الآية الثانية
قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم } .
فيها ست مسائل :
[ ص: 275 ]
المسألة الأولى : في
nindex.php?page=treesubj&link=28993سبب نزولها : روي {
أنها نزلت حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية عام ست ، فصده المشركون عن دخول البيت ، ومنعوه ، فقاضاهم على العام المستقبل ، وقضى عمرته في مكانه ، ونحر هديه ، وحلق رأسه ، ورجع إلى المدينة } .
المسألة الثانية : قوله :
nindex.php?page=treesubj&link=28993 { nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد } فيه قولان :
أحدهما : أنه أراد به المسجد نفسه ، دون
الحرم ; وهو ظاهر القرآن ; لأنه لم يذكر غيره .
الثاني : أنه أراد به
الحرم كله ; لأن المشركين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عنه ، فنزل خارجا منه في الحل ، وعيرهم الله بذلك ، ودل عليه أيضا قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25والمسجد الحرام } ، فصفة الحرام تقتضي
الحرم كله ، ; لأنه بصفته في التحريم ، وآخذ بجزاء عظيم من التكرمة والتعظيم بإجماع من المسلمين ; ألا ترى إلى قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=97جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس } ، وكان
الحرم مثله ; لأنه حريمه ، وحريم الدار من الدار .
المسألة الثالثة : قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25جعلناه للناس }
يريد خلقناه لهم ، وسميناه ، ووضعناه شرعا ودينا ، وقد بينا معنى الجعل وتصرفاته .
المسألة الرابعة : قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25سواء العاكف } .
يعني المقيم ، وكذلك اسمه في اللغة . والبادي : يريد الطارئ عليه . وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا عن قول الله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25سواء العاكف فيه والباد }
[ ص: 276 ] فقال لي
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : السعة والأمن والحق . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : وقد كانت الفساطيط تضرب في الدور ينزلها الناس . والبادي أهل البادية وغيرهم ممن يقدم عليهم . ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=100وجاء بكم من البدو }
قال
ابن القاسم : وسئل
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن ذلك ، فقال : سواء في الحق والسعة ، والبادي أهل البادية ، ومن يقدم عليهم ، وقد كانت تضرب الفساطيط في الدور ، ولقد سمعت أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب كان ينزع أبواب
مكة إذا قدم الناس . قال : والحج كله في كتاب الله تعالى .
المسألة الخامسة : في المعنى الذي فيه التسوية : وفيه قولان :
أحدهما : في دوره ومنازله ، ليس المقيم فيها أولى بها من الطارئ عليها . هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك كما تقدم وغيره .
الثاني : أنهما في الحق سواء والحرمة والنسك .
والصحيح عموم التسوية في ذلك كله ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، وعليه حمله
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، فقد روي أنه كان يأمر في الموسم بقلع أبواب دور
مكة حتى يدخلها الذي يقدم ، فينزل حيث شاء ، وهذا ينبني على أصلين : أحدهما : أن دور
مكة [ هل هي ] ملك لأربابها أم هي للناس ؟ الثاني : ينبني عليه هذا الأصل ، وهو أن
مكة هل افتتحت عنوة أو صلحا ؟ وقد بينا ذلك فيما تقدم .
وقد روى
علقمة بن نضلة قال : توفي النبي صلى الله عليه وسلم
وأبو بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر وما نرى رباع
مكة إلا السوائب ، من احتاج سكن ، ومن استغنى أسكن . وقد بينا في مسائل الخلاف القول في رباع
مكة .
[ ص: 277 ] والذي
عندي الآن فيها {
أن النبي صلى الله عليه وسلم افتتح مكة عنوة ، لكنه من عليهم في أنفسهم ، فسموا الطلقاء ، ومن عليهم في أموالهم ، أمر مناديه فنادى : من أغلق عليه بابه فهو آمن ، وتركهم في منازلهم على أحوالهم من غير تغيير عليهم } ، ولكن الناس إذا كثروا واردين عليهم شاركوهم بحكم الحاجة إلى ذلك .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر كان نهى أن تغلق
مكة زمن الحاج ، وأن الناس كانوا ينزلون منها حيث وجدوا فارغا ، حتى كانوا يضربون الفساطيط في جوف الدور .
الْآيَةُ الثَّانِيَةُ
قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } .
فِيهَا سِتُّ مَسَائِلَ :
[ ص: 275 ]
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28993سَبَبِ نُزُولِهَا : رُوِيَ {
أَنَّهَا نَزَلَتْ حِينَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ عَامَ سِتٍّ ، فَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنْ دُخُولِ الْبَيْتِ ، وَمَنَعُوهُ ، فَقَاضَاهُمْ عَلَى الْعَامِ الْمُسْتَقْبَلِ ، وَقَضَى عُمْرَتَهُ فِي مَكَانِهِ ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ ، وَرَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ } .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28993 { nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ } فِيهِ قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْمَسْجِدَ نَفْسَهُ ، دُونَ
الْحَرَمِ ; وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ .
الثَّانِي : أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ
الْحَرَمَ كُلَّهُ ; لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ صَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ عَنْهُ ، فَنَزَلَ خَارِجًا مِنْهُ فِي الْحِلِّ ، وَعَيَّرَهُمْ اللَّهُ بِذَلِكَ ، وَدَلَّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } ، فَصِفَةُ الْحَرَامِ تَقْتَضِي
الْحَرَمَ كُلَّهُ ، ; لِأَنَّهُ بِصِفَتِهِ فِي التَّحْرِيمِ ، وَآخِذٌ بِجَزَاءٍ عَظِيمٍ مِنْ التَّكْرِمَةِ وَالتَّعْظِيمِ بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ; أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=97جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ } ، وَكَانَ
الْحَرَمُ مِثْلَهُ ; لِأَنَّهُ حَرِيمُهُ ، وَحَرِيمُ الدَّارِ مِنْ الدَّارِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ }
يُرِيدُ خَلَقْنَاهُ لَهُمْ ، وَسَمَّيْنَاهُ ، وَوَضَعْنَاهُ شَرْعًا وَدِينًا ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْجَعْلِ وَتَصَرُّفَاتِهِ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25سَوَاءً الْعَاكِفُ } .
يَعْنِي الْمُقِيمَ ، وَكَذَلِكَ اسْمُهُ فِي اللُّغَة . وَالْبَادِي : يُرِيدُ الطَّارِئَ عَلَيْهِ . وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابْنُ وَهْبٍ : سَأَلْت
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكًا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ }
[ ص: 276 ] فَقَالَ لِي
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ : السَّعَةُ وَالْأَمْنُ وَالْحَقُّ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ : وَقَدْ كَانَتْ الْفَسَاطِيطُ تُضْرَبُ فِي الدُّورِ يَنْزِلُهَا النَّاسُ . وَالْبَادِي أَهْلُ الْبَادِيَةِ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَقْدُمُ عَلَيْهِمْ . ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=100وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ }
قَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ : وَسُئِلَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : سَوَاءٌ فِي الْحَقِّ وَالسَّعَةِ ، وَالْبَادِي أَهْلُ الْبَادِيَةِ ، وَمَنْ يَقْدُمُ عَلَيْهِمْ ، وَقَدْ كَانَتْ تُضْرَبُ الْفَسَاطِيطُ فِي الدُّورِ ، وَلَقَدْ سَمِعْت أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَنْزِعُ أَبْوَابَ
مَكَّةَ إذَا قَدِمَ النَّاسُ . قَالَ : وَالْحَجُّ كُلُّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : فِي الْمَعْنَى الَّذِي فِيهِ التَّسْوِيَةُ : وَفِيهِ قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : فِي دُورِهِ وَمَنَازِلِهِ ، لَيْسَ الْمُقِيمُ فِيهَا أَوْلَى بِهَا مِنْ الطَّارِئِ عَلَيْهَا . هَذَا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ nindex.php?page=showalam&ids=16867وَمَالِكٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَغَيْرِهِ .
الثَّانِي : أَنَّهُمَا فِي الْحَقِّ سَوَاءٌ وَالْحُرْمَةُ وَالنُّسُكُ .
وَالصَّحِيحُ عُمُومُ التَّسْوِيَةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ، كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ ، وَعَلَيْهِ حَمَلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ فِي الْمَوْسِمِ بِقَلْعِ أَبْوَابِ دُورِ
مَكَّةَ حَتَّى يَدْخُلَهَا الَّذِي يَقْدُمُ ، فَيَنْزِلُ حَيْثُ شَاءَ ، وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَصْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ دُورَ
مَكَّةَ [ هَلْ هِيَ ] مِلْكٌ لِأَرْبَابِهَا أَمْ هِيَ لِلنَّاسِ ؟ الثَّانِي : يَنْبَنِي عَلَيْهِ هَذَا الْأَصْلُ ، وَهُوَ أَنَّ
مَكَّةَ هَلْ اُفْتُتِحَتْ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا ؟ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ .
وَقَدْ رَوَى
عَلْقَمَةُ بْنُ نَضْلَةَ قَالَ : تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَبُو بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=2وَعُمَرُ وَمَا نَرَى رِبَاعَ
مَكَّةَ إلَّا السَّوَائِبَ ، مَنْ احْتَاجَ سَكَنَ ، وَمَنْ اسْتَغْنَى أَسْكَنَ . وَقَدْ بَيَّنَّا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ الْقَوْلَ فِي رِبَاعِ
مَكَّةَ .
[ ص: 277 ] وَاَلَّذِي
عِنْدِي الْآنَ فِيهَا {
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَتَحَ مَكَّةَ عَنْوَةً ، لَكِنَّهُ مَنَّ عَلَيْهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ ، فَسُمُّوا الطُّلَقَاءَ ، وَمَنَّ عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ ، أَمَرَ مُنَادِيَهُ فَنَادَى : مَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ ، وَتَرَكَهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ عَلَى أَحْوَالِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ عَلَيْهِمْ } ، وَلَكِنَّ النَّاسَ إذَا كَثُرُوا وَارِدِينَ عَلَيْهِمْ شَارَكُوهُمْ بِحُكْمِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ .
وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=17191نَافِعٌ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ كَانَ نَهَى أَنْ تُغْلَقَ
مَكَّةُ زَمَنَ الْحَاجِّ ، وَأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَنْزِلُونَ مِنْهَا حَيْثُ وَجَدُوا فَارِغًا ، حَتَّى كَانُوا يَضْرِبُونَ الْفَسَاطِيطَ فِي جَوْفِ الدُّورِ .