وقوله تعالى :
nindex.php?page=treesubj&link=28723_30454_29035nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2هو الذي خلقكم إلخ بيان لبعض قدرته تعالى العامة ، والمراد هو الذي أوجدكم كما شاء وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2فمنكم كافر ومنكم مؤمن أي فبعضكم كافر به تعالى وبعضكم مؤمن به عز وجل ، أو فبعض منكم كافر به سبحانه وبعض منكم مؤمن به تعالى تفصيل لما في
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2خلقكم من الإجمال لأن كون بعضهم أو بعض منهم كافرا ، وكون بعضهم أو بعض منهم مؤمنا مراد منه فالفاء مثلها في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=45والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه [النور : 45] إلخ فيكون الكفر والإيمان في ضمن الخلق وهو الذي تؤيده الأخبار الصحيحة كخبر
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وأبي داود عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال : حدثنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق -
nindex.php?page=hadith&LINKID=676008«إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله إليه ملكا بأربع كلمات : يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح الحديث » وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=13508وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«إذا مكث المني في الرحم أربعين ليلة أتاه ملك النفوس فعرج به إلى الرب فيقول : يا رب أذكر أم أنثى ؟ فيقضي الله ما هو قاض فيقول : أشقي أم سعيد ؟ فيكتب ما هو لاق » .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبو ذر من فاتحة التغابن خمس آيات إلى قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=3وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير والجمع بين الخبرين مما لا يخفى على من أوتي نصيبا من العلم ، وتقديم الكفر لأنه الأغلب .
[ ص: 120 ]
واختار بعضهم كون المعنى هو الذي خلقكم خلقا بديعا حاويا لجميع مبادئ الكمالات العلمية والعملية ، ومع ذلك فمنكم مختار للكفر كاسب له على خلاف ما تستدعيه خلقته ، ومنكم مختار للإيمان كاسب له حسبما تقتضيه خلقته ، وكان الواجب عليكم جميعا أن تكونوا مختارين للإيمان شاكرين لنعمة الخلق والإيجاد وما يتفرع عليهما من سائر النعم ، فما فعلتم ذلك مع تمام تمكنكم منه بل تشعبتم شعبا وتفرقتم فرقا ، وهو الذي ذهب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، بيد أنه فسر الكافر بالآتي بالكفر والفاعل له والمؤمن بالآتي بالإيمان والفاعل له لأنه الأوفق بمذهبه من أن العبد خالق لأفعاله ، وأن الآية لبيان إخلالهم بما يقتضيه التفضل عليهم بأصل النعم الذي هو الخلق والإيجاد من النعم ، وأن الآيات بعد في معنى الوعيد على الكفر وإنكار أن يعصى الخالق ولا تشكر نعمته . ثم قال : فما أجهل من يمزج الكفر بالخلق ويجعله من جملته ، والخلق أعظم نعمة من الله تعالى على عباده ، والكفر أعظم كفران من العباد لربهم سبحانه ، وجعل
الطيبي الفاء على هذا للترتيب والفرض على سبيل الاستعارة كاللام في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=8فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا [القصص : 8] وهي كالفاء في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=26وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون [الحديد : 26] ولم يجعلها للتفصيل كما قيل .
واختار في الآية المعنى السابق مؤيدا له بالأحاديث الصحيحة ، وبأن السياق عليه مدعيا أن الآيات كلها واردة لبيان عظمة الله تعالى في ملكه وملكوته واستبداده فيهما ، وفي شمول علمه تعالى كلها وفي إنشائه تعالى المكونات ذواتها وأعراضها ، ووافقه في اختيار ذلك تلميذه المدقق صاحب الكشف ، واعترض قول
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فما أجهل إلخ بقوله فيه ما مر مرارا كأنه يعني مخالفة النصوص في عدم كون الكفر مخلوقا كغيره على أن خلق الكفر أيضا من النعم العظام فلولا خلقه وتبيين ما فيه من المضار ما ظهر مقدار الإنعام بالإيمان وما فيه من المنافع ، ثم إن كونه كفرا باعتبار قيامه بالعبد ومنه جاء القبح لا باعتبار كونه خلقه تعالى على ما حقق في موضعه ، ثم قال : ومنه يظهر أن تكلفه في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2فمنكم إلخ ليخرجه عن تفصيل المجمل في
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2خلقكم تحريف لكتاب الله تعالى . انتهى .
ويرجح التفصيل عندي في الجملة قوله تعالى : " كافر ومؤمن " دون من يكفر ومن يؤمن ، نعم عدم دخول الكفر والإيمان في الخلق أوفق بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=30فطرت الله التي فطر الناس عليها [الروم : 30] وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=651296«كل مولود يولد على الفطرة » والإنصاف أن الآية تحتمل كلا من المعنيين : المعنى الذي ذكر أولا .
والمعنى الذي اختاره البعض ، والسياق يحتمل أن يحمل على ما يناسب كلا وليس نصا في أحد الأمرين اللذين سمعتهما حتى قيل : إن الآيات واردة لبيان ما يتوقف عليه الوعد والوعيد بعد من القدرة التامة والعلم المحيط بالنشأتين ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2والله بما تعملون بصير أي فيجازيكم بما يناسب ذلك لا ينافي خلق الكفر والإيمان لأنهما مكسوبان للعبد ، وخلق الله تعالى إياهما لا ينافي كونهما مكسوبين للعبد كما بين في الكلام على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=96والله خلقكم وما تعملون [الصافات : 96] لكن أكثر الأحاديث تؤيد المعنى الأول ، وكأني بك تختار الثاني لأن كون المقام للتوبيخ على الكفر أظهر وهو أوفق به ، وعن
عطاء بن أبي رباح nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2فمنكم كافر أي بالله تعالى مؤمن بالكوكب
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2ومنكم مؤمن بالله تعالى كافر بالكوكب ، وقيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2فمنكم كافر بالخلق وهم الدهرية
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2ومنكم مؤمن به ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن أن في الكلام حذفا والتقدير ومنكم فاسق ، ولا أراه يصح ، وكأنه من كذب
المعتزلة عليه ، والجملة - على ما استظهر بعض الأفاضل - معطوفة على الصلة ، ولا يضره عدم العائد لأن
[ ص: 121 ]
المعطوف بالفاء يكفيه وجود العائد في إحدى الجملتين كما قرروه في نحو الذي يطير فيغضب زيد الذباب ، أو يقال : فيها رابط بالتأويل أي منكم من قدر كفره ومنكم من قدر إيمانه ، أو
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2فمنكم كافر به
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2ومنكم مؤمن به ، ويقدر الحذف تدريجا ، وجوز أن يكون العطف على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2هو الذي خلقكم .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=treesubj&link=28723_30454_29035nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ إِلَخْ بَيَانٌ لِبَعْضِ قُدْرَتِهِ تَعَالَى الْعَامَّةِ ، وَالْمُرَادُ هُوَ الَّذِي أَوَجَدَكُمْ كَمَا شَاءَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ أَيْ فَبَعْضُكُمْ كَافِرٌ بِهِ تَعَالَى وَبَعْضُكُمْ مُؤْمِنٌ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ ، أَوْ فَبَعْضٌ مِنْكُمْ كَافِرٌ بِهِ سُبْحَانَهُ وَبَعْضٌ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ بِهِ تَعَالَى تَفْصِيلٌ لِمَا فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2خَلَقَكُمْ مِنَ الْإِجْمَالِ لِأَنَّ كَوْنَ بَعْضِهِمْ أَوْ بَعْضٍ مِنْهُمْ كَافِرًا ، وَكَوْنَ بَعْضِهِمْ أَوْ بَعْضٍ مِنْهُمْ مُؤْمِنًا مُرَادٌ مِنْهُ فَالْفَاءُ مِثْلُهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=45وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مِنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ [النُّورَ : 45] إِلَخْ فَيَكُونُ الْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ فِي ضِمْنِ الْخَلْقِ وَهُوَ الَّذِي تُؤَيِّدُهُ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ كَخَبَرِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=17080وَمُسْلِمٍ nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=676008«إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ : يُكْتَبُ رِزْقُهُ وَأَجَلُهُ وَعَمَلُهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ الْحَدِيثَ » وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16298عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ nindex.php?page=showalam&ids=12918وَابْنُ الْمُنْذِرِ nindex.php?page=showalam&ids=11970وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ nindex.php?page=showalam&ids=13508وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=1584أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
«إِذَا مَكَثَ الْمَنِيُّ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً أَتَاهُ مَلَكُ النُّفُوسِ فَعَرَجَ بِهِ إِلَى الرَّبِّ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى ؟ فَيَقْضِي اللَّهُ مَا هُوَ قَاضٍ فَيَقُولُ : أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ ؟ فَيَكْتُبُ مَا هُوَ لَاقٍ » .
وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=1584أَبُو ذَرٍّ مِنْ فَاتِحَةِ التَّغَابُنِ خَمْسَ آيَاتٍ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=3وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ أُوتِيَ نَصِيبًا مِنَ الْعِلْمِ ، وَتَقْدِيمُ الْكُفْرِ لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ .
[ ص: 120 ]
وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ كَوْنَ الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ خَلْقًا بَدِيعًا حَاوِيًا لِجَمِيعِ مَبَادِئِ الْكِمَالَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَمِنْكُمْ مُخْتَارٌ لِلْكُفْرِ كَاسِبٌ لَهُ عَلَى خِلَافِ مَا تَسْتَدْعِيهِ خِلْقَتُهُ ، وَمِنْكُمْ مُخْتَارٌ لِلْإِيمَانِ كَاسِبٌ لَهُ حَسْبَمَا تَقْتَضِيهِ خِلْقَتُهُ ، وَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْكُمْ جَمِيعًا أَنْ تَكُونُوا مُخْتَارِينَ لِلْإِيمَانِ شَاكِرِينَ لِنِعْمَةِ الْخَلْقِ وَالْإِيجَادِ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِمَا مِنْ سَائِرِ النِّعَمِ ، فَمَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ مَعَ تَمَامِ تَمَكُّنِكُمْ مِنْهُ بَلْ تَشَعَّبْتُمْ شِعَبًا وَتَفَرَّقْتُمْ فِرَقًا ، وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ ، بَيْدَ أَنَّهُ فَسَّرَ الْكَافِرَ بِالْآتِي بِالْكُفْرِ وَالْفَاعِلِ لَهُ وَالْمُؤْمِنَ بِالْآتِي بِالْإِيمَانِ وَالْفَاعِلِ لَهُ لِأَنَّهُ الْأَوْفَقُ بِمَذْهَبِهِ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ خَالِقٌ لِأَفْعَالِهِ ، وَأَنَّ الْآيَةَ لِبَيَانِ إِخْلَالِهِمْ بِمَا يَقْتَضِيهِ التَّفَضُّلُ عَلَيْهِمْ بِأَصْلِ النِّعَمِ الَّذِي هُوَ الْخَلْقُ وَالْإِيجَادُ مِنَ النِّعَمِ ، وَأَنَّ الْآيَاتِ بَعْدُ فِي مَعْنَى الْوَعِيدِ عَلَى الْكُفْرِ وَإِنْكَارِ أَنْ يُعْصَى الْخَالِقُ وَلَا تُشْكَرَ نِعْمَتُهُ . ثُمَّ قَالَ : فَمَا أَجْهَلَ مَنْ يَمْزُجُ الْكُفْرَ بِالْخَلْقِ وَيَجْعَلُهُ مِنْ جُمْلَتِهِ ، وَالْخَلْقُ أَعْظَمُ نِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ ، وَالْكُفْرُ أَعْظَمُ كُفْرَانٍ مِنَ الْعِبَادِ لِرَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ ، وَجَعَلَ
الطَّيِّبِيُّ الْفَاءَ عَلَى هَذَا لِلتَّرْتِيبِ وَالْفَرْضِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ كَاللَّامِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=8فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا [الْقَصَصَ : 8] وَهِيَ كَالْفَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=26وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الْحَدِيدَ : 26] وَلَمْ يَجْعَلْهَا لِلتَّفْصِيلِ كَمَا قِيلَ .
وَاخْتَارَ فِي الْآيَةِ الْمَعْنَى السَّابِقَ مُؤَيِّدًا لَهُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ، وَبِأَنَّ السِّيَاقَ عَلَيْهِ مُدَّعِيًا أَنَّ الْآيَاتِ كُلَّهَا وَارِدَةٌ لِبَيَانِ عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي مُلْكِهِ وَمَلَكُوتِهِ وَاسْتِبْدَادِهِ فِيهِمَا ، وَفِي شُمُولٍ عِلْمِهِ تَعَالَى كُلِّهَا وَفِي إِنْشَائِهِ تَعَالَى الْمُكَوِّنَاتِ ذَوَاتِهَا وَأَعْرَاضَهَا ، وَوَافَقَهُ فِي اخْتِيَارِ ذَلِكَ تِلْمِيذُهُ الْمُدَقِّقُ صَاحِبُ الْكَشْفِ ، وَاعْتَرَضَ قَوْلَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ : فَمَا أَجْهَلَ إِلَخْ بِقَوْلِهِ فِيهِ مَا مَرَّ مِرَارًا كَأَنَّهُ يَعْنِي مُخَالَفَةَ النُّصُوصِ فِي عَدَمِ كَوْنِ الْكُفْرِ مَخْلُوقًا كَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّ خَلْقَ الْكُفْرِ أَيْضًا مِنَ النِّعَمِ الْعِظَامِ فَلَوْلَا خَلْقُهُ وَتَبْيِينُ مَا فِيهِ مِنَ الْمَضَارِّ مَا ظَهَرَ مِقْدَارُ الْإِنْعَامِ بِالْإِيمَانِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْمَنَافِعِ ، ثُمَّ إِنَّ كَوْنَهُ كُفْرًا بِاعْتِبَارِ قِيَامِهِ بِالْعَبْدِ وَمِنْهُ جَاءَ الْقُبْحُ لَا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ خَلَقَهُ تَعَالَى عَلَى مَا حُقِّقَ فِي مَوْضِعِهِ ، ثُمَّ قَالَ : وَمِنْهُ يَظْهَرُ أَنَّ تَكَلُّفَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2فَمِنْكُمْ إِلَخْ لَيُخْرِجَهُ عَنْ تَفْصِيلِ الْمُجْمَلِ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2خَلَقَكُمْ تَحْرِيفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى . انْتَهَى .
وَيُرَجِّحُ التَّفْصِيلَ عِنْدِي فِي الْجُمْلَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى : " كَافِرٌ وَمُؤْمِنٌ " دُونَ مَنْ يَكْفُرُ وَمَنْ يُؤْمِنُ ، نَعَمْ عَدَمُ دُخُولِ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ فِي الْخَلْقِ أَوْفَقُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=30فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الرُّومَ : 30] وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=651296«كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ » وَالْإِنْصَافُ أَنَّ الْآيَةَ تَحْتَمِلُ كُلًّا مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ : الْمَعْنَى الَّذِي ذُكِرَ أَوَّلًا .
وَالْمَعْنَى الَّذِي اخْتَارَهُ الْبَعْضُ ، وَالسِّيَاقُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا يُنَاسِبُ كُلًّا وَلَيْسَ نَصًّا فِي أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ سَمِعْتَهُمَا حَتَّى قِيلَ : إِنَّ الْآيَاتِ وَارِدَةٌ لِبَيَانِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ بَعْدُ مِنَ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ وَالْعِلْمِ الْمُحِيطِ بِالنَّشْأَتَيْنِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أَيْ فَيُجَازِيكُمْ بِمَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ لَا يُنَافِي خَلْقَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ لِأَنَّهُمَا مَكْسُوبَانِ لِلْعَبْدِ ، وَخَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُمَا لَا يُنَافِي كَوْنَهُمَا مَكْسُوبَيْنِ لِلْعَبْدِ كَمَا بُيِّنَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=96وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصَّافَّاتِ : 96] لَكِنَّ أَكْثَرَ الْأَحَادِيثِ تُؤَيِّدُ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ ، وَكَأَنِّي بِكَ تَخْتَارُ الثَّانِيَ لِأَنَّ كَوْنَ الْمَقَامِ لِلتَّوْبِيخِ عَلَى الْكُفْرِ أَظْهَرَ وَهُوَ أَوْفَقُ بِهِ ، وَعَنْ
عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2فَمِنْكُمْ كَافِرٌ أَيْ بِاللَّهِ تَعَالَى مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ تَعَالَى كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ ، وَقِيلَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2فَمِنْكُمْ كَافِرٌ بِالْخَلْقِ وَهُمُ الدَّهْرِيَّةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ بِهِ ، وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا وَالتَّقْدِيرُ وَمِنْكُمْ فَاسِقٌ ، وَلَا أَرَاهُ يَصِحُّ ، وَكَأَنَّهُ مِنْ كَذِبِ
الْمُعْتَزِلَةِ عَلَيْهِ ، وَالْجُمْلَةُ - عَلَى مَا اسْتَظْهَرَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ - مَعْطُوفَةٌ عَلَى الصِّلَةِ ، وَلَا يَضُرُّهُ عَدَمُ الْعَائِدِ لِأَنَّ
[ ص: 121 ]
الْمَعْطُوفَ بِالْفَاءِ يَكْفِيهِ وُجُودُ الْعَائِدِ فِي إِحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ كَمَا قَرَّرُوهُ فِي نَحْوِ الَّذِي يَطِيرُ فَيَغْضَبُ زَيْدٌ الذُّبَابُ ، أَوْ يُقَالُ : فِيهَا رَابِطٌ بِالتَّأْوِيلِ أَيْ مِنْكُمْ مَنْ قُدِّرَ كُفْرُهُ وَمِنْكُمْ مَنْ قُدِّرَ إِيمَانُهُ ، أَوْ
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2فَمِنْكُمْ كَافِرٌ بِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ بِهِ ، وَيُقَدَّرُ الْحَذْفُ تَدْرِيجًا ، وَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ الْعَطْفُ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ .