فصل ثم قال :
nindex.php?page=treesubj&link=29058 { nindex.php?page=tafseer&surano=6039&ayano=87والذي أخرج المرعى } { nindex.php?page=tafseer&surano=6040&ayano=87فجعله غثاء أحوى } هو سبحانه لما ذكر قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6038&ayano=87قدر فهدى } دخل في ذلك ما قدره من أرزاق العباد [ والبهائم ] وهداهم إليها فهدى من يأتي بها إليهم . وذلك من تمام إنعامه على عباده كما جاء في الأثر : {
إن الله يقول : [ ص: 150 ] إني والجن والإنس لفي نبأ عظيم أخلق ويعبدون غيري وأرزق ويشكرون سواي } وهذا المعنى قد روي في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5117&ayano=56وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } أي تجعلون شكركم وشكر ربكم التكذيب بإنعام الله وإضافة الرزق إلى غيره كالأنواء كما ثبت في الصحيح عن
ابن عباس قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597844مطر الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر قالوا : هذه رحمة الله وقال بعضهم : لقد صدق نوء كذا وكذا قال : فنزلت هذه الآية { nindex.php?page=tafseer&surano=5110&ayano=56فلا أقسم بمواقع النجوم } حتى بلغ { nindex.php?page=tafseer&surano=5117&ayano=56وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } } وفي صحيح
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597845ما أنزل الله من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين ينزل الله الغيث فيقولون : الكوكب كذا وكذا وفي رواية بكوكب كذا وكذا } .
وروى
ابن المنذر في تفسيره : ثنا
محمد بن علي يعني الصائغ ثنا
سعيد هو ابن منصور ثنا
هشيم عن
أبي بشر عن
سعيد بن جبير عن
ابن عباس أنه كان يقرأ ( [ وتجعلون ] شكركم أنكم تكذبون
[ ص: 151 ] يعني الأنواء . وما مطر قوم إلا أصبح بعضهم كافرا وكانوا يقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا فأنزل الله {
nindex.php?page=tafseer&surano=5117&ayano=56وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } وروى
ابن أبي حاتم عن
عطاء الخراساني عن
عكرمة في قول الله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5117&ayano=56وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } قال : تجعلون رزقكم من عند غير الله تكذيبا وشكرا [ لغيره ] .
لكن قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6039&ayano=87والذي أخرج المرعى } خص به إخراج المرعى وهو ما ترعاه الدواب وذكر أنه جعله غثاء أحوى . وهذا فيه ذكر أقوات البهائم لكن أقوات الآدميين أجل من ذلك وقد دخلت هي وأقوات البهائم في قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=6038&ayano=87قدر فهدى } .
وأيضا فالذي يصير غثاء أحوى لم تقتت به البهائم وإنما تقتات به قبل ذلك .
فهو والله أعلم خص هذا بالذكر لأنه مثل الحياة الدنيا .
إذ كانت هذه السورة تضمنت أصول الإيمان الإيمان بالله واليوم الآخر والإيمان بالرسل والكتب التي جاءوا بها وذلك يتضمن الإيمان بالملائكة . وفيها العمل الصالح الذي ينفع في الآخرة والفاسد الذي يضر فيها .
[ ص: 152 ] فذكر سبحانه المرعى عقب ما ذكره من الخلق والهدى ليبين مآل بعض المخلوقات وأن الدنيا هذا مثلها .
وقد ذكر الله ذلك في الكهف ويونس والحديد . قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2203&ayano=18واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1398&ayano=10إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1399&ayano=10والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5152&ayano=57اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } وقد جعل إهلاك المهلكين حصادا لهم فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1584&ayano=11ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6197&ayano=95لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6198&ayano=95ثم رددناه أسفل سافلين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6199&ayano=95إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون } فقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6039&ayano=87والذي أخرج المرعى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6040&ayano=87فجعله غثاء أحوى } هو مثل للحياة الدنيا وعاقبة الكفار ومن اغتر بالدنيا فإنهم يكونون في نعيم وزينة وسعادة ثم يصيرون إلى شقاء في الدنيا والآخرة . كالمرعى الذي جعله غثاء أحوى .
فصل قوله : فذكر إن نفعت الذكرى سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى فقوله : إن نفعت الذكرى كقوله : إن الذكرى تنفع المؤمنين .
وقوله : إن نفعت الذكرى و " إن " هي الشرطية .
[ ص: 154 ] وحكى الماوردي أنها بمعنى " ما " . وهذه تكون " ما " المصدرية . وهي بمعنى الظرف ، أي : ذكر ما نفعت ، ما دامت تنفع . ومعناها قريب من معنى الشرطية .
وأما إن ظن ظان أنها نافية فهذا غلط بين . فإن الله لا ينفي نفع الذكرى مطلقا وهو القائل فتول عنهم فما أنت بملوم وذكر فإن الذكرى تنفع ، ثم قال المؤمنين وعن فذكر إن نفعت الذكرى : إن قبلت الذكرى .
وعن مقاتل : فذكر وقد نفعت الذكرى .
وقيل : ذكر إن نفعت الذكرى وإن لم تنفع . قاله طائفة ، أولهم الفراء ، واتبعه جماعة ، منهم النحاس ، والزهراوي . والواحدي . والبغوي ولم يذكر غيره . قالوا : وإنما لم يذكر الحال الثانية كقوله : سرابيل تقيكم الحر وأراد الحر والبرد .
وإنما قالوا هذا لأنهم قد علموا أنه يجب عليه تبليغ جميع الخلق وتذكيرهم سواء آمنوا أو كفروا . فلم يكن وجوب التذكير مختصا بمن
[ ص: 155 ] تنفعه الذكرى كما قال في الآية الأخرى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6076&ayano=88فذكر إنما أنت مذكر } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6077&ayano=88لست عليهم بمسيطر } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4412&ayano=43وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5390&ayano=68ويقولون إنه لمجنون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5391&ayano=68وما هو إلا ذكر للعالمين } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2881&ayano=25ليكون للعالمين نذيرا } .
وهذا الذي قالوه [ له ] معنى صحيح وهو قول
الفراء وأمثاله [ لكن ] لم يقله أحد من مفسري
السلف . ولهذا كان
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ينكر على
الفراء وأمثاله ما ينكره ويقول : كنت أحسب
الفراء رجلا صالحا حتى رأيت كتابه في معاني القرآن .
وهذا المعنى الذي قالوه مدلول عليه بآيات أخر . وهو معلوم بالاضطرار من أمر الرسول فإن الله بعثه مبلغا ومذكرا لجميع الثقلين الإنس والجن . لكن ليس هو معنى هذه الآية .
بل معنى هذه يشبه قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4725&ayano=50فذكر بالقرآن من يخاف وعيد } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5836&ayano=79إنما أنت منذر من يخشاها } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3752&ayano=36إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب } وقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=5908&ayano=12إن هو إلا ذكر للعالمين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5909&ayano=81لمن شاء منكم أن يستقيم } فالقرآن جاء بالعام والخاص . وهذا كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2هدى للمتقين } ونحو ذلك .
[ ص: 156 ] وسبب ذلك أن التعليم والتذكير والإنذار والهدى ونحو ذلك له فاعل وله قابل . فالمعلم المذكر يعلم غيره ثم ذلك الغير قد يتعلم ويتذكر وقد لا يتعلم ولا يتذكر . فإن تعلم وتذكر فقد تم التعليم والتذكير وإن لم يتعلم ولم يتذكر فقد وجد أحد طرفيه وهو الفاعل دون المحل القابل . فيقال في مثل هذا : علمته فما تعلم وذكرته فما تذكر وأمرته فما أطاع .
وقد يقال " ما علمته وما ذكرته " لأنه لم يحصل تاما ولم يحصل مقصوده فينفى لانتفاء كماله وتمامه . وانتفاء فائدته بالنسبة إلى المخاطب السامع وإن كانت الفائدة حاصلة للمتكلم القائل المخاطب .
فحيث خص بالتذكير والإنذار ونحوه المؤمنون فهم مخصوصون بالتام النافع الذي سعدوا به . وحيث عمم فالجميع مشتركون في الإنذار الذي قامت به الحجة على الخلق سواء قبلوا أو لم يقبلوا .
وهذا هو الهدى المذكور في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4276&ayano=41وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى } فالهدى هنا هو البيان والدلالة والإرشاد العام المشترك . وهو كالإنذار العام والتذكير العام . وهنا قد هدى المتقين وغيرهم كما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1727&ayano=13ولكل قوم هاد } وأما قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=1اهدنا الصراط المستقيم } فالمطلوب الهدى الخاص
[ ص: 157 ] التام الذي يحصل معه الاهتداء كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2هدى للمتقين } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=991&ayano=7فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1954&ayano=16فإن الله لا يهدي من يضل } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=690&ayano=5يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام } وهذا كثير في القرآن .
وكذلك الإنذار قد قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2366&ayano=19فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1376&ayano=10أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا } وقال في الخاص : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5836&ayano=79إنما أنت منذر من يخشاها } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3752&ayano=36إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب } فهذا الإنذار الخاص وهو التام النافع الذي انتفع به المنذر . والإنذار هو الإعلام بالمخوف فعلم المخوف فخاف فآمن وأطاع .
وكذلك التذكير عام وخاص . فالعام هو تبليغ الرسالة إلى كل أحد وهذا يحصل بإبلاغهم ما أرسل به من الرسالة . قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4094&ayano=38قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4095&ayano=12إن هو إلا ذكر للعالمين } .
وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5600&ayano=74وما هي إلا ذكرى للبشر } .
وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5908&ayano=12إن هو إلا ذكر للعالمين } . ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5909&ayano=81لمن شاء منكم أن يستقيم } فذكر العام والخاص .
[ ص: 158 ] والتذكر هو الذكر التام الذي يذكره المذكر به وينتفع به . وغير هؤلاء قال تعالى فيهم : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2506&ayano=21ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2507&ayano=21لاهية قلوبهم } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2963&ayano=26وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين } فقد أتاهم وقامت به الحجة ولكن لم يصغوا إليه بقلوبهم فلم يفهموه أو فهموه فلم يعملوا به كما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1191&ayano=8ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون } والخاص هو التام النافع وهو الذي حصل معه تذكر لمذكر فإن هذا ذكرى كما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6044&ayano=87فذكر إن نفعت الذكرى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6045&ayano=87سيذكر من يخشى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6046&ayano=87ويتجنبها الأشقى } أي يجنب الذكرى وهو إنما جنب الذكرى الخاصة .
وأما المشترك الذي تقوم به الحجة فقد ذكر هو وغيره بذلك وقامت الحجة عليهم . وقد قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2061&ayano=17وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=662&ayano=4لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } وقال عن أهل النار : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5316&ayano=67كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5317&ayano=67قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=925&ayano=6يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا } .
وأما تمثيلهم ذلك بقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=1998&ayano=16سرابيل تقيكم الحر } أي وتقيكم البرد فعنه جوابان : أحدهما : أنه ليس هناك حرف شرط علق به الحكم بخلاف هذا الموضع . فإنه إذا علق الأمر بشرط وكان مأمورا به في حال وجود الشرط كما هو مأمور به في حال عدمه كان ذكر الشرط تطويلا للكلام تقليلا للفائدة وإضلالا للسامع .
وجمهور الناس على أن مفهوم الشرط حجة ومن نازع فيه يقول : سكت عن غير المعلق لا يقول : إن اللفظ دل على المسكوت كما دل على المنطوق . فهذا لا يقوله أحد .
الثاني : أن قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=1998&ayano=16تقيكم الحر } على بابه وليس في الآية ذكر البرد . وإنما يقول " إن المعطوف محذوف " هو
الفراء وأمثاله ممن أنكر عليهم الأئمة حيث يفسرون القرآن بمجرد ظنهم وفهمهم لنوع من علم العربية عندهم . وكثيرا لا يكون ما فسروا به مطابقا .
وليس في الكلام ما يدل على ذكر البرد ولكن الله ذكر في
[ ص: 160 ] هذه السورة إنعامه على عباده وتسمى " سورة النعم " فذكر في أولها أصول النعم التي لا بد منها ولا تقوم الحياة إلا بها وذكر في أثنائها تمام النعم .
وكان ما يقي البرد من أصول النعم فذكر في أول السورة في قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=1922&ayano=16والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع } . فالدفء ما يدفئ ويدفع البرد .
والبرد الشديد يوجب الموت بخلاف الحر . فقد مات خلق من البرد بخلاف الحر فإن الموت منه غير معتاد . ولهذا قال بعض
العرب البرد بؤس والحر أذى .
فلما ذكر في أثنائها تمام النعم ذكر الظلال وما يقي الحر وذكر الأسلحة وما يقي القتل فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1998&ayano=16والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون } .
فذكر أنه يتم نعمته كما بين ذلك في هذه الآيات فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1998&ayano=16كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون } . وفرق بين الظلال والأكنان ; فإن الظلال يكون بالشجر
[ ص: 161 ] ونحوه مما يظل ولا يكن بخلاف ما في الجبال من الغيران فإنه يظل ويكن .
فهذا في الأمكنة ثم قال في اللباس : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1998&ayano=16وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم } فهذا في اللباس . واللباس والمساكن كلاهما تقي الناس ما يؤذيهم من حر وبرد وعدو وكلاهما تسترهم عن أعين الناظرين .
وفي البيوت خاصة يسكنون كما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1997&ayano=16والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم } . فلما ذكر البيوت المسكونة امتن بكونه جعلها سكنا يسكنون فيها من تعب الحركات . وذكر أنه جعل لهم بيوتا أخرى يحملونها معهم ويستخفونها يوم ظعنهم ويوم إقامتهم . فذكر البيوت الثقيلة التي لا تحمل والخفية التي تحمل .
فتبين أن ما مثلوا به حجة عليهم .
فقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6044&ayano=87إن نفعت الذكرى } - كما قال مفسرو
السلف والجمهور - على بابها قال
الحسن البصري : تذكرة للمؤمن وحجة على الكافر .
فَصْلٌ ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=29058 { nindex.php?page=tafseer&surano=6039&ayano=87وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى } { nindex.php?page=tafseer&surano=6040&ayano=87فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى } هُوَ سُبْحَانَهُ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6038&ayano=87قَدَّرَ فَهَدَى } دَخَلَ فِي ذَلِكَ مَا قَدَّرَهُ مِنْ أَرْزَاقِ الْعِبَادِ [ وَالْبَهَائِمِ ] وَهَدَاهُمْ إلَيْهَا فَهَدَى مَنْ يَأْتِي بِهَا إلَيْهِمْ . وَذَلِكَ مِنْ تَمَامِ إنْعَامِهِ عَلَى عِبَادِهِ كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ : {
إنَّ اللَّهَ يَقُولُ : [ ص: 150 ] إنِّي وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ لَفِي نَبَأٍ عَظِيمٍ أَخْلُقُ وَيَعْبُدُونَ غَيْرِي وَأَرْزُقُ وَيَشْكُرُونَ سِوَايَ } وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ رُوِيَ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5117&ayano=56وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } أَيْ تَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ وَشُكْرَ رَبِّكُمْ التَّكْذِيبَ بِإِنْعَامِ اللَّهِ وَإِضَافَةِ الرِّزْقِ إلَى غَيْرِهِ كَالْأَنْوَاءِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597844مُطِرَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْبَحَ مِنْ النَّاسِ شَاكِرٌ وَمِنْهُمْ كَافِرٌ قَالُوا : هَذِهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَا قَالَ : فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { nindex.php?page=tafseer&surano=5110&ayano=56فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ } حَتَّى بَلَغَ { nindex.php?page=tafseer&surano=5117&ayano=56وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } } وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597845مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ بَرَكَةٍ إلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنْ النَّاسِ بِهَا كَافِرِينَ يُنَزِّلُ اللَّهُ الْغَيْثَ فَيَقُولُونَ : الْكَوْكَبُ كَذَا وَكَذَا وَفِي رِوَايَةٍ بِكَوْكَبِ كَذَا وَكَذَا } .
وَرَوَى
ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي تَفْسِيرِهِ : ثِنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ يَعْنِي الصَّائِغَ ثِنَا
سَعِيدٌ هُوَ ابْنُ مَنْصُورٍ ثِنَا
هشيم عَنْ
أَبِي بِشْرٍ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ( [ وَتَجْعَلُونَ ] شُكْرَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ
[ ص: 151 ] يَعْنِي الْأَنْوَاءَ . وَمَا مُطِرَ قَوْمٌ إلَّا أَصْبَحَ بَعْضُهُمْ كَافِرًا وَكَانُوا يَقُولُونَ : مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5117&ayano=56وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } وَرَوَى
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ
عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ
عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5117&ayano=56وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } قَالَ : تَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ تَكْذِيبًا وَشُكْرًا [ لِغَيْرِهِ ] .
لَكِنَّ قَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6039&ayano=87وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى } خَصَّ بِهِ إخْرَاجَ الْمَرْعَى وَهُوَ مَا تَرْعَاهُ الدَّوَابُّ وَذَكَرَ أَنَّهُ جَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى . وَهَذَا فِيهِ ذِكْرُ أَقْوَاتِ الْبَهَائِمِ لَكِنَّ أَقْوَاتَ الْآدَمِيِّينَ أَجَلُّ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ دَخَلَتْ هِيَ وَأَقْوَاتُ الْبَهَائِمِ فِي قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=6038&ayano=87قَدَّرَ فَهَدَى } .
وَأَيْضًا فَاَلَّذِي يَصِيرُ غُثَاءً أَحْوَى لَمْ تَقْتَتْ بِهِ الْبَهَائِمُ وَإِنَّمَا تَقْتَاتُ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ .
فَهُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ خَصَّ هَذَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا .
إذْ كَانَتْ هَذِهِ السُّورَةُ تَضَمَّنَتْ أُصُولَ الْإِيمَانِ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْإِيمَانِ بِالرُّسُلِ وَالْكُتُبِ الَّتِي جَاءُوا بِهَا وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ الْإِيمَانَ بِالْمَلَائِكَةِ . وَفِيهَا الْعَمَلُ الصَّالِحُ الَّذِي يَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ وَالْفَاسِدُ الَّذِي يَضُرُّ فِيهَا .
[ ص: 152 ] فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ الْمَرْعَى عَقِبَ مَا ذِكْرِهِ مِنْ الْخَلْقِ وَالْهُدَى لِيُبَيِّنَ مَآلَ بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ وَأَنَّ الدُّنْيَا هَذَا مَثَلُهَا .
وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي الْكَهْفِ وَيُونُسَ وَالْحَدِيدِ . قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2203&ayano=18وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1398&ayano=10إنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1399&ayano=10وَاللَّهُ يَدْعُو إلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5152&ayano=57اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ } وَقَدْ جَعَلَ إهْلَاكَ الْمُهْلَكِينَ حَصَادًا لَهُمْ فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1584&ayano=11ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6197&ayano=95لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6198&ayano=95ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6199&ayano=95إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } فَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6039&ayano=87وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6040&ayano=87فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى } هُوَ مَثَلٌ لِلْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَعَاقِبَةُ الْكُفَّارِ وَمَنْ اغْتَرَّ بِالدُّنْيَا فَإِنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي نَعِيمٍ وَزِينَةٍ وَسَعَادَةٍ ثُمَّ يَصِيرُونَ إلَى شَقَاءٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . كَالْمَرْعَى الَّذِي جَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى .
فَصْلٌ قَوْلُهُ : فَذَكِّرْ إنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى فَقَوْلُهُ : إنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى كَقَوْلِهِ : إنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ .
وَقَوْلُهُ : إنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى وَ " إنْ " هِيَ الشَّرْطِيَّةُ .
[ ص: 154 ] وَحَكَى الماوردي أَنَّهَا بِمَعْنَى " مَا " . وَهَذِهِ تَكُونُ " مَا " الْمَصْدَرِيَّةُ . وَهِيَ بِمَعْنَى الظَّرْفِ ، أَيْ : ذَكِّرْ مَا نَفَعَتْ ، مَا دَامَتْ تَنْفَعُ . وَمَعْنَاهَا قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِيَّةِ .
وَأَمَّا إنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّهَا نَافِيَةٌ فَهَذَا غَلَطٌ بَيِّنٌ . فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَنْفِي نَفْعَ الذِّكْرَى مُطْلَقًا وَهُوَ الْقَائِلُ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومِ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ ، ثُمَّ قَالَ الْمُؤْمِنِينَ وَعَنْ فَذَكِّرْ إنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى : إنْ قَبِلْت الذِّكْرَى .
وَعَنْ مُقَاتِلٍ : فَذَكِّرْ وَقَدْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى .
وَقِيلَ : ذَكِّرْ إنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى وَإِنْ لَمْ تَنْفَعْ . قَالَهُ طَائِفَةٌ ، أَوَّلُهُمْ الْفَرَّاءُ ، وَاتَّبَعَهُ جَمَاعَةٌ ، مِنْهُمْ النَّحَّاسُ ، وَالزَّهْرَاوِيُّ . وَالْوَاحِدِيُّ . والبغوي وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ . قَالُوا : وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْحَالَ الثَّانِيَةَ كَقَوْلِهِ : سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ وَأَرَادَ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ .
وَإِنَّمَا قَالُوا هَذَا لِأَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَبْلِيغُ جَمِيعِ الْخَلْقِ وَتَذْكِيرُهُمْ سَوَاءٌ آمَنُوا أَوْ كَفَرُوا . فَلَمْ يَكُنْ وُجُوبُ التَّذْكِيرِ مُخْتَصًّا بِمَنْ
[ ص: 155 ] تَنْفَعُهُ الذِّكْرَى كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6076&ayano=88فَذَكِّرْ إنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6077&ayano=88لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4412&ayano=43وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5390&ayano=68وَيَقُولُونَ إنَّهُ لَمَجْنُونٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5391&ayano=68وَمَا هُوَ إلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2881&ayano=25لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } .
وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ [ لَهُ ] مَعْنًى صَحِيحٌ وَهُوَ قَوْلُ
الْفَرَّاءِ وَأَمْثَالِهِ [ لَكِنْ ] لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ مُفَسِّرِي
السَّلَفِ . وَلِهَذَا كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ يُنْكِرُ عَلَى
الْفَرَّاءِ وَأَمْثَالِهِ مَا يُنْكِرُهُ وَيَقُولُ : كُنْت أَحْسَبُ
الْفَرَّاءَ رَجُلًا صَالِحًا حَتَّى رَأَيْت كِتَابَهُ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ .
وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي قَالُوهُ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِآيَاتِ أُخَرٍ . وَهُوَ مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ أَمْرِ الرَّسُولِ فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَهُ مُبَلِّغًا وَمُذَكِّرًا لِجَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ . لَكِنْ لَيْسَ هُوَ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ .
بَلْ مَعْنَى هَذِهِ يُشْبِهُ قَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4725&ayano=50فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ } وَقَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5836&ayano=79إنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا } وَقَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3752&ayano=36إنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ } وَقَوْلَهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5908&ayano=12إنْ هُوَ إلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5909&ayano=81لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ } فَالْقُرْآنُ جَاءَ بِالْعَامِّ وَالْخَاصِّ . وَهَذَا كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } وَنَحْوِ ذَلِكَ .
[ ص: 156 ] وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ التَّعْلِيمَ وَالتَّذْكِيرَ وَالْإِنْذَارَ وَالْهُدَى وَنَحْوَ ذَلِكَ لَهُ فَاعِلٌ وَلَهُ قَابِلٌ . فَالْمُعَلِّمُ الْمُذَكِّرُ يُعَلِّمُ غَيْرَهُ ثُمَّ ذَلِكَ الْغَيْرُ قَدْ يَتَعَلَّمُ وَيَتَذَكَّرُ وَقَدْ لَا يَتَعَلَّمُ وَلَا يَتَذَكَّرُ . فَإِنْ تَعَلَّمَ وَتَذَكَّرَ فَقَدْ تَمَّ التَّعْلِيمُ وَالتَّذْكِيرُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ فَقَدْ وُجِدَ أَحَدُ طَرَفَيْهِ وَهُوَ الْفَاعِلُ دُونَ الْمَحَلِّ الْقَابِلِ . فَيُقَالُ فِي مِثْلِ هَذَا : عَلَّمْته فَمَا تَعَلَّمَ وَذَكَّرْته فَمَا تَذَكَّرَ وَأَمَرْته فَمَا أَطَاعَ .
وَقَدْ يُقَالُ " مَا عَلَّمْته وَمَا ذَكَّرْته " لِأَنَّهُ لَمْ يُحَصِّلْ تَامًّا وَلَمْ يُحَصِّلْ مَقْصُودَهُ فَيُنْفَى لِانْتِفَاءِ كَمَالِهِ وَتَمَامِهِ . وَانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُخَاطَبِ السَّامِعِ وَإِنْ كَانَتْ الْفَائِدَةُ حَاصِلَةً لِلْمُتَكَلِّمِ الْقَائِلِ الْمُخَاطَبِ .
فَحَيْثُ خُصَّ بِالتَّذْكِيرِ وَالْإِنْذَارِ وَنَحْوِهِ الْمُؤْمِنُونَ فَهُمْ مَخْصُوصُونَ بِالتَّامِّ النَّافِعِ الَّذِي سَعِدُوا بِهِ . وَحَيْثُ عُمِّمَ فَالْجَمِيعُ مُشْتَرِكُونَ فِي الْإِنْذَارِ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى الْخَلْقِ سَوَاءٌ قَبِلُوا أَوْ لَمْ يَقْبَلُوا .
وَهَذَا هُوَ الْهُدَى الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4276&ayano=41وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى } فَالْهُدَى هُنَا هُوَ الْبَيَانُ وَالدَّلَالَةُ وَالْإِرْشَادُ الْعَامُّ الْمُشْتَرَكُ . وَهُوَ كَالْإِنْذَارِ الْعَامِّ وَالتَّذْكِيرِ الْعَامِّ . وَهُنَا قَدْ هَدَى الْمُتَّقِينَ وَغَيْرَهُمْ كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1727&ayano=13وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } وَأَمَّا قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=1اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } فَالْمَطْلُوبُ الْهُدَى الْخَاصُّ
[ ص: 157 ] التَّامُّ الَّذِي يَحْصُلُ مَعَهُ الِاهْتِدَاءُ كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=991&ayano=7فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1954&ayano=16فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=690&ayano=5يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ } وَهَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ .
وَكَذَلِكَ الْإِنْذَارُ قَدْ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2366&ayano=19فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1376&ayano=10أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا } وَقَالَ فِي الْخَاصِّ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5836&ayano=79إنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3752&ayano=36إنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ } فَهَذَا الْإِنْذَارُ الْخَاصُّ وَهُوَ التَّامُّ النَّافِعُ الَّذِي انْتَفَعَ بِهِ الْمُنْذِرُ . وَالْإِنْذَارُ هُوَ الْإِعْلَامُ بِالْمَخُوفِ فَعَلِمَ الْمَخُوفُ فَخَافَ فَآمَنَ وَأَطَاعَ .
وَكَذَلِكَ التَّذْكِيرُ عَامٌّ وَخَاصٌّ . فَالْعَامُّ هُوَ تَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ إلَى كُلِّ أَحَدٍ وَهَذَا يَحْصُلُ بِإِبْلَاغِهِمْ مَا أُرْسِلَ بِهِ مِنْ الرِّسَالَةِ . قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4094&ayano=38قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4095&ayano=12إنْ هُوَ إلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ } .
وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5600&ayano=74وَمَا هِيَ إلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ } .
وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5908&ayano=12إنْ هُوَ إلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ } . ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5909&ayano=81لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ } فَذَكَرَ الْعَامَّ وَالْخَاصَّ .
[ ص: 158 ] وَالتَّذَكُّرُ هُوَ الذِّكْرُ التَّامُّ الَّذِي يَذْكُرُهُ الْمُذَكَّرُ بِهِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ . وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2506&ayano=21مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2507&ayano=21لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2963&ayano=26وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ } فَقَدْ أَتَاهُمْ وَقَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ وَلَكِنْ لَمْ يَصْغَوْا إلَيْهِ بِقُلُوبِهِمْ فَلَمْ يَفْهَمُوهُ أَوْ فَهِمُوهُ فَلَمْ يَعْمَلُوا بِهِ كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1191&ayano=8وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ } وَالْخَاصُّ هُوَ التَّامُّ النَّافِعُ وَهُوَ الَّذِي حَصَلَ مَعَهُ تَذَكُّرٌ لِمُذَكَّرِ فَإِنَّ هَذَا ذِكْرَى كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6044&ayano=87فَذَكِّرْ إنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6045&ayano=87سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6046&ayano=87وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى } أَيْ يُجَنَّبُ الذِّكْرَى وَهُوَ إنَّمَا جُنِّبَ الذِّكْرَى الْخَاصَّةَ .
وَأَمَّا الْمُشْتَرَكُ الَّذِي تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ فَقَدْ ذُكِّرَ هُوَ وَغَيْرُهُ بِذَلِكَ وَقَامَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2061&ayano=17وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=662&ayano=4لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } وَقَالَ عَنْ أَهْلِ النَّارِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5316&ayano=67كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5317&ayano=67قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=925&ayano=6يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا } .
وَأَمَّا تَمْثِيلُهُمْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1998&ayano=16سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ } أَيْ وَتَقِيَكُمْ الْبَرْد فَعَنْهُ جَوَابَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ حَرْفُ شَرْطٍ عُلِّقَ بِهِ الْحُكْمُ بِخِلَافِ هَذَا الْمَوْضِعِ . فَإِنَّهُ إذَا عُلِّقَ الْأَمْرُ بِشَرْطِ وَكَانَ مَأْمُورًا بِهِ فِي حَالِ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ فِي حَالِ عَدَمِهِ كَانَ ذِكْرُ الشَّرْطِ تَطْوِيلًا لِلْكَلَامِ تَقْلِيلًا لِلْفَائِدَةِ وَإِضْلَالًا لِلسَّامِعِ .
وَجُمْهُورُ النَّاسِ عَلَى أَنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ حُجَّةٌ وَمَنْ نَازَعَ فِيهِ يَقُولُ : سَكَتَ عَنْ غَيْرِ الْمُعَلَّقِ لَا يَقُولُ : إنَّ اللَّفْظَ دَلَّ عَلَى الْمَسْكُوتِ كَمَا دَلَّ عَلَى الْمَنْطُوقِ . فَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ .
الثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1998&ayano=16تَقِيكُمُ الْحَرَّ } عَلَى بَابِهِ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ ذِكْرُ الْبَرْدِ . وَإِنَّمَا يَقُولُ " إنَّ الْمَعْطُوفَ مَحْذُوفٌ " هُوَ
الْفَرَّاءُ وَأَمْثَالُهُ مِمَّنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ الْأَئِمَّةُ حَيْثُ يُفَسِّرُونَ الْقُرْآنَ بِمُجَرَّدِ ظَنِّهِمْ وَفَهْمِهِمْ لِنَوْعِ مِنْ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ عِنْدَهُمْ . وَكَثِيرًا لَا يَكُونُ مَا فَسَّرُوا بِهِ مُطَابِقًا .
وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذِكْرِ الْبَرْدِ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذَكَرَ فِي
[ ص: 160 ] هَذِهِ السُّورَةِ إنْعَامَهُ عَلَى عِبَادِهِ وَتُسَمَّى " سُورَةُ النِّعَمِ " فَذَكَرَ فِي أَوَّلِهَا أُصُولَ النِّعَمِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا وَلَا تَقُومُ الْحَيَاةُ إلَّا بِهَا وَذَكَرَ فِي أَثْنَائِهَا تَمَامَ النِّعَمِ .
وَكَانَ مَا يَقِي الْبَرْدَ مِنْ أُصُولِ النِّعَمِ فَذَكَرَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ فِي قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1922&ayano=16وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ } . فَالدِّفْءُ مَا يُدْفِئُ وَيَدْفَعُ الْبَرْدَ .
وَالْبَرْدُ الشَّدِيدُ يُوجِبُ الْمَوْتَ بِخِلَافِ الْحَرِّ . فَقَدْ مَاتَ خَلْقٌ مِنْ الْبَرْدِ بِخِلَافِ الْحَرِّ فَإِنَّ الْمَوْتَ مِنْهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ . وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ
الْعَرَبِ الْبَرْدُ بُؤْسٌ وَالْحَرُّ أَذًى .
فَلَمَّا ذَكَرَ فِي أَثْنَائِهَا تَمَامَ النِّعَمِ ذَكَرَ الظِّلَالَ وَمَا يَقِي الْحَرَّ وَذَكَرَ الْأَسْلِحَةَ وَمَا يَقِي الْقَتْلَ فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1998&ayano=16وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } .
فَذَكَرَ أَنَّهُ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1998&ayano=16كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } . وَفَرْقٌ بَيْنَ الظِّلَالِ وَالْأَكْنَانِ ; فَإِنَّ الظِّلَالَ يَكُونُ بِالشَّجَرِ
[ ص: 161 ] وَنَحْوِهِ مِمَّا يُظِلُّ وَلَا يُكِنُّ بِخِلَافِ مَا فِي الْجِبَالِ مِنْ الْغَيْرَانِ فَإِنَّهُ يُظِلُّ وَيُكَنُّ .
فَهَذَا فِي الْأَمْكِنَةِ ثُمَّ قَالَ فِي اللِّبَاسِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1998&ayano=16وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ } فَهَذَا فِي اللِّبَاسِ . وَاللِّبَاسُ وَالْمَسَاكِنُ كِلَاهُمَا تَقِي النَّاسَ مَا يُؤْذِيهِمْ مِنْ حَرٍّ وَبَرْدٍ وَعَدُوٍّ وَكِلَاهُمَا تَسْتُرُهُمْ عَنْ أَعْيُنِ النَّاظِرِينَ .
وَفِي الْبُيُوتِ خَاصَّةً يَسْكُنُونَ كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1997&ayano=16وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إقَامَتِكُمْ } . فَلَمَّا ذَكَرَ الْبُيُوتَ الْمَسْكُونَةَ امْتَنَّ بِكَوْنِهِ جَعَلَهَا سَكَنًا يَسْكُنُونَ فِيهَا مِنْ تَعَبِ الْحَرَكَاتِ . وَذَكَرَ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُمْ بُيُوتًا أُخْرَى يَحْمِلُونَهَا مَعَهُمْ ويستخفونها يَوْمَ ظَعْنِهِمْ وَيَوْمَ إقَامَتِهِمْ . فَذَكَرَ الْبُيُوتَ الثَّقِيلَةَ الَّتِي لَا تُحْمَلُ وَالْخَفِيَّةَ الَّتِي تُحْمَلُ .
فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا مَثَّلُوا بِهِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ .
فَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6044&ayano=87إنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى } - كَمَا قَالَ مُفَسِّرُو
السَّلَفِ وَالْجُمْهُورِ - عَلَى بَابِهَا قَالَ
الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : تَذْكِرَةٌ لِلْمُؤْمِنِ وَحُجَّةٌ عَلَى الْكَافِرِ .