[ ص: 549 ] قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى فصل حدثني أبي عن
محيي الدين بن النحاس ; وأظني سمعتها منه أنه رأى الشيخ
عبد القادر في منامه وهو يقول : إخبارا عن الحق تعالى : " من جاءنا تلقيناه من البعيد ومن تصرف بحولنا ألنا له الحديد ومن اتبع مرادنا أردنا ما يريد ومن ترك من أجلنا أعطيناه فوق المزيد " . قلت : هذا من جهة الرب تبارك وتعالى . فالأوليان : العبادة والاستعانة . والآخرتان : الطاعة والمعصية . فالذهاب إلى الله هي عبادته وحده كما قال تعالى : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=70607من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة } " . والتقرب بحوله هو الاستعانة والتوكل عليه ; فإنه لا حول ولا
[ ص: 550 ] قوة إلا بالله . وفي الأثر : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36537من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله } " . وعن
سعيد بن جبير : "
nindex.php?page=treesubj&link=19647_19654_28679التوكل جماع الإيمان " وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5285&ayano=65ومن يتوكل على الله فهو حسبه } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1177&ayano=8إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم } وهذا على أصح القولين في أن التوكل عليه - بمنزلة الدعاء على أصح القولين أيضا - سبب لجلب المنافع ودفع المضار فإنه يفيد قوة العبد وتصريف الكون ولهذا هو الغالب على ذوي الأحوال متشرعهم وغير متشرعهم وبه يتصرفون ويؤثرون " تارة " بما يوافق الأمر . و " تارة " بما يخالفه .
وقوله : " ومن اتبع مرادنا " يعني المراد الشرعي كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=194&ayano=2يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=525&ayano=4يريد الله أن يخفف عنكم } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=5ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم } هذا هو طاعة أمره وقد جاء في الحديث : " {
وأنت يا عمر لو أطعت الله لأطاعك } " . وفي الحديث الصحيح : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34296ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه } " وقد قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4340&ayano=42ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله } .
وقوله : " ومن ترك من أجلنا أعطينا فوق المزيد " يعني ترك ما كره الله من المحرم والمكروه لأجل الله : رجاء ومحبة وخشية أعطيناه . فوق المزيد ; لأن هذا مقام الصبر . وقد قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4107&ayano=39إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } .
[ ص: 549 ] قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَصْلٌ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ
مُحْيِي الدِّينِ بْنِ النَّحَّاسِ ; وأظني سَمِعْتهَا مِنْهُ أَنَّهُ رَأَى الشَّيْخَ
عَبْدَ الْقَادِرِ فِي مَنَامِهِ وَهُوَ يَقُولُ : إخْبَارًا عَنْ الْحَقِّ تَعَالَى : " مَنْ جَاءَنَا تَلَقَّيْنَاهُ مِنْ الْبَعِيدِ وَمَنْ تَصَرَّفَ بِحَوْلِنَا أَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ وَمَنْ اتَّبَعَ مُرَادَنَا أَرَدْنَا مَا يُرِيدُ وَمَنْ تَرَكَ مِنْ أَجْلِنَا أَعْطَيْنَاهُ فَوْقَ الْمَزِيدِ " . قُلْت : هَذَا مِنْ جِهَةِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى . فَالْأُولَيَانِ : الْعِبَادَةُ وَالِاسْتِعَانَةُ . وَالْآخِرَتَانِ : الطَّاعَةُ وَالْمَعْصِيَةُ . فَالذَّهَابُ إلَى اللَّهِ هِيَ عِبَادَتُهُ وَحْدَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=70607مَنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْت إلَيْهِ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْت إلَيْهِ بَاعًا وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْته هَرْوَلَةً } " . وَالتَّقَرُّبُ بِحَوْلِهِ هُوَ الِاسْتِعَانَةُ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ ; فَإِنَّهُ لَا حَوْلَ وَلَا
[ ص: 550 ] قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ . وَفِي الْأَثَرِ : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36537مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى النَّاسِ فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ } " . وَعَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : "
nindex.php?page=treesubj&link=19647_19654_28679التَّوَكُّلُ جِمَاعُ الْإِيمَانِ " وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5285&ayano=65وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1177&ayano=8إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ } وَهَذَا عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ التَّوَكُّلَ عَلَيْهِ - بِمَنْزِلَةِ الدُّعَاءِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا - سَبَبٌ لِجَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ فَإِنَّهُ يُفِيدُ قُوَّةَ الْعَبْدِ وَتَصْرِيفَ الْكَوْنِ وَلِهَذَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى ذَوِي الْأَحْوَالِ متشرعهم وَغَيْرِ متشرعهم وَبِهِ يَتَصَرَّفُونَ وَيُؤْثِرُونَ " تَارَةً " بِمَا يُوَافِقُ الْأَمْرَ . و " تَارَةً " بِمَا يُخَالِفُهُ .
وَقَوْلُهُ : " وَمَنْ اتَّبَعَ مُرَادَنَا " يَعْنِي الْمُرَادَ الشَّرْعِيَّ كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=194&ayano=2يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=525&ayano=4يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=5مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } هَذَا هُوَ طَاعَةُ أَمْرِهِ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ : " {
وَأَنْتَ يَا عُمَرُ لَوْ أَطَعْت اللَّهَ لَأَطَاعَك } " . وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34296وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ } " وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4340&ayano=42وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ } .
وَقَوْلُهُ : " وَمَنْ تَرَكَ مِنْ أَجْلِنَا أَعْطَيْنَا فَوْقَ الْمَزِيدِ " يَعْنِي تَرَكَ مَا كَرِهَ اللَّهُ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ لِأَجْلِ اللَّهِ : رَجَاءً وَمَحَبَّةً وَخَشْيَةً أَعْطَيْنَاهُ . فَوْقَ الْمَزِيدِ ; لِأَنَّ هَذَا مَقَامَ الصَّبْرِ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4107&ayano=39إنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } .