فصل وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28686_29011_19996قوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=4186&ayano=40وما يتذكر إلا من ينيب } فهو حق كما قال . فإن المتذكر إما أن يتذكر ما يدعوا إلى الرحمة والنعمة والثواب كما يتذكر الإنسان ما يدعوه إلى السؤال فينيب وإما أن يتذكر ما يقتضي الخوف والخشية فلا بد له من الإنابة حينئذ لينجو مما يخاف .
ولهذا قيل في فرعون {
nindex.php?page=tafseer&surano=2412&ayano=20لعله يتذكر } فينيب {
nindex.php?page=tafseer&surano=2412&ayano=20أو يخشى }
[ ص: 184 ] وكذلك قال له موسى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5809&ayano=79هل لك إلى أن تزكى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5810&ayano=79وأهديك إلى ربك فتخشى } فجمع
موسى : بين الأمرين لتلازمهما .
وقال في حق الأعمى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5841&ayano=80وما يدريك لعله يزكى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5842&ayano=80أو يذكر فتنفعه الذكرى } .
فذكر الانتفاع بالذكرى كما قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=4781&ayano=51وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين } .
والنفع نوعان : حصول النعمة واندفاع النقمة . ونفس اندفاع النقمة نفع وإن لم يحصل معه نفع آخر ونفس المنافع التي يخاف معها عذاب نفع وكلاهما نفع . فالنفع تدخل فيه الثلاثة والثلاثة تحصل بالذكرى كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4781&ayano=51وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5841&ayano=80وما يدريك لعله يزكى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5842&ayano=80أو يذكر فتنفعه الذكرى } .
وأما ذكر التزكي مع التذكر فهو كما ذكر في قصة
فرعون الخشية مع التذكر .
وذلك أن التزكي هو الإيمان والعمل الصالح الذي تصير به نفس الإنسان زكية كما قال في هذه السورة : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6049&ayano=87قد أفلح من تزكى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6050&ayano=87وذكر اسم ربه فصلى } وقال {
nindex.php?page=tafseer&surano=6143&ayano=91قد أفلح من زكاها } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6144&ayano=91وقد خاب من دساها }
[ ص: 185 ] وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5241&ayano=62هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم } وقال {
nindex.php?page=tafseer&surano=4265&ayano=41وويل للمشركين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4266&ayano=41الذين لا يؤتون الزكاة } وقال
موسى لفرعون : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5809&ayano=79هل لك إلى أن تزكى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5810&ayano=79وأهديك إلى ربك فتخشى } .
وعطف عليه {
nindex.php?page=tafseer&surano=5842&ayano=80أو يذكر فتنفعه الذكرى } لوجوه : أحدها : أن التزكي يحصل بامتثال أمر الرسول وإن كان صاحبه لا يتذكر علوما عنه كما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5241&ayano=3يتلو عليهم آياته ويزكيهم } ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5241&ayano=2ويعلمهم الكتاب والحكمة } . فالتلاوة عليهم والتزكية عام لجميع المؤمنين وتعليم الكتاب والحكمة خاص ببعضهم . وكذلك التزكي عام لكل من آمن بالرسول وأما التذكر فهو مختص لمن له علوم يذكرها فعرف بتذكره ما لم يعلمه غيره من تلقاء نفسه .
الوجه الثاني : أن
nindex.php?page=treesubj&link=29051قوله { nindex.php?page=tafseer&surano=5842&ayano=80أو يذكر فتنفعه الذكرى } يدخل فيه النفع قليله وكثيره والتزكي أخص من ذلك .
الثالث : أن التذكر سبب التزكي . فإنه إذا تذكر خاف ورجا فتزكى . فذكر الحكم وذكر سببه . ذكر العمل وذكر العلم وكل منهما مستلزم للآخر .
[ ص: 186 ] فإنه لا يتزكى حتى يتذكر ما يسمعه من الرسول كما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6045&ayano=87سيذكر من يخشى } . فلا بد لكل مؤمن من خشية وتذكر .
وهو إذا تذكر فإنه ينتفع وقد تتم المنفعة فيتزكى . وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2942&ayano=25لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا } فيه أيضا نحو هذه الوجوه .
فإن الشاكر قد يشكر الله على نعمه وإن لم يخف والتذكر قد يقتضي الخشية .
وأيضا فإن التذكر يقتضي الخوف من العقاب وطلب الثواب فيعمل للمستقبل والشكر على النعم الماضية .
وأيضا فالتذكر تذكر علوم سابقة ومنها تذكر نعم الله عليه فهو سبب للشكر . تذكر السبب والمسبب .
وأيضا فإن الشكر يقتضي المزيد من النعم والتذكر قد يكون لهذا وقد يكون خوفا من العذاب .
وقد يكون الأمر بالعكس فالشاكر قد يشكر الشكر الواجب لئلا يكون كفورا فيعاقب على ترك الشكر بسلب النعمة وعقوبات أخر
[ ص: 187 ] والمتذكر قد يتذكر ما أعده الله لمن أطاعه فيطيعه طلبا لرحمته .
وأيضا فالتذكر قد يكون لفعل الواجبات التي يدفع بها العقاب والشكور يكون للمزيد من فضله كما في الصحيحين {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597847أن النبي صلى الله عليه وسلم قام حتى تورمت قدماه . فقيل له : أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال : أفلا أكون عبدا شكورا ؟ } .
{
nindex.php?page=hadith&LINKID=31276وقال صلى الله عليه وسلم لا يتمنين أحدكم الموت : إما محسن فيزداد إحسانا وإما مسيء فلعله أن يستعتب } . فالمؤمن دائما في نعمة من ربه تقتضي شكرا وفي ذنب يحتاج إلى استغفار .
وهو في
nindex.php?page=treesubj&link=20026سيد الاستغفار يقول {
nindex.php?page=hadith&LINKID=129أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت } .
وقد علم تحقيق قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=576&ayano=4ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } فما أصابه من الحسنات هي نعم الله فتقتضي شكرا وما أصابه من المصائب فبذنوبه تقتضي تذكرا لذنوبه يوجب توبة واستغفارا .
وقد جعل الله {
nindex.php?page=tafseer&surano=2942&ayano=25الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر } فيتوب
[ ص: 188 ] ويستغفر من ذنوبه {
nindex.php?page=tafseer&surano=2942&ayano=25أو أراد شكورا } لربه على نعمه . وكل ما يفعله الله بالعبد من نعمة وكل ما يخلفه الله فهو نعمة الله عليه . فكلما نظر إلى ما فعله ربه شكر وإذا نظر إلى نفسه استغفر .
والتذكر قد يكون تذكر ذنوبه وعقاب ربه . وقد يدخل فيه تذكر آلائه ونعمه فإن ذلك يدعو إلى الشكر . قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1770&ayano=5اذكروا نعمة الله عليكم } في غير موضع فقد أمر بذكر نعمه . فالمتذكر يتذكر نعم ربه ويتذكر ذنوبه .
وأيضا فهو ذكر الشكور لأنه مقصود لنفسه فإن الشكر ثابت في الدنيا والآخرة . وذكر التذكر لأنه أصل للاستغفار والشكر وغير ذلك . فذكر المبدأ وذكر النهاية . وهذا المعنى يجمع ما قيل والله سبحانه أعلم .
فَصْلٌ وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28686_29011_19996قَوْله تَعَالَى { nindex.php?page=tafseer&surano=4186&ayano=40وَمَا يَتَذَكَّرُ إلَّا مَنْ يُنِيبُ } فَهُوَ حَقٌّ كَمَا قَالَ . فَإِنَّ الْمُتَذَكِّرَ إمَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ مَا يَدْعُوا إلَى الرَّحْمَةِ وَالنِّعْمَةِ وَالثَّوَابِ كَمَا يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا يَدْعُوهُ إلَى السُّؤَالِ فَيُنِيبُ وَإِمَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ مَا يَقْتَضِي الْخَوْفَ وَالْخَشْيَةَ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْإِنَابَةِ حِينَئِذٍ لِيَنْجُوَ مِمَّا يَخَافُ .
وَلِهَذَا قِيلَ فِي فِرْعَوْنَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2412&ayano=20لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ } فَيُنِيبُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2412&ayano=20أَوْ يَخْشَى }
[ ص: 184 ] وَكَذَلِكَ قَالَ لَهُ مُوسَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5809&ayano=79هَلْ لَكَ إلَى أَنْ تَزَكَّى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5810&ayano=79وَأَهْدِيَكَ إلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى } فَجَمَعَ
مُوسَى : بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ لِتَلَازُمِهِمَا .
وَقَالَ فِي حَقِّ الْأَعْمَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5841&ayano=80وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5842&ayano=80أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى } .
فَذَكَرَ الِانْتِفَاعَ بِالذِّكْرَى كَمَا قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4781&ayano=51وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } .
وَالنَّفْعُ نَوْعَانِ : حُصُولُ النِّعْمَةِ وَانْدِفَاعُ النِّقْمَةِ . وَنَفْسُ انْدِفَاعِ النِّقْمَةِ نَفْعٌ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مَعَهُ نَفْعٌ آخَرُ وَنَفْسُ الْمَنَافِعِ الَّتِي يُخَافُ مَعَهَا عَذَابٌ نَفْعٌ وَكِلَاهُمَا نَفْعٌ . فَالنَّفْعُ تَدْخُلُ فِيهِ الثَّلَاثَةُ وَالثَّلَاثَةُ تَحْصُلُ بِالذِّكْرَى كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4781&ayano=51وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5841&ayano=80وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5842&ayano=80أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى } .
وَأَمَّا ذِكْرُ التَّزَكِّي مَعَ التَّذَكُّرِ فَهُوَ كَمَا ذَكَرَ فِي قِصَّةِ
فِرْعَوْنَ الْخَشْيَةَ مَعَ التَّذَكُّرِ .
وَذَلِكَ أَنَّ التَّزَكِّيَ هُوَ الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ الَّذِي تَصِيرُ بِهِ نَفْسُ الْإِنْسَانِ زَكِيَّةً كَمَا قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6049&ayano=87قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6050&ayano=87وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } وَقَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=6143&ayano=91قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6144&ayano=91وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا }
[ ص: 185 ] وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5241&ayano=62هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ } وَقَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4265&ayano=41وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4266&ayano=41الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } وَقَالَ
مُوسَى لِفِرْعَوْنَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5809&ayano=79هَلْ لَكَ إلَى أَنْ تَزَكَّى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5810&ayano=79وَأَهْدِيَكَ إلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى } .
وَعَطَفَ عَلَيْهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5842&ayano=80أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى } لِوُجُوهِ : أَحَدُهَا : أَنْ التَّزَكِّيَ يَحْصُلُ بِامْتِثَالِ أَمْرِ الرَّسُولِ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ لَا يَتَذَكَّرُ عُلُومًا عَنْهُ كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5241&ayano=3يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ } ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5241&ayano=2وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } . فَالتِّلَاوَةُ عَلَيْهِمْ وَالتَّزْكِيَةُ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَعْلِيمُ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ خَاصٌّ بِبَعْضِهِمْ . وَكَذَلِكَ التَّزَكِّي عَامٌّ لِكُلِّ مَنْ آمَنَ بِالرَّسُولِ وَأَمَّا التَّذَكُّرُ فَهُوَ مُخْتَصٌّ لِمَنْ لَهُ عُلُومٌ يَذَّكَّرُهَا فَعَرَفَ بِتَذَكُّرِهِ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ غَيْرُهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29051قَوْلَهُ { nindex.php?page=tafseer&surano=5842&ayano=80أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى } يَدْخُلُ فِيهِ النَّفْعُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَالتَّزَكِّي أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ .
الثَّالِثُ : أَنَّ التَّذَكُّرَ سَبَبُ التَّزَكِّي . فَإِنَّهُ إذَا تَذَكَّرَ خَافَ وَرَجَا فَتَزَكَّى . فَذَكَرَ الْحُكْمَ وَذَكَرَ سَبَبَهُ . ذَكَرَ الْعَمَلَ وَذَكَرَ الْعِلْمَ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَلْزِمٌ لِلْآخَرِ .
[ ص: 186 ] فَإِنَّهُ لَا يَتَزَكَّى حَتَّى يَتَذَكَّرَ مَا يَسْمَعُهُ مِنْ الرَّسُولِ كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6045&ayano=87سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى } . فَلَا بُدَّ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ خَشْيَةٍ وَتَذَكُّرٍ .
وَهُوَ إذَا تَذَكَّرَ فَإِنَّهُ يَنْتَفِعُ وَقَدْ تَتِمُّ الْمَنْفَعَةُ فَيَتَزَكَّى . وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2942&ayano=25لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا } فِيهِ أَيْضًا نَحْوَ هَذِهِ الْوُجُوهِ .
فَإِنَّ الشَّاكِرَ قَدْ يَشْكُرُ اللَّهَ عَلَى نِعَمِهِ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ وَالتَّذَكُّرُ قَدْ يَقْتَضِي الْخَشْيَةَ .
وَأَيْضًا فَإِنَّ التَّذَكُّرَ يَقْتَضِي الْخَوْفَ مِنْ الْعِقَابِ وَطَلَبَ الثَّوَابِ فَيَعْمَلُ لِلْمُسْتَقْبَلِ وَالشُّكْرِ عَلَى النِّعَمِ الْمَاضِيَةِ .
وَأَيْضًا فَالتَّذَكُّرُ تَذَكُّرُ عُلُومٍ سَابِقَةٍ وَمِنْهَا تَذَكُّرُ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ فَهُوَ سَبَبٌ لِلشُّكْرِ . تَذَكُّرُ السَّبَبِ وَالْمُسَبِّبِ .
وَأَيْضًا فَإِنَّ الشُّكْرَ يَقْتَضِي الْمَزِيدَ مِنْ النِّعَمِ وَالتَّذَكُّرَ قَدْ يَكُونُ لِهَذَا وَقَدْ يَكُونُ خَوْفًا مِنْ الْعَذَابِ .
وَقَدْ يَكُونُ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ فَالشَّاكِرُ قَدْ يَشْكُرُ الشُّكْرَ الْوَاجِبَ لِئَلَّا يَكُونَ كَفُورًا فَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ الشُّكْرِ بِسَلْبِ النِّعْمَةِ وَعُقُوبَاتٍ أُخَرٍ
[ ص: 187 ] وَالْمُتَذَكِّرُ قَدْ يَتَذَكَّرُ مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لِمَنْ أَطَاعَهُ فَيُطِيعُهُ طَلَبًا لِرَحْمَتِهِ .
وَأَيْضًا فَالتَّذَكُّرُ قَدْ يَكُونُ لِفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ الَّتِي يَدْفَعُ بِهَا الْعُقَابَ وَالشَّكُورُ يَكُونُ لِلْمَزِيدِ مِنْ فَضْلِهِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597847أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ . فَقِيلَ لَهُ : أَتَفْعَلُ هَذَا وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ ؟ فَقَالَ : أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ؟ } .
{
nindex.php?page=hadith&LINKID=31276وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتَمَنَّيَن أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ : إمَّا مُحْسِنٌ فَيَزْدَادُ إحْسَانًا وَإِمَّا مُسِيءٌ فَلَعَلَّهُ أَنْ يُسْتَعْتَبَ } . فَالْمُؤْمِنُ دَائِمًا فِي نِعْمَةٍ مِنْ رَبِّهِ تَقْتَضِي شُكْرًا وَفِي ذَنْبٍ يَحْتَاجُ إلَى اسْتِغْفَارٍ .
وَهُوَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=20026سَيِّدِ الِاسْتِغْفَارِ يَقُولُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=129أَبُوءُ لَك بِنِعْمَتِك عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ } .
وَقَدْ عَلِمَ تَحْقِيقَ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=576&ayano=4مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } فَمَا أَصَابَهُ مِنْ الْحَسَنَاتِ هِيَ نِعَمُ اللَّهِ فَتَقْتَضِي شُكْرًا وَمَا أَصَابَهُ مِنْ الْمَصَائِبِ فَبِذُنُوبِهِ تَقْتَضِي تَذَكُّرًا لِذُنُوبِهِ يُوجِبُ تَوْبَةً وَاسْتِغْفَارًا .
وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2942&ayano=25اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ } فَيَتُوبَ
[ ص: 188 ] وَيَسْتَغْفِرَ مِنْ ذُنُوبِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2942&ayano=25أَوْ أَرَادَ شُكُورًا } لِرَبِّهِ عَلَى نِعَمِهِ . وَكُلُّ مَا يَفْعَلُهُ اللَّهُ بِالْعَبْدِ مِنْ نِعْمَةٍ وَكُلُّ مَا يُخْلِفُهُ اللَّه فَهُوَ نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ . فَكُلَّمَا نَظَرَ إلَى مَا فَعَلَهُ رَبُّهُ شَكَرَ وَإِذَا نَظَرَ إلَى نَفْسِهِ اسْتَغْفَرَ .
وَالتَّذَكُّرُ قَدْ يَكُونُ تَذَكُّرَ ذُنُوبِهِ وَعِقَابِ رَبِّهِ . وَقَدْ يَدْخُلُ فِيهِ تَذَكُّرُ آلَائِهِ وَنِعَمِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْعُو إلَى الشُّكْرِ . قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1770&ayano=5اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ } فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَقَدْ أَمَرَ بِذِكْرِ نِعَمِهِ . فَالْمُتَذَكِّرُ يَتَذَكَّرُ نِعَمَ رَبِّهِ وَيَتَذَكَّرُ ذُنُوبَهُ .
وَأَيْضًا فَهُوَ ذَكَرَ الشَّكُورِ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ لِنَفْسِهِ فَإِنَّ الشُّكْرَ ثَابِتٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . وَذَكَرَ التَّذَكُّرَ لِأَنَّهُ أَصْلٌ لِلِاسْتِغْفَارِ وَالشُّكْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . فَذَكَرَ الْمَبْدَأَ وَذَكَرَ النِّهَايَةَ . وَهَذَا الْمَعْنَى يَجْمَعُ مَا قِيلَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .