المسألة الرابعة
nindex.php?page=treesubj&link=12096_16540_26004إذا حرم الزوجة فقد اختلف العلماء في ذلك على خمسة عشر قولا ، وجمعناها في كتاب المسائل ، وأوضحناها بما مقصوده أن نقول : يجمعها ثلاثة مقامات : المقام الأول : في جميع الأقوال : الأول : أنها يمين تكفر ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق ،
وعائشة ،
والأوزاعي .
الثاني قال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : تجب فيه كفارة ، وليست بيمين ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في إحدى روايتيه ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في أحد قوليه .
الثالث : أنها طلقة رجعية ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ،
والزهري ،
وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون .
الرابع أنها ظهار ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل .
الخامس أنها طلقة بائنة ; قاله
حماد بن سلمة ، ورواه
ابن خويز منداد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك . السادس أنها ثلاث تطليقات ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ،
nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت ،
nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة [
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك ] .
السابع قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : إن نوى الطلاق أو الظهار كان ما نوى ، وإلا كانت يمينا وكان الرجل موليا من امرأته . الثامن أنه لا تنفعه نية الظهار ، وإنما يكون طلاقا ; قاله
ابن القاسم .
التاسع قال
nindex.php?page=showalam&ids=17328يحيى بن عمر : يكون طلاقا ، فإن ارتجعها لم يجز له وطؤها حتى يكفر كفارة الظهار .
العاشر هي ثلاث قبل وبعد ، لكنه ينوي في التي لم يدخل بها في الواحدة ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ،
وابن القاسم .
[ ص: 256 ]
الحادي عشر ثلاث ، ولا ينوي بحال ، ولا في محل ; قاله
عبد الملك في المبسوط .
الثاني عشر هي في التي لم يدخل بها واحدة ، وفي التي دخل بها ثلاث ; قاله
أبو مصعب ،
ومحمد بن عبد الحكم .
الثالث عشر أنه إن نوى الظهار ، وهو أن ينوي أنها محرمة كتحريم أمه كان ظهارا ، وإن نوى تحريم عينها عليه بغير طلاق تحريما مطلقا وجبت كفارة يمين ، وإن لم ينو شيئا فعليه كفارة يمين ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
الرابع عشر أنه إن لم ينو شيئا لم يكن شيء .
الخامس عشر أنه لا شيء عليه فيها ; قاله
مسروق بن ربيعة من أهل
المدينة .
ورأيت بعد ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=15992لسعيد بن جبير أن عليه عتق رقبة ، وإن لم يجعلها ظهارا . ولست أعلم له وجها ، ولا يتعدد في المقالات عندي .
المقام الثاني في التوجيه : أما من قال : إنها يمين فقال : سماها الله يمينا في قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=1يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } إلى قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=2قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } ; فسماها الله يمينا ، وهذا باطل ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم حلف على شرب العسل ، وهذه يمين كما قدمنا .
وأما من قال : تجب فيها كفارة وليست بيمين فبناه على أمرين : أحدهما أنه ظن أن الله أوجب الكفارة فيها ولم تكن يمينا ; وقد بينا فساد ذلك .
الثاني : أن معنى اليمين عنده التحريم ، فوقعت الكفارة على المعنى ، ونحن لا نقول به . وقد بينا فساد ذلك فيما تقدم وفي مسائل الخلاف .
وأما من قال : إنه طلقة رجعية ، فبناه على أصل من أصول الفقه ; وهو حمل اللفظ على أقل وجوهه ، والرجعية محرمة الوطء ، فيحمل عليه اللفظ ، وهذا يلزم
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا لقوله :
[ ص: 257 ] إن الرجعية محرمة الوطء . وكذلك وجه من قال : إنه ثلاث ، فحمله على أكبر معناه ; وهو الطلاق الثلاث . وقد بينا ذلك في أصول الفقه ومسائل الخلاف . وأما من قال : إنه ظهار فبناه على أصلين : أحدهما أنه أقل درجات التحريم فإنه تحريم لا يرفع النكاح .
وأما من قال : إنه طلقة بائنة فعول على أن الطلاق الرجعي لا يحرم المطلقة ، وأن الطلاق البائن يحرمها ; لأنه لو قال لها : أنت طالق لا رجعة لي عليك نفذ وسقطت الرجعة ، وحرمت ; فكذلك إذا قال لها : أنت حرام [ علي ] فإنه يكون طلاقا بائنا معنويا ، وكأنه ألزم نفسه معنى ما تقدم ذكره من إنفاذ الطلاق وإسقاط الرجعة . ونحن لا نسلم أنه ينفذ قوله : أنت طالق لا رجعة لي عليك ; فإن الرجعة حكم الله ، ولا يجوز إسقاطه إلا بما أسقطه الله من العوض المقترن به ، أو الثلاث القاضية عليه والغاية له .
وأما قول من قال وهو
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة إنها تكون عارية عن النية يمينا فقد تقدم بطلانه . وأما نفي الظهار فيه فينبني على أن الظهار حكم شرعي يختص بمعنى ، فاختص بلفظ ، وهذا إنما يلزم لمن يرى مراعاة الألفاظ ; ونحن إنما نعتبر المعاني خاصة ، إلا أن يكون اللفظ تعبدا .
وأما قول
nindex.php?page=showalam&ids=17328يحيى بن عمر فإنه احتاط بأن جعله طلاقا ; فلما ارتجعها احتاط بأن ألزمه الكفارة . وهذا لا يصح ; لأنه جمع بين المتضادين ، فإنه لا يجتمع ظهار وطلاق في معنى لفظ واحد ، فلا وجه للاحتياط فيما لا يصح اجتماعه في الدليل .
وأما من قال : إنه ينوي في التي لم يدخل بها فلأن الواحدة تبينها وتحرمها شرعا إجماعا .
وكذلك قال من لم يحكم باعتبار نيته : إن الواحدة تكفي قبل الدخول في التحريم بالإجماع ، فيكفي أخذا بالأقل المتفق عليه ; فإن الطلاق الرجعي مختلف في اقتضائه التحريم في العدة .
[ ص: 258 ]
وأما من قال : إنها ثلاث فيهما فلأنه أخذ بالحكم الأعظم فإنه لو صرح بالثلاث لنفذت في التي لم يدخل بها نفوذها في التي دخل بها . ومن الواجب أن يكون المعنى مثله وهو التحريم .
وأما القول الثالث عشر فيرجع إلى إيجاب الكفارة في التحريم ، وقد تقدم فساده .
وأما من قال : لا شيء فيها فعمدتهم أنه كذب في تحريم ما أحل الله ، واقتحم ما نهى الله عنه بقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=87لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم } وإنما يكون التحريم في الشرع مرتبا على أسبابه ; فأما إرساله من غير سبب فذلك غير جائز .
والصحيح أنها طلقة واحدة ; لأنه لو ذكر الطلاق لكان أقله وهو الواحدة ، إلا أن يعدده ، كذلك إذا ذكر التحريم يكون أقله ، إلا أن يقيده بالأكثر ; مثل أن يقول : أنت علي حرام إلا بعد زوج ، فهذا نص على المراد . وقد أحكمنا الأسئلة والأجوبة في مسائل الخلاف والتفريع .
المقام الثالث في تصويرها ، وأخرناه في الأحكام القرآنية لما يجب من تقديم معنى الآية ، واستقدمناه في مسائل الخلاف والتفريع ; ليقع الكلام على كل صورة منها . وعدد صورها عشرة : الأولى : قوله : حرام .
الثانية : قوله : علي حرام .
الثالثة : أنت حرام .
الرابعة : أنت علي حرام .
الخامسة : الحلال علي حرام .
السادسة : ما أنقلب إليه حرام .
السابعة : ما أعيش فيه حرام .
الثامنة : ما أملكه حرام علي .
التاسعة : الحلال حرام .
[ ص: 259 ]
العاشرة أن يضيف التحريم إلى جزء من أجزائها .
فأما الأولى ، والثانية ، والتاسعة فلا شيء عليه فيها ; لأنه لفظ مطلق لا ذكر للزوجة فيه ، ولو قال : ما أنقلب إليه حرام فهو ما يلزمه في قوله : الحلال علي حرام أنه يدخل فيه الزوجة ، إلا أن يحاشيها . ولا يلزمه شيء في غيرها من المحللات ، كما تقدم بيانه .
واختلف علماؤنا في وجه المحاشاة ، فقال أكثر أصحابنا : إن حاشاها بقلبه خرجت .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب : لا يحاشيها إلا بلفظه ، كما دخلت في لفظه . والصحيح جواز المحاشاة بالقلب بناء على أن العموم يختص بالنية .
وأما إضافة التحريم إلى جزء من أجزائها فشأنه شأنه فيما إذا أضاف الطلاق إلى جزء من أجزائها ، وهي مسألة خلاف كبيرة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : يطلق في جميعها . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : يلزمه الطلاق في ذكر [ الرأس ونحوه ، ولا يلزمه الطلاق في ذكر ] اليد ونحوها ; وذلك في كتب المسائل الخلافية والتفريعية .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=12096_16540_26004إذَا حَرَّمَ الزَّوْجَةَ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ قَوْلًا ، وَجَمَعْنَاهَا فِي كِتَابِ الْمَسَائِلِ ، وَأَوْضَحْنَاهَا بِمَا مَقْصُودُهُ أَنْ نَقُولَ : يَجْمَعُهَا ثَلَاثَةُ مَقَامَاتٍ : الْمَقَامُ الْأَوَّلُ : فِي جَمِيعِ الْأَقْوَالِ : الْأَوَّلُ : أَنَّهَا يَمِينٌ تُكَفَّرُ ; قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ،
وَعَائِشَةُ ،
وَالْأَوْزَاعِيُّ .
الثَّانِي قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ : تَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةٌ ، وَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ ، وَبِهِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ فِي إحْدَى رِوَايَتَيْهِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ .
الثَّالِثُ : أَنَّهَا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ ; قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ،
وَالزُّهْرِيُّ ،
وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ .
الرَّابِعُ أَنَّهَا ظِهَارٌ ; قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ .
الْخَامِسُ أَنَّهَا طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ ; قَالَهُ
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، وَرَوَاهُ
ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ . السَّادِسُ أَنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ ; قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=47وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=3وَأَبُو هُرَيْرَةَ [
nindex.php?page=showalam&ids=16867وَمَالِكٌ ] .
السَّابِعُ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ : إنْ نَوَى الطَّلَاقَ أَوْ الظِّهَارَ كَانَ مَا نَوَى ، وَإِلَّا كَانَتْ يَمِينًا وَكَانَ الرَّجُلُ مُولِيًا مِنْ امْرَأَتِهِ . الثَّامِنُ أَنَّهُ لَا تَنْفَعُهُ نِيَّةُ الظِّهَارِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ طَلَاقًا ; قَالَهُ
ابْنُ الْقَاسِمِ .
التَّاسِعُ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17328يَحْيَى بْنُ عُمَرَ : يَكُونُ طَلَاقًا ، فَإِنْ ارْتَجَعَهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ .
الْعَاشِرُ هِيَ ثَلَاثٌ قَبْلُ وَبَعْدُ ، لَكِنَّهُ يَنْوِي فِي الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي الْوَاحِدَةِ ; قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ ،
وَابْنُ الْقَاسِمِ .
[ ص: 256 ]
الْحَادِيَ عَشَرَ ثَلَاثٌ ، وَلَا يَنْوِي بِحَالٍّ ، وَلَا فِي مَحِلٍّ ; قَالَهُ
عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَبْسُوطِ .
الثَّانِيَ عَشَرَ هِيَ فِي الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَاحِدَةٌ ، وَفِي الَّتِي دَخَلَ بِهَا ثَلَاثٌ ; قَالَهُ
أَبُو مُصْعَبٍ ،
وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ .
الثَّالِثَ عَشَرَ أَنَّهُ إنْ نَوَى الظِّهَارَ ، وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ كَتَحْرِيمِ أُمِّهِ كَانَ ظِهَارًا ، وَإِنْ نَوَى تَحْرِيمَ عَيْنِهَا عَلَيْهِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ تَحْرِيمًا مُطْلَقًا وَجَبَتْ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ; قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ .
الرَّابِعَ عَشَرَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ .
الْخَامِسَ عَشَرَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا ; قَالَهُ
مَسْرُوقُ بْنُ رَبِيعَةَ مِنْ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ .
وَرَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=15992لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ عَلَيْهِ عِتْقَ رَقَبَةٍ ، وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْهَا ظِهَارًا . وَلَسْت أَعْلَمُ لَهُ وَجْهًا ، وَلَا يَتَعَدَّدُ فِي الْمَقَالَاتِ عِنْدِي .
الْمَقَامُ الثَّانِي فِي التَّوْجِيهِ : أَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهَا يَمِينٌ فَقَالَ : سَمَّاهَا اللَّهُ يَمِينًا فِي قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=1يَأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك } إلَى قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=2قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } ; فَسَمَّاهَا اللَّهُ يَمِينًا ، وَهَذَا بَاطِلٌ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَفَ عَلَى شُرْبِ الْعَسَلِ ، وَهَذِهِ يَمِينٌ كَمَا قَدَّمْنَا .
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : تَجِبُ فِيهَا كَفَّارَةٌ وَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ فَبَنَاهُ عَلَى أَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ فِيهَا وَلَمْ تَكُنْ يَمِينًا ; وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَ ذَلِكَ .
الثَّانِي : أَنَّ مَعْنَى الْيَمِين عِنْدَهُ التَّحْرِيمُ ، فَوَقَعَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمَعْنَى ، وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَ ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَفِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ .
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهُ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ ، فَبَنَاهُ عَلَى أَصْلٍ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ ; وَهُوَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى أَقَلِّ وُجُوهِهِ ، وَالرَّجْعِيَّةُ مُحَرِّمَةُ الْوَطْءِ ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ ، وَهَذَا يَلْزَمُ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكًا لِقَوْلِهِ :
[ ص: 257 ] إنَّ الرَّجْعِيَّةَ مُحَرِّمَةُ الْوَطْءِ . وَكَذَلِكَ وَجْهُ مَنْ قَالَ : إنَّهُ ثَلَاثٌ ، فَحَمَلَهُ عَلَى أَكْبَرِ مَعْنَاهُ ; وَهُوَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ . وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَمَسَائِلِ الْخِلَافِ . وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهُ ظِهَارٌ فَبَنَاهُ عَلَى أَصْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَلُّ دَرَجَاتِ التَّحْرِيمِ فَإِنَّهُ تَحْرِيمٌ لَا يَرْفَعُ النِّكَاحَ .
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ فَعَوَّلَ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُحَرِّمُ الْمُطَلَّقَةَ ، وَأَنَّ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ يُحَرِّمُهَا ; لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك نَفَذَ وَسَقَطَتْ الرَّجْعَةُ ، وَحُرِّمَتْ ; فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهَا : أَنْتِ حَرَامٌ [ عَلَيَّ ] فَإِنَّهُ يَكُونُ طَلَاقًا بَائِنًا مَعْنَوِيًّا ، وَكَأَنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ إنْفَاذِ الطَّلَاقِ وَإِسْقَاطِ الرَّجْعَةِ . وَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَنْفُذُ قَوْلُهُ : أَنْتِ طَالِقٌ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك ; فَإِنَّ الرَّجْعَةَ حُكْمُ اللَّهِ ، وَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ إلَّا بِمَا أَسْقَطَهُ اللَّهُ مِنْ الْعِوَضِ الْمُقْتَرِنِ بِهِ ، أَوْ الثَّلَاثِ الْقَاضِيَةِ عَلَيْهِ وَالْغَايَةِ لَهُ .
وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ وَهُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ إنَّهَا تَكُونُ عَارِيَّةً عَنْ النِّيَّةِ يَمِينًا فَقَدْ تَقَدَّمَ بُطْلَانُهُ . وَأَمَّا نَفْيُ الظِّهَارِ فِيهِ فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الظِّهَارَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَخْتَصُّ بِمَعْنًى ، فَاخْتَصَّ بِلَفْظٍ ، وَهَذَا إنَّمَا يَلْزَمُ لِمَنْ يَرَى مُرَاعَاةَ الْأَلْفَاظِ ; وَنَحْنُ إنَّمَا نَعْتَبِرُ الْمَعَانِيَ خَاصَّةً ، إلَّا أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ تَعَبُّدًا .
وَأَمَّا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=17328يَحْيَى بْنِ عُمَرَ فَإِنَّهُ احْتَاطَ بِأَنْ جَعَلَهُ طَلَاقًا ; فَلَمَّا ارْتَجَعَهَا احْتَاطَ بِأَنْ أَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةَ . وَهَذَا لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمُتَضَادَّيْنِ ، فَإِنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ ظِهَارٌ وَطَلَاقٌ فِي مَعْنَى لَفْظٍ وَاحِدٍ ، فَلَا وَجْهَ لِلِاحْتِيَاطِ فِيمَا لَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهُ فِي الدَّلِيلِ .
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهُ يَنْوِي فِي الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلِأَنَّ الْوَاحِدَةَ تُبِينُهَا وَتُحَرِّمُهَا شَرْعًا إجْمَاعًا .
وَكَذَلِكَ قَالَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِاعْتِبَارِ نِيَّتِهِ : إنَّ الْوَاحِدَةَ تَكْفِي قَبْلَ الدُّخُولِ فِي التَّحْرِيمِ بِالْإِجْمَاعِ ، فَيَكْفِي أَخْذًا بِالْأَقَلِّ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ; فَإِنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ مُخْتَلَفٌ فِي اقْتِضَائِهِ التَّحْرِيمَ فِي الْعِدَّةِ .
[ ص: 258 ]
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهَا ثَلَاثٌ فِيهِمَا فَلِأَنَّهُ أَخَذَ بِالْحُكْمِ الْأَعْظَمِ فَإِنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالثَّلَاثِ لَنَفَذَتْ فِي الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا نُفُوذَهَا فِي الَّتِي دَخَلَ بِهَا . وَمِنْ الْوَاجِبِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى مِثْلَهُ وَهُوَ التَّحْرِيمُ .
وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّالِثَ عَشَرَ فَيَرْجِعُ إلَى إيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي التَّحْرِيمِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فَسَادُهُ .
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : لَا شَيْءَ فِيهَا فَعُمْدَتُهُمْ أَنَّهُ كَذِبٌ فِي تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ ، وَاقْتَحَمَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=87لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ } وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّحْرِيمُ فِي الشَّرْعِ مُرَتَّبًا عَلَى أَسْبَابِهِ ; فَأَمَّا إرْسَالُهُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ ; لِأَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ الطَّلَاقَ لَكَانَ أَقَلَّهُ وَهُوَ الْوَاحِدَةُ ، إلَّا أَنْ يُعَدِّدَهُ ، كَذَلِكَ إذَا ذَكَرَ التَّحْرِيمَ يَكُونُ أَقَلَّهُ ، إلَّا أَنْ يُقَيِّدَهُ بِالْأَكْثَرِ ; مِثْلَ أَنْ يَقُولَ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ ، فَهَذَا نَصٌّ عَلَى الْمُرَادِ . وَقَدْ أَحْكَمْنَا الْأَسْئِلَةَ وَالْأَجْوِبَةَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ وَالتَّفْرِيعِ .
الْمَقَامُ الثَّالِثُ فِي تَصْوِيرِهَا ، وَأَخَّرْنَاهُ فِي الْأَحْكَامِ الْقُرْآنِيَّةِ لِمَا يَجِبُ مِنْ تَقْدِيمِ مَعْنَى الْآيَةِ ، وَاسْتَقْدَمْنَاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ وَالتَّفْرِيعِ ; لِيَقَعَ الْكَلَامُ عَلَى كُلِّ صُورَةٍ مِنْهَا . وَعَدَدُ صُوَرِهَا عَشْرَةٌ : الْأُولَى : قَوْلُهُ : حَرَامٌ .
الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : عَلَيَّ حَرَامٌ .
الثَّالِثَةُ : أَنْتِ حَرَامٌ .
الرَّابِعَةُ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ .
الْخَامِسَةُ : الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ .
السَّادِسَةُ : مَا أَنْقَلِبُ إلَيْهِ حَرَامٌ .
السَّابِعَةُ : مَا أَعِيشُ فِيهِ حَرَامٌ .
الثَّامِنَةُ : مَا أَمْلِكُهُ حَرَامٌ عَلَيَّ .
التَّاسِعَةُ : الْحَلَالُ حَرَامٌ .
[ ص: 259 ]
الْعَاشِرَةُ أَنْ يُضِيفَ التَّحْرِيمَ إلَى جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا .
فَأَمَّا الْأُولَى ، وَالثَّانِيَةُ ، وَالتَّاسِعَةُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا ; لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُطْلَقٌ لَا ذِكْرَ لِلزَّوْجَةِ فِيهِ ، وَلَوْ قَالَ : مَا أَنْقَلِبُ إلَيْهِ حَرَامٌ فَهُوَ مَا يَلْزَمُهُ فِي قَوْلِهِ : الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجَةُ ، إلَّا أَنْ يُحَاشِيَهَا . وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ .
وَاخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي وَجْهِ الْمُحَاشَاةِ ، فَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا : إنْ حَاشَاهَا بِقَلْبِهِ خَرَجَتْ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12321أَشْهَبُ : لَا يُحَاشِيهَا إلَّا بِلَفْظِهِ ، كَمَا دَخَلَتْ فِي لَفْظِهِ . وَالصَّحِيحُ جَوَازُ الْمُحَاشَاةِ بِالْقَلْبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ يَخْتَصُّ بِالنِّيَّةِ .
وَأَمَّا إضَافَةُ التَّحْرِيمِ إلَى جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا فَشَأْنُهُ شَأْنُهُ فِيمَا إذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ كَبِيرَةٌ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ : يُطَلِّقُ فِي جَمِيعِهَا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ : يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ فِي ذِكْرِ [ الرَّأْسِ وَنَحْوِهِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ فِي ذِكْرِ ] الْيَدِ وَنَحْوِهَا ; وَذَلِكَ فِي كُتُبِ الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ وَالتَّفْرِيعِيَّةِ .