الآية الثالثة :
قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=32nindex.php?page=treesubj&link=28981فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون } .
[ ص: 8 ]
فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى : في تفسير {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=32الحق } وقد مهدناه في كتاب " الأمد الأقصى " في تسمية الباري تعالى به . ولبابه أن الحق هو الوجود ، والوجود على قسمين : وجود حقيقي ، ووجود شرعي .
فأما الوجود الحقيقي فليس إلا لله وصفاته ، وعليه جاء قوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7015أنت الحق ، وقولك الحق ، ووعدك الحق ، ولقاؤك حق ، والجنة حق ، والنار حق ، والساعة حق } .
فأما الله وصفاته فوجودها [ هو ] حق ; لأنه لم يسبقها عدم ، ولا يعقبها فناء .
وأما لقاء الله فهو حق سبقه عدم ، ويعقبه مثله . وأما الجنة والنار فهما حقان ، سبقهما عدم ، ولا يعقبها فناء ، لكن ما فيها من أنواع العذاب أعراض . وأما الوجود الشرعي فهو الذي يحسنه الشرع ، وهو واجب وغير واجب .
المسألة الثانية :
في
nindex.php?page=treesubj&link=20644تحقيق معنى الباطل : وهو ضد الحق ، والضد ربما أظهر حقيقة الضد ، فإذا قلنا : إن الله هو الحق حقيقة ، فما سواه باطل ، وعنه عبر الذي يقول :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل
وإن قلنا : [ إن ] الحق هو الحسن شرعا فالباطل هو القبيح شرعا ، ومقابلة الحق بالباطل عرف لغة وشرعا ، كما قال سبحانه وتعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=62ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل } . كما أن مقابلة الحق بالضلال عرف أيضا لغة وشرعا ، كما قال الله تعالى في هذه الآية : {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=32فماذا بعد الحق إلا الضلال } ، وقد بين حقيقة الحق . فأما
nindex.php?page=treesubj&link=28981حقيقة الضلال ، وهي :
[ ص: 9 ] المسألة الثالثة : فهو الذهاب عن الحق ، أخذ من ضلال الطريق ، وهو العدول عن سمت القصد ، وخص في الشرع بالعبارة عن العدول عن السداد في الاعتقاد دون الأعمال .
ومن غريب أمره أنه يعبر به عن عدم المعرفة بالحق إذا قابله غفلة ، ولم يقترن بعدمه جهل أو شك ، وعليه حمل العلماء قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=7ووجدك ضالا فهدى } . الذي حققه قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان } .
الْآيَةُ الثَّالِثَةُ :
قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=32nindex.php?page=treesubj&link=28981فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ } .
[ ص: 8 ]
فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي تَفْسِيرِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=32الْحَقِّ } وَقَدْ مَهَّدْنَاهُ فِي كِتَابِ " الْأَمَدِ الْأَقْصَى " فِي تَسْمِيَةِ الْبَارِي تَعَالَى بِهِ . وَلُبَابُهُ أَنَّ الْحَقَّ هُوَ الْوُجُودُ ، وَالْوُجُودُ عَلَى قِسْمَيْنِ : وُجُودٌ حَقِيقِيٌّ ، وَوُجُودٌ شَرْعِيٌّ .
فَأَمَّا الْوُجُودُ الْحَقِيقِيُّ فَلَيْسَ إلَّا لِلَّهِ وَصِفَاتِهِ ، وَعَلَيْهِ جَاءَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7015أَنْتَ الْحَقُّ ، وَقَوْلُك الْحَقُّ ، وَوَعْدُك الْحَقُّ ، وَلِقَاؤُك حَقٌّ ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ ، وَالنَّارُ حَقٌّ ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ } .
فَأَمَّا اللَّهُ وَصِفَاتُهُ فَوُجُودُهَا [ هُوَ ] حَقٌّ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهَا عَدَمٌ ، وَلَا يَعْقُبُهَا فَنَاءٌ .
وَأَمَّا لِقَاءُ اللَّهِ فَهُوَ حَقٌّ سَبَقَهُ عَدَمٌ ، وَيَعْقُبُهُ مِثْلُهُ . وَأَمَّا الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَهُمَا حَقَّانِ ، سَبَقَهُمَا عَدَمٌ ، وَلَا يَعْقُبُهَا فَنَاءٌ ، لَكِنَّ مَا فِيهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ أَعْرَاضٌ . وَأَمَّا الْوُجُودُ الشَّرْعِيُّ فَهُوَ الَّذِي يُحَسِّنُهُ الشَّرْعُ ، وَهُوَ وَاجِبٌ وَغَيْرُ وَاجِبٍ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ :
فِي
nindex.php?page=treesubj&link=20644تَحْقِيقِ مَعْنَى الْبَاطِلِ : وَهُوَ ضِدُّ الْحَقِّ ، وَالضِّدُّ رُبَّمَا أَظْهَرَ حَقِيقَةَ الضِّدِّ ، فَإِذَا قُلْنَا : إنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ حَقِيقَةً ، فَمَا سِوَاهُ بَاطِلٌ ، وَعَنْهُ عَبَّرَ الَّذِي يَقُولُ :
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ
وَإِنْ قُلْنَا : [ إنَّ ] الْحَقَّ هُوَ الْحَسَنُ شَرْعًا فَالْبَاطِلُ هُوَ الْقَبِيحُ شَرْعًا ، وَمُقَابَلَةُ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ عُرِفَ لُغَةً وَشَرْعًا ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=62ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ } . كَمَا أَنَّ مُقَابَلَةَ الْحَقِّ بِالضَّلَالِ عُرِفَ أَيْضًا لُغَةً وَشَرْعًا ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=32فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلَّا الضَّلَالُ } ، وَقَدْ بَيَّنَ حَقِيقَةَ الْحَقِّ . فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28981حَقِيقَةُ الضَّلَالِ ، وَهِيَ :
[ ص: 9 ] الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : فَهُوَ الذَّهَابُ عَنْ الْحَقِّ ، أُخِذَ مِنْ ضَلَالِ الطَّرِيقِ ، وَهُوَ الْعُدُولُ عَنْ سَمْتِ الْقَصْدِ ، وَخُصَّ فِي الشَّرْعِ بِالْعِبَارَةِ عَنْ الْعُدُولِ عَنْ السَّدَادِ فِي الِاعْتِقَادِ دُونَ الْأَعْمَالِ .
وَمِنْ غَرِيبِ أَمْرِهِ أَنَّهُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَقِّ إذَا قَابَلَهُ غَفْلَةً ، وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِعَدَمِهِ جَهْلٌ أَوْ شَكٌّ ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْعُلَمَاءُ قَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=7وَوَجَدَك ضَالًّا فَهَدَى } . الَّذِي حَقَّقَهُ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52مَا كُنْت تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ } .