القول في تأويل قوله تعالى :
[ 152 ]
nindex.php?page=treesubj&link=28328_28723_29677_29693_30232_30525_30803_33678_34308_34310_34315_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152ولقد صدقكم الله وعده في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=120وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152إذ تحسونهم أي : تقتلونهم قتلا كثيرا . من ( حسه ) إذا أبطل حسه :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152بإذنه أي : بتيسيره وتوفيقه :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152حتى إذا فشلتم أي : ضعفتم وتراخيتم بالميل إلى الغنيمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152وتنازعتم في الأمر أي : في الإقامة بالمركز ، فقال أصحاب
عبد الله : الغنيمة . أي قوم ! الغنيمة . ظهر أصحابكم فما تنظرون ؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=4700عبد الله بن جبير : أنسيتم ما قال لكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : إنا والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة ، فلما أتوهم صرفت وجوههم ، فأقبلوا منهزمين - رواه الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد - .
و ( الأمر ) إما بمعنى : الشأن والقصة ، وإما الذي يضاده ( النهي ) أي : فيهم أمرتم به من عدم البراح :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152وعصيتم أي : أمر الرسول أن لا تبرحوا إن رأيتمونا ظهرنا عليهم ، وإن رأيتموهم ظهروا علينا ، فلا تعينونا - رواه البخاري - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152من بعد ما أراكم ما تحبون أي : من الظفر والغنيمة ، وانهزام العدو . روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء قال : لقينا المشركين
[ ص: 996 ] يومئذ ، وأجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - جيشا من الرماة ، وأمر عليهم
nindex.php?page=showalam&ids=4700عبد الله بن جبير ، وقال : لا تبرحوا إن رأيتمونا ظهرنا عليهم - بلفظ ما تقدم - ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء : فلما لقيناهم هربوا حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل ، رفعن عن سوقهن ، قد بدت خلاخلهن ، فأخذوا يقولون : الغنيمة الغنيمة ... الحديث
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152منكم من يريد الدنيا أي : الغنيمة فترك المركز
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152ومنكم من يريد الآخرة فثبت فيه ، وهم الذين نالوا شرف الشهادة ، ومنهم
أنس بن النضر الأسد المقدام ، القائل وقتئذ : اللهم ! إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء ، يعني : المسلمين ، وأبرأ إليك مما جاء به
[ ص: 997 ] المشركون ، فتقدم بسيفه ، فلقي
nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ فقال : أين يا
nindex.php?page=showalam&ids=307سعد ؟ إني أجد ريح الجنة دون
أحد ! فمضى فقتل ، فما عرف حتى عرفته أخته بشامة أو ببنانه ، وبه بضع وثمانون من طعنة وضربة ورمية بسهم - هذا لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري - وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بنحوه ، فرضي الله عنه وأرضاه وقدس روحه الزكية :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152ثم صرفكم عنهم أي : كفكم عنهم حتى حالت الحال ، ودالت الدولة . وفيه من اللطف بالمسلمين ما لا يخفى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152ليبتليكم أي : ليجعل ذلك الصرف محنة عليكم لتتوبوا إلى الله ، وترجعوا إليه ، وتستغفروه فيما خالفتم فيه أمره ، وملتم إلى الغنيمة . ثم أعلمهم أنه تعالى قد عفا عنهم بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152ولقد عفا عنكم أي : تفضلا عليكم لإيمانكم :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152والله ذو فضل على المؤمنين أي : في الأحوال كلها ، إما بالنصرة إما بالابتلاء ، فإن الابتلاء فضل ولطف خفي ، ليتمرنوا بالصبر على الشدائد ، والثبات في المواطن ، ويتمكنوا في اليقين ، ويجعلوه ملكة لهم ، ويتحققوا أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، ولا يميلوا إلى الدنيا وزخرفها ، ولا يذهلوا على الحق ، وليكون عقوبة عاجلة للبعض ، فيتمحصوا عن ذنوبهم ، وينالوا درجة الشهادة ، فيلقوا الله ظاهرين - أفاده
القاشاني - .
لطائف :
الأولى : ( إذا ) في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152حتى إذا فشلتم إما شرط ، أو لا . وعلى الأول فجوابها إما محذوف أو مذكور . فتقديره على كونه محذوفا : حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون ، منعكم الله نصره - لدلالة صدر الآية عليه - أو صرتم فريقين ، لأن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152منكم من يريد إلخ يفيد فائدته ويؤدي معناه ، وعلى كونه مذكورا فهو إما :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152وعصيتم والواو صلة ، وحكي هذا عن الكوفيين
nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء . قالوا : ونظيره قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=103فلما أسلما وتله للجبين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=104وناديناه أن يا إبراهيم والمعنى : ناديناه .
[ ص: 998 ] وبعض من نصر هذا الوجه زعم أن من مذهب العرب إدخال الواو في جواب ( حتى إذا ) بدليل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها أي : فتحت . وأجابوا عما أورد عليهم من لزوم تعليل الشيء بنفسه - إذ الفشل والتنازع معصية فكيف يكونان علة لها - بأن المراد من العصيان خروجهم عن ذلك المكان . ولا شك أن الفشل والتنازع هو الذي أوجب خروجهم عنه ، فلا لزوم . وإما قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152صرفكم عنهم وكلمة ثم صلة - قاله
أبو مسلم - .
وعلى الثاني : أعني : كونها ليست شرطا فهي اسم و ( حتى ) حرف جر بمعنى إلى ، متعلقة بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152صدقكم باعتبار تضمنه لمعنى النصر ، كأنه قيل : لقد نصركم الله إلى وقت فشلكم وتنازعكم .
الثانية : فائدة قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152من بعد ما أراكم ما تحبون التنبيه على عظم المعصية ، لأنهم لما شاهدوا أن الله تعالى أكرمهم بإنجاز الوعد ، كان من حقهم أن يمتنعوا عن المعصية ، فلما أقدموا عليها سلبوا ذلك الإكرام .
الثالثة : ظاهر قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152ولقد عفا عنكم أنه تعالى عفا عنهم من غير توبة، لأنها لم تذكر ، فدل على أنه تعالى قد يعفو عن أصحاب الكبائر .
الرابعة : في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152والله ذو فضل على المؤمنين دليل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=27521_21482_28652صاحب الكبيرة مؤمن، فإن الذنب في الآية كان كبيرة - والله أعلم - .
ثم ذكرهم تعالى بحالهم وقت الفرار بقوله :
[ ص: 999 ]
اَلْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
[ 152 ]
nindex.php?page=treesubj&link=28328_28723_29677_29693_30232_30525_30803_33678_34308_34310_34315_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=120وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152إِذْ تَحُسُّونَهُمْ أَيْ : تَقْتُلُونَهُمْ قَتْلًا كَثِيرًا . مِنْ ( حَسَّهُ ) إِذَا أَبْطَلَ حَسَّهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152بِإِذْنِهِ أَيْ : بِتَيْسِيرِهِ وَتَوْفِيقِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ أَيْ : ضَعُفْتُمْ وَتَرَاخَيْتُمْ بِالْمَيْلِ إِلَى الْغَنِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ أَيْ : فِي الْإِقَامَةِ بِالْمَرْكَزِ ، فَقَالَ أَصْحَابُ
عَبْدِ اللَّهِ : الْغَنِيمَةُ . أَيْ قَوْمُ ! الْغَنِيمَةُ . ظَهْرَ أَصْحَابِكُمْ فَمَا تَنْظُرُونَ ؟ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=4700عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ : أَنَسِيتُمْ مَا قَالَ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا : إِنَّا وَاَللَّهِ لَنَأْتِيَنَّ النَّاسَ فَلَنُصِيبَنَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ ، فَلَمَّا أَتَوْهُمْ صُرِفَتْ وُجُوهُهُمْ ، فَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ - رَوَاهُ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ - .
وَ ( الْأَمْرُ ) إِمَّا بِمَعْنَى : الشَأْنُ وَالْقِصَّةُ ، وَإِمَّا الَّذِي يُضَادُّهُ ( النَّهْيُ ) أَيْ : فِيهِمْ أُمِرْتُمْ بِهِ مِنْ عَدَمِ الْبَرَاحِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152وَعَصَيْتُمْ أَيْ : أَمْرَ الرَّسُولِ أَنْ لَا تَبْرَحُوا إِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ ، وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا ، فَلَا تُعِينُونَا - رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ أَيْ : مِنَ الظَّفَرِ وَالْغَنِيمَةِ ، وَانْهِزَامِ الْعَدُوِّ . رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=48الْبَرَاءِ قَالَ : لَقِيَنَا الْمُشْرِكِينَ
[ ص: 996 ] يَوْمَئِذٍ ، وَأَجْلَسَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَيْشًا مِنَ الرُّمَاةِ ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ
nindex.php?page=showalam&ids=4700عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ ، وَقَالَ : لَا تَبْرَحُوا إِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ - بِلَفْظِ مَا تَقَدَّمَ - ثُمَّ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=48الْبَرَاءُ : فَلَمَّا لَقِينَاهُمْ هَرَبُوا حَتَّى رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ فِي الْجَبَلِ ، رَفَعْنَ عَنْ سُوقِهِنَّ ، قَدْ بَدَتْ خَلَاخِلُهُنَّ ، فَأَخَذُوا يَقُولُونَ : الْغَنِيمَةُ الْغَنِيمَةُ ... الْحَدِيثُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا أَيْ : الْغَنِيمَةَ فَتَرَكَ الْمَرْكَزَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ فَثَبَتَ فِيهِ ، وَهُمْ الَّذِينَ نَالُوا شَرَفَ الشَّهَادَةِ ، وَمِنْهُمْ
أَنَسُ بْنُ النَّضْرُ الْأَسَدُ الْمِقْدَامُ ، الْقَائِلُ وَقْتَئِذٍ : اللَّهُمَّ ! إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ ، يَعْنِي : الْمُسْلِمِينَ ، وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ
[ ص: 997 ] الْمُشْرِكُونَ ، فَتَقَدَّمَ بِسَيْفِهِ ، فَلَقِيَ
nindex.php?page=showalam&ids=307سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فَقَالَ : أَيْنَ يَا
nindex.php?page=showalam&ids=307سَعْدُ ؟ إِنِّي أَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ
أُحُدٍ ! فَمَضَى فَقُتِلَ ، فَمَا عُرِفَ حَتَّى عَرَفَتْهُ أُخْتُهُ بِشَامَةٍ أَوْ بِبَنَانِهِ ، وَبِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ - هَذَا لَفَظَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ - وَأَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ بِنَحْوِهِ ، فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ وَقَدَّسَ رُوحَهُ الزَّكِيَّةَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ أَيْ : كَفَّكُمْ عَنْهُمْ حَتَّى حَالَتْ الْحَالُ ، وَدَالَتْ الدَّوْلَةُ . وَفِيهِ مِنَ اللُّطْفِ بِالْمُسْلِمِينَ مَا لَا يَخْفَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152لِيَبْتَلِيَكُمْ أَيْ : لِيَجْعَلَ ذَلِكَ الصَّرْفَ مِحْنَةً عَلَيْكُمْ لِتَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ ، وَتَرْجِعُوا إِلَيْهِ ، وَتَسْتَغْفِرُوهُ فِيمَا خَالَفْتُمْ فِيهِ أَمْرَهُ ، وَمِلْتُمْ إِلَى الْغَنِيمَةِ . ثُمَّ أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ عَفَا عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ أَيْ : تَفَضُّلًا عَلَيْكُمْ لِإِيمَانِكُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَيْ : فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا ، إِمَّا بِالنُّصْرَةِ إِمَّا بِالِابْتِلَاءِ ، فَإِنَّ الِابْتِلَاءَ فَضْلٌ وَلُطْفٌ خَفِيٌّ ، لِيَتَمَرَّنُوا بِالصَّبْرِ عَلَى الشَّدَائِدِ ، وَالثَّبَاتِ فِي الْمَوَاطِنِ ، وَيَتَمَكَّنُوا فِي الْيَقِينِ ، وَيَجْعَلُوهُ مَلَكَةً لَهُمْ ، وَيَتَحَقَّقُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ، وَلَا يَمِيلُوا إِلَى الدُّنْيَا وَزُخْرُفِهَا ، وَلَا يَذْهَلُوا عَلَى الْحَقِّ ، وَلِيَكُونَ عُقُوبَةً عَاجِلَةً لِلْبَعْضِ ، فَيَتَمَحَّصُوا عَنْ ذُنُوبِهِمْ ، وَيَنَالُوا دَرَجَةَ الشَّهَادَةِ ، فَيَلْقَوْا اللَّهَ ظَاهِرِينَ - أَفَادَهُ
الْقَاشَانِيُّ - .
لَطَائِفُ :
اَلْأُولَى : ( إِذَا ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ إِمَّا شَرْطٌ ، أَوْ لَا . وَعَلَى الْأَوَّلِ فَجَوَابُهَا إِمَّا مَحْذُوفٌ أَوْ مَذْكُورٌ . فَتَقْدِيرُهُ عَلَى كَوْنِهِ مَحْذُوفًا : حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ ، مَنَعَكُمْ اللَّهُ نَصْرَهُ - لِدِلَالَةِ صَدْرِ الْآيَةِ عَلَيْهِ - أَوْ صِرْتُمْ فَرِيقَيْنِ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ إِلَخْ يُفِيدُ فَائِدَتَهُ وَيُؤَدِّي مَعْنَاهُ ، وَعَلَى كَوْنِهِ مَذْكُورًا فَهُوَ إِمَّا :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152وَعَصَيْتُمْ وَالْوَاوُ صِلَةٌ ، وَحُكِيَ هَذَا عَنْ الْكُوفِيِّينَ
nindex.php?page=showalam&ids=14888وَالْفَرَّاءِ . قَالُوا : وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=103فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=104وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ وَالْمَعْنَى : نَادَيْنَاهُ .
[ ص: 998 ] وَبَعْضُ مَنْ نَصَرَ هَذَا الْوَجْهَ زَعَمَ أَنَّ مِنْ مَذْهَبِ الْعَرَبِ إِدْخَالُ الْوَاوِ فِي جَوَابِ ( حَتَّى إِذَا ) بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا أَيْ : فُتِحَتْ . وَأَجَابُوا عَمَّا أُورِدَ عَلَيْهِمْ مِنْ لُزُومِ تَعْلِيلِ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ - إِذْ الْفَشَلُ وَالتَّنَازُعُ مَعْصِيَةٌ فَكَيْفَ يَكُونَانِ عِلَّةً لَهَا - بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْعِصْيَانِ خُرُوجُهُمْ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ . وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفَشَلَ وَالتَّنَازُعَ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ خُرُوجَهُمْ عَنْهُ ، فَلَا لُزُومَ . وَإِمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ وَكَلِمَةُ ثُمَّ صِلَةٌ - قَالَهُ
أَبُو مُسْلِمٍ - .
وَعَلَى الثَّانِي : أَعْنِي : كَوْنَهَا لَيْسَتْ شَرْطًا فَهِيَ اسْمٌ و ( حَتَّى ) حَرْفُ جَرٍّ بِمَعْنَى إِلَى ، مُتَعَلِّقَةٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152صَدَقَكُمُ بِاعْتِبَارِ تَضَمُّنِهِ لِمَعْنَى النَّصْرِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ إِلَى وَقْتِ فَشَلِكُمْ وَتَنَازُعِكُمْ .
الثَّانِيَةُ : فَائِدَةُ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ التَّنْبِيهُ عَلَى عِظَمِ الْمَعْصِيَةِ ، لِأَنَّهُمْ لَمَّا شَاهَدُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْرَمُهُمْ بِإِنْجَازِ الْوَعْدِ ، كَانَ مِنْ حَقِّهِمْ أَنْ يَمْتَنِعُوا عَنْ الْمَعْصِيَةِ ، فَلَمَّا أَقْدَمُوا عَلَيْهَا سُلِبُوا ذَلِكَ الْإِكْرَامَ .
الثَّالِثَةُ : ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ أَنَّهُ تَعَالَى عَفَا عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ، لِأَنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ يَعْفُو عَنْ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ .
الرَّابِعَةُ : فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27521_21482_28652صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ مُؤْمِنٌ، فَإِنَّ الذَّنْبَ فِي الْآيَةِ كَانَ كَبِيرَةً - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - .
ثُمَّ ذَكَّرَهُمْ تَعَالَى بِحَالِهِمْ وَقْتَ الْفِرَارِ بِقَوْلِهِ :
[ ص: 999 ]