ولهذا كانت
nindex.php?page=treesubj&link=28446_20741الأقوال في الشرع لا تعتبر إلا من عاقل يعلم ما يقول ويقصده فأما المجنون والطفل الذي لا يميز فأقواله كلها لغو في الشرع لا يصح منه إيمان ولا كفر ولا عقد من العقود ولا شيء من الأقوال باتفاق المسلمين وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=28446النائم إذا تكلم في منامه فأقواله كلها لغو سواء تكلم المجنون والنائم بطلاق أو كفر أو غيره وهذا بخلاف الطفل ; فإن
nindex.php?page=treesubj&link=28446_20741المجنون والنائم إذا أتلف مالا ضمنه ولو قتل نفسا وجبت ديتها كما تجب دية الخطأ .
وتنازع العلماء في السكران مع اتفاقهم أنه لا تصح صلاته لقوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597530مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع } وهو معروف في السنن .
وتنازعوا في
nindex.php?page=treesubj&link=23640_23641_23642عقود السكران كطلاقه وفي أفعاله المحرمة كالقتل والزنا هل يجرى مجرى العاقل أو مجرى المجنون أو يفرق بين أقواله وأفعاله وبين بعض ذلك وبعض ؟ على عدة أقوال معروفة . والذي تدل عليه النصوص والأصول وأقوال
الصحابة : أن أقواله هدر - كالمجنون - لا يقع بها طلاق ولا غيره ; فإن الله تعالى قد قال :
[ ص: 116 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=540&ayano=4حتى تعلموا ما تقولون } فدل على أنه لا يعلم ما يقول والقلب هو الملك الذي تصدر الأقوال والأفعال عنه فإذا لم يعلم ما يقول لم يكن ذلك صادرا عن القلب ; بل يجري مجرى اللغو والشارع لم يرتب المؤاخذة إلا على ما يكسبه القلب من الأقوال والأفعال الظاهرة كما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=234&ayano=2ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } ولم يؤاخذ على أقوال وأفعال لم يعلم بها القلب ولم يتعمدها وكذلك ما يحدث به المرء نفسه لم يؤاخذ منه إلا بما قاله أو فعله وقال قوم : إن الله قد أثبت للقلب كسبا فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=234&ayano=2بما كسبت قلوبكم } فليس لله عبد أسر عملا أو أعلنه من حركة في جوارحه أو هم في قلبه إلا يخبره الله به ويحاسبه عليه ثم يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء .
واحتجوا بقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2082&ayano=17إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا } وهذا القول ضعيف شاذ ; فإن قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=234&ayano=2يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } إنما ذكره لبيان أنه يؤاخذ في الأعمال بما كسب القلب لا يؤاخذ بلغو الأيمان كما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=763&ayano=5بما عقدتم الأيمان } فالمؤاخذة لم تقع إلا بما اجتمع فيه كسب القلب مع عمل الجوارح فأما ما وقع في النفس ; فإن الله تجاوز عنه ما لم يتكلم به أو يعمل وما وقع من لفظ أو حركة بغير قصد القلب وعلمه فإنه لا يؤاخذ به .
و " أيضا " فإذا كان السكران لا يصح طلاقه والصبي المميز تصح
[ ص: 117 ] صلاته ثم الصبي لا يقع طلاقه فالسكران أولى وقد {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597531قال النبي صلى الله عليه وسلم لماعز لما اعترف بالحد : أبك جنون ؟ قال : لا ثم أمر باستنكاهه لئلا يكون سكران } فدل على أن إقرار السكران باطل وقضية
ماعز متأخرة بعد تحريم الخمر فإن الخمر حرمت سنة ثلاث بعد
أحد باتفاق الناس وقد ثبت عن
عثمان وغيره من
الصحابة كعبد الله بن عباس أن طلاق السكران لا يقع ولم يثبت عن صحابي خلافه .
والذين أوقعوا طلاقه لم يذكروا إلا مأخذا ضعيفا وعمدتهم أنه عاص بإزالة عقله وهذا صحيح يوجب عقوبته على المعصية التي هي الشرب فيحد على ذلك وأما الطلاق فلا يعاقب به مسلم على المعصية ولو كان كذلك لكان كل من شرب الخمر أو سكر طلقت امرأته وإنما قال من قال : إذا تكلم به طلقت فهم اعتبروا كلامه لا معصيته ثم إنه في حال سكره قد يعتق والعتق قربة فإن صححوا عتقه بطل الفرق وإن ألغوه فإلغاء الطلاق أولى فإن الله يحب العتق ولا يحب الطلاق .
ثم من علل ذلك بالمعصية لزمه طرد ذلك فيمن زال عقله بغير مسكر كالبنج وهو قول من يسوي بين البنج والسكران من أصحاب
الشافعي وموافقيه
nindex.php?page=showalam&ids=11851كأبي الخطاب والأكثرون على الفرق وهو منصوص
[ ص: 118 ] أحمد وأبي حنيفة وغيرهما ; لأن الخمر تشتهيها النفس وفيها الحد ; بخلاف البنج فإنه لا حد فيه ; بل فيه التعزير ; لأنه لا يشتهى كالميتة والدم ولحم الخنزير فيها التعزير وعامة العلماء على أنه لا حد فيها إلا قولا نقل عن
الحسن فهذا فيمن زال عقله .
وأما إذا كان يعلم ما يقول فإن كان مختارا قاصدا لما يقوله فهذا هو الذي يعتبر قوله وإن كان مكرها فإن أكره على ذلك بغير حق فهذا عند جمهور العلماء أقواله كلها لغو مثل كفره وإيمانه وطلاقه وغيره وهذا مذهب
مالك والشافعي وأحمد وغيرهم .
وأبو حنيفة وطائفة يفرقون بين ما يقبل الفسخ وما لا يقبله . قالوا : فما يقبل الفسخ لا يلزم من المكره كالبيع ; بل يقف على إجازته له وما لا يقبل الفسخ كالنكاح والطلاق واليمين فإنه يلزم من المكره .
والجمهور ينازعون في هذا الفرق : في ثبوت الوصف وفي تعلق الحكم به ; فإنهم يقولون : النكاح ونحوه يقبل الفسخ وكذلك العتق يقبل الفسخ عند
الشافعي وأحد القولين في مذهب
أحمد حتى إن المكاتب قد يحكمون بعتقه ثم يفسخون العتق ويعيدونه عبدا والأيمان المنعقدة تقبل التحلة كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5297&ayano=66قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } .
[ ص: 119 ] وبسط الكلام على هذا له موضع آخر .
وَلِهَذَا كَانَتْ
nindex.php?page=treesubj&link=28446_20741الْأَقْوَالُ فِي الشَّرْعِ لَا تُعْتَبَرُ إلَّا مِنْ عَاقِلٍ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَيَقْصِدُهُ فَأَمَّا الْمَجْنُونُ وَالطِّفْلُ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ فَأَقْوَالُهُ كُلُّهَا لَغْوٌ فِي الشَّرْعِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ إيمَانٌ وَلَا كُفْرٌ وَلَا عَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ وَلَا شَيْءٌ مِنْ الْأَقْوَالِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=28446النَّائِمُ إذَا تَكَلَّمَ فِي مَنَامِهِ فَأَقْوَالُهُ كُلُّهَا لَغْوٌ سَوَاءٌ تَكَلَّمَ الْمَجْنُونُ وَالنَّائِمُ بِطَلَاقِ أَوْ كُفْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الطِّفْلِ ; فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28446_20741الْمَجْنُونَ وَالنَّائِمَ إذَا أَتْلَفَ مَالًا ضَمِنَهُ وَلَوْ قَتَلَ نَفْسًا وَجَبْت دِيَتُهَا كَمَا تَجِبُ دِيَةُ الْخَطَأِ .
وَتَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي السَّكْرَانِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597530مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ } وَهُوَ مَعْرُوفٌ فِي السُّنَنِ .
وَتَنَازَعُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=23640_23641_23642عُقُودِ السَّكْرَانِ كَطَلَاقِهِ وَفِي أَفْعَالِهِ الْمُحَرَّمَةِ كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا هَلْ يُجْرَى مَجْرَى الْعَاقِلِ أَوْ مَجْرَى الْمَجْنُونِ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَبَيْنَ بَعْضِ ذَلِكَ وَبَعْضٍ ؟ عَلَى عِدَّةِ أَقْوَالٍ مَعْرُوفَةٍ . وَاَلَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ النُّصُوصُ وَالْأُصُولُ وَأَقْوَالُ
الصَّحَابَةِ : أَنَّ أَقْوَالَهُ هَدَرٌ - كَالْمَجْنُونِ - لَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ وَلَا غَيْرُهُ ; فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَالَ :
[ ص: 116 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=540&ayano=4حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَالْقَلْبُ هُوَ الْمَلِكُ الَّذِي تَصْدُرُ الْأَقْوَالُ وَالْأَفْعَالُ عَنْهُ فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا يَقُولُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ صَادِرًا عَنْ الْقَلْبِ ; بَلْ يُجْرِي مَجْرَى اللَّغْوِ وَالشَّارِعُ لَمْ يُرَتِّبْ الْمُؤَاخَذَةَ إلَّا عَلَى مَا يَكْسِبُهُ الْقَلْبُ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=234&ayano=2وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } وَلَمْ يُؤَاخِذْ عَلَى أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا الْقَلْبُ وَلَمْ يَتَعَمَّدْهَا وَكَذَلِكَ مَا يُحَدِّثُ بِهِ الْمَرْءُ نَفْسَهُ لَمْ يُؤَاخَذْ مِنْهُ إلَّا بِمَا قَالَهُ أَوْ فَعَلَهُ وَقَالَ قَوْمٌ : إنَّ اللَّهَ قَدْ أَثَبَتَ لِلْقَلْبِ كَسْبًا فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=234&ayano=2بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } فَلَيْسَ لِلَّهِ عَبْدٌ أَسَرَّ عَمَلًا أَوْ أَعْلَنَهُ مِنْ حَرَكَةٍ فِي جَوَارِحِهِ أَوْ هَمٍّ فِي قَلْبِهِ إلَّا يُخْبِرُهُ اللَّهُ بِهِ وَيُحَاسِبُهُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ .
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2082&ayano=17إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ شَاذٌّ ; فَإِنَّ قَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=234&ayano=2يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } إنَّمَا ذَكَرَهُ لِبَيَانِ أَنَّهُ يُؤَاخِذُ فِي الْأَعْمَالِ بِمَا كَسَبَ الْقَلْبُ لَا يُؤَاخِذُ بِلَغْوِ الْأَيْمَانِ كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=763&ayano=5بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ } فَالْمُؤَاخَذَةُ لَمْ تَقَعْ إلَّا بِمَا اجْتَمَعَ فِيهِ كَسْبُ الْقَلْبِ مَعَ عَمَلِ الْجَوَارِحِ فَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي النَّفْسِ ; فَإِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْهُ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ أَوْ يَعْمَلْ وَمَا وَقَعَ مِنْ لَفْظٍ أَوْ حَرَكَةٍ بِغَيْرِ قَصْدِ الْقَلْبِ وَعِلْمِهِ فَإِنَّهُ لَا يُؤَاخِذُ بِهِ .
و " أَيْضًا " فَإِذَا كَانَ السَّكْرَانُ لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ تَصِحُّ
[ ص: 117 ] صِلَاتُهُ ثُمَّ الصَّبِيُّ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ فَالسَّكْرَانُ أَوْلَى وَقَدْ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597531قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَاعِزِ لَمَّا اعْتَرَفَ بِالْحَدِّ : أَبِك جُنُونٌ ؟ قَالَ : لَا ثُمَّ أَمَرَ بِاسْتِنْكَاهِهِ لِئَلَّا يَكُونَ سَكْرَانَ } فَدَلَّ عَلَى أَنَّ إقْرَارَ السَّكْرَانِ بَاطِلٌ وَقَضِيَّةُ
مَاعِزٍ مُتَأَخِّرَةٌ بَعْدَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ فَإِنَّ الْخَمْرَ حُرِّمَتْ سَنَةَ ثَلَاثٍ بَعْدَ
أُحُدٍ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ
عُثْمَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ
الصَّحَابَةِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ طَلَاقَ السَّكْرَانِ لَا يَقَعُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ صَحَابِيٍّ خِلَافُهُ .
وَاَلَّذِينَ أَوْقَعُوا طَلَاقَهُ لَمْ يَذْكُرُوا إلَّا مَأْخَذًا ضَعِيفًا وَعُمْدَتُهُمْ أَنَّهُ عَاصٍ بِإِزَالَةِ عَقْلِهِ وَهَذَا صَحِيحٌ يُوجِبُ عُقُوبَتَهُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هِيَ الشُّرْبُ فَيُحَدُّ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَلَا يُعَاقَبُ بِهِ مُسْلِمٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ كُلُّ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ أَوْ سَكِرَ طَلَقَتْ امْرَأَتُهُ وَإِنَّمَا قَالَ مَنْ قَالَ : إذَا تَكَلَّمَ بِهِ طَلَقَتْ فَهُمْ اعْتَبَرُوا كَلَامَهُ لَا مَعْصِيَتَهُ ثُمَّ إنَّهُ فِي حَالِ سُكْرِهِ قَدْ يَعْتِقُ وَالْعِتْقُ قُرْبَةٌ فَإِنْ صَحَّحُوا عِتْقَهُ بَطَلَ الْفَرْقُ وَإِنْ أَلْغَوْهُ فَإِلْغَاءُ الطَّلَاقِ أَوْلَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعِتْقَ وَلَا يُحِبُّ الطَّلَاقَ .
ثُمَّ مَنْ عَلَّلَ ذَلِكَ بِالْمَعْصِيَةِ لَزِمَهُ طَرْدُ ذَلِكَ فِيمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِغَيْرِ مُسْكِرٍ كَالْبَنْجِ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ يُسَوِّي بَيْنَ الْبَنْجِ وَالسَّكْرَانِ مِنْ أَصْحَابِ
الشَّافِعِيِّ وَمُوَافَقِيهِ
nindex.php?page=showalam&ids=11851كَأَبِي الْخَطَّابِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْفَرْقِ وَهُوَ مَنْصُوصُ
[ ص: 118 ] أَحْمَد وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمَا ; لِأَنَّ الْخَمْرَ تَشْتَهِيهَا النَّفْسُ وَفِيهَا الْحَدُّ ; بِخِلَافِ الْبَنْجِ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ ; بَلْ فِيهِ التَّعْزِيرُ ; لِأَنَّهُ لَا يُشْتَهَى كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ فِيهَا التَّعْزِيرُ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهَا إلَّا قَوْلًا نُقِلَ عَنْ
الْحَسَنِ فَهَذَا فِيمَنْ زَالَ عَقْلُهُ .
وَأَمَّا إذَا كَانَ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ فَإِنْ كَانَ مُخْتَارًا قَاصِدًا لِمَا يَقُولُهُ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَقْوَالُهُ كُلُّهَا لَغْوٌ مِثْلُ كُفْرِهِ وَإِيمَانِهِ وَطَلَاقِهِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا مَذْهَبُ
مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ .
وَأَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ وَمَا لَا يَقْبَلُهُ . قَالُوا : فَمَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْمُكْرَهِ كَالْبَيْعِ ; بَلْ يَقِفُ عَلَى إجَازَتِهِ لَهُ وَمَا لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْيَمِينِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْمُكْرَهِ .
وَالْجُمْهُورُ يُنَازِعُونَ فِي هَذَا الْفَرْقِ : فِي ثُبُوتِ الْوَصْفِ وَفِي تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهِ ; فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ : النِّكَاحُ وَنَحْوُهُ يَقْبَلُ الْفَسْخَ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ يَقْبَلُ الْفَسْخَ عِنْد
الشَّافِعِيِّ وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ
أَحْمَد حَتَّى إنَّ الْمُكَاتَبَ قَدْ يَحْكُمُونَ بِعِتْقِهِ ثُمَّ يَفْسَخُونَ الْعِتْقَ وَيُعِيدُونَهُ عَبْدًا وَالْأَيْمَانُ الْمُنْعَقِدَةُ تَقْبَلُ التَّحِلَّةَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5297&ayano=66قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } .
[ ص: 119 ] وَبَسْطُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ .