وأما الذين يفتنون المؤمنين، ويعملون السيئات، فما هم بمفلتين من عذاب الله ولا ناجين، مهما انتفخ باطلهم وانتفش، وبدا عليه الانتصار والفلاح، وعد الله كذلك وسنته في نهاية المطاف:
nindex.php?page=treesubj&link=29000_30532_30554nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=4أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا؟ ساء ما يحكمون! ..
فلا يحسبن مفسد أنه مفلت ولا سابق، ومن يحسب هذا فقد ساء حكمه، وفسد تقديره، واختل تصوره، فإن الله الذي جعل الابتلاء سنة ليمتحن إيمان المؤمن ويميز بين الصادقين والكاذبين; هو الذي جعل أخذ المسيئين سنة لا تتبدل ولا تتخلف ولا تحيد.
وهذا هو الإيقاع الثاني في مطلع السورة، الذي يوازن الإيقاع الأول ويعادله، فإذا كانت الفتنة سنة جارية لامتحان القلوب وتمحيص الصفوف، فخيبة المسيئين وأخذ المفسدين سنة جارية لا بد أن تجيء.
أما الإيقاع الثالث فيتمثل في تطمين الذين يرجون لقاء الله، ووصل قلوبهم به في ثقة وفي يقين:
[ ص: 2722 ] nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=5من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت، وهو السميع العليم ..
فلتقر القلوب الراجية في لقاء الله ولتطمئن; ولتنتظر ما وعدها الله إياه، انتظار الواثق المستيقن; ولتتطلع إلى يوم اللقاء في شوق ولكن في يقين.
والتعبير يصور هذه القلوب المتطلعة إلى لقاء الله صورة موحية، صورة الراجي المشتاق، الموصول بما هناك، ويجيب على التطلع بالتوكيد المريح، ويعقب عليه بالطمأنينة الندية، يدخلها في تلك القلوب، فإن الله يسمع لها، ويعلم تطلعها:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=5وهو السميع العليم .
والإيقاع الرابع يواجه القلوب التي تحتمل تكاليف الإيمان، ومشاق الجهاد، بأنها إنما تجاهد لنفسها ولخيرها ولاستكمال فضائلها، ولإصلاح أمرها وحياتها; وإلا فما بالله من حاجة إلى أحد، وإنه لغني عن كل أحد:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=6ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه، إن الله لغني عن العالمين ..
فإذا كتب الله على المؤمنين الفتنة وكلفهم أن يجاهدوا أنفسهم لتثبت على احتمال المشاق، فإنما ذلك لإصلاحهم، وتكميلهم، وتحقيق الخير لهم في الدنيا والآخرة، والجهاد يصلح من نفس المجاهد وقلبه; ويرفع من تصوراته وآفاقه; ويستعلي به على الشح بالنفس والمال، ويستجيش أفضل ما في كيانه من مزايا واستعدادات، وذلك كله قبل أن يتجاوز به شخصه إلى الجماعة المؤمنة، وما يعود عليها من صلاح حالها، واستقرار الحق بينها، وغلبة الخير فيها على الشر، والصلاح فيها على الفساد.
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=6ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه .
فلا يقفن أحد في وسط الطريق، وقد مضى في الجهاد شوطا; يطلب من الله ثمن جهاده; ويمن عليه وعلى دعوته، ويستبطئ المكافأة على ما ناله! فإن الله لا يناله من جهاده شيء، وليس في حجة إلى جهد بشر ضعيف هزيل:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=6إن الله لغني عن العالمين . وإنما هو فضل من الله أن يعينه في جهاده، وأن يستخلفه في الأرض به، وأن يأجره في الآخرة بثوابه:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=7والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم، ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون .
فليطمئن المؤمنون العاملون على ما لهم عند الله، من تكفير للسيئات، وجزاء على الحسنات، وليصبروا على تكاليف الجهاد; وليثبتوا على الفتنة والابتلاء; فالأمل المشرق والجزاء الطيب، ينتظرانهم في نهاية المطاف، وإنه لحسب المؤمن حتى لو فاته في الحياة الانتصاف.
ثم يجيء إلى لون من ألوان الفتنة أشرنا إليه في مطلع السورة: فتنة الأهل والأحباء، فيفصل في الموقف الدقيق بالقول الحازم الوسط، لا إفراط فيه ولا تفريط:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=8ووصينا الإنسان بوالديه حسنا. وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما، إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون. nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=9والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين ..
إن الوالدين لأقرب الأقرباء، وإن لهما لفضلا، وإن لهما لرحما; وإن لهما لواجبا مفروضا: واجب الحب والكرامة والاحترام والكفالة، ولكن ليس لهما من طاعة في حق الله، وهذا هو الصراط:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=8ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ..
إن الصلة في الله هي الصلة الأولى، والرابطة في الله هي العروة الوثقى، فإن كان الوالدان مشركين فلهما الإحسان
[ ص: 2723 ] والرعاية، لا الطاعة ولا الاتباع، وإن هي إلا الحياة الدنيا ثم يعود الجميع إلى الله.
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=8إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ..
ويفصل ما بين المؤمنين والمشركين، فإذا المؤمنون أهل ورفاق، ولو لم يعقد بينهم نسب ولا صهر:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=9والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين ..
وهكذا يعود الموصولون بالله جماعة واحدة، كما هم في الحقيقة; وتذهب روابط الدم والقرابة والنسب والصهر، وتنتهي بانتهاء الحياة الدنيا، فهي روابط عارضة لا أصيلة لانقطاعها عن العروة الوثقى التي لا انفصام لها.
روى
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي عند تفسير هذه الآية أنها نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - وأمه
حمنة بنت أبي سفيان، وكان بارا بأمه، فقالت له: ما هذا الدين الذي أحدثت؟ والله لا آكل ولا أشرب حتى ترجع إلى ما كنت عليه أو أموت، فتتعير بذلك أبد الدهر، يقال: يا قاتل أمه، ثم إنها مكثت يوما وليلة لم تأكل ولم تشرب، فجاء
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد إليها وقال: يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني، فكلي إن شئت، وإن شئت فلا تأكلي، فلما أيست منه أكلت وشربت فأنزل الله هذه الآية آمرا بالبر بالوالدين والإحسان إليهما، وعدم طاعتهما في الشرك.
وهكذا انتصر الإيمان على فتنة القرابة والرحم; واستبقى الإحسان والبر، وإن المؤمن لعرضة لمثل هذه الفتنة في كل آن; فليكن بيان الله وفعل سعد هما راية النجاة والأمان.
وَأَمَّا الَّذِينَ يَفْتِنُونَ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ، فَمَا هُمْ بِمُفَلَّتِينَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَلَا نَاجِينَ، مَهْمَا انْتَفَخَ بَاطِلُهُمْ وَانْتَفَشَ، وَبَدَا عَلَيْهِ الِانْتِصَارُ وَالْفَلَاحُ، وَعْدُ اللَّهِ كَذَلِكَ وَسَنَّتِهِ فِي نِهَايَةِ الْمَطَافِ:
nindex.php?page=treesubj&link=29000_30532_30554nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=4أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا؟ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ! ..
فَلَا يَحْسَبَنَّ مُفْسِدٌ أَنَّهُ مُفْلِتٌ وَلَا سَابِقٌ، وَمَنْ يَحْسَبُ هَذَا فَقَدَ سَاءَ حُكْمُهُ، وَفَسَدَ تَقْدِيرُهُ، وَاخْتَلَّ تَصَوُّرُهُ، فَإِنَّ اللَّهَ الَّذِي جَعَلَ الِابْتِلَاءَ سَنَةً لِيَمْتَحِنَ إِيمَانَ الْمُؤْمِنِ وَيُمَيِّزَ بَيْنَ الصَّادِقِينَ وَالْكَاذِبِينَ; هُوَ الَّذِي جَعَلَ أَخَذَ الْمُسِيئِينَ سُنَّةً لَا تَتَبَدَّلُ وَلَا تَتَخَلَّفُ وَلَا تَحِيدُ.
وَهَذَا هُوَ الْإِيقَاعُ الثَّانِي فِي مَطْلَعِ السُّورَةِ، الَّذِي يُوَازِنُ الْإِيقَاعَ الْأَوَّلَ وَيُعَادِلُهُ، فَإِذَا كَانَتِ الْفِتْنَةُ سُنَّةً جَارِيَةً لِامْتِحَانِ الْقُلُوبِ وَتَمْحِيصِ الصُّفُوفِ، فَخَيْبَةُ الْمُسِيئِينَ وَأَخْذُ الْمُفْسِدِينَ سُنَّةٌ جَارِيَةً لَا بُدَّ أَنْ تَجِيءَ.
أَمَّا الْإِيقَاعُ الثَّالِثُ فَيَتَمَثَّلُ فِي تَطْمِينِ الَّذِينَ يَرْجُونَ لِقَاءَ اللَّهِ، وَوَصْلِ قُلُوبِهِمْ بِهِ فِي ثِقَةٍ وَفِي يَقِينٍ:
[ ص: 2722 ] nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=5مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ..
فَلْتَقَرَّ الْقُلُوبُ الرَّاجِيَةُ فِي لِقَاءِ اللَّهِ وَلِتَطْمَئِنَّ; وَلِتَنْتَظِرَ مَا وَعَدَهَا اللَّهُ إِيَّاهُ، انْتِظَارَ الْوَاثِقِ الْمُسْتَيْقِنِ; وَلِتَتَطَلَّعَ إِلَى يَوْمِ اللِّقَاءِ فِي شَوْقٍ وَلَكِنْ فِي يَقِينٍ.
وَالتَّعْبِيرُ يُصَوِّرُ هَذِهِ الْقُلُوبَ الْمُتَطَلِّعَةَ إِلَى لِقَاءِ اللَّهِ صُورَةً مُوحِيَةً، صُورَةُ الرَّاجِي الْمُشْتَاقِ، الْمَوْصُولِ بِمَا هُنَاكَ، وَيُجِيبُ عَلَى التَّطَلُّعِ بِالتَّوْكِيدِ الْمُرِيحِ، وَيُعَقِّبُ عَلَيْهِ بِالطُّمَأْنِينَةِ النَّدِيَّةِ، يُدْخِلُهَا فِي تِلْكَ الْقُلُوبِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ لَهَا، وَيَعْلَمُ تَطَلُّعَهَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=5وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ .
وَالْإِيقَاعُ الرَّابِعُ يُوَاجِهُ الْقُلُوبَ الَّتِي تَحْتَمِلُ تَكَالِيفَ الْإِيمَانِ، وَمَشَاقَّ الْجِهَادِ، بِأَنَّهَا إِنَّمَا تُجَاهِدُ لِنَفْسِهَا وَلِخَيْرِهَا وَلِاسْتِكْمَالِ فَضَائِلِهَا، وَلِإِصْلَاحِ أَمْرِهَا وَحَيَاتِهَا; وَإِلَّا فَمَا بِاللَّهِ مِنْ حَاجَةٍ إِلَى أَحَدٍ، وَإِنَّهُ لِغَنِيٌّ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=6وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ، إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ..
فَإِذَا كَتَبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الْفِتْنَةَ وَكَلَّفَهُمُ أَنْ يُجَاهِدُوا أَنْفُسَهُمْ لِتَثْبُتَ عَلَى احْتِمَالِ الْمَشَاقِّ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ لِإِصْلَاحِهِمْ، وَتَكْمِيلِهِمْ، وَتَحْقِيقِ الْخَيْرِ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْجِهَادُ يُصْلِحُ مِنْ نَفْسِ الْمُجَاهِدِ وَقَلْبِهِ; وَيَرْفَعُ مِنْ تَصَوُّرَاتِهِ وَآفَاقِهِ; وَيَسْتَعْلِي بِهِ عَلَى الشُّحِّ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ، وَيَسْتَجِيشُ أَفْضَلَ مَا فِي كِيَانِهِ مِنْ مَزَايَا وَاسْتِعْدَادَاتٍ، وَذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ أَنْ يَتَجَاوَزَ بِهِ شَخْصُهُ إِلَى الْجَمَاعَةِ الْمُؤْمِنَةِ، وَمَا يَعُوُدُ عَلَيْهَا مِنْ صَلَاحِ حَالِهَا، وَاسْتِقْرَارِ الْحَقِّ بَيْنَهَا، وَغَلَبَةِ الْخَيْرِ فِيهَا عَلَى الشَّرِّ، وَالصَّلَاحِ فِيهَا عَلَى الْفَسَادِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=6وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ .
فَلَا يَقِفْنَّ أَحَدٌ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ، وَقَدْ مَضَى فِي الْجِهَادِ شَوْطًا; يَطْلُبُ مِنَ اللَّهِ ثَمَنَ جِهَادِهِ; وَيَمُنُّ عَلَيْهِ وَعَلَى دَعْوَتِهِ، وَيَسْتَبْطِئُ الْمُكَافَأَةَ عَلَى مَا نَالَهُ! فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَنَالُهُ مِنْ جِهَادِهِ شَيْءٌ، وَلَيْسَ فِي حَجَةٍ إِلَى جُهْدِ بَشَرٍ ضَعِيفٍ هَزِيلٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=6إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ . وَإِنَّمَا هُوَ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ أَنْ يُعِينَهُ فِي جِهَادِهِ، وَأَنْ يَسْتَخْلِفَهُ فِي الْأَرْضِ بِهِ، وَأَنْ يَأْجُرَهُ فِي الْآخِرَةِ بِثَوَابِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=7وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ، وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ .
فَلْيَطْمَئِنَ الْمُؤْمِنُونَ الْعَامِلُونَ عَلَى مَا لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ، مِنْ تَكْفِيرٍ لِلسَّيِّئَاتِ، وَجَزَاءٍ عَلَى الْحَسَنَاتِ، وَلِيَصْبِرُوا عَلَى تَكَالِيفِ الْجِهَادِ; وَلِيَثْبُتُوا عَلَى الْفِتْنَةِ وَالِابْتِلَاءِ; فَالْأَمَلُ الْمُشْرِقُ وَالْجَزَاءُ الطَّيِّبُ، يَنْتَظِرَانِهِمْ فِي نِهَايَةِ الْمَطَافِ، وَإِنَّهُ لَحَسَبِ الْمُؤْمِنِ حَتَّى لَوْ فَاتَهُ فِي الْحَيَاةِ الِانْتِصَافَ.
ثُمَّ يَجِيءُ إِلَى لَوْنٍ مِنْ أَلْوَانِ الْفِتْنَةِ أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي مَطْلَعِ السُّورَةِ: فِتْنَةُ الْأَهْلِ وَالْأَحِبَّاءِ، فَيَفْصِلُ فِي الْمَوْقِفِ الدَّقِيقِ بِالْقَوْلِ الْحَازِمِ الْوَسَطِ، لَا إِفْرَاطَ فِيهِ وَلَا تَفْرِيطَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=8وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا. وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا، إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=9وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ ..
إِنَّ الْوَالِدَيْنِ لِأَقْرَبُ الْأَقْرِبَاءَ، وَإِنَّ لَهُمَا لَفَضْلًا، وَإِنَّ لَهُمَا لَرَحِمًا; وَإِنَّ لَهُمَا لَوَاجِبًا مَفْرُوضًا: وَاجِبُ الْحُبِّ وَالْكَرَامَةِ وَالِاحْتِرَامُ وَالْكَفَالَةِ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُمَا مِنْ طَاعَةٍ فِي حَقِّ اللَّهِ، وَهَذَا هُوَ الصِّرَاطُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=8وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا ..
إِنَّ الصِّلَةَ فِي اللَّهِ هِيَ الصِّلَةُ الْأُولَى، وَالرَّابِطَةُ فِي اللَّهِ هِيَ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى، فَإِنْ كَانَ الْوَالِدَانِ مُشْرِكَيْنِ فَلَهُمَا الْإِحْسَانُ
[ ص: 2723 ] وَالرِّعَايَةُ، لَا الطَّاعَةُ وَلَا الِاتِّبَاعُ، وَإِنْ هِيَ إِلَّا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ثُمَّ يَعُودُ الْجَمِيعُ إِلَى اللَّهِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=8إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ..
وَيَفْصِلُ مَا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، فَإِذَا الْمُؤْمِنُونَ أَهْلٌ وَرِفَاقٌ، وَلَوْ لَمْ يُعْقَدُ بَيْنَهُمْ نَسَبٌ وَلَا صِهْرٌ:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=9وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ ..
وَهَكَذَا يَعُودُ الْمَوْصُولُونَ بِاللَّهِ جَمَاعَةً وَاحِدَةً، كَمَا هُمْ فِي الْحَقِيقَةِ; وَتَذْهَبُ رَوَابِطُ الدَّمِ وَالْقَرَابَةِ وَالنَّسَبِ وَالصِّهْرِ، وَتَنْتَهِي بِانْتِهَاءِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَهِيَ رَوَابِطُ عَارِضَةٌ لَا أَصِيلَةٍ لِانْقِطَاعِهَا عَنِ الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى الَّتِي لَا انْفِصَامَ لَهَا.
رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=37سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَاصَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَمَّهُ
حِمْنَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، وَكَانَ بَارًّا بِأُمِّهِ، فَقَالَتْ لَهُ: مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي أَحْدَثْتَ؟ وَاللَّهِ لَا آكُلُ وَلَا أَشْرَبُ حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى مَا كُنْتَ عَلَيْهِ أَوْ أَمُوتَ، فَتَتَعَيَّرَ بِذَلِكَ أَبَدَ الدَّهْرِ، يُقَالُ: يَا قَاتِلَ أُمِّهِ، ثُمَّ إِنَّهَا مَكَثَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَمْ تَأْكُلْ وَلَمْ تَشْرَبْ، فَجَاءَ
nindex.php?page=showalam&ids=37سَعْدٌ إِلَيْهَا وَقَالَ: يَا أُمَّاهُ لَوْ كَانَتْ لَكِ مِائَةَ نَفْسٍ فَخَرَجَتْ نَفْسًا نَفْسًا مَا تَرَكَتْ دِينِي، فَكُلِّي إِنْ شِئْتِ، وَإِنْ شِئْتِ فَلَا تَأْكُلِي، فَلَمَّا أَيِسَتْ مِنْهُ أَكَلَتْ وَشَرِبَتْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ آمِرًا بِالْبِرِّ بِالْوَالِدَيْنِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا، وَعَدَمُ طَاعَتِهِمَا فِي الشِّرْكِ.
وَهَكَذَا انْتَصَرَ الْإِيمَانُ عَلَى فِتْنَةِ الْقُرَابَةِ وَالرَّحِمِ; وَاسْتَبْقَى الْإِحْسَانَ وَالْبِرَّ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لِعُرْضَةٌ لِمِثْلِ هَذِهِ الْفِتْنَةِ فِي كُلِّ آنٍ; فَلْيَكُنْ بَيَانُ اللَّهِ وَفِعْلُ سَعِدٍ هُمَا رَايَةُ النَّجَاةِ وَالْأَمَانِ.