ولما كان هذا العتاب مؤذنا بأن فيهم من تباطأ عن الجهاد اشتغالا بنحو الأموال والأولاد، وكان ما اشتملت عليه هذه الآيات من الأوامر والزواجر والمواعظ جديرا بأن يخفف كل متثاقل وينشط كل متكاسل، تشوفت النفوس إلى ما اتفق بعد ذلك فأعلم سبحانه به في أساليب البلاغة المخبرة عن أحوال القاعدين وأقاصيص الجامدين المفهمة أن هناك من
[ ص: 480 ] غلب عليه الشقاء فلم ينتفع بالمواعظ، فالتفت من لطف الإقبال إلى تبكيت المتثاقلين بأسلوب الإعراض المؤذن الغضب المحقق للسخط المبين لفضائحهم المبعثر لقبائحهم المخرج لهم ما دخلوا فيه من عموم الدعاء باسم الإيمان فقال:
nindex.php?page=treesubj&link=16460_30563_30881_34091_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42لو كان أي: ما تدعو إليه
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42عرضا أي: متاعا دنيويا
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42قريبا أي: سهل التناول
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42وسفرا قاصدا أي: وسطا عدلا مقاربا
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42لاتبعوك أي: لأجل رجاء العرض مع سهولة السفر لأن هممهم قاصرة ومنوطة بالحاضر
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42ولكن أي: لم يتبعوك تثاقلا إلى الأرض ورضى بالفاني الحاضر من الباقي الغائب لأنها
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42بعدت عليهم الشقة أي: المسافة التي تطوى بذرع الأرجل بالمسير فيحصل بها النكال والمشقة فلم يواز ما يحصل لهم بها من التعب ما يرجونه من العرض، فاستأذنوك، وفي هذا إشارة إلى ذمهم بسفول الهمم ودناءة الشيم بالعجز والكسل والنهم والثقل، وإلى أن هذا الدين متين لا يحمله إلا ماضي الهم صادق العزم كما قال الشاعر:
إذا هم ألقى بين عينيه عزمه وأعرض عن ذكر العواقب جانبا
فلله در
nindex.php?page=treesubj&link=19570أولي العزائم والصبر على الشدائد والمغارم! ولما ذمهم بالشح بالدنيا، أتبعه وصمهم بالسماح بالدين فقال مخبرا عما سيكون منهم علما من أعلام النبوة:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42وسيحلفون أي: المتخلفون بإخبار محقق لا خلف فيه
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42بالله أي: الذي لا أعظم منه عند رجوعكم إليهم جمعا إلى ما انتهكوا من حرمتك بالتخلف عنك لانتهاك حرمة الله
[ ص: 481 ] بالكذب قائلين: والله
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42لو استطعنا أي: الخروج إلى ما دعوتمونا إليه
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42لخرجنا معكم يحلفون حال كونهم
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42يهلكون أنفسهم أي: بهذا الحلف الذي يريدون به حياتها لأنهم كذبوا فيه فانتهكوا حرمة اسم الله
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42والله أي: والحال أن الملك الأعظم المحيط علما وقدرة سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42يعلم إنهم لكاذبون فقد جمعوا بين إهلاك أنفسهم والفضيحة عند الله بعلمه بكذبهم في أنهم غير مستطيعين، وجزاء الكاذب في مثل ذلك الغضب المؤبد الموجب للعذاب الدائم المخلد.
وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْعِتَابُ مُؤْذِنًا بِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ تَبَاطَأَ عَنِ الْجِهَادِ اشْتِغَالًا بِنَحْوِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، وَكَانَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَاتُ مِنَ الْأَوَامِرِ وَالزَّوَاجِرِ وَالْمَوَاعِظِ جَدِيرًا بِأَنْ يُخَفِّفَ كُلَّ مُتَثَاقِلٍ وَيُنَشِّطَ كُلَّ مُتَكَاسِلٍ، تَشَوَّفَتِ النُّفُوسُ إِلَى مَا اتَّفَقَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَعْلَمَ سُبْحَانَهُ بِهِ فِي أَسَالِيبِ الْبَلَاغَةِ الْمُخْبِرَةِ عَنْ أَحْوَالِ الْقَاعِدِينَ وَأَقَاصِيصِ الْجَامِدِينَ الْمُفْهِمَةِ أَنَّ هُنَاكَ مَنْ
[ ص: 480 ] غَلَبَ عَلَيْهِ الشَّقَاءُ فَلَمْ يَنْتَفِعْ بِالْمَوَاعِظِ، فَالْتَفَتَ مِنْ لُطْفِ الْإِقْبَالِ إِلَى تَبْكِيتِ الْمُتَثَاقِلِينَ بِأُسْلُوبِ الْإِعْرَاضِ الْمُؤْذِنِ الْغَضَبَ الْمُحَقَّقَ لِلسُّخْطِ الْمُبَيِّنِ لِفَضَائِحِهِمُ الْمُبَعْثِرِ لِقَبَائِحِهِمُ الْمُخْرِجِ لَهُمْ مَا دَخَلُوا فِيهِ مِنْ عُمُومِ الدُّعَاءِ بِاسْمِ الْإِيمَانِ فَقَالَ:
nindex.php?page=treesubj&link=16460_30563_30881_34091_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42لَوْ كَانَ أَيْ: مَا تَدْعُو إِلَيْهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42عَرَضًا أَيْ: مَتَاعًا دُنْيَوِيًّا
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42قَرِيبًا أَيْ: سَهْلَ التَّنَاوُلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42وَسَفَرًا قَاصِدًا أَيْ: وَسَطًا عَدْلًا مُقَارِبًا
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42لاتَّبَعُوكَ أَيْ: لِأَجْلِ رَجَاءِ الْعَرَضِ مَعَ سُهُولَةِ السَّفَرِ لِأَنَّ هِمَمَهُمْ قَاصِرَةٌ وَمَنُوطَةٌ بِالْحَاضِرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42وَلَكِنْ أَيْ: لَمْ يَتَّبِعُوكَ تَثَاقُلًا إِلَى الْأَرْضِ وَرِضًى بِالْفَانِي الْحَاضِرِ مِنَ الْبَاقِي الْغَائِبِ لِأَنَّهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ أَيِ: الْمَسَافَةُ الَّتِي تُطْوَى بِذَرْعِ الْأَرْجُلِ بِالْمَسِيرِ فَيَحْصُلُ بِهَا النَّكَالُ وَالْمَشَقَّةُ فَلَمْ يُوَازِ مَا يَحْصُلُ لَهُمْ بِهَا مِنَ التَّعَبِ مَا يَرْجُونَهُ مِنَ الْعَرَضِ، فَاسْتَأْذَنُوكَ، وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى ذَمِّهِمْ بِسُفُولِ الْهِمَمِ وَدَنَاءَةِ الشِّيَمِ بِالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالنَّهَمِ وَالثِّقَلِ، وَإِلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ لَا يَحْمِلُهُ إِلَّا مَاضِي الْهَمِّ صَادِقُ الْعَزْمِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
إِذَا هَمَّ أَلْقَى بَيْنَ عَيْنَيْهِ عَزْمَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِ الْعَوَاقِبِ جَانِبَا
فَلِلَّهِ دَرُّ
nindex.php?page=treesubj&link=19570أُولِي الْعَزَائِمِ وَالصَّبْرِ عَلَى الشَّدَائِدِ وَالْمَغَارِمِ! وَلَمَّا ذَمَّهُمْ بِالشُّحِّ بِالدُّنْيَا، أَتْبَعَهُ وَصْمَهُمْ بِالسَّمَاحِ بِالدِّينِ فَقَالَ مُخْبِرًا عَمَّا سَيَكُونُ مِنْهُمْ عَلَمًا مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42وَسَيَحْلِفُونَ أَيِ: الْمُتَخَلِّفُونَ بِإِخْبَارٍ مُحَقَّقٍ لَا خُلْفَ فِيهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42بِاللَّهِ أَيِ: الَّذِي لَا أَعْظَمَ مِنْهُ عِنْدَ رُجُوعِكُمْ إِلَيْهِمْ جَمْعًا إِلَى مَا انْتَهَكُوا مِنْ حُرْمَتِكَ بِالتَّخَلُّفِ عَنْكَ لِانْتِهَاكِ حُرْمَةِ اللَّهِ
[ ص: 481 ] بِالْكَذِبِ قَائِلِينَ: وَاللَّهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42لَوِ اسْتَطَعْنَا أَيِ: الْخُرُوجَ إِلَى مَا دَعَوْتُمُونَا إِلَيْهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يَحْلِفُونَ حَالَ كَوْنِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ أَيْ: بِهَذَا الْحَلِفِ الَّذِي يُرِيدُونَ بِهِ حَيَاتَهَا لِأَنَّهُمْ كَذَبُوا فِيهِ فَانْتَهَكُوا حُرْمَةَ اسْمِ اللَّهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42وَاللَّهُ أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّ الْمَلِكَ الْأَعْظَمَ الْمُحِيطَ عِلْمًا وَقُدْرَةً سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ فَقَدْ جَمَعُوا بَيْنَ إِهْلَاكِ أَنْفُسِهِمْ وَالْفَضِيحَةِ عِنْدَ اللَّهِ بِعِلْمِهِ بِكَذِبِهِمْ فِي أَنَّهُمْ غَيْرُ مُسْتَطِيعِينَ، وَجَزَاءُ الْكَاذِبِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْغَضَبُ الْمُؤَبَّدُ الْمُوجِبُ لِلْعَذَابِ الدَّائِمِ الْمُخَلَّدِ.