nindex.php?page=treesubj&link=28977_18524_19827_28328_30504_30578_30945_33309_33311_33312_33536_33624_34332_34438_34456nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=152ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده . .
واليتيم ضعيف في الجماعة ، بفقده الوالد الحامي والمربي . ومن ثم يقع ضعفه على الجماعة المسلمة - على أساس التكافل الاجتماعي الذي يجعله الإسلام قاعدة نظامه الاجتماعي - وكان اليتيم ضائعا في المجتمع العربي في الجاهلية . وكثرة التوجيهات الواردة في القرآن وتنوعها وعنفها أحيانا تشي بما كان فاشيا في ذلك المجتمع من ضيعة اليتيم فيه ; حتى انتدب الله يتيما كريما فيه ; فعهد إليه بأشرف مهمة في الوجود . حين عهد إليه بالرسالة إلى الناس كافة ، وجعل من آداب هذا الدين الذي بعثه به رعاية اليتيم وكفالته على النحو الذي نرى منه هذا التوجيه :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=152ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده .
فعلى من يتولى اليتيم ألا يقرب ماله إلا بالطريقة التي هي أحسن لليتيم . فيصونه وينميه ، حتى يسلمه له كاملا ناميا عند بلوغه أشده . أي اشتداد قوته الجسمية والعقلية . ليحمي ماله ، ويحسن القيام عليه . وبذلك
[ ص: 1233 ] تكون الجماعة قد أضافت إليها عضوا نافعا ; وسلمته حقه كاملا .
وهناك خلاف فقهي حول سن الرشد أو بلوغ الأشد . . عند
عبد الرحمن بن زيد وعند
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، بلوغ الحلم . وعند
أبي حنيفة خمسة وعشرون عاما . وعند
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ثلاثون ، وعند أهل
المدينة بلوغ الحلم وظهور الرشد معا بدون تحديد .
nindex.php?page=treesubj&link=28977_18524_19827_28328_30504_30578_30945_33309_33311_33312_33536_33624_34332_34438_34456nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=152وأوفوا الكيل والميزان بالقسط - لا نكلف نفسا إلا وسعها - .
وهذه في المبادلات التجارية بين الناس في حدود طاقة التحري والإنصاف . والسياق يربطها بالعقيدة ; لأن المعاملات في هذا الدين وثيقة الارتباط بالعقيدة . والذي يوصي بها ويأمر هو الله . ومن هنا ترتبط بقضية الألوهية والعبودية ، وتذكر في هذا المعرض الذي يبرز فيه شأن العقيدة ، وعلاقتها بكل جوانب الحياة . .
ولقد كانت الجاهليات - كما هي اليوم - تفصل بين العقيدة والعبادات ، وبين الشرائع والمعاملات . . من ذلك ما حكاه القرآن الكريم عن قوم
شعيب :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=87قالوا : يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ؟ !
ومن ثم يربط السياق القرآني بين قواعد التعامل في المال والتجارة والبيع والشراء ، وبين هذا المعرض الخاص بالعقيدة ، للدلالة على طبيعة هذا الدين ، وتسويته بين العقيدة والشريعة ، وبين العبادة والمعاملة ، في أنها كلها من مقومات هذا الدين ، المرتبطة كلها في كيانه الأصيل .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=152وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى . .
وهنا يرتفع الإسلام بالضمير البشري - وقد ربطه بالله ابتداء - إلى مستوى سامق رفيع ، على هدى من العقيدة في الله ومراقبته . . فهنا مزلة من مزلات الضعف البشري . الضعف الذي يجعل شعور الفرد بالقرابة هو شعور التناصر والتكامل والامتداد ; بما أنه ضعيف ناقص محدود الأجل ; وفي قوة القرابة سند لضعفه ; وفي سعة رقعتها كمال لوجوده ، وفي امتدادها جيلا بعد جيل ضمان لامتداده ! ومن ثم يجعله ضعيفا تجاه قرابته حين يقف موقف الشهادة لهم أو عليهم ، أو القضاء بينهم وبين الناس . . وهنا في هذه المزلة يأخذ الإسلام بيد الضمير البشري ليقول كلمة الحق والعدل ، على هدى من الاعتصام بالله وحده ، ومراقبة الله وحده ، اكتفاء به من مناصرة ذوي القربى ، وتقوى له من الوفاء بحق القرابة دون حقه ; وهو - سبحانه - أقرب إلى المرء من حبل الوريد . .
لذلك يعقب على هذا الأمر - وعلى الوصايا التي قبله - مذكرا بعهد الله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=152وبعهد الله أوفوا . .
ومن عهد الله قولة الحق والعدل ولو كان ذا قربى . ومن عهد الله توفية الكيل والميزان بالقسط . ومن عهد الله ألا يقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن . ومن عهد الله حرمة النفس إلا بالحق . . وقبل ذلك كله . . من عهد الله ألا يشركوا به شيئا . فهذا هو العهد الأكبر ، المأخوذ على فطرة البشر ، بحكم خلقتها متصلة بمبدعها ، شاعرة بوجوده في النواميس التي تحكمها من داخلها كما تحكم الكون من حولها .
ثم يجيء التعقيب القرآني في موضعه بعد التكاليف :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=152ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون . .
[ ص: 1234 ] والذكر ضد الغفلة . والقلب الذاكر غير الغافل ، وهو يذكر عهد الله كله ، ويذكر وصاياه المرتبطة بهذا العهد ولا ينساها .
. . . هذه القواعد الأساسية الواضحة التي تكاد تلخص العقيدة الإسلامية وشريعتها الاجتماعية مبدوءة بتوحيد الله ومختومة بعهد الله ، وما سبقها من حديث الحاكمية والتشريع . . . هذه هي صراط الله المستقيم . . صراطه الذي ليس وراءه إلا السبل المتفرقة عن السبيل :
nindex.php?page=treesubj&link=28977_19860_28328_30232_34274nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله . . ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون . .
وهكذا يختم القطاع الطويل من السورة الذي بدأ بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=114أفغير الله أبتغي حكما ، وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا . .
وانتهى هذه النهاية ، بهذا الإيقاع العريض العميق . .
وضم بين المطلع والختام قضية الحاكمية والتشريع ، كما تبدو في مسألة الزروع والأنعام ، والذبائح والنذور ، إلى كل القضايا العقيدية الأساسية ، ليدل على أنها من هذه القضايا . التي أفرد لها السياق القرآني كل هذه المساحة ; وربطها بكل محتويات السورة السابقة التي تتحدث عن العقيدة في محيطها الشامل ; وتتناول قضية الألوهية والعبودية ذلك التناول الفريد .
إنه صراط واحد - صراط الله - وسبيل واحدة تؤدي إلى الله . . أن يفرد الناس الله - سبحانه - بالربوبية ، ويدينوا له وحده بالعبودية ; وأن يعلموا أن الحاكمية لله وحده ; وأن يدينوا لهذه الحاكمية في حياتهم الواقعية . .
هذا هو صراط الله ; وهذا هو سبيله . . وليس وراءه إلا السبل التي تتفرق بمن يسلكونها عن سبيله .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون . .
فالتقوى هي مناط الاعتقاد والعمل . والتقوى هي التي تفيء بالقلوب إلى السبيل . .
nindex.php?page=treesubj&link=28977_18524_19827_28328_30504_30578_30945_33309_33311_33312_33536_33624_34332_34438_34456nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=152وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ . .
وَالْيَتِيمُ ضَعِيفٌ فِي الْجَمَاعَةِ ، بِفَقْدِهِ الْوَالِدَ الْحَامِيَ وَالْمُرَبِّيَ . وَمِنْ ثَمَّ يَقَعُ ضَعْفُهُ عَلَى الْجَمَاعَةِ الْمُسْلِمَةِ - عَلَى أَسَاسِ التَّكَافُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ الَّذِي يَجْعَلُهُ الْإِسْلَامُ قَاعِدَةَ نِظَامِهِ الِاجْتِمَاعِيِّ - وَكَانَ الْيَتِيمُ ضَائِعًا فِي الْمُجْتَمَعِ الْعَرَبِيِّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ . وَكَثْرَةُ التَّوْجِيهَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ وَتَنَوُّعِهَا وَعُنْفِهَا أَحْيَانًا تَشِي بِمَا كَانَ فَاشِيًا فِي ذَلِكَ الْمُجْتَمَعِ مِنْ ضَيْعَةِ الْيَتِيمِ فِيهِ ; حَتَّى انْتَدَبَ اللَّهُ يَتِيمًا كَرِيمًا فِيهِ ; فَعَهِدَ إِلَيْهِ بِأَشْرَفِ مُهِمَّةٍ فِي الْوُجُودِ . حِينَ عَهِدَ إِلَيْهِ بِالرِّسَالَةِ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً ، وَجَعَلَ مِنْ آدَابِ هَذَا الدِّينِ الَّذِي بَعَثَهُ بِهِ رِعَايَةَ الْيَتِيمِ وَكَفَالَتَهُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي نَرَى مِنْهُ هَذَا التَّوْجِيهَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=152وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ .
فَعَلَى مَنْ يَتَوَلَّى الْيَتِيمَ أَلَّا يَقْرَبَ مَالَهُ إِلَّا بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ لِلْيَتِيمِ . فَيَصُونُهُ وَيُنَمِّيهِ ، حَتَّى يُسَلِّمَهُ لَهُ كَامِلًا نَامِيًا عِنْدَ بُلُوغِهِ أَشُدَّهُ . أَيِ اشْتِدَادِ قُوَّتِهِ الْجِسْمِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ . لِيَحْمِيَ مَالَهُ ، وَيُحْسِنَ الْقِيَامَ عَلَيْهِ . وَبِذَلِكَ
[ ص: 1233 ] تَكُونُ الْجَمَاعَةُ قَدْ أَضَافَتْ إِلَيْهَا عُضْوًا نَافِعًا ; وَسَلَّمَتْهُ حَقَّهُ كَامِلًا .
وَهُنَاكَ خِلَافٌ فِقْهِيٌّ حَوْلَ سِنِّ الرُّشْدِ أَوْ بُلُوغِ الْأَشُدِّ . . عِنْدَ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ ، بُلُوغُ الْحُلُمِ . وَعِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ عَامًا . وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ ثَلَاثُونَ ، وَعِنْدَ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ بُلُوغُ الْحُلُمِ وَظُهُورُ الرُّشْدِ مَعًا بِدُونِ تَحْدِيدٍ .
nindex.php?page=treesubj&link=28977_18524_19827_28328_30504_30578_30945_33309_33311_33312_33536_33624_34332_34438_34456nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=152وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ - لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا - .
وَهَذِهِ فِي الْمُبَادَلَاتِ التِّجَارِيَّةِ بَيْنَ النَّاسِ فِي حُدُودِ طَاقَةِ التَّحَرِّي وَالْإِنْصَافِ . وَالسِّيَاقُ يَرْبُطُهَا بِالْعَقِيدَةِ ; لِأَنَّ الْمُعَامَلَاتِ فِي هَذَا الدِّينِ وَثِيقَةُ الِارْتِبَاطِ بِالْعَقِيدَةِ . وَالَّذِي يُوصِي بِهَا وَيَأْمُرُ هُوَ اللَّهُ . وَمِنْ هُنَا تَرْتَبِطُ بِقَضِيَّةِ الْأُلُوهِيَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ ، وَتُذْكَرُ فِي هَذَا الْمَعْرِضِ الَّذِي يَبْرُزُ فِيهِ شَأْنُ الْعَقِيدَةِ ، وَعَلَاقَتُهَا بِكُلِّ جَوَانِبِ الْحَيَاةِ . .
وَلَقَدْ كَانَتِ الْجَاهِلِيَّاتُ - كَمَا هِيَ الْيَوْمَ - تَفْصِلُ بَيْنَ الْعَقِيدَةِ وَالْعِبَادَاتِ ، وَبَيْنَ الشَّرَائِعِ وَالْمُعَامَلَاتِ . . مِنْ ذَلِكَ مَا حَكَاهُ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ عَنْ قَوْمِ
شُعَيْبٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=87قَالُوا : يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ؟ !
وَمِنْ ثَمَّ يَرْبُطُ السِّيَاقُ الْقُرْآنِيُّ بَيْنَ قَوَاعِدِ التَّعَامُلِ فِي الْمَالِ وَالتِّجَارَةِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ، وَبَيْنَ هَذَا الْمَعْرِضِ الْخَاصِّ بِالْعَقِيدَةِ ، لِلدَّلَالَةِ عَلَى طَبِيعَةِ هَذَا الدِّينِ ، وَتَسْوِيَتِهِ بَيْنَ الْعَقِيدَةِ وَالشَّرِيعَةِ ، وَبَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْمُعَامَلَةِ ، فِي أَنَّهَا كُلَّهَا مِنْ مُقَوِّمَاتِ هَذَا الدِّينِ ، الْمُرْتَبِطَةِ كُلِّهَا فِي كِيَانِهِ الْأَصِيلِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=152وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى . .
وَهُنَا يَرْتَفِعُ الْإِسْلَامُ بِالضَّمِيرِ الْبَشَرِيِّ - وَقَدْ رَبَطَهُ بِاللَّهِ ابْتِدَاءً - إِلَى مُسْتَوًى سَامِقٍ رَفِيعٍ ، عَلَى هُدًى مِنَ الْعَقِيدَةِ فِي اللَّهِ وَمُرَاقَبَتِهِ . . فَهُنَا مَزَلَّةٌ مِنْ مَزَلَّاتِ الضَّعْفِ الْبَشَرِيِّ . الضَّعْفُ الَّذِي يَجْعَلُ شُعُورَ الْفَرْدِ بِالْقَرَابَةِ هُوَ شُعُورُ التَّنَاصُرِ وَالتَّكَامُلِ وَالِامْتِدَادِ ; بِمَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ نَاقِصٌ مَحْدُودُ الْأَجَلِ ; وَفِي قُوَّةِ الْقَرَابَةِ سَنَدٌ لِضَعْفِهِ ; وَفِي سَعَةِ رُقْعَتِهَا كَمَالٌ لِوُجُودِهِ ، وَفِي امْتِدَادِهَا جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ ضَمَانٌ لِامْتِدَادِهِ ! وَمِنْ ثَمَّ يَجْعَلُهُ ضَعِيفًا تُجَاهَ قَرَابَتِهِ حِينَ يَقِفُ مَوْقِفَ الشَّهَادَةِ لَهُمْ أَوْ عَلَيْهِمْ ، أَوِ الْقَضَاءِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ . . وَهُنَا فِي هَذِهِ الْمَزَلَّةِ يَأْخُذُ الْإِسْلَامُ بِيَدِ الضَّمِيرِ الْبَشَرِيِّ لِيَقُولَ كَلِمَةَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ ، عَلَى هُدًى مِنَ الِاعْتِصَامِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ ، وَمُرَاقَبَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ ، اكْتِفَاءً بِهِ مِنْ مُنَاصَرَةِ ذَوِي الْقُرْبَى ، وَتَقْوَى لَهُ مِنَ الْوَفَاءِ بِحَقِّ الْقَرَابَةِ دُونَ حَقِّهِ ; وَهُوَ - سُبْحَانَهُ - أَقْرَبُ إِلَى الْمَرْءِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ . .
لِذَلِكَ يُعَقِّبُ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ - وَعَلَى الْوَصَايَا الَّتِي قَبْلَهُ - مُذَكِّرًا بِعَهْدِ اللَّهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=152وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا . .
وَمِنْ عَهْدِ اللَّهِ قَوْلَةُ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى . وَمِنْ عَهْدِ اللَّهِ تَوْفِيَةُ الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ بِالْقِسْطِ . وَمِنْ عَهْدِ اللَّهِ أَلَّا يَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ . وَمِنْ عَهْدِ اللَّهِ حُرْمَةُ النَّفْسِ إِلَّا بِالْحَقِّ . . وَقَبْلَ ذَلِكَ كُلِّهِ . . مِنْ عَهْدِ اللَّهِ أَلَّا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا . فَهَذَا هُوَ الْعَهْدُ الْأَكْبَرُ ، الْمَأْخُوذُ عَلَى فِطْرَةِ الْبَشَرِ ، بِحُكْمِ خِلْقَتِهَا مُتَّصِلَةً بِمُبْدِعِهَا ، شَاعِرَةً بِوُجُودِهِ فِي النَّوَامِيسِ الَّتِي تَحْكُمُهَا مِنْ دَاخِلِهَا كَمَا تَحْكُمُ الْكَوْنَ مِنْ حَوْلِهَا .
ثُمَّ يَجِيءُ التَّعْقِيبُ الْقُرْآنِيُّ فِي مَوْضِعِهِ بَعْدَ التَّكَالِيفِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=152ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ . .
[ ص: 1234 ] وَالذِّكْرُ ضِدُّ الْغَفْلَةِ . وَالْقَلْبُ الذَّاكِرُ غَيْرُ الْغَافِلِ ، وَهُوَ يَذْكُرُ عَهْدَ اللَّهِ كُلَّهُ ، وَيَذْكُرُ وَصَايَاهُ الْمُرْتَبِطَةَ بِهَذَا الْعَهْدِ وَلَا يَنْسَاهَا .
. . . هَذِهِ الْقَوَاعِدُ الْأَسَاسِيَّةُ الْوَاضِحَةُ الَّتِي تَكَادُ تُلَخِّصُ الْعَقِيدَةَ الْإِسْلَامِيَّةَ وَشَرِيعَتَهَا الِاجْتِمَاعِيَّةَ مَبْدُوءَةً بِتَوْحِيدِ اللَّهِ وَمَخْتُومَةً بِعَهْدِ اللَّهِ ، وَمَا سَبَقَهَا مِنْ حَدِيثِ الْحَاكِمِيَّةِ وَالتَّشْرِيعِ . . . هَذِهِ هِيَ صِرَاطُ اللَّهِ الْمُسْتَقِيمِ . . صِرَاطُهُ الَّذِي لَيْسَ وَرَاءَهُ إِلَّا السُّبُلُ الْمُتَفَرِّقَةُ عَنِ السَّبِيلِ :
nindex.php?page=treesubj&link=28977_19860_28328_30232_34274nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ، وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ . . ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . .
وَهَكَذَا يُخْتَمُ الْقِطَاعُ الطَّوِيلُ مِنَ السُّورَةِ الَّذِي بَدَأَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=114أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا ، وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلا . .
وَانْتَهَى هَذِهِ النِّهَايَةَ ، بِهَذَا الْإِيقَاعِ الْعَرِيضِ الْعَمِيقِ . .
وَضَمَّ بَيْنَ الْمَطْلَعِ وَالْخِتَامِ قَضِيَّةَ الْحَاكِمِيَّةِ وَالتَّشْرِيعِ ، كَمَا تَبْدُو فِي مَسْأَلَةِ الزُّرُوعِ وَالْأَنْعَامِ ، وَالذَّبَائِحِ وَالنُّذُورِ ، إِلَى كُلِّ الْقَضَايَا الْعَقِيدِيَّةِ الْأَسَاسِيَّةِ ، لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ هَذِهِ الْقَضَايَا . الَّتِي أَفْرَدَ لَهَا السِّيَاقُ الْقُرْآنِيُّ كُلَّ هَذِهِ الْمِسَاحَةِ ; وَرَبَطَهَا بِكُلِّ مُحْتَوَيَاتِ السُّورَةِ السَّابِقَةِ الَّتِي تَتَحَدَّثُ عَنِ الْعَقِيدَةِ فِي مُحِيطِهَا الشَّامِلِ ; وَتَتَنَاوَلُ قَضِيَّةَ الْأُلُوهِيَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ ذَلِكَ التَّنَاوُلَ الْفَرِيدَ .
إِنَّهُ صِرَاطٌ وَاحِدٌ - صِرَاطُ اللَّهِ - وَسَبِيلٌ وَاحِدَةٌ تُؤَدِّي إِلَى اللَّهِ . . أَنْ يُفْرِدَ النَّاسُ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - بِالرُّبُوبِيَّةِ ، وَيَدِينُوا لَهُ وَحْدَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ ; وَأَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ الْحَاكِمِيَّةَ لِلَّهِ وَحْدَهُ ; وَأَنْ يَدِينُوا لِهَذِهِ الْحَاكِمِيَّةِ فِي حَيَاتِهِمُ الْوَاقِعِيَّةِ . .
هَذَا هُوَ صِرَاطُ اللَّهِ ; وَهَذَا هُوَ سَبِيلُهُ . . وَلَيْسَ وَرَاءَهُ إِلَّا السُّبُلُ الَّتِي تَتَفَرَّقُ بِمَنْ يَسْلُكُونَهَا عَنْ سَبِيلِهِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . .
فَالتَّقْوَى هِيَ مَنَاطُ الِاعْتِقَادِ وَالْعَمَلِ . وَالتَّقْوَى هِيَ الَّتِي تَفِيءُ بِالْقُلُوبِ إِلَى السَّبِيلِ . .