القول في تأويل قوله تعالى :
[5 ]
nindex.php?page=treesubj&link=28662_28680_30513_33179_28972nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : أي : لك ، اللهم نخشع ونذل ونستكين. إقرارا لك بالربوبية لا لغيرك -قال- والعبودية عند جميع
العرب أصلها الذلة ، وأنها تسمي الطريق المذلل الذي قد وطئته الأقدام ، وذللته السابلة "معبدا" ، ومنه قيل للبعير المذلل بالركوب في الحوائج "معبد" ، ومنه سمي العبد "عبدا" ; لذلته لمولاه انتهى .
وفيه إعلام بما صدع به الإسلام من تحرير الأنفس لله تعالى وتخليصها لعبادته وحده . أعني : أن لا يشرك شيئا ما معه ، لا في محبته كمحبته ، ولا في خوفه ، ولا في رجائه ، ولا
[ ص: 10 ] في التوكل عليه ، ولا في العمل له ، ولا في النذر له ، ولا في الخضوع له ، ولا في التذلل والتعظيم والسجود والتقرب ، فإن كل ذلك إنما يستحقه فاطر الأرض والسماوات وحده ، وذلك أن لفظ العبادة يتضمن كمال الذل بكمال الحب ، فلا بد أن يكون العابد محبا للإله المعبود كمال الحب ، ولا بد أن يكون ذليلا له كمال الذل ، وهما لا يصلحان إلا لله وحده . فهو الإله المستحق للعبادة ، الذي لا يستحقها إلا هو ، وهي كمال الحب والذل والإجلال والتوكل والدعاء بما لا يقدر عليه إلا هو ، تعالى . وقد أشار لذلك تقديم المفعول ، فإن فيه تنبيها على ما يجب للعبد من تخصيصه ربه بالعبادة ، وإسلامه وجهه لله وحده ، لا كما كان عليه المشركون الذين ظهر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ، فقد كانوا متفرقين في عبادتهم ، متشاكسين في وجهتهم : منهم من يعبد الشمس والقمر ، ومنهم من يعبد الملائكة ، ومنهم من يعبد الأصنام ، ومنهم من يعبد الأحبار والرهبان ، ومنهم من يعبد الأشجار والأحجار . . . إلى غير ذلك ، كما بينه القرآن الكريم في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=37ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر الآية . وفي قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=40ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=41قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون وفي قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك الآية . وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=80ولا يأمركم أن [ ص: 11 ] تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا الآية . وفي قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=19أفرأيتم اللات والعزى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=20ومناة الثالثة الأخرى وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=397أبي واقد الليثي قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=939382خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها ، وينوطون بها أسلحتهم يقال لها : ذات أنواط، فمررنا بسدرة فقلنا : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الله أكبر ، إنها السنن ، قلتم - والذي نفسي بيده - كما قالت بنو إسرائيل لموسى : nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=138اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إلى قوله : nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=140وهو فضلكم على العالمين » رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي وصححه .
[ ص: 12 ] وأما عبادتهم للأحبار والرهبان ففي قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=31اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله فروى الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=76عدي بن حاتم nindex.php?page=hadith&LINKID=665390أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=31اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله الآية ، فقلت له : إنا لسنا نعبدهم ، قال : « أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمون ، ويحلون ما حرم الله فتحلونه ؟ » فقلت : بلى قال : « فتلك عبادتهم » .
فالعبادة أنواع وأصناف ، ولا يتم الإيمان إلا بتوحيدها كلها لله سبحانه . وقد بينت السنة أن الدعاء هو العبادة ; أي ركنها المهم الأعظم ، وأصله من التنزيل الكريم قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي فمساه عبادة .
[ ص: 13 ] وفي الخبر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=699626« الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل » .
قال
شمس الدين بن القيم : ولهذا كان العبد مأمورا في كل صلاة أن يقول : "إياك نعبد وإياك نستعين" والشيطان يأمر بالشرك ، والنفس تطيعه في ذلك ، فلا تزال النفس تلتفت إلى غير الله ، إما خوفا منه ، أو رجاء له ، فلا يزال العبد مفتقرا إلى تخليص توحيده من شوائب الشرك ؛ ولذا أخبر سبحانه عن المشركين أنهم ما قدروه حق قدره في ثلاث مواضع من كتابه ، وكيف يقدره حق قدره من جعل له عدلا وندا ، يحبه ، ويخافه ، ويرجوه ، يذل ، ويخضع له ، ويهرب من سخطه ، ويؤثر مرضاته ، والمؤثر لا يرضى بإيثاره انتهى .
(فائدة) قال بعض السلف :
nindex.php?page=treesubj&link=28892الفاتحة سر القرآن ، وسرها هذه الكلمة "إياك نعبد وإياك نستعين": فالأول تبرؤ من الشرك ، والثاني تبرؤ من الحول والقوة ، والتفويض إلى الله عز وجل ، وهذا المعنى في غير آية من القرآن كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=123فاعبده وتوكل عليه nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=29قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=9رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
[5 ]
nindex.php?page=treesubj&link=28662_28680_30513_33179_28972nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ : أَيْ : لَكَ ، اللَّهُمَّ نَخْشَعُ وَنَذِلُّ وَنَسْتَكِينُ. إِقْرَارًا لَكَ بِالرُّبُوبِيَّةِ لَا لِغَيْرِكَ -قَالَ- وَالْعُبُودِيَّةُ عِنْدَ جَمِيعِ
الْعَرَبِ أَصْلُهَا الذِّلَّةُ ، وَأَنَّهَا تُسَمِّي الطَّرِيقَ الْمُذَلَّلَ الَّذِي قَدْ وَطِئَتْهُ الْأَقْدَامُ ، وَذَلَّلَتْهُ السَّابِلَةُ "مُعَبَّدًا" ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْبَعِيرِ الْمُذَلَّلِ بِالرُّكُوبِ فِي الْحَوَائِجِ "مُعَبَّدٌ" ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْعَبْدُ "عَبْدًا" ; لِذِلَّتِهِ لِمَوْلَاهُ انْتَهَى .
وَفِيهِ إِعْلَامٌ بِمَا صَدَعَ بِهِ الْإِسْلَامُ مِنْ تَحْرِيرِ الْأَنْفُسِ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَخْلِيصِهَا لِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ . أَعْنِي : أَنْ لَا يُشْرِكَ شَيْئًا مَا مَعَهُ ، لَا فِي مَحَبَّتِهِ كَمَحَبَّتِهِ ، وَلَا فِي خَوْفِهِ ، وَلَا فِي رَجَائِهِ ، وَلَا
[ ص: 10 ] فِي التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ ، وَلَا فِي الْعَمَلِ لَهُ ، وَلَا فِي النَّذْرِ لَهُ ، وَلَا فِي الْخُضُوعِ لَهُ ، وَلَا فِي التَّذَلُّلِ وَالتَّعْظِيمِ وَالسُّجُودِ وَالتَّقَرُّبِ ، فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ فَاطِرُ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ وَحْدَهُ ، وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ الْعِبَادَةِ يَتَضَمَّنُ كَمَالَ الذُّلِّ بِكَمَالِ الْحُبِّ ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعَابِدُ مُحِبًّا لِلْإِلَهِ الْمَعْبُودِ كَمَالَ الْحُبِّ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِيلًا لَهُ كَمَالَ الذُّلِّ ، وَهُمَا لَا يَصْلُحَانِ إِلَّا لِلَّهِ وَحْدَهُ . فَهُوَ الْإِلَهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ ، الَّذِي لَا يَسْتَحِقُّهَا إِلَّا هُوَ ، وَهِيَ كَمَالُ الْحُبِّ وَالذُّلِّ وَالْإِجْلَالِ وَالتَّوَكُّلِ وَالدُّعَاءِ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا هُوَ ، تَعَالَى . وَقَدْ أَشَارَ لِذَلِكَ تَقْدِيمُ الْمَفْعُولِ ، فَإِنَّ فِيهِ تَنْبِيهًا عَلَى مَا يَجِبُ لِلْعَبْدِ مِنْ تَخْصِيصِهِ رَبَّهُ بِالْعِبَادَةِ ، وَإِسْلَامِهِ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَحْدَهُ ، لَا كَمَا كَانَ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ ظَهَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ، فَقَدْ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ فِي عِبَادَتِهِمْ ، مُتَشَاكِسِينَ فِي وُجْهَتِهِمْ : مِنْهُمْ مَنْ يَعْبُدُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْبُدُ الْأَحْبَارَ وَالرُّهْبَانَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْبُدُ الْأَشْجَارَ وَالْأَحْجَارَ . . . إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، كَمَا بَيَّنَهُ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=37وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ الْآيَةَ . وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=40وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=41قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ الْآيَةَ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=80وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ [ ص: 11 ] تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا الْآيَةَ . وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=19أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=20وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى وَحَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=397أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=939382خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ وَنَحْنُ حُدَثَاءُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ، وَلِلْمُشْرِكِينَ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا ، وَيَنُوطُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « اللَّهُ أَكْبَرُ ، إِنَّهَا السَّنَنُ ، قُلْتُمْ - وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ - كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى : nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=138اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِلَى قَوْلِهِ : nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=140وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ » رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
[ ص: 12 ] وَأَمَّا عِبَادَتُهُمْ لِلْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ فَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=31اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَرَوَى الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=76عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=665390أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=31اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ الْآيَةَ ، فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ ، قَالَ : « أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَتُحَرِّمُونَ ، وَيُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَتُحِلُّونَهُ ؟ » فَقُلْتُ : بَلَى قَالَ : « فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ » .
فَالْعِبَادَةُ أَنْوَاعٌ وَأَصْنَافٌ ، وَلَا يَتِمُّ الْإِيمَانُ إِلَّا بِتَوْحِيدِهَا كُلِّهَا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ . وَقَدْ بَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ ; أَيْ رُكْنُهَا الْمُهِمُّ الْأَعْظَمُ ، وَأَصْلُهُ مِنَ التَّنْزِيلِ الْكَرِيمِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي فَمَسَّاهُ عِبَادَةً .
[ ص: 13 ] وَفِي الْخَبَرِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=699626« الشِّرْكُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ » .
قَالَ
شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْقَيِّمِ : وَلِهَذَا كَانَ الْعَبْدُ مَأْمُورًا فِي كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ يَقُولَ : "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" وَالشَّيْطَانُ يَأْمُرُ بِالشَّرَكِ ، وَالنَّفْسُ تُطِيعُهُ فِي ذَلِكَ ، فَلَا تَزَالُ النَّفْسُ تَلْتَفِتُ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ ، إِمَّا خَوْفًا مِنْهُ ، أَوْ رَجَاءً لَهُ ، فَلَا يَزَالُ الْعَبْدُ مُفْتَقِرًا إِلَى تَخْلِيصِ تَوْحِيدِهِ مِنْ شَوَائِبِ الشِّرْكِ ؛ وَلِذَا أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ مَا قَدَرُوهُ حَقَّ قَدْرِهِ فِي ثَلَاثِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ ، وَكَيْفَ يُقَدِّرُهُ حَقَّ قَدْرِهِ مَنْ جَعَلَ لَهُ عِدْلًا وَنِدًّا ، يُحِبُّهُ ، وَيَخَافُهُ ، وَيَرْجُوهُ ، يَذِلُّ ، وَيَخْضَعُ لَهُ ، وَيَهْرُبُ مِنْ سُخْطِهِ ، وَيُؤْثِرُ مَرْضَاتَهُ ، وَالْمُؤْثَرُ لَا يَرْضَى بِإِيثَارِهِ انْتَهَى .
(فَائِدَةٌ) قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ :
nindex.php?page=treesubj&link=28892الْفَاتِحَةُ سِرُّ الْقُرْآنِ ، وَسِرُّهَا هَذِهِ الْكَلِمَةُ "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ": فَالْأَوَّلُ تَبَرُّؤٌ مِنَ الشِّرْكِ ، وَالثَّانِي تَبَرُّؤٌ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ ، وَالتَّفْوِيضُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَهَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=123فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=29قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=9رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا