فلما أخذ الإسلام يعيد تنظيم العلاقات الاجتماعية في محيط الأسرة; ويعتبر الأسرة هي الوحدة الاجتماعية الأولى; ويوليها من عنايته ما يليق بالمحضن الذي تنشأ فيه الأجيال.. جعل يرفع عن المرأة هذا الخسف; وجعل يصرف تلك العلاقات بالعدل واليسر. وكان مما شرعه هذه القاعدة:
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم .. فإن قولة باللسان لا تغير الحقيقة الواقعة، وهي أن الأم أم والزوجة زوجة; ولا تتحول طبيعة العلاقة بكلمة! ومن ثم لم يعد الظهار تحريما أبديا كتحريم الأم كما كان في الجاهلية.
وقد روي أن إبطال عادة الظهار شرع فيما نزل من " سورة المجادلة " عندما
nindex.php?page=hadith&LINKID=936817ظاهر أوس بن الصامت من زوجه خولة بنت ثعلبة، فجاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تشكو تقول: يا رسول الله، أكل مالي، وأفنى شبابي، ونثرت له بطني. حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي، ظاهر مني. فقال - صلى الله عليه وسلم - " ما أراك إلا قد حرمت عليه " . فأعادت ذلك مرارا. فأنزل الله: nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=1قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله، والله يسمع تحاوركما، إن الله سميع بصير. nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=2الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم، إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم، وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا. وإن الله لعفو غفور. nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة - من قبل أن يتماسا - ذلكم توعظون به. والله بما تعملون خبير. nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا. ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله. وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم .. فجعل الظهار تحريما مؤقتا للوطء - لا مؤبدا ولا طلاقا - كفارته عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا. وبذلك تحل الزوجة مرة أخرى، وتعود الحياة الزوجية لسابق عهدها. ويستقر الحكم الثابت المستقيم على الحقيقة الواقعة:
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم .. وتسلم الأسرة من التصدع بسبب تلك العادة الجاهلية، التي كانت تمثل طرفا من سوم المرأة الخسف والعنت، ومن اضطراب علاقات الأسرة وتعقيدها وفوضاها، تحت نزوات الرجال وعنجهيتهم في المجتمع الجاهلي.
هذه مسألة الظهار. فأما مسألة التبني، ودعوة الأبناء إلى غير آبائهم، فقد كانت كذلك تنشأ من التخلخل
[ ص: 2825 ] في بناء الأسرة، وفي بناء المجتمع كله.
ومع ما هو مشهور من الاعتزاز بالعفة في المجتمع العربي، والاعتزاز بالنسب، فإنه كانت توجد إلى جانب هذا الاعتزاز ظواهر أخرى مناقضة في المجتمع، في غير البيوت المعدودة ذات النسب المشهور.
كان يوجد في المجتمع أبناء لا يعرف لهن آباء! وكان الرجل يعجبه أحد هؤلاء فيتبناه. يدعوه ابنه، ويلحقه بنسبه، فيتوارث وإياه توارث النسب.
وكان هناك أبناء لهم آباء معروفون. ولكن كان الرجل يعجب بأحد هؤلاء فيأخذه لنفسه، ويتبناه،ويلحقه بنسبه، فيعرف بين الناس باسم الرجل الذي تبناه، ويدخل في أسرته. وكان هذا يقع بخاصة في السبي، حين يؤخذ الأطفال والفتيان في الحروب والغارات; فمن شاء أن يلحق بنسبه واحدا من هؤلاء دعاه ابنه، وأطلق عليه اسمه، وعرف به، وصارت له حقوق البنوة وواجباتها.
ومن هؤلاء
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة الكلبي. وهو من قبيلة عربية. سبي صغيرا في غارة أيام الجاهلية; فاشتراه
nindex.php?page=showalam&ids=137حكيم بن حزام لعمته
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة - رضي الله عنها - فلما تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهبته له. ثم طلبه أبوه وعمه فخيره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاختار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعتقه، وتبناه، وكانوا يقولون عنه:
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن
محمد وكان أول من آمن به من الموالي.
فلما شرع الإسلام ينظم علاقات الأسرة على الأساس الطبيعي لها، ويحكم روابطها، ويجعلها صريحة لا خلط فيها ولا تشويه.. أبطل عادة التبني هذه; ورد علاقة النسب إلى أسبابها الحقيقية.. علاقات الدم والأبوة والبنوة الواقعية. وقال: " وما جعل أدعياءكم أبناءكم " ..
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4ذلكم قولكم بأفواهكم .. والكلام لا يغير واقعا، ولا ينشئ علاقة غير علاقة الدم، وعلاقة الوراثة للخصائص التي تحملها النطفة، وعلاقة المشاعر الطبيعية الناشئة من كون الولد بضعة حية من جسم والده الحي!
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ..
يقول الحق المطلق الذي لا يلابسه باطل. ومن الحق إقامة العلاقات على تلك الرابطة الحقة المستمدة من اللحم والدم، لا على كلمة تقال بالفم.
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4وهو يهدي السبيل المستقيم، المتصل بناموس الفطرة الأصيل، الذي لا يغني غناءه سبيل آخر من صنع البشر، يصنعونه بأفواههم. بكلمات لا مدلول لها من الواقع.فتغلبها كلمة الحق والفطرة التي يقولها الله ويهدي بها السبيل.
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=5ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ..
وإنه لقسط وعدل أن يدعى الولد لأبيه. عدل للوالد الذي نشأ هذا الولد من بضعة منه حية. وعدل للولد الذي يحمل اسم أبيه، ويرثه ويورثه، ويتعاون معه ويكون امتدادا له بوراثاته الكامنة، وتمثيله لخصائصه وخصائص آبائه وأجداده. وعدل للحق في ذاته الذي يضع كل شيء في مكانه; ويقيم كل علاقة على أصلها الفطري، ولا يضيع مزية على والد ولا ولد; كما أنه لا يحمل غير الوالد الحقيقي تبعة البنوة، ولا يعطيه مزاياها. ولا يحمل غير الولد الحقيقي تبعة البنوة ولا يحابيه بخيراتها!
وهذا هو النظام الذي يجعل التبعات في الأسرة متوازنة. ويقيم الأسرة على أساس ثابت دقيق مستمد من الواقع. وهو في الوقت ذاته يقيم بناء المجتمع على قاعدة حقيقية قوية بما فيها من الحق ومن مطابقة الواقع الفطري العميق.. وكل نظام يتجاهل حقيقة الأسرة الطبيعية هو نظام فاشل، ضعيف، مزور الأسس،
[ ص: 2826 ] لا يمكن أن يعيش!
ونظرا للفوضى في علاقات الأسرة في الجاهلية والفوضى الجنسية كذلك، التي تخلف عنها أن تختلط الأنساب، وأن يجهل الآباء في بعض الأحيان، فقد يسر الإسلام الأمر - وهو بصدد إعادة تنظيم الأسرة، وإقامة النظام الاجتماعي على أساسها - فقرر في حالة عدم الاهتداء إلى معرفة الآباء الحقيقيين مكانا للأدعياء في الجماعة الإسلامية، قائما على الأخوة في الدين والموالاة فيه:
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=5فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم ..
وهي علاقة أدبية شعورية; لا تترتب عليها التزامات محددة، كالتزام التوارث والتكافل في دفع الديات - وهي التزامات النسب بالدم، التي كانت تلتزم كذلك بالتبني - وذلك كي لا يترك هؤلاء الأدعياء بغير رابطة في الجماعة بعد إلغاء رابطة التبني.
وهذا النص:
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=5فإن لم تعلموا آباءهم .. يصور لنا حقيقة الخلخلة في المجتمع الجاهلي. وحقيقة الفوضى في العلاقات الجنسية. هذه الفوضى وتلك الخلخلة التي عالجها الإسلام بإقامة نظام الأسرة على أساس الأبوة.
وإقامة نظام المجتمع على أساس الأسرة السليمة.
وبعد الجتهاد في رد الأنساب إلى حقائقها فليس على المؤمنين من مؤاخذة في الحالات التي يعجزون عن الاهتداء فيها إلى النسب الصحيح:
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=5وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم ..
وهذه السماحة مردها إلى أن الله سبحانه وتعالى يتصف بالغفران والرحمة، فلا يعنت الناس بما لا يستطيعون:
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=5وكان الله غفورا رحيما ..
ولقد شدد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التثبت والتأكد من النسب لتوكيد جدية التنظيم الجديد الذي يلغي كل أثر للتخلخل الاجتماعي الجاهلي. وتوعد الذين يكتمون الحقيقة في الأنساب بوصمة الكفر. قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير: حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17381يعقوب بن إبراهيم. حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16904ابن علية. عن
عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه قال: قال
nindex.php?page=showalam&ids=130أبو بكرة - رضي الله عنه - قال الله عز وجل:
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=5ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم .. فأنا ممن لا يعرف أبوه، فأنا من إخوانكم في الدين.. قال
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي (من كلام
عيينة بن عبد الرحمن) والله إني لأظنه لو علم أن أباه كان حمارا لانتمى إليه. وقد جاء في الحديث: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=75642من ادعى إلى غير أبيه - وهو يعلم - إلا كفر " .. وهذا التشديد يتمشى مع عناية الإسلام بصيانة الأسرة وروابطها من كل شبهة ومن كل دخل; وحياطتها بكل أسباب السلامة والاستقامة والقوة والثبوت. ليقيم عليها بناء المجتمع المتماسك السليم النظيف العفيف.
بعد ذلك يقرر إبطال نظام المؤاخاة كما أبطل نظام التبني. ونظام المؤاخاة لم يكن جاهليا; إنما هو نظام استحدثه الإسلام بعد الهجرة، لمواجهة حالة المهاجرين الذين تركوا أموالهم وأهليهم في
مكة ; ومواجهة الحالة كذلك بين المسلمين في
المدينة ممن انفصلت علاقاتهم بأسرهم نتيجة لإسلامهم.. وذلك مع تقرير الولاية العامة
[ ص: 2827 ] للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتقديمها على جميع ولايات النسب; وتقرير الأمومة الروحية بين أزواجه - صلى الله عليه وسلم - وجميع المؤمنين:
فَلَمَّا أَخَذَ الْإِسْلَامُ يُعِيدُ تَنْظِيمَ الْعَلَاقَاتِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ فِي مُحِيطِ الْأُسْرَةِ; وَيَعْتَبَرُ الْأُسْرَةَ هِيَ الْوَحْدَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ الْأَوْلَى; وَيُولِيهَا مِنْ عِنَايَتِهِ مَا يَلِيقُ بِالْمَحْضَنِ الَّذِي تَنْشَأُ فِيهِ الْأَجْيَالُ.. جَعَلَ يَرْفَعُ عَنِ الْمَرْأَةِ هَذَا الْخَسْفَ; وَجَعَلَ يُصَرِّفُ تِلْكَ الْعَلَاقَاتِ بِالْعَدْلِ وَالْيُسْرِ. وَكَانَ مِمَّا شَرَعَهُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ .. فَإِنَّ قَوْلَةً بِاللِّسَانِ لَا تُغَيِّرُ الْحَقِيقَةَ الْوَاقِعَةَ، وَهِيَ أَنَّ الْأُمَّ أُمٌّ وَالزَّوْجَةَ زَوْجَةٌ; وَلَا تَتَحَوَّلُ طَبِيعَةُ الْعَلَاقَةِ بِكَلِمَةٍ! وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَعُدِ الظِّهَارُ تَحْرِيمًا أَبَدِيًّا كَتَحْرِيمِ الْأُمِّ كَمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ إِبْطَالَ عَادَةِ الظِّهَارِ شُرِّعَ فِيمَا نَزَلَ مِنْ " سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ " عِنْدَمَا
nindex.php?page=hadith&LINKID=936817ظَاهِرَ أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ مِنْ زَوْجِهِ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ، فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَشْكُو تَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكَلَ مَالِي، وَأَفْنَى شَبَابِي، وَنَثَرَتُ لَهُ بَطْنِي. حَتَّى إِذَا كَبُرَتْ سِنِّي وَانْقَطَعَ وَلَدِي، ظَاهَرَ مِنِّي. فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " مَا أَرَاكِ إِلَّا قَدْ حَرُمَتِ عَلَيْهِ " . فَأَعَادَتْ ذَلِكَ مِرَارًا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=1قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهُ، وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا، إِنَّ اللَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ. nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=2الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ، إِنْ أُمَّهَاتِهِمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ، وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا. وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ. nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ - مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا - ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ. وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا. ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ .. فَجَعَلَ الظِّهَارَ تَحْرِيمًا مُؤَقَّتًا لِلْوَطْءِ - لَا مُؤَبَّدًا وَلَا طَلَاقًا - كَفَّارَتُهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ، أَوْ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، أَوْ إِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا. وَبِذَلِكَ تَحِلُّ الزَّوْجَةُ مَرَّةً أُخْرَى، وَتَعُودُ الْحَيَاةُ الزَّوْجِيَّةُ لِسَابِقِ عَهْدِهَا. وَيَسْتَقِرُّ الْحُكْمُ الثَّابِتُ الْمُسْتَقِيمُ عَلَى الْحَقِيقَةِ الْوَاقِعَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ .. وَتَسْلَمُ الْأُسْرَةُ مِنَ التَّصَدُّعِ بِسَبَبِ تِلْكَ الْعَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ، الَّتِي كَانَتْ تُمَثِّلُ طَرَفًا مِنْ سَوْمِ الْمَرْأَةِ الْخَسْفَ وَالْعَنَتَ، وَمِنِ اضْطِرَابِ عَلَاقَاتِ الْأُسْرَةِ وَتَعْقِيدِهَا وَفَوْضَاهَا، تَحْتَ نَزَوَاتِ الرِّجَالِ وَعَنْجَهِيَّتِهِمْ فِي الْمُجْتَمَعِ الْجَاهِلِيِّ.
هَذِهِ مَسْأَلَةُ الظِّهَارِ. فَأَمَّا مَسْأَلَةُ التَّبَنِّي، وَدَعْوَةُ الْأَبْنَاءِ إِلَى غَيْرِ آبَائِهِمْ، فَقَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ تَنْشَأُ مِنَ التَّخَلْخُلِ
[ ص: 2825 ] فِي بِنَاءِ الْأُسْرَةِ، وَفِي بِنَاءِ الْمُجْتَمَعِ كُلِّهِ.
وَمَعَ مَا هُوَ مَشْهُورٌ مِنَ الاعْتِزَازِ بِالْعِفَّةِ فِي الْمُجْتَمَعِ الْعَرَبِيِّ، وَالِاعْتِزَازِ بِالنَّسَبِ، فَإِنَّهُ كَانَتْ تُوجَدُ إِلَى جَانِبِ هَذَا الِاعْتِزَازِ ظَوَاهِرُ أُخْرَى مُنَاقِضَةٌ فِي الْمُجْتَمَعِ، فِي غَيْرِ الْبُيُوتِ الْمَعْدُودَةِ ذَاتِ النَّسَبِ الْمَشْهُورِ.
كَانَ يُوجَدُ فِي الْمُجْتَمَعِ أَبْنَاءٌ لَا يُعْرَفُ لَهُنَّ آبَاءٌ! وَكَانَ الرَّجُلُ يُعْجِبُهُ أَحَدُ هَؤُلَاءِ فَيَتَبَنَّاهُ. يَدْعُوهُ ابْنَهُ، وَيُلْحِقُهُ بِنَسَبِهِ، فَيَتَوَارَثُ وَإِيَّاهُ تَوَارَثَ النَّسَبِ.
وَكَانَ هُنَاكَ أَبْنَاءٌ لَهُمْ آبَاءٌ مَعْرُوفُونَ. وَلَكِنْ كَانَ الرَّجُلُ يُعْجَبُ بِأَحَدِ هَؤُلَاءِ فَيَأْخُذُهُ لِنَفْسِهِ، وَيَتَبَنَّاهُ،وَيُلْحِقُهُ بِنَسَبِهِ، فَيُعْرَفُ بَيْنَ النَّاسِ بِاسْمِ الرَّجُلِ الَّذِي تَبَنَّاهُ، وَيَدْخُلُ فِي أُسْرَتِهِ. وَكَانَ هَذَا يَقَعُ بِخَاصَّةٍ فِي السَّبْيِ، حِينَ يُؤْخَذُ الْأَطْفَالُ وَالْفَتَيَانِ فِي الْحُرُوبِ وَالْغَارَاتِ; فَمَنْ شَاءَ أَنْ يُلْحِقَ بِنَسَبِهِ وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ دَعَاهُ ابْنُهُ، وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمَهُ، وَعُرِفَ بِهِ، وَصَارَتْ لَهُ حُقُوقٌ الْبُنُوَّةِ وَوَاجِبَاتِهَا.
وَمِنْ هَؤُلَاءِ
nindex.php?page=showalam&ids=138زِيدُ بْنُ حَارِثَةَ الْكَلْبِيِّ. وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةٍ عَرَبِيَّةٍ. سُبِيَ صَغِيرًا فِي غَارَةٍ أَيَّامَ الْجَاهِلِيَّةِ; فَاشْتَرَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=137حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ لِعَمَّتِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=10640خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَلَمَّا تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَبَتْهُ لَهُ. ثُمَّ طَلَبَهُ أَبُوهُ وَعَمُّهُ فَخَيَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاخْتَارَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْتَقَهُ، وَتَبَنَّاهُ، وَكَانُوا يَقُولُونَ عَنْهُ:
nindex.php?page=showalam&ids=138زَيْدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنَ الْمَوَالِي.
فَلَمَّا شَرَعَ الْإِسْلَامُ يُنَظِّمُ عَلَاقَاتِ الْأُسْرَةِ عَلَى الْأَسَاسِ الطَّبِيعِيِّ لَهَا، وَيَحْكُمُ رَوَابِطَهَا، وَيَجْعَلُهَا صَرِيحَةً لَا خَلْطَ فِيهَا وَلَا تَشْوِيهَ.. أَبْطَلَ عَادَةَ التَّبَنِّي هَذِهِ; وَرَدَّ عَلَاقَةَ النَّسَبِ إِلَى أَسْبَابِهَا الْحَقِيقِيَّةِ.. عَلَاقَاتِ الدَّمِ وَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ الْوَاقِعِيَّةِ. وَقَالَ: " وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ " ..
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ .. وَالْكَلَامُ لَا يُغَيِّرُ وَاقِعًا، وَلَا يُنْشِئُ عَلَاقَةً غَيْرَ عَلَاقَةِ الدَّمِ، وَعَلَاقَةِ الْوِرَاثَةِ لِلْخَصَائِصِ الَّتِي تَحْمِلُهَا النُّطْفَةُ، وَعَلَاقَةِ الْمَشَاعِرِ الطَّبِيعِيَّةِ النَّاشِئَةِ مِنْ كَوْنِ الْوَلَدِ بِضْعَةً حَيَّةً مِنْ جِسْمِ وَالِدِهِ الْحَيِّ!
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ..
يَقُولُ الْحَقَّ الْمُطْلَقَ الَّذِي لَا يُلَابِسُهُ بَاطِلٌ. وَمِنَ الْحَقِّ إِقَامَةُ الْعَلَاقَاتِ عَلَى تِلْكَ الرَّابِطَةِ الْحَقَّةِ الْمُسْتَمَدَّةِ مِنَ اللَّحْمِ وَالدَّمِ، لَا عَلَى كَلِمَةٍ تُقَالُ بِالْفَمِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ الْمُسْتَقِيمَ، الْمُتَّصِلَ بِنَامُوسِ الْفِطْرَةِ الْأَصِيلِ، الَّذِي لَا يُغْنِي غِنَاءَهُ سَبِيلٌ آخَرَ مِنْ صُنْعِ الْبَشَرِ، يَصْنَعُونَهُ بِأَفْوَاهِهِمْ. بِكَلِمَاتٍ لَا مَدْلُولَ لَهَا مِنَ الْوَاقِعِ.فَتَغْلِبُهَا كَلِمَةُ الْحَقِّ وَالْفِطْرَةِ الَّتِي يَقُولُهَا اللَّهُ وَيَهْدِي بِهَا السَّبِيلَ.
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=5ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ..
وَإِنَّهُ لَقِسْطٌ وَعَدْلٌ أَنْ يُدْعَى الْوَلَدُ لِأَبِيهِ. عَدْلٌ لِلْوَالِدِ الَّذِي نَشَأَ هَذَا الْوَلَدُ مِنْ بِضْعَةٍ مِنْهُ حَيَّةٍ. وَعَدْلٌ لِلْوَلَدِ الَّذِي يَحْمِلُ اسْمَ أَبِيهِ، وَيَرِثُهُ وَيُورِثُهُ، وَيَتَعَاوَنُ مَعَهُ وَيَكُونُ امْتِدَادًا لَهُ بِوِرَاثَاتِهِ الْكَامِنَةِ، وَتَمْثِيلُهُ لِخَصَائِصِهِ وَخَصَائِصِ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ. وَعَدْلٌ لِلْحَقِّ فِي ذَاتِهِ الَّذِي يَضَعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي مَكَانِهِ; وَيُقِيمُ كُلَّ عَلَاقَةٍ عَلَى أَصْلِهَا الْفِطْرِيِّ، وَلَا يُضَيِّعُ مَزِيَّةً عَلَى وَالِدٍ وَلَا وَلَدٍ; كَمَا أَنَّهُ لَا يُحَمِّلُ غَيْرَ الْوَالِدِ الْحَقِيقِيِّ تَبِعَةَ الْبُنُوَّةِ، وَلَا يُعْطِيهِ مَزَايَاهَا. وَلَا يُحَمِّلُ غَيْرَ الْوَلَدِ الْحَقِيقِيِّ تَبِعَةَ الْبُنُوَّةِ وَلَا يُحَابِيهِ بِخَيْرَاتِهَا!
وَهَذَا هُوَ النِّظَامُ الَّذِي يَجْعَلُ التَّبِعَاتِ فِي الْأُسْرَةِ مُتَوَازِنَةً. وَيُقِيمُ الْأَسِرَّةَ عَلَى أَسَاسٍ ثَابِتٍ دَقِيقٍ مُسْتَمَدٍّ مِنَ الْوَاقِعِ. وَهُوَ فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ يُقِيمُ بِنَاءَ الْمُجْتَمَعِ عَلَى قَاعِدَةٍ حَقِيقِيَّةٍ قَوِيَّةٍ بِمَا فِيهَا مِنَ الْحَقِّ وَمِنْ مُطَابَقَةِ الْوَاقِعِ الْفِطْرِيِّ الْعَمِيقِ.. وَكُلُّ نِظَامٍ يَتَجَاهَلُ حَقِيقَةَ الْأُسْرَةِ الطَّبِيعِيَّةَ هُوَ نِظَامٌ فَاشِلٌ، ضَعِيفٌ، مُزَوَّرُ الْأُسُسِ،
[ ص: 2826 ] لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعِيشَ!
وَنَظَرًا لِلْفَوْضَى فِي عَلَاقَاتِ الْأُسْرَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْفَوْضَى الْجِنْسِيَّةِ كَذَلِكَ، الَّتِي تَخَلَّفَ عَنْهَا أَنْ تَخْتَلِطَ الْأَنْسَابُ، وَأَنْ يَجْهَلَ الْآبَاءُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، فَقَدْ يَسَّرَ الْإِسْلَامُ الْأَمْرُ - وَهُوَ بِصَدَدِ إِعَادَةِ تَنْظِيمِ الْأُسْرَةِ، وَإِقَامَةِ النِّظَامِ الِاجْتِمَاعِيِّ عَلَى أَسَاسِهَا - فَقَرَّرَ فِي حَالَةِ عَدَمِ الِاهْتِدَاءِ إِلَى مَعْرِفَةِ الْآبَاءِ الْحَقِيقِيِّينَ مَكَانًا لِلْأَدْعِيَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، قَائِمًا عَلَى الْأُخُوَّةِ فِي الدِّينِ وَالْمُوَالَاةِ فِيهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=5فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ..
وَهِيَ عَلَاقَةٌ أَدَبِيَّةٌ شُعُورِيَّةٌ; لَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْتِزَامَاتٌ مُحَدَّدَةٌ، كَالْتِزَامِ التَّوَارُثِ وَالتَّكَافُلِ فِي دَفْعِ الدِّيَاتِ - وَهِيَ الْتِزَامَاتُ النَّسَبِ بِالدَّمِ، الَّتِي كَانَتْ تَلْتَزِمُ كَذَلِكَ بِالتَّبَنِّي - وَذَلِكَ كَيْ لَا يَتْرُكَ هَؤُلَاءِ الْأَدْعِيَاءَ بِغَيْرِ رَابِطَةٍ فِي الْجَمَاعَةِ بَعْدَ إِلْغَاءِ رَابِطَةِ التَّبَنِّي.
وَهَذَا النَّصُّ:
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=5فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ .. يُصَوِّرُ لَنَا حَقِيقَةَ الْخَلْخَلَةِ فِي الْمُجْتَمَعِ الْجَاهِلِيِّ. وَحَقِيقَةَ الْفَوْضَى فِي الْعَلَاقَاتِ الْجِنْسِيَّةِ. هَذِهِ الْفَوْضَى وَتِلْكَ الْخَلْخَلَةُ الَّتِي عَالَجَهَا الْإِسْلَامُ بِإِقَامَةِ نِظَامِ الْأُسْرَةِ عَلَى أَسَاسِ الْأُبُوَّةِ.
وَإِقَامَةِ نِظَامِ الْمُجْتَمَعِ عَلَى أَسَاسِ الْأُسْرَةِ السَّلِيمَةِ.
وَبَعْدَ الِجْتِهَادِ فِي رَدِّ الْأَنْسَابِ إِلَى حَقَائِقِهَا فَلَيْسَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ مُؤَاخَذَةٍ فِي الْحَالَاتِ الَّتِي يَعْجَزُونَ عَنِ الِاهْتِدَاءِ فِيهَا إِلَى النَّسَبِ الصَّحِيحِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=5وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ..
وَهَذِهِ السَّمَاحَةُ مَرَدُّهَا إِلَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَتَّصِفُ بِالْغُفْرَانِ وَالرَّحْمَةِ، فَلَا يُعَنِّتُ النَّاسَ بِمَا لَا يَسْتَطِيعُونَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=5وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ..
وَلَقَدْ شَدَّدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّثَبُّتِ وَالتَّأَكُّدِ مِنَ النَّسَبِ لِتَوْكِيدِ جِدِّيَّةِ التَّنْظِيمِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُلْغِي كُلَّ أَثَرٍ لِلتَّخَلْخُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ الْجَاهِلِيِّ. وَتَوَعَّدَ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ الْحَقِيقَةَ فِي الْأَنْسَابِ بِوَصْمَةِ الْكُفْرِ. قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17381يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16904ابْنُ عُلِيَّةَ. عَنْ
عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=130أَبُو بَكْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=5ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ .. فَأَنَا مِمَّنْ لَا يُعْرَفُ أَبُوهُ، فَأَنَا مِنْ إِخْوَانِكُمْ فِي الدِّينِ.. قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=34أَبِي (مِنْ كَلَامِ
عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ حِمَارًا لَانْتَمَى إِلَيْهِ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=75642مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ - وَهُوَ يَعْلَمُ - إِلَّا كَفَرَ " .. وَهَذَا التَّشْدِيدُ يَتَمَشَّى مَعَ عِنَايَةِ الْإِسْلَامِ بِصِيَانَةِ الْأُسْرَةِ وَرَوَابِطِهَا مَنْ كُلِّ شُبْهَةٍ وَمَنْ كُلِّ دَخْلٍ; وَحِيَاطَتِهَا بِكُلِّ أَسْبَابِ السَّلَامَةِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَالْقُوَّةِ وَالثُّبُوتِ. لِيُقِيمَ عَلَيْهَا بِنَاءَ الْمُجْتَمَعِ الْمُتَمَاسِكِ السَّلِيمِ النَّظِيفِ الْعَفِيفِ.
بَعْدَ ذَلِكَ يُقَرِّرُ إِبْطَالَ نِظَامِ الْمُؤَاخَاةِ كَمَا أَبْطَلَ نِظَامَ التَّبَنِّي. وَنِظَامُ الْمُؤَاخَاةِ لَمْ يَكُنْ جَاهِلِيًّا; إِنَّمَا هُوَ نِظَامٌ اسْتَحْدَثَهُ الْإِسْلَامُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، لِمُوَاجَهَةِ حَالَةِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ تَرَكُوا أَمْوَالَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ فِي
مَكَّةَ ; وَمُوَاجَهَةِ الْحَالَةِ كَذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي
الْمَدِينَةِ مِمَّنِ انْفَصَلَتْ عَلَاقَاتُهُمْ بِأَسْرِهِمْ نَتِيجَةً لِإِسْلَامِهِمْ.. وَذَلِكَ مَعَ تَقْرِيرِ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ
[ ص: 2827 ] لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَقْدِيمِهَا عَلَى جَمِيعِ وِلَايَاتِ النَّسَبِ; وَتَقْرِيرِ الْأُمُومَةِ الرُّوحِيَّةِ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ: