المسألة الخامسة قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=20وفصل الخطاب } قيل : هو علم القضاء ، وقيل : هو الإيجاز بجعل المعنى الكثير في اللفظ القليل . وقيل : هو قوله : أما بعد . وكان أول من تكلم بها ، فأما علم القضاء فلعمر إلهك إنه لنوع من العلم مجرد ، وفضل منه مؤكد غير معرفة الأحكام والبصر بالحلال والحرام ، ففي الحديث : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1478أقضاكم علي ، وأعلمكم بالحلال والحرام nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل } .
وقد يكون الرجل بصيرا بأحكام الأفعال عارفا بالحلال والحرام ، ولا يقوم بفصل القضاء فيها ، وقد يكون الرجل يأتي القضاء من وجهه باختصار من لفظه وإيجاز في طريقه بحذف التطويل ، ورفع التشتيت ، وإصابة المقصود .
ولذلك يروى {
nindex.php?page=hadith&LINKID=6583أن nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب قال : لما بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن حفر قوم زبية للأسد ، فوقع فيها الأسد ، وازدحم الناس على الزبية ، فوقع فيها رجل ، وتعلق بآخر ، وتعلق الآخر بآخر ، حتى صاروا أربعة ، فحرجهم الأسد فيها ، فهلكوا ، وحمل القوم السلاح ، وكاد يكون بينهم قتال ، فأتيتهم فقلت لهم : أتقتلون مائتي رجل من أجل أربعة أناسي ، تعالوا أقض بينكم بقضاء ، فإن رضيتم فهو قضاء بينكم ، وإن أبيتموه رفعت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ; فهو أحق بالقضاء ; فجعل للأول ربع الدية ، وللثاني ثلث الدية ، وللثالث نصف الدية ، وجعل للرابع الدية ، وجعل الديات على من حفر الزبية على قبائل الأربع . فسخط بعضهم ، ورضي بعضهم ، ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 36 ] فقصوا عليه القصة ، فقال : أنا أقضي بينكم . فقال قائل : إن nindex.php?page=showalam&ids=8عليا قد قضى بيننا ، وأخبروه بما قضى به nindex.php?page=showalam&ids=8علي . فقال عليه السلام : القضاء كما قضاه nindex.php?page=showalam&ids=8علي } .
وفي رواية : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=23429فأمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قضاء nindex.php?page=showalam&ids=8علي } .
وكذلك يروى في المعرفة بالقضاء أن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة جاء إليه رجل ، فقال : إن
nindex.php?page=showalam&ids=16330ابن أبي ليلى وكان قاضيا
بالكوفة جلد
nindex.php?page=treesubj&link=10490امرأة مجنونة قالت لرجل : يا بن الزانيين . فحدها حدين في المسجد ، وهي قائمة . فقال : أخطأ من ستة أوجه .
وهذا الذي قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة بالبديهة لا يدركه أحد بالروية إلا العلماء .
فأما قصة
nindex.php?page=showalam&ids=8علي فلا يدركها الشادي ولا يلحقها بعد التمرن في الأحكام إلا العاكف المتمادي .
وتحقيقها أن هؤلاء الأربعة مقتولون خطأ بالتدافع على الحفرة من الحاضرين عليها فلهم الديات على من حفر على وجه الخطأ ، بيد أن الأول مقتول بالمدافعة قاتل ثلاثة بالمجاذبة ، فله الدية بما قتل ، وعليه ثلاثة أرباع الدية للثلاثة الذين قتلهم .
وأما الثاني فله ثلث الدية ، وعليه الثلثان للاثنين اللذين قتلهما بالمجاذبة .
وأما الثالث فله نصف الدية ، وعليه النصف ; لأنه قتل واحدا بالمجاذبة ، فوقعت المحاصة ، وغرمت العواقل هذا التقدير بعد القصاص الجاري فيه . وهذا من بديع الاستنباط .
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة فإنه نظر إلى المعاني المتعلقة فرآها ستة : الأول : أن المجنون لا حد عليه ; لأن الجنون يسقط التكليف ، هذا إذا كان القذف في حالة الجنون ، فأما إذا كان يجن مرة ويفيق أخرى فإنه يحد بالقذف في حال إفاقته .
الثاني : قولها يا بن الزانيين ; فجلدها حدين لكل أب حد ، فإنما خطأه
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة فيه بناء على مذهبه في أن حد القذف يتداخل ، لأنه عنده حق لله تعالى كحد الخمر والزنى .
[ ص: 37 ]
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك فإنهما يريان الحد بالقذف حقا للآدمي ، فيتعدد بتعدد المقذوف .
وقد بينا ذلك في مسائل الخلاف .
الثالث : أنه حد بغير مطالبة المقذوف ، ولا يجوز إقامة حد القذف بإجماع من الأمة إلا بعد المطالبة بإقامته ممن يقول إنه حق لله ، ومن يقول إنه حق للآدمي . وبهذا المعنى وقع الاحتجاج لمن يرى أنه حق للآدمي ; إذ يقول : لو كان حقا لله لما توقف على المطالبة كحد الزنا .
الرابع أنه والى بين الحدين ، ومن وجب عليه حدان لم يوال بينهما ، بل يحد لأحدهما ، ثم يترك حتى يندمل الضرب أو يستبل المضروب ، ثم يقام عليه الحد الآخر .
الخامس أنه حدها قائمة ، ولا تحد المرأة إلا جالسة مستورة . قال بعض الناس : في زنبيل ، حسبما بيناه في كتب المسائل .
السادس أنه أقام الحد في المسجد ، ولا يقام الحد فيه إجماعا . وفي القصاص في المسجد والتعزير فيه خلاف قدمنا بيانه فيما سلف من هذا الكتاب وفي كتب المسائل والخلاف ; فهذا هو
nindex.php?page=treesubj&link=29009فصل الخطاب وعلم القضاء الذي وقعت الإشارة إليه على أحد التأويلات في الحديث المروي : {
أقضاكم nindex.php?page=showalam&ids=8علي } ، حسبما أشرنا إليه آنفا .
وأما من قال : إنه الإيجاز فذلك للعرب دون العجم ،
ولمحمد صلى الله عليه وسلم دون
العرب ، وقد بين هذا بقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=8755أوتيت جوامع الكلم } ، وكان أفصح الناس بعده
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق ، حسبما بيناه في آيات الكتاب في سورة براءة وفي سورة النور .
وأما من قال : إنه قوله : " أما بعد {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24571فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته : أما بعد } . ويروى أن أول من قالها في الجاهلية
سحبان وائل ، وهو أول من آمن بالبعث ، وأول من اتكأ على عصا ، وعمر مائة وثمانين سنة .
ولو صح أن
داود قالها فإنه لم يكن ذلك منه بالعربية على هذا النظم ، وإنما كان بلسانه .
والله أعلم .
[ ص: 38 ]
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أن الحكمة المعرفة بالدين ، والفقه فيه ، والاتباع له .
وروي عن
ابن زيد أن فصل الخطاب هو الفهم وإصابة القضاء .
قال
ابن العربي : وهذا صحيح ; فإن الله تعالى يقول في وصف كتابه العزيز : {
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=13إنه لقول فصل وما هو بالهزل } لما فيه من إيجاز اللفظ ، وإصابة المعنى ، ونفوذ القضاء .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=20وَفَصْلَ الْخِطَابِ } قِيلَ : هُوَ عِلْمُ الْقَضَاءِ ، وَقِيلَ : هُوَ الْإِيجَازُ بِجَعْلِ الْمَعْنَى الْكَثِيرِ فِي اللَّفْظِ الْقَلِيلِ . وَقِيلَ : هُوَ قَوْلُهُ : أَمَّا بَعْدُ . وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَا ، فَأَمَّا عِلْمُ الْقَضَاءِ فَلَعَمْرُ إلَهِك إنَّهُ لَنَوْعٌ مِنْ الْعِلْمِ مُجَرَّدٌ ، وَفَضْلٌ مِنْهُ مُؤَكَّدٌ غَيْرُ مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ وَالْبَصَرِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، فَفِي الْحَدِيثِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1478أَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ ، وَأَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ } .
وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ بَصِيرًا بِأَحْكَامِ الْأَفْعَالِ عَارِفًا بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، وَلَا يَقُومُ بِفَصْلِ الْقَضَاءِ فِيهَا ، وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ يَأْتِي الْقَضَاءَ مِنْ وَجْهِهِ بِاخْتِصَارٍ مِنْ لَفْظِهِ وَإِيجَازٍ فِي طَرِيقِهِ بِحَذْفِ التَّطْوِيلِ ، وَرَفْعِ التَّشْتِيتِ ، وَإِصَابَةِ الْمَقْصُودِ .
وَلِذَلِكَ يُرْوَى {
nindex.php?page=hadith&LINKID=6583أَنَّ nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : لَمَّا بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْيَمَنِ حَفَرَ قَوْمٌ زُبْيَةً لِلْأَسَدِ ، فَوَقَعَ فِيهَا الْأَسَدُ ، وَازْدَحَمَ النَّاسُ عَلَى الزُّبْيَةِ ، فَوَقَعَ فِيهَا رَجُلٌ ، وَتَعَلَّقَ بِآخَرَ ، وَتَعَلَّقَ الْآخَرُ بِآخَرَ ، حَتَّى صَارُوا أَرْبَعَةً ، فَحَرَجَهُمْ الْأَسَدُ فِيهَا ، فَهَلَكُوا ، وَحَمَلَ الْقَوْمُ السِّلَاحَ ، وَكَادَ يَكُونُ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ ، فَأَتَيْتهمْ فَقُلْت لَهُمْ : أَتَقْتُلُونَ مِائَتَيْ رَجُلٍ مِنْ أَجْلِ أَرْبَعَةِ أَنَاسِيَّ ، تَعَالَوْا أَقْضِ بَيْنَكُمْ بِقَضَاءٍ ، فَإِنْ رَضِيتُمْ فَهُوَ قَضَاءٌ بَيْنَكُمْ ، وَإِنْ أَبَيْتُمُوهُ رَفَعْت ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَهُوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ ; فَجَعَلَ لِلْأَوَّلِ رُبُعَ الدِّيَةِ ، وَلِلثَّانِي ثُلُثَ الدِّيَةِ ، وَلِلثَّالِثِ نِصْفَ الدِّيَةِ ، وَجَعَلَ لِلرَّابِعِ الدِّيَةَ ، وَجَعَلَ الدِّيَاتِ عَلَى مَنْ حَفَرَ الزُّبْيَةَ عَلَى قَبَائِلِ الْأَرْبَعِ . فَسَخَطَ بَعْضُهُمْ ، وَرَضِيَ بَعْضُهُمْ ، ثُمَّ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ ص: 36 ] فَقَصُّوا عَلَيْهِ الْقِصَّةَ ، فَقَالَ : أَنَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ . فَقَالَ قَائِلٌ : إنَّ nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيًّا قَدْ قَضَى بَيْنَنَا ، وَأَخْبَرُوهُ بِمَا قَضَى بِهِ nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ . فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : الْقَضَاءُ كَمَا قَضَاهُ nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=23429فَأَمْضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَاءَ nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ } .
وَكَذَلِكَ يُرْوَى فِي الْمَعْرِفَةِ بِالْقَضَاءِ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبَا حَنِيفَةَ جَاءَ إلَيْهِ رَجُلٌ ، فَقَالَ : إنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16330ابْنَ أَبِي لَيْلَى وَكَانَ قَاضِيًا
بِالْكُوفَةِ جَلَدَ
nindex.php?page=treesubj&link=10490امْرَأَةً مَجْنُونَةً قَالَتْ لِرَجُلٍ : يَا بْنَ الزَّانِيَيْنِ . فَحَدَّهَا حَدَّيْنِ فِي الْمَسْجِدِ ، وَهِيَ قَائِمَةٌ . فَقَالَ : أَخْطَأَ مِنْ سِتَّةِ أَوْجُهٍ .
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ بِالْبَدِيهَةِ لَا يُدْرِكُهُ أَحَدٌ بِالرَّوِيَّةِ إلَّا الْعُلَمَاءُ .
فَأَمَّا قِصَّةُ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ فَلَا يُدْرِكُهَا الشَّادِي وَلَا يَلْحَقُهَا بَعْدَ التَّمَرُّنِ فِي الْأَحْكَامِ إلَّا الْعَاكِفُ الْمُتَمَادِي .
وَتَحْقِيقُهَا أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةَ مَقْتُولُونَ خَطَأً بِالتَّدَافُعِ عَلَى الْحُفْرَةِ مِنْ الْحَاضِرِينَ عَلَيْهَا فَلَهُمْ الدِّيَاتُ عَلَى مَنْ حَفَرَ عَلَى وَجْهِ الْخَطَأِ ، بَيْدَ أَنَّ الْأَوَّلَ مَقْتُولٌ بِالْمُدَافَعَةِ قَاتِلٌ ثَلَاثَةً بِالْمُجَاذَبَةِ ، فَلَهُ الدِّيَةُ بِمَا قَتَلَ ، وَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ لِلثَّلَاثَةِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ .
وَأَمَّا الثَّانِي فَلَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ ، وَعَلَيْهِ الثُّلُثَانِ لِلِاثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ قَتَلَهُمَا بِالْمُجَاذَبَةِ .
وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ ، وَعَلَيْهِ النِّصْفُ ; لِأَنَّهُ قَتَلَ وَاحِدًا بِالْمُجَاذَبَةِ ، فَوَقَعَتْ الْمُحَاصَّةُ ، وَغَرِمَتْ الْعَوَاقِلُ هَذَا التَّقْدِيرَ بَعْدَ الْقِصَاصِ الْجَارِي فِيهِ . وَهَذَا مِنْ بَدِيعِ الِاسْتِنْبَاطِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ نَظَرَ إلَى الْمَعَانِي الْمُتَعَلِّقَةِ فَرَآهَا سِتَّةً : الْأَوَّلُ : أَنَّ الْمَجْنُونَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْجُنُونَ يُسْقِطُ التَّكْلِيفَ ، هَذَا إذَا كَانَ الْقَذْفُ فِي حَالَةِ الْجُنُونِ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ يُجَنُّ مَرَّةً وَيُفِيقُ أُخْرَى فَإِنَّهُ يُحَدُّ بِالْقَذْفِ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ .
الثَّانِي : قَوْلُهَا يَا بْنَ الزَّانِيَيْنِ ; فَجَلَدَهَا حَدَّيْنِ لِكُلِّ أَبٍ حَدٌّ ، فَإِنَّمَا خَطَّأَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ فِيهِ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ فِي أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ يَتَدَاخَلُ ، لِأَنَّهُ عِنْدَهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الْخَمْرِ وَالزِّنَى .
[ ص: 37 ]
وَأَمَّا
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=16867وَمَالِكٌ فَإِنَّهُمَا يَرَيَانِ الْحَدَّ بِالْقَذْفِ حَقًّا لِلْآدَمِيِّ ، فَيَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمَقْذُوفِ .
وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ حَدٌّ بِغَيْرِ مُطَالَبَةِ الْمَقْذُوفِ ، وَلَا يَجُوزُ إقَامَةُ حَدِّ الْقَذْفِ بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْأُمَّةِ إلَّا بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِإِقَامَتِهِ مِمَّنْ يَقُولُ إنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ ، وَمَنْ يَقُولُ إنَّهُ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ . وَبِهَذَا الْمَعْنَى وَقَعَ الِاحْتِجَاجُ لِمَنْ يَرَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ ; إذْ يَقُولُ : لَوْ كَانَ حَقًّا لِلَّهِ لَمَا تَوَقَّفَ عَلَى الْمُطَالَبَةِ كَحَدِّ الزِّنَا .
الرَّابِعُ أَنَّهُ وَالَى بَيْنَ الْحَدَّيْنِ ، وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدَّانِ لَمْ يُوَالِ بَيْنَهُمَا ، بَلْ يُحَدُّ لِأَحَدِهِمَا ، ثُمَّ يُتْرَكُ حَتَّى يَنْدَمِلَ الضَّرْبُ أَوْ يَسْتَبِلَّ الْمَضْرُوبُ ، ثُمَّ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ الْآخَرُ .
الْخَامِسُ أَنَّهُ حَدَّهَا قَائِمَةً ، وَلَا تُحَدُّ الْمَرْأَةُ إلَّا جَالِسَةً مَسْتُورَةً . قَالَ بَعْضُ النَّاسِ : فِي زِنْبِيلٍ ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي كُتُبِ الْمَسَائِلِ .
السَّادِسُ أَنَّهُ أَقَامَ الْحَدَّ فِي الْمَسْجِدِ ، وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ فِيهِ إجْمَاعًا . وَفِي الْقِصَاصِ فِي الْمَسْجِدِ وَالتَّعْزِيرِ فِيهِ خِلَافٌ قَدَّمْنَا بَيَانَهُ فِيمَا سَلَفَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَفِي كُتُبِ الْمَسَائِلِ وَالْخِلَافِ ; فَهَذَا هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=29009فَصْلُ الْخِطَابِ وَعِلْمُ الْقَضَاءِ الَّذِي وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ : {
أَقَضَاكُمْ nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ } ، حَسْبَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ آنِفًا .
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهُ الْإِيجَازُ فَذَلِكَ لِلْعَرَبِ دُونَ الْعَجَمِ ،
وَلِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ
الْعَرَبِ ، وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=8755أُوتِيت جَوَامِعَ الْكَلِمِ } ، وَكَانَ أَفْصَحَ النَّاسِ بَعْدَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي آيَاتِ الْكِتَابِ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ وَفِي سُورَةِ النُّورِ .
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهُ قَوْلُهُ : " أَمَّا بَعْدُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24571فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ : أَمَّا بَعْدُ } . وَيُرْوَى أَنَّ أَوَّلَ مَنْ قَالَهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ
سَحْبَانُ وَائِلٌ ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِالْبَعْثِ ، وَأَوَّلُ مَنْ اتَّكَأَ عَلَى عَصًا ، وَعَمَّرَ مِائَةً وَثَمَانِينَ سَنَةً .
وَلَوْ صَحَّ أَنَّ
دَاوُد قَالَهَا فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ عَلَى هَذَا النَّظْمِ ، وَإِنَّمَا كَانَ بِلِسَانِهِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
[ ص: 38 ]
وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابْنُ وَهْبٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ أَنَّ الْحِكْمَةَ الْمَعْرِفَةُ بِالدِّينِ ، وَالْفِقْهُ فِيهِ ، وَالِاتِّبَاعُ لَهُ .
وَرُوِيَ عَنْ
ابْنِ زَيْدٍ أَنَّ فَصْلَ الْخِطَابِ هُوَ الْفَهْمُ وَإِصَابَةُ الْقَضَاءِ .
قَالَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ; فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي وَصْفِ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=13إنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ } لِمَا فِيهِ مِنْ إيجَازِ اللَّفْظِ ، وَإِصَابَةِ الْمَعْنَى ، وَنُفُوذِ الْقَضَاءِ .