلك، وقد يحسن إشباعها مع فقد الشرط لنكتة، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11948أبو بكر "يرضه" بسكون الهاء، ولم يرضه
nindex.php?page=showalam&ids=11970أبو حاتم ، وقال: هو غلط لا يجوز، وفيه أنه لغة
لبني كلاب وبني عقيل إجراء للوصل مجرى الوقف.
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7ولا تزر وازرة وزر أخرى بيان لعدم سراية كفر الكافر إلى غيره، وقد تقدم الكلام في هذه الجملة، وكذا في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور فتذكر.
nindex.php?page=treesubj&link=28723_29711_30337_30347_30364_30497_30530_34091_34513_29010nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7إِنْ تَكْفُرُوا بِهِ تَعَالَى مَعَ مُشَاهَدَةِ مَا ذُكِرَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْإِيمَانِ وَالشُّكْرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ أَيْ فَأَخْبَرَكُمْ أَنَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - غَنِيٌّ عَنْ إِيمَانِكُمْ، وَشُكْرِكُمْ غَيْرُ مُتَأَثِّرٍ مِنَ انْتِفَائِهِمَا
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ عَلَيْهِمْ،
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ أَيِ الشُّكْرَ،
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=6لَكُمْ لِمَا فِيهِ مِنْ نَفْعِكُمْ، وَمَنْ قَالَ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيَّيْنِ قَالَ: عَدَمُ الرِّضَا بِالْكُفْرِ لِقُبْحِهِ الْعَقْلِيِّ، وَالرِّضَا بِالشُّكْرِ لِحُسْنِهِ الْعَقْلِيِّ، وَالرِّضَا إِمَّا بِمَعْنَى الْمَحَبَّةِ أَوْ بِمَعْنَى الْإِرَادَةِ مَعَ تَرْكِ الِاعْتِرَاضِ، وَيُقَابِلُهُ السُّخْطُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُسَايَرَةِ، فَعِبَادُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنَ الْعُمُومِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَهُ بِالْإِرَادَةِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ، وَيُقَابِلُهُ الْكُرْهُ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَهُ قَدْ يَرْضَى بِالْكُفْرِ أَيْ يُرِيدُهُ لِبَعْضِ النَّاسِ، كَالْكَفَرَةِ وَنَقَلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14467السَّخَاوِيُّ عَنِ
النَّوَوِيِّ فِي كِتَابِهِ الْأُصُولِ وَالضَّوَابِطِ.
وَابْنُ الْهُمَامِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13711الْأَشْعَرِيِّ. وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ كَذَا قَالَهُ
الْخَفَاجِيُّ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى تَفْسِيرِ
nindex.php?page=showalam&ids=13926الْبَيْضَاوِيِّ . وَالَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الضَّوَابِطِ وَهِيَ نُسْخَةٌ صَغِيرَةٌ جِدًّا مَا نَصُّهُ: مَسْأَلَةُ مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ، وَإِثْبَاتُهُ، وَأَنَّ جَمِيعَ الْكَائِنَاتِ خَيْرُهَا وَشَرُّهَا بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ، وَهُوَ مُرِيدٌ لَهَا كُلِّهَا، وَيَكْرَهُ الْمَعَاصِيَ مَعَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُرِيدٌ لَهَا لِحِكْمَةٍ يَعْلَمُهَا جَلَّ وَعَلَا، وَهَلْ يُقَالُ: إِنَّهُ تَعَالَى يَرْضَى الْمَعَاصِيَ وَيُحِبُّهَا؟ فِيهِ مَذْهَبَانِ لِأَصْحَابِنَا الْمُتَكَلِّمِينَ، حَكَاهُمَا إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَغَيْرُهُ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12441إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْإِرْشَادِ: مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْحَقِّ إِطْلَاقُ الْمَحَبَّةِ وَالرِّضَاءِ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْمَعَاصِيَ وَيَرْضَاهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَمَنْ حَقَّقَ مِنْ أَئِمَّتِنَا لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى تَهْوِيلِ
الْمُعْتَزِلَةِ [ ص: 242 ] بَلْ قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى يُرِيدُ الْكُفْرَ وَيُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَالْإِرَادَةُ وَالْمَحَبَّةُ وَالرِّضَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، قَالَ: وَالْمُرَادُ بِعِبَادِهِ فِي الْآيَةِ الْمُوَفَّقُونَ لِلْإِيمَانِ، وَأُضِيفُوا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى تَشْرِيفًا لَهُمْ كُلٌّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=6يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ أَيْ خَوَاصُّهُمْ لَا كُلُّهُمْ اهـ، فَلَا تَغْفُلْ عَنِ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ
الْخَفَاجِيُّ ، وَحُكِيَ تَخْصِيصُ الْعِبَادِ فِي الْبَحْرِ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَقِيلَ: يَجُوزُ مَعَ ذَلِكَ حَمْلُ الْعِبَادِ عَلَى الْعُمُومِ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَلَا يَرْضَى لِجَمِيعِ عِبَادِهِ الْكُفْرَ، بَلْ يَرْضَاهُ وَيُرِيدُهُ لِبَعْضِهِمْ نَظِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ عَلَى قَوْلٍ، وَلِعَلَّامَةِ الْأَعْصَارِ صَاحِبِ الْكَشْفِ تَحْقِيقٌ نَفِيسٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ، وَهُوَ أَنَّ الرِّضَا يُقَابِلُ السُّخْطَ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ بِعَنْ وَالْبَاءِ، وَيُعَدَّى بِنَفْسِهِ، فَإِذَا قُلْتَ: رَضِيتُ عَنْ فُلَانٍ، فَإِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَى الْعَيْنِ لَا الْمَعْنَى، وَلَكِنْ بِاعْتِبَارِ صُدُورِ مَعْنًى مِنْهُ يُوجِبُ الرِّضَا، وَفِي مُقَابِلِهِ: سَخِطْتُ عَلَيْهِ، وَبَيْنَهُمَا فَرْقَانِ: أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: رَضِيتُ عَنْ فُلَانٍ بِإِحْسَانِهِ لَمْ يَتَعَيَّنِ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ بَلْ جَازَ أَنْ يَكُونَ صِلَةً، مِثْلُهُ فِي: رَضِيتُ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا قُلْتَ: سَخِطْتُ عَلَيْهِ بِإِسَاءَتِهِ، تَعَيَّنَ السَّبَبِيَّةُ، فَكَانَ الْأَصْلُ هَا هُنَا ذِكْرُ الصِّلَةِ، لَكِنَّهُ كَثُرَ الْحَذْفُ فِي الِاسْتِعْمَالِ بِخِلَافِهِ ثَمَّتَ إِذْ لَا حَذْفَ، وَإِذَا قِيلَ: رَضِيتُ بِهِ، فَهَذَا يَجِبُ دُخُولُهُ عَلَى الْمَعْنَى إِلَّا إِذَا دَخَلَ عَلَى الذَّاتِ تَمْهِيدًا لِلْمَعْنَى، لِيَكُونَ أَبْلَغَ، تَقُولُ: رَضِيتُ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَرَضِيتُ بِاللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - رَبًّا وَقَاضِيًا، وَقَرِيبٌ مِنْهُ: سَمِعْتُ حَدِيثَ فُلَانٍ، وَسَمِعْتُهُ يَتَحَدَّثُ، وَإِذَا عُدِّيَ بِنَفْسِهِ جَازَ دُخُولُهُ عَلَى الذَّاتِ كَقَوْلِكَ: رَضِيتُ زَيْدًا، وَإِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ كُلَّهُ مَرْضِيٌّ بِتِلْكَ الْخَصْلَةِ، وَفِيهِ مُبَالَغَةٌ، وَجَازَ دُخُولُهُ عَلَى الْمَعْنَى، كَقَوْلِكَ: رَضِيتُ إِمَارَةَ فُلَانٍ، وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا، وَهُوَ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِمْ: حَمِدْتُ زَيْدًا، وَحَمِدْتُ عِلْمَهُ، وَأَمَّا إِذَا اسْتُعْمِلَ بِاللَّامِ تَعَدَّى بِنَفْسِهِ، كَقَوْلِكَ: رَضِيتُ لَكَ هَذَا، فَمَعْنَاهُ مَا سَيَجِيءُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا، وَإِذَا تَمَهَّدَ هَذَا لَاحَ لَكَ أَنَّ الرِّضَا فِي الْأَصْلِ مُتَعَلِّقُهُ الْمَعْنَى، وَقَدْ يَكُونُ الذَّاتَ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهِ بِالْمَعْنَى، أَوْ بِاعْتِبَارِ التَّمْهِيدِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ حُقِّقَتْ بِأَمْثِلَتِهَا، وَأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ حَالَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ تَعْقُبُ حُصُولَ مُلَائِمٍ مَعَ ابْتِهَاجٍ بِهِ، وَاكْتِفَاءٍ، فَهُوَ غَيْرُ الْإِرَادَةِ بِالضَّرُورَةِ، لِأَنَّهَا تَسْبِقُ الْفِعْلَ، وَهَذَا يَعْقُبُهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ الْمُسْتَعْمَلِ بِاللَّامِ مِنَ الْوُضُوحِ بِمَكَانٍ لَا يَخْفَى عَلَى ذِي عَيْنَيْنِ، وَأَمَّا فِيهِ، فَإِنَّمَا اشْتَبَهَ الْأَمْرُ لِأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: رَضِيتُ لَكَ التِّجَارَةَ، فَالرَّاضِي بِالتِّجَارَةِ هُوَ مُخَاطِبُكَ وَإِنَّمَا أَنْتَ بَيَّنْتَ لَهُ أَنَّ التِّجَارَةَ مِمَّا يَحِقُّ أَنْ يُرْضَى بِهِ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى: رَضِيتُ بِتِجَارَتِكَ بَلِ الْمَعْنَى اسْتِحْمَادُكَ التِّجَارَةَ لَهُ، فَالْمُلَاءَمَةُ هَا هُنَا بَيْنَ الْوَاقِعِ عَلَيْهِ الْفِعْلُ وَالدَّاخِلُ عَلَيْهِ اللَّامُ، ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ يَرْضَى بِمَا تَرْضَاهُ لَهُ، إِذَا عَرَفَ وَجْهَ الْمُلَاءَمَةِ، وَقَدْ لَا يَرْضَى، وَفِيهِ تَجَوُّزٌ إِمَّا لِجَعْلِ الرِّضَا مَجَازًا عَلَى الِاسْتِحْمَادِ، لِأَنَّ كُلَّ مَرْضِيٍّ مَحْمُودٌ أَوْ لِأَنَّكَ جَعَلْتَ كَوْنَهُ مَرْضِيًّا لَهُ، بِمَنْزِلَةِ كَوْنِهِ مَرْضِيًّا لَكَ، فَاعْلَمْ أَنَّ الرِّضَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى شَأْنُهُ مُحَالٌ، لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَحْدُثُ لَهُ صِفَةٌ عَقِيبَ أَمْرٍ الْبَتَّةَ، فَهُوَ مَجَازٌ، كَمَا أَنَّ الْغَضَبَ كَذَلِكَ إِمَّا مِنْ أَسْمَاءِ الصِّفَاتِ إِذَا فُسِّرَ بِإِرَادَةِ أَنْ يُثِيبَهُمْ إِثَابَةَ مَنْ رَضِيَ عَمَّنْ تَحْتَ يَدِهِ، وَإِمَّا مِنْ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ إِذَا أُرِيدَ الِاسْتِحْمَادُ، وَأَنَّ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=119رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ إِمَّا مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ، وَإِمَّا مِنْ بَابِ الْمَجَازِ الْمَذْكُورِ، وَأَنَّ مِثْلَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ، مُتَعَيِّنٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ يَصِحُّ اتِّصَافُهُ بِالرِّضَا حَقِيقَةً أَيْضًا، فَإِذَنْ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ كَلَامٌ وَارِدٌ عَلَى نَهْجِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ دَالٍّ عَلَى أَنَّهُ جَلَّ شَأْنُهُ لَا يَسْتَحْمِدُ الْكُفْرَ لِعِبَادِهِ كَمَا يَسْتَحْمِدُ الْإِسْلَامَ لَهُمْ، وَيَرْتَضِيهِ، وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يُرِيدُ الْكُفْرَ أَنْ يُوجَدَ، فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي شَيْءٍ، وَلَا هُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ هَذَا التَّرْكِيبِ، وَأَنَّ الْخُرُوجَ إِلَى تَخْصِيصِ الْعِبَادِ مِنْ ضِيقِ الْعَطَنِ، وَأَنَّ قَوْلَ الْمُحَقِّقِينَ
[ ص: 243 ] رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ: إِنَّ الطَّاعَاتِ بِرِضَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَعَاصِي لَيْسَتْ كَذَلِكَ لَيْسَ لِهَذِهِ الْآيَةِ، بَلْ لِأَنَّ الرِّضَا بِالْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ تَعَالَى، وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ رَضِيَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ بِسَبَبِ طَاعَتِهِمْ فِي مَوَاضِعَ عَدِيدَةٍ مِنْ كِتَابِهِ الْكَرِيمِ.
nindex.php?page=showalam&ids=14423وَالزَّمَخْشَرِيُّ عَامَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِعَدْلِهِ فَسَّرَ الرِّضَا فِي نَحْوِهِ بِالِاخْتِيَارِ، وَهُوَ لَا يَنْفَكُّ عَنِ الْإِرَادَةِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ سُقُوطَهُ مِمَّا حَقَّقَ هَذَا، ثُمَّ إِنَّا نَقُولُ: لَمَّا أَرْشَدَ سُبْحَانَهُ إِلَى الْحَقِّ، وَهَدَّدَ عَلَى الْبَاطِلِ إِكْمَالًا لِلرَّحْمَةِ عَلَى عِبَادِهِ كُلِّهِمُ الْفَرِيقَيْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7إِنْ تَكْفُرُوا إِلَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7يَرْضَهُ لَكُمْ تَنْبِيهًا عَلَى الْغِنَى الذَّاتِيِّ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ بِالْخَيْرِ لِانْتِفَاعِهِ بِهِ، وَنَهْيُهُ عَنِ الشَّرِّ لِتَضَرُّرِهِ مِنْهُ، ثُمَّ فِي الْعُدُولِ عَنْ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ مَا يُنَبِّهُ عَلَى أَنَّ عُبُودِيَّتَهُمْ وَرُبُوبِيَّتَهُ جَلَّ شَأْنُهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَرْضَى لَهُمْ ذَلِكَ، وَفِيهِ أَنَّهُمْ إِذَا اتَّصَفُوا بِالْكُفْرِ فَكَأَنَّهُمْ قَدْ خَرَجُوا عَنْ رُتْبَةِ عُبُودِيَّتِهِ تَعَالَى، وَبَقُوا فِي الذُّلِّ الدَّائِمِ، ثُمَّ قِيلَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7يَرْضَهُ لَكُمْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى مَزِيدِ الِاخْتِصَاصِ، فَهَذَا هُوَ النَّظْمُ السِّرِّيُّ الَّذِي يَحَارُ دُونَ إِدْرَاكِ طَائِفَةٍ مِنْ لَطَائِفِهِ الْفِكْرُ الْبَشَرِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَهُوَ كَلَامٌ رَصِينٌ وَبِالْقَبُولِ قَمِينٌ، إِلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يُقَالُ إِنَّهُ: لَا يَتَمَشَّى عَلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ حَيْثُ إِنَّهُمْ لَا يُؤَوِّلُونَ الرِّضَا فِي حَقِّهِ تَعَالَى، وَكَوْنُهُ عِبَارَةً عَنْ حَالَةٍ نَفْسَانِيَّةٍ إِلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ فِي تَفْسِيرِهِ، إِنَّمَا هُوَ فِينَا، وَحَيْثُ إِنَّ ذَاتَهُ تَعَالَى مُبَايِنَةٌ لِسَائِرِ الذَّوَاتِ، فَصِفَاتُهُ سُبْحَانَهُ كَذَلِكَ، فَحَقِيقَةُ الرِّضَا فِي حَقِّهِ تَعَالَى مُبَايِنَةٌ لِحَقِيقَتِهِ فِينَا، وَأَيْنَ التُّرَابُ مِنْ رَبِّ الْأَرْبَابِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا الْمَقَامِ عَلَى وَجْهٍ يَرْوِي الْأُوَامَ، وَيُبْرِئُ السِّقَامَ، فَنَقُولُ: عَدَمُ التَّأْوِيلِ لَا يَضُرُّ، فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ، فَالرِّضَا إِنْ أُوِّلَ أَوْ لَمْ يُؤَوَّلْ غَيْرُ الْإِرَادَةِ لِحَدِيثِ السَّبْقِ وَالتَّأَخُّرِ السَّابِقِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابْنُ عَطِيَّةَ ، قَالَ: تَأَمَّلِ الْإِرَادَةَ فَإِنَّ حَقِيقَتَهَا إِنَّمَا هِيَ فِيمَا لَمْ يَقَعْ بَعْدُ، وَالرِّضَا حَقِيقَتُهُ إِنَّمَا هِيَ فِيمَا وَقَعَ، وَاعْتَبِرْ هَذَا فِي آيَاتِ الْقُرْآنِ تَجِدْهُ، وَإِنْ كَانَتِ
الْعَرَبُ قَدْ تَسْتَعْمِلُ فِي أَشْعَارِهَا عَلَى جِهَةِ التَّجَوُّزِ هَذَا بَدَلَ هَذَا.
وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى الْمُغَايَرَةِ بَيْنَهُمَا بِمَا ذُكِرَ هُنَا
ابْنُ الْمُنِيرِ أَيْضًا، إِلَّا أَنَّهُ أَوَّلَ الرِّضَا، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى حَمْلُهُ فِي الْآيَةِ عَلَى الْإِرَادَةِ، وَشَنَّعَ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ فِي ذَلِكَ جَزَاءَ مَا تَكَلَّمَ عَلَى بَعْضِ
أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُخَالِفِينَ
لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي زَعْمِهِمُ اتِّحَادَ الرِّضَا وَالْإِرَادَةِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى قَدْ يُرِيدُ مَا لَا يَفْعَلُهُ الْعَبْدُ، وَقَدْ يَفْعَلُ الْعَبْدُ مَا لَا يُرِيدُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فَقَالَ: هَبْ أَنَّ الْمُصِرَّ عَلَى هَذَا الْمُعْتَقَدِ عَلَى قَلْبِهِ رَيْنٌ أَوْ فِي مِيزَانِ عَقْلِهِ غَيْنٌ، أَلَيْسَ يَدَّعِي أَوْ يُدَّعَى لَهُ أَنَّهُ الْخِرِّيتُ فِي مَعَابِرِ الْعِبَارَاتِ، فَكَيْفَ هَامَ عَنْ جَادَّةِ الْإِجَادَةِ فِي بَهْمَاءَ، وَأَعَارَ مُنَادِيَ الْحَذَاقَةِ أُذُنًا صَمَّاءَ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْهَوَى إِذَا تَمَكَّنَ، أَرَى الْبَاطِلَ حَقًّا، وَغَطَّى عَلَى مَكْشُوفِ الْعِبَارَةِ فَسُحْقًا سُحْقًا، أَلَيْسَ مُقْتَضَى الْعَرَبِيَّةِ فَضْلًا عَنِ الْقَوَانِينِ الْعَقْلِيَّةِ أَنَّ الْمَشْرُوطَ مُرَتَّبٌ عَلَى الشَّرْطِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ قَبْلَ الشَّرْطِ عَقْلًا وَلَا مُضِيُّهُ وَاسْتِقْبَالُ الشَّرْطِ لُغَةً وَنَقْلًا، وَاسْتَقَرَّ بِاتِّفَاقِ الْفَرِيقَيْنِ أَهْلُ السُّنَّةِ، وَأَهْلُ الْبِدْعَةِ أَنَّ إِرَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى لِشُكْرِ الْعِبَادِ مَثَلًا مُقَدَّمَةٌ عَلَى وُجُودِ الشُّكْرِ مِنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ كَيْفَ يَنْسَاغُ حَمْلُ الرِّضَا عَلَى الْإِرَادَةِ، وَقَدْ جَعَلَ فِي الْآيَةِ مَشْرُوطًا وَجَزَاءً، وَجَعَلَ وُقُوعَ الشُّكْرِ شَرْطًا وَمُجْزِيًا، وَاللَّازِمُ مِنْ ذَلِكَ عَقْلًا تَقَدَّمَ الْمُرَادُ، وَهُوَ الشُّكْرُ عَلَى الْإِرَادَةِ، وَهِيَ الرِّضَا، وَلُغَةً تَقَدَّمَ الْمَشْرُوطُ عَلَى الشَّرْطِ، فَإِذَا ثَبَتَ بُطْلَانُ حَمْلِ الرِّضَا عَلَى الْإِرَادَةِ عَقْلًا وَنَقْلًا تَعَيَّنَ الْمَحْمَلُ الصَّحِيحُ لَهُ، وَهُوَ الْمُجَازَاةُ عَلَى الشُّكْرِ بِمَا عَهِدَ أَنْ يُجَازِيَ بِهِ الْمَرْضِيَّ عَنْهُ مِنَ الثَّوَابِ وَالْكَرَامَةِ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ: وَإِنْ تَشْكُرُوا يُجَازِكُمْ عَلَى شُكْرِكُمْ جَزَاءَ الْمَرْضِيِّ عَنْهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُجَازَاةَ مُسْتَقْبَلَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الشُّكْرِ، فَجَرَى الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ عَلَى مُقْتَضَاهَا لُغَةً وَانْتَظَمَ
[ ص: 244 ] ذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَى بُطْلَانِ تَقَدُّمِ الْمُرَادِ عَلَى الْإِرَادَةِ عَقْلًا، وَمِثْلُ هَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ أَيْ لَا يُجَازِي الْكَافِرَ مُجَازَاةَ الْمَرْضِيِّ عَنْهُ، بَلْ مُجَازَاةَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِ مِنَ النَّكَالِ وَالْعُقُوبَةِ، انْتَهَى.
لَا يُقَالُ: حَيْثُ كَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ جَزَاءً بِاعْتِبَارِ الْإِخْبَارِ كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ فِيمَا سَلَفَ، فَلْيَكُنْ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7يَرْضَهُ لَكُمْ جَزَاءً بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ نَفْسُ الرِّضَا مُؤَخَّرًا، لِأَنَّا نَقُولُ: مِثْلُ هَذَا الِاعْتِبَارِ شَائِعٌ فِي الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الْمُتَحَقِّقِ مَضْمُونُهَا قَبْلَ الشَّرْطِ نَحْوَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=17وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَفِي الْفِعْلِ الْمَاضِي إِذَا وَقَعَ جَزَاءً نَحْوَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=77إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ، وَأَمَّا فِي الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالذَّوْقُ السَّلِيمُ يَأْبَى هَذَا الِاعْتِبَارَ فِيهِ، وَمَعَ هَذَا، أَيُّ حَاجَةٍ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ هُنَا، وَلَا أُرَاهَا إِلَّا نُصْرَةَ الْبَاطِلِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ إِنَّهُ يُعْلَمُ مِنْ مَجْمُوعِ مَا قَدَّمْنَا حَقِّيَّةُ مَا قَالُوا مِنْ أَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْإِرَادَةِ وَالرِّضَا كَمَا أَنَّ الرِّضَا لَيْسَ عِبَارَةً عَنْ حَقِيقَةِ الْإِرَادَةِ، لَكِنَّ
ابْنَ تَيْمِيَّةَ، وَتِلْمِيذَهُ
ابْنَ الْقَيِّمَ قَسَّمَا الْإِرَادَةَ إِلَى قِسْمَيْنِ تَكْوِينِيَّةٍ وَشَرْعِيَّةٍ، وَذَكَرَا أَنَّ الْمَعَاصِيَ كَالْكُفْرِ، وَغَيْرِهِ، وَاقِعَةٌ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى التَّكْوِينِيَّةِ دُونَ إِرَادَتِهِ سُبْحَانَهُ الشَّرْعِيَّةِ، وَعَلَى هَذَا فَالرِّضَا لَا يَنْفَكُّ عَنِ الْإِرَادَةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَكُلُّ مُرَادٍ لِلَّهِ تَعَالَى بِالْإِرَادَةِ الشَّرْعِيَّةِ مَرْضِيٌّ لَهُ سُبْحَانَهُ، وَهَذَا التَّقْسِيمُ لَا أَتَعَقَّلُهُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْإِرَادَةُ الشَّرْعِيَّةُ هِيَ الْإِرَادَةُ الَّتِي يَرْتَضِي الْمُرَادَ بِهَا فَتَدَبَّرْ هَذَا، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنُ كَثِيرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17192وَنَافِعٌ فِي رِوَايَةٍ،
nindex.php?page=showalam&ids=12114وَأَبُو عَمْرٍو ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ "يَرْضَهُ" بِإِشْبَاعِ ضَمَّةِ الْهَاءِ، وَالْقَاعِدَةُ فِي إِشْبَاعِ الْهَاءِ وَعَدَمِهِ أَنَّهَا إِنْ سَكَنَ مَا قَبْلَهَا لَمْ تُشْبَعْ نَحْوَ: عَلَيْهِ، وَإِلَيْهِ، وَإِنْ تَحَرَّكَ أُشْبِعَتْ نَحْوَ: بِهِ، وَغُلَامِهِ، وَهَا هُنَا قَبْلَهَا سَاكِنٌ تَقْدِيرًا، وَهُوَ الْأَلِفُ الْمَحْذُوفَةُ لِلْجَازِمِ، فَإِنْ جُعِلَتْ مَوْجُودَةً حُكْمًا لَمْ تُشْبَعْ كَمَا فِي قِرَاءَةِ ابْنِ عَامِرٍ،
وَحَفْصٍ ، وَإِنْ قُطِعَ النَّظَرُ عَنْهَا أُشْبِعَتْ كَمَا فِي قِرَاءَةِ مَنْ سَمِعْتَ، وَهَذَا هُوَ الْفَصِيحُ، وَقَدْ تُشْبَعُ، وَتُخْتَلَسُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ يَحْسُنُ إِشْبَاعُهَا مَعَ فَقْدِ الشَّرْطِ لِنُكْتَةٍ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=11948أَبُو بَكْرٍ "يَرْضَهْ" بِسُكُونِ الْهَاءِ، وَلَمْ يَرْضَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11970أَبُو حَاتِمٍ ، وَقَالَ: هُوَ غَلَطٌ لَا يَجُوزُ، وَفِيهِ أَنَّهُ لُغَةٌ
لِبَنِي كِلَابٍ وَبَنِي عَقِيلٍ إِجْرَاءً لِلْوَصْلِ مَجْرَى الْوَقْفِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى بَيَانٌ لِعَدَمِ سِرَايَةِ كُفْرِ الْكَافِرِ إِلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ فَتَذَكَّرْ.