الآية الخامسة قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب } .
فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى : قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم } فيها الاكتفاء بشهادة واحد ، وهو خير الشاهدين إن كان يعلم مني الحق في الدعوى والصدق في التبليغ فسينصرني ، فلا جرم صدقه بالمعجزات ، ونصره بالدلالات ، وأكرمه بالظهور في العواقب . فإن قيل : فقد قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43ومن عنده علم الكتاب } ؟ قيل : هو وإن كان معطوفا عليه في اللفظ فإنه مقطوع عنه في المعنى . التقدير : ومن عنده علم الكتاب يشهد لي بصدقي ; ولهذا المعنى قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : إن من عنده علم الكتاب هو الله تعالى ، وهذه غفلة فإنه قد قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43قل كفى بالله شهيدا } ، فلو كان الذي عنده علم الكتاب هو الله لكان تكرارا محضا خارجا عن صحة المعنى وجزالة اللفظ ، وإنما الذي عنده علم الكتاب في :
[ ص: 86 ]
المسألة الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=28984اختلف فيمن عنده علم الكتاب بعد ذكر قول
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد على أربعة أقوال :
الأول : أن المراد به من آمن من
اليهود والنصارى .
الثاني : أنه
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام .
الثالث : أنه
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ، وقد قرئ : ومن عنده علم بخفض الميم من " من " ورفع العين من " علم " . وقرئ بخفض الميم من " من " وباقيه على المشهور .
الرابع : المؤمنون كلهم .
المسألة الثالثة : في تدبر ما مضى : أما من قال إنهم الذين آمنوا من
اليهود ،
كابن سلام ،
وابن يامين . ومن
النصارى ،
كسلمان ،
nindex.php?page=showalam&ids=155وتميم الداري ، فإن المعنى عنده بالكتاب التوراة والإنجيل . وأما من قال : إنه
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب فعول على أحد وجهين : إما لأنه عنده أعلم المؤمنين ، وليس كذلك ; بل
أبو بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر وعثمان أعلم منه ، حسبما بيناه في أصول الدين في ذكر الخلفاء الراشدين ; أو لقول النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=6992أنا مدينة العلم nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي بابها } . وهو حديث باطل ، النبي صلى الله عليه وسلم مدينة علم وأبوابها أصحابها ; ومنهم الباب المنفسح ، ومنهم المتوسط على قدر منازلهم في العلوم . وأما من قال : إنهم جميع المؤمنين فصدق ; لأن كل مؤمن يعلم الكتاب ، ويدرك وجه إعجازه ; يشهد للنبي صلى الله عليه وسلم بالصدق .
[ ص: 87 ] وأما من قال : إنه
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام فعول على حديث خرجه
للترمذي وغيره أنه لما أريد قتل
عثمان جاء
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام فقال له
عثمان : ما جاء بك ؟ قال : جئت في نصرك . قال : اخرج إلى الناس ، فاطردهم عني ، فإنك خارجا خير لي منك داخلا . فخرج
عبد الله إلى الناس ، فقال : أيها الناس ، إنه كان اسمي في الجاهلية فلان ، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم
عبد الله ، ونزلت في آيات من القرآن فنزلت في : {
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=10وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله } الآية إلى آخرها ، ونزلت في : {
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب } . إن لله سيفا مغمودا عنكم ، وإن الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الذي نزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم . الله الله في هذا الرجل أن تقتلوه ، فوالله لئن قتلتموه لتطردن جيرانكم الملائكة ، وليسلن سيف الله المغمود عنكم ، فلا يغمد إلى يوم القيامة . قالوا : اقتلوا اليهودي ، واقتلوا
عثمان .
وليس يمتنع أن تنزل في
عبد الله سببا ، وتتناول جميع المؤمنين لفظا ; ويعضده من النظام أن قوله : ويقول الذين كفروا يعني به
قريشا ; فالذي عنده علم الكتاب هم المؤمنون من
اليهود والنصارى الذين هم إلى معرفة النبوة والكتاب أقرب من عبدة الأوثان .
المسألة الرابعة : في هذا قول المتجادلين : كفى بفلان بيننا شهيدا فيرضيان به ، وقد قدمناه ، ويزيد هذا عليه ظهور هذا الحق يقينا ، وأن الله ينصره نصرا مبينا ، ويوفق من يعرفه حقا ، ويشهد به تصديقا وصدقا . والذي اختاره
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في هذه الآية أنه
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام كذلك روى عنه
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب ، وقد تقدم بيانه .
الْآيَةُ الْخَامِسَةُ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } .
فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43قُلْ كَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } فِيهَا الِاكْتِفَاءُ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ ، وَهُوَ خَيْرُ الشَّاهِدِينَ إنْ كَانَ يَعْلَمُ مِنِّي الْحَقَّ فِي الدَّعْوَى وَالصِّدْقَ فِي التَّبْلِيغُ فَسَيَنْصُرُنِي ، فَلَا جَرَمَ صَدَّقَهُ بِالْمُعْجِزَاتِ ، وَنَصَرَهُ بِالدَّلَالَاتِ ، وَأَكْرَمَهُ بِالظُّهُورِ فِي الْعَوَاقِبِ . فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } ؟ قِيلَ : هُوَ وَإِنْ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ فِي اللَّفْظِ فَإِنَّهُ مَقْطُوعٌ عَنْهُ فِي الْمَعْنَى . التَّقْدِيرُ : وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ يَشْهَدُ لِي بِصِدْقِي ; وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ : إنَّ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَهَذِهِ غَفْلَةٌ فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43قُلْ كَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا } ، فَلَوْ كَانَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ هُوَ اللَّهُ لَكَانَ تَكْرَارًا مَحْضًا خَارِجًا عَنْ صِحَّةِ الْمَعْنَى وَجَزَالَةِ اللَّفْظِ ، وَإِنَّمَا الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ فِي :
[ ص: 86 ]
الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ :
nindex.php?page=treesubj&link=28984اُخْتُلِفَ فِيمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ آمَنَ مِنْ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى .
الثَّانِي : أَنَّهُ
nindex.php?page=showalam&ids=106عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَقَدْ قُرِئَ : وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ بِخَفْضِ الْمِيمِ مِنْ " مِنْ " وَرَفْعِ الْعَيْنِ مِنْ " عُلِمَ " . وَقُرِئَ بِخَفْضِ الْمِيمِ مِنْ " مِنْ " وَبَاقِيهِ عَلَى الْمَشْهُورِ .
الرَّابِعُ : الْمُؤْمِنُونَ كُلُّهُمْ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : فِي تَدَبُّرِ مَا مَضَى : أَمَّا مَنْ قَالَ إنَّهُمْ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ
الْيَهُودِ ،
كَابْنِ سَلَامٍ ،
وَابْنِ يَامِينَ . وَمِنْ
النَّصَارَى ،
كَسَلْمَانَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=155وَتَمِيمٍ الدَّارِيِّ ، فَإِنَّ الْمَعْنَى عِنْدَهُ بِالْكِتَابِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ . وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهُ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَعَوَّلَ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ : إمَّا لِأَنَّهُ عِنْدَهُ أَعْلَمُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; بَلْ
أَبُو بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=2وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ أَعْلَمُ مِنْهُ ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الدِّينِ فِي ذِكْرِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ ; أَوْ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=6992أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ nindex.php?page=showalam&ids=8وَعَلِيٌّ بَابُهَا } . وَهُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ ، النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَدِينَةُ عِلْمٍ وَأَبْوَابُهَا أَصْحَابُهَا ; وَمِنْهُمْ الْبَابُ الْمُنْفَسِحُ ، وَمِنْهُمْ الْمُتَوَسِّطُ عَلَى قَدْرِ مَنَازِلِهِمْ فِي الْعُلُومِ . وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهُمْ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ فَصَدَقَ ; لِأَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ يَعْلَمُ الْكِتَابَ ، وَيُدْرِك وَجْهَ إعْجَازِهِ ; يَشْهَدُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصِّدْقِ .
[ ص: 87 ] وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهُ
nindex.php?page=showalam&ids=106عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فَعَوَّلَ عَلَى حَدِيثٍ خَرَّجَهُ
لِلتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَمَّا أُرِيدَ قَتْلُ
عُثْمَانَ جَاءَ
nindex.php?page=showalam&ids=106عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فَقَالَ لَهُ
عُثْمَانُ : مَا جَاءَ بِك ؟ قَالَ : جِئْت فِي نَصْرِك . قَالَ : اُخْرُجْ إلَى النَّاسِ ، فَاطْرُدْهُمْ عَنِّي ، فَإِنَّك خَارِجًا خَيْرٌ لِي مِنْك دَاخِلًا . فَخَرَجَ
عَبْدُ اللَّهِ إلَى النَّاسِ ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، إنَّهُ كَانَ اسْمِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فُلَانٌ ، فَسَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَبْدَ اللَّهِ ، وَنَزَلَتْ فِي آيَاتٌ مِنْ الْقُرْآنِ فَنَزَلَتْ فِي : {
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=10وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ } الْآيَةَ إلَى آخِرِهَا ، وَنَزَلَتْ فِي : {
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43قُلْ كَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } . إنَّ لِلَّهِ سَيْفًا مَغْمُودًا عَنْكُمْ ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ قَدْ جَاوَرَتْكُمْ فِي بَلَدِكُمْ هَذَا الَّذِي نَزَلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . اللَّهَ اللَّهَ فِي هَذَا الرَّجُلِ أَنْ تَقْتُلُوهُ ، فَوَاَللَّهِ لَئِنْ قَتَلْتُمُوهُ لَتُطْرَدَنَّ جِيرَانُكُمْ الْمَلَائِكَةُ ، وَلَيُسَلَّنَّ سَيْفُ اللَّهِ الْمَغْمُودُ عَنْكُمْ ، فَلَا يُغْمَدُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . قَالُوا : اُقْتُلُوا الْيَهُودِيَّ ، وَاقْتُلُوا
عُثْمَانَ .
وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ تَنْزِلَ فِي
عَبْدِ اللَّهِ سَبَبًا ، وَتَتَنَاوَلَ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ لَفْظًا ; وَيُعَضِّدُهُ مِنْ النِّظَامِ أَنَّ قَوْلَهُ : وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَعْنِي بِهِ
قُرَيْشًا ; فَاَلَّذِي عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ هُمْ إلَى مَعْرِفَةِ النُّبُوَّةِ وَالْكِتَابِ أَقْرَبُ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : فِي هَذَا قَوْلُ الْمُتَجَادِلِينَ : كَفَى بِفُلَانٍ بَيْنَنَا شَهِيدًا فَيَرْضَيَانِ بِهِ ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ ، وَيَزِيدُ هَذَا عَلَيْهِ ظُهُورُ هَذَا الْحَقِّ يَقِينًا ، وَأَنَّ اللَّهَ يَنْصُرُهُ نَصْرًا مُبِينًا ، وَيُوَفِّقُ مَنْ يَعْرِفُهُ حَقًّا ، وَيَشْهَدُ بِهِ تَصْدِيقًا وَصِدْقًا . وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ
nindex.php?page=showalam&ids=106عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ كَذَلِكَ رَوَى عَنْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابْنُ وَهْبٍ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ .