وهنا ينتهي الكلام عن الشهادة، فينتقل الشارع إلى غرض آخر. غرض عام للتشريع. يؤكد
nindex.php?page=treesubj&link=24272_24271ضرورة الكتابة - كبر الدين أم صغر - ويعالج ما قد يخطر للنفس من استثقال الكتابة وتكاليفها بحجة أن الدين صغير لا يستحق، أو أنه لا ضرورة للكتابة بين صاحبيه لملابسة من الملابسات كالتجمل والحياء أو الكسل وقلة المبالاة! ثم يعلل تشديده في وجوب الكتابة تعليلا وجدانيا وتعليلا عمليا:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282ولا تسأموا - أن تكتبوه - صغيرا أو كبيرا - إلى أجله. ذلكم أقسط عند الله، وأقوم للشهادة، وأدنى ألا ترتابوا .
لا تسأموا.. فهو إدراك لانفعالات النفس الإنسانية حين تحس أن تكاليف العمل أضخم من قيمته..
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282ذلكم أقسط عند الله .. أعدل وأفضل. وهو إيحاء وجداني بأن الله يحب هذا ويؤثره.
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وأقوم للشهادة .
فالشهادة على شيء مكتوب أقوم من الشهادة الشفوية التي تعتمد على الذاكرة وحدها. وشهادة رجلين أو رجل وامرأتين أقوم كذلك للشهادة وأصح من شهادة الواحد، أو الواحد والواحدة.
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وأدنى ألا ترتابوا :
أقرب لعدم الريبة. الريبة في صحة البيانات التي تضمنها العقد، أو الريبة في أنفسكم وفي سواكم إذا ترك الأمر بلا قيد.
وهكذا تتكشف حكمة هذه الإجراءات كلها; ويقتنع المتعاملون بضرورة هذا التشريع، ودقة أهدافه، وصحة إجراءاته. إنها الصحة والدقة والثقة والطمأنينة.
ذلك شأن الدين المسمى إلى أجل. أما التجارة الحاضرة فإن بيوعها مستثناة من قيد الكتابة . وتكفي فيها
[ ص: 337 ] شهادة الشهود تيسيرا للعمليات التجارية التي يعرقلها التعقيد، والتي تتم في سرعة، وتتكرر في أوقات قصيرة. ذلك أن الإسلام وهو يشرع للحياة كلها قد راعى كل ملابساتها; وكان شريعة عملية واقعية لا تعقيد فيها، ولا تعويق لجريان الحياة في مجراها:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم، فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم .
وظاهر النص أن الإعفاء من الكتابة رخصة لا جناح فيها. أما الإشهاد فموجب. وقد وردت بعض الروايات بأن الإشهاد كذلك للندب لا للوجوب. ولكن الأرجح هو ذاك.
والآن - وقد انتهى تشريع الدين المسمى، والتجارة الحاضرة، والتقى كلاهما عند شرطي الكتابة والشهادة - على الوجوب وعلى الرخصة - فإنه يقرر
nindex.php?page=treesubj&link=24272_24271حقوق الكتاب والشهداء كما قرر واجباتهم من قبل.. لقد أوجب عليهم ألا يأبوا الكتابة أو الشهادة. فالآن يوجب لهم الحماية والرعاية ليتوازن الحق والواجب في أداء التكاليف العامة.
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282ولا يضار كاتب ولا شهيد. وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم. واتقوا الله ويعلمكم الله. والله بكل شيء عليم .
nindex.php?page=treesubj&link=16066لا يقع ضرر على كاتب أو شهيد، بسبب أدائه لواجبه الذي فرضه الله عليه. وإذا وقع فإنه يكون خروجا منكم عن شريعة الله ومخالفة عن طريقه. وهو احتياط لا بد منه. لأن الكتاب والشهداء معرضون لسخط أحد الفريقين المتعاقدين في أحيان كثيرة. فلا بد من تمتعهم بالضمانات التي تطمئنهم على أنفسهم، وتشجعهم على أداء واجبهم بالذمة والأمانة والنشاط في أداء الواجبات، والحيدة في جميع الأحوال. ثم - وعلى عادة القرآن في إيقاظ الضمير، واستجاشة الشعور كلما هم بالتكليف، ليستمد التكليف دفعته من داخل النفس، لا من مجرد ضغط النص - يدعو المؤمنين إلى تقوى الله في النهاية; ويذكرهم بأن الله هو المتفضل عليهم، وهو الذي يعلمهم ويرشدهم، وأن تقواه تفتح قلوبهم للمعرفة وتهيئ أرواحهم للتعليم، ليقوموا بحق هذا الإنعام بالطاعة والرضى والإذعان:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282واتقوا الله. ويعلمكم الله. والله بكل شيء عليم .
وَهُنَا يَنْتَهِي الْكَلَامُ عَنِ الشَّهَادَةِ، فَيَنْتَقِلُ الشَّارِعُ إِلَى غَرَضٍ آخَرَ. غَرَضٌ عَامٌّ لِلتَّشْرِيعِ. يُؤَكِّدُ
nindex.php?page=treesubj&link=24272_24271ضَرُورَةَ الْكِتَابَةِ - كَبُرَ الدَّيْنُ أَمْ صَغُرَ - وَيُعَالِجُ مَا قَدْ يَخْطُرُ لِلنَّفْسِ مِنَ اسْتِثْقَالِ الْكِتَابَةِ وَتَكَالِيفِهَا بِحُجَّةِ أَنَّ الدَّيْنَ صَغِيرٌ لَا يَسْتَحِقُّ، أَوْ أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لِلْكِتَابَةِ بَيْنَ صَاحِبَيْهِ لِمُلَابَسَةٍ مِنَ الْمُلَابَسَاتِ كَالتَّجَمُّلِ وَالْحَيَاءِ أَوِ الْكَسَلِ وَقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ! ثُمَّ يُعَلِّلُ تَشْدِيدَهُ فِي وُجُوبِ الْكِتَابَةِ تَعْلِيلًا وِجْدَانِيًّا وَتَعْلِيلًا عَمَلِيًّا:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وَلا تَسْأَمُوا - أَنْ تَكْتُبُوهُ - صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا - إِلَى أَجَلِهِ. ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ، وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ، وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا .
لَا تَسْأَمُوا.. فَهُوَ إِدْرَاكٌ لِانْفِعَالَاتِ النَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ حِينَ تُحِسُّ أَنَّ تَكَالِيفَ الْعَمَلِ أَضْخَمُ مِنْ قِيمَتِهِ..
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ .. أَعْدَلُ وَأَفْضَلُ. وَهُوَ إِيحَاءٌ وِجْدَانِيٌّ بِأَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ هَذَا وَيُؤْثِرُهُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ .
فَالشَّهَادَةُ عَلَى شَيْءٍ مَكْتُوبٍ أَقُومُ مِنَ الشَّهَادَةِ الشَّفَوِيَّةِ الَّتِي تَعْتَمِدُ عَلَى الذَّاكِرَةِ وَحْدَهَا. وَشَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَقْوَمُ كَذَلِكَ لِلشَّهَادَةِ وَأَصَحُّ مِنْ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ، أَوِ الْوَاحِدِ وَالْوَاحِدَةِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا :
أَقْرَبُ لِعَدَمِ الرِّيبَةِ. الرِّيبَةُ فِي صِحَّةِ الْبَيَانَاتِ الَّتِي تُضَمِّنُهَا الْعَقْدَ، أَوِ الرِّيبَةَ فِي أَنْفُسِكُمْ وَفِي سِوَاكُمْ إِذَا تَرَكَ الْأَمْرَ بِلَا قَيْدٍ.
وَهَكَذَا تَتَكَشَّفُ حِكْمَةُ هَذِهِ الْإِجْرَاءَاتِ كُلِّهَا; وَيَقْتَنِعُ الْمُتَعَامِلُونَ بِضَرُورَةِ هَذَا التَّشْرِيعِ، وَدِقَّةِ أَهْدَافِهِ، وَصِحَّةِ إِجْرَاءَاتِهِ. إِنَّهَا الصِّحَّةُ وَالدِّقَّةُ وَالثِّقَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ.
ذَلِكَ شَأْنُ الدَّيْنِ الْمُسَمَّى إِلَى أَجَلٍ. أَمَّا التِّجَارَةُ الْحَاضِرَةُ فَإِنَّ بَيُوعَهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَيْدِ الْكِتَابَةِ . وَتَكْفِي فِيهَا
[ ص: 337 ] شَهَادَةُ الشُّهُودِ تَيْسِيرًا لِلْعَمَلِيَّاتِ التِّجَارِيَّةِ الَّتِي يُعَرْقِلُهَا التَّعْقِيدُ، وَالَّتِي تَتِمُّ فِي سُرْعَةٍ، وَتَتَكَرَّرُ فِي أَوْقَاتٍ قَصِيرَةٍ. ذَلِكَ أَنَّ الْإِسْلَامَ وَهُوَ يَشْرَعُ لِلْحَيَاةِ كُلِّهَا قَدْ رَاعَى كُلَّ مُلَابَسَاتِهَا; وَكَانَ شَرِيعَةً عَمَلِيَّةً وَاقِعِيَّةً لَا تَعْقِيدَ فِيهَا، وَلَا تَعْوِيقَ لِجَرَيَانِ الْحَيَاةِ فِي مَجْرَاهَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ، فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ .
وَظَاهِرُ النَّصِّ أَنَّ الْإِعْفَاءَ مِنَ الْكِتَابَةِ رُخْصَةً لَا جَنَاحَ فِيهَا. أَمَّا الْإِشْهَادُ فَمُوجِبٌ. وَقَدْ وَرَدَتْ بَعْضُ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّ الْإِشْهَادَ كَذَلِكَ لِلنَّدْبِ لَا لِلْوُجُوبِ. وَلَكِنَّ الْأَرْجَحَ هُوَ ذَاكَ.
وَالْآنَ - وَقَدِ انْتَهَى تَشْرِيعُ الدَّيْنِ الْمُسَمَّى، وَالتِّجَارَةُ الْحَاضِرَةُ، وَالتُّقَى كِلَاهُمَا عِنْدَ شَرْطَيِ الْكِتَابَةِ وَالشَّهَادَةِ - عَلَى الْوُجُوبِ وَعَلَى الرُّخْصَةِ - فَإِنَّهُ يُقَرِّرُ
nindex.php?page=treesubj&link=24272_24271حُقُوقَ الْكُتَّابِ وَالشُّهَدَاءِ كَمَا قَرَّرَ وَاجِبَاتِهِمْ مِنْ قَبْلُ.. لَقَدْ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ أَلَّا يَأْبَوُا الْكِتَابَةَ أَوِ الشَّهَادَةَ. فَالْآنَ يُوجِبُ لَهُمُ الْحِمَايَةَ وَالرِّعَايَةَ لِيَتَوَازَنَ الْحَقُّ وَالْوَاجِبُ فِي أَدَاءِ التَّكَالِيفِ الْعَامَّةِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ. وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ. وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهَ. وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .
nindex.php?page=treesubj&link=16066لَا يَقَعُ ضَرَرٌ عَلَى كَاتِبٍ أَوْ شَهِيدٍ، بِسَبَبِ أَدَائِهِ لِوَاجِبِهِ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ. وَإِذَا وَقَعَ فَإِنَّهُ يَكُونُ خُرُوجًا مِنْكُمْ عَنْ شَرِيعَةِ اللَّهِ وَمُخَالَفَةٍ عَنْ طَرِيقِهِ. وَهُوَ احْتِيَاطٌ لَا بُدَّ مِنْهُ. لِأَنَّ الْكُتَّابَ وَالشُّهَدَاءَ مُعَرَّضُونَ لِسُخْطِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي أَحْيَانٍ كَثِيرَةٍ. فَلَا بُدَّ مِنْ تَمَتُّعِهِمْ بِالضَّمَانَاتِ الَّتِي تُطَمْئِنُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَتُشَجِّعُهُمْ عَلَى أَدَاءِ وَاجِبِهِمْ بِالذِّمَّةِ وَالْأَمَانَةِ وَالنَّشَاطِ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ، وَالْحَيْدَةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ. ثُمَّ - وَعَلَى عَادَةِ الْقُرْآنِ فِي إِيقَاظِ الضَّمِيرِ، وَاسْتِجَاشَةِ الشُّعُورِ كُلَّمَا هَمَّ بِالتَّكْلِيفِ، لِيَسْتَمِدَّ التَّكْلِيفُ دَفَعْتَهُ مِنْ دَاخِلِ النَّفْسِ، لَا مِنْ مُجَرَّدِ ضَغْطِ النَّصِّ - يَدْعُو الْمُؤْمِنِينَ إِلَى تَقْوَى اللَّهِ فِي النِّهَايَةِ; وَيُذَكِّرُهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُتَفَضِّلُ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ الَّذِي يُعَلِّمُهُمْ وَيُرْشِدُهُمْ، وَأَنَّ تَقْوَاهُ تَفْتَحُ قُلُوبَهُمْ لِلْمَعْرِفَةِ وَتُهَيِّئُ أَرْوَاحَهُمْ لِلتَّعْلِيمِ، لِيَقُومُوا بِحَقٍّ هَذَا الْإِنْعَامِ بِالطَّاعَةِ وَالرِّضَى وَالْإِذْعَانِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وَاتَّقُوا اللَّهَ. وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهَ. وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .