[ ص: 60 ] وقال الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام
أبو العباس أحمد بن الشيخ الإمام العالم شهاب الدين عبد الحليم بن الشيخ الإمام مجد الدين أبي البركات عبد السلام ابن تيمية رحمة الله عليه : الحمد لله نستعينه ونستهديه ; ونستغفره ونتوب إليه ; ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ; ومن يضلل فلا هادي له .
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . ونشهد أن
محمدا عبده ورسوله ; أرسله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا فهدى به من الضلالة . وبصر به من العمى وأرشد به من الغي . وفتح به أعينا عميا ; وآذانا صما ; وقلوبا غلفا حيث بلغ الرسالة وأدى الأمانة ; ونصح الأمة ; وجاهد في الله حق جهاده ; وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربه ; صلى الله عليه وعلى
[ ص: 61 ] آله وسلم تسليما ; وجزاه عنا أفضل ما جزى نبيا عن أمته .
أما بعد : فهذه : " قاعدة في الحسبة " .
أصل ذلك أن تعلم أن جميع الولايات في الإسلام مقصودها أن يكون الدين كله لله ; وأن تكون
nindex.php?page=treesubj&link=29530كلمة الله هي العليا ; فإن الله سبحانه وتعالى إنما خلق الخلق لذلك وبه أنزل الكتب وبه أرسل الرسل وعليه جاهد الرسول والمؤمنون : قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4782&ayano=51وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2529&ayano=21وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1953&ayano=16ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } .
وقد أخبر عن جميع المرسلين أن كلا منهم يقول لقومه : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1020&ayano=7اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } وعباداته تكون بطاعته وطاعة رسوله وذلك هو الخير والبر ; والتقوى والحسنات ; والقربات والباقيات والصالحات والعمل الصالح ; وإن كانت هذه الأسماء بينها فروق لطيفة ليس هذا موضعها .
وهذا الذي يقاتل عليه الخلق كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1207&ayano=8وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } . وفي الصحيحين عن
أبي موسى [ ص: 62 ] الأشعري رضي الله عنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600244سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ; ويقاتل حمية . ويقاتل رياء : فأي ذلك في سبيل الله ؟ فقال : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله } " .
وكل بني
آدم لا تتم مصلحتهم لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا بالاجتماع والتعاون والتناصر فالتعاون والتناصر على جلب منافعهم ; والتناصر لدفع مضارهم ; ولهذا يقال : الإنسان مدني بالطبع . فإذا اجتمعوا فلا بد لهم من أمور يفعلونها يجتلبون بها المصلحة . وأمور يجتنبونها لما فيها من المفسدة ; ويكونون مطيعين للآمر بتلك المقاصد والناهي عن تلك المفاسد فجميع بني
آدم لا بد لهم من طاعة آمر وناه .
فمن لم يكن من أهل الكتب الإلهية ولا من أهل دين فإنهم يطيعون ملوكهم فيما يرون أنه يعود بمصالح دنياهم ; مصيبين تارة ومخطئين أخرى وأهل الأديان الفاسدة من
المشركين وأهل الكتاب المستمسكين به بعد التبديل أو بعد النسخ والتبديل : مطيعون فيما يرون أنه يعود عليهم بمصالح دينهم ودنياهم .
وغير
أهل الكتاب منهم من يؤمن بالجزاء بعد الموت . ومنهم من لا يؤمن به وأما
أهل الكتاب فمتفقون على الجزاء بعد الموت ; ولكن الجزاء في الدنيا متفق عليه أهل الأرض . فإن الناس لم يتنازعوا في
[ ص: 63 ] أن عاقبة الظلم وخيمة وعاقبة العدل كريمة ولهذا يروى : " {
الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة } " .
وإذا كان لا بد من طاعة آمر وناه فمعلوم أن
nindex.php?page=treesubj&link=28750دخول المرء في طاعة الله ورسوله خير له وهو الرسول النبي الأمي المكتوب في التوراة والإنجيل الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر . ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث وذلك هو الواجب على جميع الخلق قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=561&ayano=4وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما } {
nindex.php?page=tafseer&surano=562&ayano=4فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } . وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=566&ayano=4ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا } . وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=510&ayano=4ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=511&ayano=4ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين } .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته للجمعة : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=68535إن خير الكلام كلام الله ; وخير الهدي هدي محمد ; وشر الأمور [ ص: 64 ] محدثاتها } " . وكان يقول في خطبة الحاجة : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=22290من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولن يضر الله شيئا } " .
nindex.php?page=treesubj&link=28750وقد بعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بأفضل المناهج والشرائع وأنزل عليه أفضل الكتب فأرسله إلى خير أمة أخرجت للناس وأكمل له ولأمته الدين وأتم عليهم النعمة وحرم الجنة إلا على من آمن به وبما جاء به ولم يقبل من أحد إلا الإسلام الذي جاء به فمن ابتغى غيره دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين .
وأخبر في كتابه أنه أنزل الكتاب والحديد ليقوم الناس بالقسط ; فقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5157&ayano=57لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز } .
ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بتولية ولاة أمور عليهم
nindex.php?page=treesubj&link=7686وأمر ولاة الأمور أن يردوا الأمانات إلى أهلها ; وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل وأمرهم
nindex.php?page=treesubj&link=7701بطاعة ولاة الأمور في طاعة الله تعالى ; ففي سنن
أبي داود عن
أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ ص: 65 ] قال : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9897إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم } " . وفي سننه أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مثله . وفي مسند
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد عن
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600246لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا أحدهم } " .
فإذا كان قد أوجب في أقل الجماعات وأقصر الاجتماعات أن يولى أحدهم : كان هذا تنبيها على وجوب ذلك فيما هو أكثر من ذلك ; ولهذا كانت الولاية - لمن يتخذها دينا يتقرب به إلى الله ويفعل فيها الواجب بحسب الإمكان - من أفضل الأعمال الصالحة حتى قد روى
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600247إن أحب الخلق إلى الله إمام عادل وأبغض الخلق إلى الله إمام جائر } " .
[ ص: 60 ] وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد بْنُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْعَالِمِ شِهَابِ الدِّينِ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ مَجْدِ الدِّينِ أَبِي الْبَرَكَاتِ عَبْدِ السَّلَامِ ابْنُ تيمية رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ ; وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إلَيْهِ ; وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ; وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ .
وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ . وَنَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ; أَرْسَلَهُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا فَهَدَى بِهِ مِنْ الضَّلَالَةِ . وَبَصَّرَ بِهِ مِنْ الْعَمَى وَأَرْشَدَ بِهِ مِنْ الْغَيِّ . وَفَتَحَ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا ; وَآذَانًا صُمًّا ; وَقُلُوبًا غُلْفًا حَيْثُ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الْأَمَانَةَ ; وَنَصَحَ الْأُمَّةَ ; وَجَاهَدَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ; وَعَبَدَ اللَّهَ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ مِنْ رَبِّهِ ; صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى
[ ص: 61 ] آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا ; وَجَزَاهُ عَنَّا أَفْضَلَ مَا جَزَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ .
أَمَّا بَعْدُ : فَهَذِهِ : " قَاعِدَةٌ فِي الْحِسْبَةِ " .
أَصْلُ ذَلِكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ جَمِيعَ الْوِلَايَاتِ فِي الْإِسْلَامِ مَقْصُودُهَا أَنْ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ; وَأَنْ تَكُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=29530كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ; فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إنَّمَا خَلَقَ الْخَلْقَ لِذَلِكَ وَبِهِ أَنْزَلَ الْكُتُبَ وَبِهِ أَرْسَلَ الرُّسُلَ وَعَلَيْهِ جَاهَدَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4782&ayano=51وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2529&ayano=21وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلَّا نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1953&ayano=16وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } .
وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ جَمِيعِ الْمُرْسَلِينَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَقُولُ لِقَوْمِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1020&ayano=7اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ } وَعِبَادَاتُهُ تَكُونُ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْخَيْرُ وَالْبِرُّ ; وَالتَّقْوَى وَالْحَسَنَاتُ ; وَالْقُرُبَاتُ وَالْبَاقِيَاتُ وَالصَّالِحَاتُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ ; وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ بَيْنَهَا فُرُوقٌ لَطِيفَةٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا .
وَهَذَا الَّذِي يُقَاتِلُ عَلَيْهِ الْخَلْقُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1207&ayano=8وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
أَبِي مُوسَى [ ص: 62 ] الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600244سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شُجَاعَةً ; وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً . وَيُقَاتِلُ رِيَاءً : فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } " .
وَكُلُّ بَنِي
آدَمَ لَا تَتِمُّ مَصْلَحَتُهُمْ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ إلَّا بِالِاجْتِمَاعِ وَالتَّعَاوُنِ وَالتَّنَاصُرِ فَالتَّعَاوُنُ وَالتَّنَاصُرُ عَلَى جَلْبِ مَنَافِعِهِمْ ; وَالتَّنَاصُرُ لِدَفْعِ مَضَارِّهِمْ ; وَلِهَذَا يُقَالُ : الْإِنْسَانُ مَدَنِيٌّ بِالطَّبْعِ . فَإِذَا اجْتَمَعُوا فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ أُمُورٍ يَفْعَلُونَهَا يَجْتَلِبُونَ بِهَا الْمَصْلَحَةَ . وَأُمُورٍ يَجْتَنِبُونَهَا لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَفْسَدَةِ ; وَيَكُونُونَ مُطِيعِينَ لِلْآمِرِ بِتِلْكَ الْمَقَاصِدِ وَالنَّاهِي عَنْ تِلْكَ الْمَفَاسِدِ فَجَمِيعُ بَنِي
آدَمَ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ طَاعَةِ آمِرٍ وَنَاهٍ .
فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ وَلَا مِنْ أَهْلِ دِينٍ فَإِنَّهُمْ يُطِيعُونَ مُلُوكَهُمْ فِيمَا يَرَوْنَ أَنَّهُ يَعُودُ بِمَصَالِحِ دُنْيَاهُمْ ; مُصِيبِينَ تَارَةً وَمُخْطِئِينَ أُخْرَى وَأَهْلُ الْأَدْيَانِ الْفَاسِدَةِ مِنْ
الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ الْمُسْتَمْسِكِينَ بِهِ بَعْدَ التَّبْدِيلِ أَوْ بَعْدَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ : مُطِيعُونَ فِيمَا يَرَوْنَ أَنَّهُ يَعُودُ عَلَيْهِمْ بِمَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ .
وَغَيْرُ
أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْجَزَاءِ بَعْدَ الْمَوْتِ . وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَأَمَّا
أَهْلُ الْكِتَابِ فَمُتَّفِقُونَ عَلَى الْجَزَاءِ بَعْدَ الْمَوْتِ ; وَلَكِنَّ الْجَزَاءَ فِي الدُّنْيَا مُتَّفِقٌ عَلَيْهِ أَهْلُ الْأَرْضِ . فَإِنَّ النَّاسَ لَمْ يَتَنَازَعُوا فِي
[ ص: 63 ] أَنَّ عَاقِبَةَ الظُّلْمِ وَخِيمَةٌ وَعَاقِبَةُ الْعَدْلِ كَرِيمَةٌ وَلِهَذَا يُرْوَى : " {
اللَّهُ يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الْعَادِلَةَ وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً وَلَا يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الظَّالِمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُؤْمِنَةً } " .
وَإِذَا كَانَ لَا بُدَّ مِنْ طَاعَةِ آمِرٍ وَنَاهٍ فَمَعْلُومٌ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28750دُخُولَ الْمَرْءِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ خَيْرٌ لَهُ وَهُوَ الرَّسُولُ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ الْمَكْتُوبُ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ الَّذِي يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ . وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=561&ayano=4وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=562&ayano=4فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } . وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=566&ayano=4وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } . وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=510&ayano=4وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=511&ayano=4وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ } .
وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ لِلْجُمُعَةِ : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=68535إنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ ; وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ; وَشَرَّ الْأُمُورِ [ ص: 64 ] مُحْدَثَاتُهَا } " . وَكَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَةِ الْحَاجَةِ : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=22290مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إلَّا نَفْسَهُ وَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا } " .
nindex.php?page=treesubj&link=28750وَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَفْضَلِ الْمَنَاهِجِ وَالشَّرَائِعِ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ أَفْضَلَ الْكُتُبِ فَأَرْسَلَهُ إلَى خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ وَأَكْمَلَ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ الدِّينَ وَأَتَمَّ عَلَيْهِمْ النِّعْمَةَ وَحَرَّمَ الْجَنَّةَ إلَّا عَلَى مَنْ آمَنَ بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ وَلَمْ يَقْبَلْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا الْإِسْلَامَ الَّذِي جَاءَ بِهِ فَمَنْ ابْتَغَى غَيْرَهُ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ .
وَأَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَالْحَدِيدَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ; فَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5157&ayano=57لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } .
وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ بِتَوْلِيَةِ وُلَاةِ أُمُورٍ عَلَيْهِمْ
nindex.php?page=treesubj&link=7686وَأَمَرَ وُلَاةَ الْأُمُورِ أَنْ يَرُدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا ; وَإِذَا حَكَمُوا بَيْنَ النَّاسِ أَنْ يَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ وَأَمَرَهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=7701بِطَاعَةِ وُلَاةِ الْأُمُورِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى ; فَفِي سُنَنِ
أَبِي داود عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[ ص: 65 ] قَالَ : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9897إذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ } " . وَفِي سُنَنِهِ أَيْضًا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ . وَفِي مُسْنَدِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامِ أَحْمَد عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600246لَا يَحِلُّ لِثَلَاثَةٍ يَكُونُونَ بِفَلَاةِ مِنْ الْأَرْضِ إلَّا أَمَّرُوا أَحَدَهُمْ } " .
فَإِذَا كَانَ قَدْ أَوْجَبَ فِي أَقَلِّ الْجَمَاعَاتِ وَأَقْصَرِ الِاجْتِمَاعَاتِ أَنْ يُوَلَّى أَحَدُهُمْ : كَانَ هَذَا تَنْبِيهًا عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ فِيمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ ; وَلِهَذَا كَانَتْ الْوِلَايَةُ - لِمَنْ يَتَّخِذُهَا دِينًا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ وَيَفْعَلُ فِيهَا الْوَاجِبَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ - مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ حَتَّى قَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَد فِي مُسْنَدِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600247إنَّ أَحَبَّ الْخَلْقِ إلَى اللَّهِ إمَامٌ عَادِلٌ وَأَبْغَضَ الْخَلْقِ إلَى اللَّهِ إمَامٌ جَائِرٌ } " .