[ ص: 1587 ] nindex.php?page=treesubj&link=11156_25937_30578_34421_34423_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4وآتوا النساء صدقاتهن نحلة
هذا الكلام في
nindex.php?page=treesubj&link=11156_11158بيان العدالة مع النساء في المعاملة، فلا يصح أن يستهان بحقوقهن التي ينشئها الزواج، وأولها المهر، فالصدقة هنا هي المهر، وسمي صدقة؛ لأن تقديمه يدل على صدق النية، والإخلاص في طلب الزوجة، فمن أخلص في طلب يد امرأة قدم لها ما يليق بمثلها تكريما لمعنى الزوجية، وتشريفا لتلك العلاقة، وقال تعالى: " نحلة " ومعناها: عطاء بطيب نفس، وهي " فعلة " من نحله ينحله بمعنى أعطاه هبة صادق النية، وفسرها بعض العلماء بمعنى: فريضة واجبة، وقد فسرها بذلك
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج في " آتوهن صدقاتهن نحلة " (تدينا) أي أن الدين أوجب ذلك، والخطاب لجماعة المؤمنين يوجب أداء المهور صادقي النية طيبي النفوس متدينين بهذا العطاء.
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا nindex.php?page=treesubj&link=11349_17941الحياة الزوجية لا تقوم فقط على التكليف الواجب، بل تقوم على المودة الرابطة والتسامح، وقد يجهد الرجل المهر كله، فيقتضي حسن العشرة أن تترك بعض مهرها طيبة النفس، وليست المهور كسائر الديون، إنما هو دين فيه معنى الهدية، ولذلك فتح الشارع الباب لمثل هذه المعاني. ولذلك قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير ومعنى طابت نفسها رضيت من غير تورط، ولا تغرير ولا ضغط ولا إرهاق، وطيبة النفس بالعطاء أرق من الرضا به؛ لأن الرضا قد يتصور مع التورط، أما طيبة النفس؛ فلا تتصور إلا بالسماح، بل من غير طلب بالتصريح أو بالإشارة، ومعنى (هنيئا) أي: لا ألم في أخذه، ومعنى (مريئا) حسن العاقبة، وأكل المال أخذه، فلا يراد بالأكل هنا حقيقته، بل يراد الأخذ الذي يؤدي إليه.
وقد كان يحدث أن بعض الناس يرهقون زوجاتهم ليتركوا بعض المهر أو كله، فكان الفقهاء حريصين على أن تتوافر الحرية كاملة في العطاء، ولذا كتب
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله عنه - إلى بعض قضاته: " إن النساء يعطين رغبة ورهبة، فأيما
[ ص: 1588 ] امرأة أعطت ثم أرادت أن ترجع فلها ذلك " وروي أن رجلا أبرأته امرأته من مهرها، ثم طلقها فرجعت فاحتكما إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان فحكم لها، وقال
شريح في مثل هذه الحال: لو طابت نفسها ما رجعت، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي لا يجيز
nindex.php?page=treesubj&link=25622هبة المهر إلا بعد أن تنجب منه، أو تمضي سنة على زفافها - والنص يشير إلى أنه يحسن ألا تترك له كل المهر، ولذا قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4فإن طبن لكم عن شيء منه و (من) للتبعيض أي: عن بعضه، ويظهر أن هذا لتأكيد طيب نفسها، ويجوز الإبراء منه كله.
[ ص: 1587 ] nindex.php?page=treesubj&link=11156_25937_30578_34421_34423_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً
هَذَا الْكَلَامُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=11156_11158بَيَانِ الْعَدَالَةِ مَعَ النِّسَاءِ فِي الْمُعَامَلَةِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُسْتَهَانَ بِحُقُوقِهِنَّ الَّتِي يُنْشِئُهَا الزَّوَاجُ، وَأَوَّلُهَا الْمَهْرُ، فَالصَّدَقَةُ هُنَا هِيَ الْمَهْرُ، وَسُمِّيَ صَدَقَةً؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَهُ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ النِّيَّةِ، وَالْإِخْلَاصِ فِي طَلَبِ الزَّوْجَةِ، فَمَنْ أَخْلَصَ فِي طَلَبِ يَدِ امْرَأَةٍ قَدَّمَ لَهَا مَا يَلِيقُ بِمِثْلِهَا تَكْرِيمًا لِمَعْنَى الزَّوْجِيَّةِ، وَتَشْرِيفًا لِتِلْكَ الْعَلَاقَةِ، وَقَالَ تَعَالَى: " نِحْلَةً " وَمَعْنَاهَا: عَطَاءٌ بِطِيبِ نَفْسٍ، وَهِيَ " فِعْلَةٌ " مَنْ نَحَلَهُ يَنْحَلُهُ بِمَعْنَى أَعْطَاهُ هِبَةً صَادِقَ النِّيَّةِ، وَفَسَّرَهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِمَعْنَى: فَرِيضَةٍ وَاجِبَةٍ، وَقَدْ فَسَّرَهَا بِذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=12078أَبُو عُبَيْدَةَ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ فِي " آتَوْهُنَّ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً " (تَدَيُّنًا) أَيْ أَنَّ الدِّينَ أَوْجَبَ ذَلِكَ، وَالْخِطَابُ لِجَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ يُوجِبُ أَدَاءَ الْمُهُورِ صَادِقِي النِّيَّةِ طَيِّبِي النُّفُوسِ مُتَدَيِّنِينَ بِهَذَا الْعَطَاءِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا nindex.php?page=treesubj&link=11349_17941الْحَيَاةُ الزَّوْجِيَّةُ لَا تَقُومُ فَقَطْ عَلَى التَّكْلِيفِ الْوَاجِبِ، بَلْ تَقُومُ عَلَى الْمَوَدَّةِ الرَّابِطَةِ وَالتَّسَامُحِ، وَقَدْ يُجْهِدُ الرَّجُلَ الْمَهْرُ كُلُّهُ، فَيَقْتَضِي حُسْنُ الْعِشْرَةِ أَنْ تَتْرُكَ بَعْضَ مَهْرِهَا طَيِّبَةَ النَّفْسِ، وَلَيْسَتِ الْمُهُورُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، إِنَّمَا هُوَ دَيْنٌ فِيهِ مَعْنَى الْهَدِيَّةِ، وَلِذَلِكَ فَتَحَ الشَّارِعُ الْبَابَ لِمِثْلِ هَذِهِ الْمَعَانِي. وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَمَعْنَى طَابَتْ نَفْسُهَا رَضِيَتْ مِنْ غَيْرِ تَوَرُّطٍ، وَلَا تَغْرِيرٍ وَلَا ضَغْطٍ وَلَا إِرْهَاقٍ، وَطِيبَةُ النَّفْسِ بِالْعَطَاءِ أَرَقُّ مِنَ الرِّضَا بِهِ؛ لِأَنَّ الرِّضَا قَدْ يَتَصَوَّرُ مَعَ التَّوَرُّطِ، أَمَّا طِيبَةُ النَّفْسِ؛ فَلَا تُتَصَوَّرُ إِلَّا بِالسَّمَاحِ، بَلْ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ بِالتَّصْرِيحِ أَوْ بِالْإِشَارَةِ، وَمَعْنَى (هَنِيئًا) أَيْ: لَا أَلَمَ فِي أَخْذِهِ، وَمَعْنَى (مَرِيئًا) حَسَنَ الْعَاقِبَةِ، وَأَكْلُ الْمَالِ أَخْذُهُ، فَلَا يُرَادُ بِالْأَكْلِ هُنَا حَقِيقَتُهُ، بَلْ يُرَادُ الْأَخْذُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَيْهِ.
وَقَدْ كَانَ يَحْدُثُ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يُرْهِقُونَ زَوْجَاتِهِمْ لِيَتْرُكُوا بَعْضَ الْمَهْرِ أَوْ كُلَّهُ، فَكَانَ الْفُقَهَاءُ حَرِيصِينَ عَلَى أَنْ تَتَوَافَرَ الْحُرِّيَّةُ كَامِلَةً فِي الْعَطَاءِ، وَلِذَا كَتَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِلَى بَعْضِ قُضَاتِهِ: " إِنَّ النِّسَاءَ يُعْطِينَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً، فَأَيُّمَا
[ ص: 1588 ] امْرَأَةٍ أَعْطَتْ ثُمَّ أَرَادَتْ أَنْ تَرْجِعَ فَلَهَا ذَلِكَ " وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا أَبْرَأَتْهُ امْرَأَتُهُ مِنْ مَهْرِهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا فَرَجَعَتْ فَاحْتَكَمَا إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16491عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَحَكَمَ لَهَا، وَقَالَ
شُرَيْحٌ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ: لَوْ طَابَتْ نَفْسُهَا مَا رَجَعَتْ، وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=13760الْأَوْزَاعِيُّ لَا يُجِيزُ
nindex.php?page=treesubj&link=25622هِبَةَ الْمَهْرِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ تُنْجِبَ مِنْهُ، أَوْ تَمْضِيَ سَنَةً عَلَى زِفَافِهَا - وَالنَّصُّ يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ يَحْسُنُ أَلَّا تَتْرُكَ لَهُ كُلَّ الْمَهْرِ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ وَ (مِنْ) لِلتَّبْعِيضِ أَيْ: عَنْ بَعْضِهِ، وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا لِتَأْكِيدِ طِيبِ نَفْسِهَا، وَيَجُوزُ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ كُلِّهِ.