المسألة السادسة : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237أو يعفو nindex.php?page=treesubj&link=26791الذي بيده عقدة النكاح } وهي معضلة اختلف العلماء فيها : فقيل : هو الزوج ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=16097وشريح nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=67وجبير بن مطعم nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في أصح قوليه .
[ ص: 294 ] ومنهم من قال : إنه الولي ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
والحسن ،
وعكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ،
nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=11863وأبو الزناد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15944وزيد بن أسلم ،
nindex.php?page=showalam&ids=15885وربيعة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16588وعلقمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300وابن شهاب ،
nindex.php?page=showalam&ids=13705وأسود بن يزيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16097وشريح الكندي ،
والشعبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة .
واحتج من قال : إنه الزوج بوجوه كثيرة ، لبابها ثلاثة : الأول : أن الله تعالى ذكر الصداق في هذه الآية ذكرا مجملا من الزوجين ، فحمل على المفسر في غيرها ، وقد قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } فأذن الله تعالى للزوج في قبول الصداق إذا طابت نفس المرأة بتركه .
وقال أيضا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=20وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا }
فنهى الله تعالى الزوج أن يأخذ مما أتى المرأة إن أراد طلاقها .
الثاني : قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237إلا أن يعفون } يعني النساء ، أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح : يعني الزوج ، معناه يبذل جميع الصداق ، يقال : عفا بمعنى بذل ، كما يقال : عفا بمعنى أسقط .
ومعنى ذلك وحكمته : أن المرأة إذا أسقطت ما وجب لها من نصف الصداق تقول هي : لم ينل مني شيئا ولا أدرك ما بذل فيه هذا المال بإسقاطه ، وقد وجب إبقاء للمروءة واتقاء في الديانة . ويقول الزوج : أنا أترك المال لها لأني قد نلت الحل وابتذلتها بالطلاق فتركه أقرب للتقوى ، وأخلص من اللائمة .
الثالث : أنه تعالى قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237ولا تنسوا الفضل بينكم } وليس لأحد في هبة مال لآخر فضل ; وإنما ذلك فيما يهبه المفضل من مال نفسه ، وليس للولي حق في الصداق .
واحتج من قال : إنه الولي بوجوه كثيرة ; نخبتها أربعة : الأول : قالوا الذي بيده عقدة النكاح الولي ; لأن الزوج قد طلق ; فليس بيده
[ ص: 295 ] عقدة ، ومنه قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=235ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } وهذا يستمر مع
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي دون
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة الذي لا يرى عقدة النكاح للولي .
الثاني : أنه لو أراد الأزواج لقال : إلا أن تعفوا أو تعفون ، فلما عدل من مخاطبة الحاضر المبدوء به في أول الكلام إلى لفظ الغائب دل على أن المراد به غيره .
الثالث : أنه تعالى قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237إلا أن يعفون } يعني يسقطن .
وقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } لا يتصور الإسقاط فيه إلا من الولي ; فيكون معنى اللفظ الثاني هو معنى اللفظ الأول بعينه ، وذلك أنظم للكلام .
الرابع : أنه تعالى قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237إلا أن يعفون } يعني يسقطن ، أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح يعني يسقط ; فيرجع القول إلى النصف الواجب بالطلاق الذي تسقطه المرأة ، فأما النصف الذي لم يجب فلم يجر له ذكر .
المسألة السابعة : في المختار : والذي تحقق عندي بعد البحث والسبر أن الأظهر هو الولي لثلاثة أوجه : أحدها : أن الله تعالى قال في أول الآية : {
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=49ثم طلقتموهن } إلى قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } فذكر الأزواج وخاطبهم بهذا الخطاب ، ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237إلا أن يعفون } فذكر النسوان {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } فهذا ثالث ; فلا يرد إلى الزوج المتقدم إلا لو لم يكن لغيره وجود ، وقد وجد وهو الولي ، فلا يجوز بعد هذا إسقاط التقدير بجعل الثلاث اثنين من غير ضرورة .
الثاني : أن الله تعالى قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } ولا إشكال في أن الزوج بيده عقدة النكاح لنفسه ، والولي بيده عقدة النكاح لوليته ، على القول بأن الذي يباشر العقد الولي ; فهذه المسألة هي أصول العفو مع
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، وقد بيناها قبل ، وشرحناها في مسائل الخلاف .
فقد ثبت بهذا أن الولي بيده عقدة النكاح ، فهو المراد ; لأن الزوجين يتراضيان فلا
[ ص: 296 ] ينعقد لهما أمر إلا بالولي ، بخلاف سائر العقود ، فإن المتعاقدين يستقلان بعقدهما .
الثالث : إن ما قلنا أنظم في الكلام ، وأقرب إلى المرام ; لأن الله تعالى قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237إلا أن يعفون } ومعلوم أنه ليس كل امرأة تعفو ، فإن الصغيرة أو المحجورة لا عفو لها ، فبين الله تعالى القسمين ، وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237إلا أن يعفون } إن كن لذلك أهلا ، أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ; لأن الأمر فيه إليه .
وكذلك روى
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب ،
وابن عبد الحكم ،
وابن القاسم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أنه الأب في ابنته البكر ، والسيد في أمته ; لأن هذين هما اللذان يتصرفان في المال وينفذ لهما القول .
فإن قيل : إنما يتصرف الولي في المال بما يكون حظا لابنته ، فأما الإسقاط فليس بحظ ولا نظر .
قلنا : إذا رآه كان ; فإنا أجمعنا على أنه لو عقد نكاحها بأقل من مهرها نفذ ; وهذا إسقاط محض ، لكنه لما كان نظرا مضى .
فإن قيل : فهو عام في كل ولي ، فلم خصصتموه بهذين ؟ قلنا : كما هو عام في كل زوجة وخص في الصغيرة والمحجورة .
وأما متعلق من قال : إنه الزوج فضعيف ، أما قولهم : إن الله سبحانه ذكر الأزواج في الآيتين اللتين استشهدوا بهما فقد ذكر الولي في هذه الآية ، فجاءت الأحكام كلها مبينة والفوائد الثلاثة معتبرة ، وعلى قولهم يسقط بعض البيان .
وأما قولهم الثاني فلا حجة فيه ; لأن مجيء العفو بمعنى واحد من الجهتين أبلغ في الفصاحة وأوفى في المعنى من مجيئه بمعنيين ; لأن فيه إسقاط أحد العافيين ، وهو الولي المستفاد إذا كان العفو بمعنى الإسقاط .
وأما ندب الزوج إلى إعطاء الصداق كله في الآيتين اللتين ذكروا فذلك معلوم من دليل آخر .
وأما الثالث فلا حجة لهم فيه ; لأن الله تعالى أراد أن يميز الولي عن الزوج والزوجة بمعنى يخصه ، فكنى عنه بقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237الذي بيده عقدة النكاح } بكناية مستحسنة ، فكان ذلك أبلغ في الفصاحة ، وأتم في المعنى ، وأجمع للفوائد .
[ ص: 297 ] وأما الرابع وهو قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237ولا تنسوا الفضل بينكم } وتعلقهم بأن الإفضال لا يكون بمال أحد ، وإنما الإفضال يكون بأحد وجهين : أحدهما يكون ببذل ما تملكه يده .
والثاني بإسقاط ما يملك إسقاطه ، كما يتفضل عليه بأن يزوجه بأقل من مهر المثل .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237أَوْ يَعْفُوَ nindex.php?page=treesubj&link=26791الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } وَهِيَ مُعْضِلَةٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا : فَقِيلَ : هُوَ الزَّوْجُ ; قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ nindex.php?page=showalam&ids=16097وَشُرَيْحٌ nindex.php?page=showalam&ids=15990وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ nindex.php?page=showalam&ids=67وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ nindex.php?page=showalam&ids=16879وَمُجَاهِدٌ nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيُّ ، وَاخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ .
[ ص: 294 ] وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إنَّهُ الْوَلِيُّ ; قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ،
وَالْحَسَنُ ،
وَعِكْرِمَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وَطَاوُسٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16568وَعَطَاءٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11863وَأَبُو الزِّنَادِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15944وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15885وَرَبِيعَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16588وَعَلْقَمَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14980وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300وَابْنُ شِهَابٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13705وَأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16097وَشُرَيْحٌ الْكِنْدِيُّ ،
وَالشَّعْبِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16815وَقَتَادَةُ .
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ : إنَّهُ الزَّوْجُ بِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ ، لُبَابُهَا ثَلَاثَةٌ : الْأَوَّلُ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الصَّدَاقَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ذِكْرًا مُجْمَلًا مِنْ الزَّوْجَيْنِ ، فَحُمِلَ عَلَى الْمُفَسَّرِ فِي غَيْرِهَا ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } فَأَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لِلزَّوْجِ فِي قَبُولِ الصَّدَاقِ إذَا طَابَتْ نَفْسُ الْمَرْأَةِ بِتَرْكِهِ .
وَقَالَ أَيْضًا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=20وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا }
فَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى الزَّوْجَ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا أَتَى الْمَرْأَةَ إنْ أَرَادَ طَلَاقَهَا .
الثَّانِي : قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237إلَّا أَنْ يَعْفُونَ } يَعْنِي النِّسَاءَ ، أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ : يَعْنِي الزَّوْجَ ، مَعْنَاهُ يَبْذُلُ جَمِيعَ الصَّدَاقِ ، يُقَالُ : عَفَا بِمَعْنَى بَذَلَ ، كَمَا يُقَالُ : عَفَا بِمَعْنَى أَسْقَطَ .
وَمَعْنَى ذَلِكَ وَحِكْمَتُهُ : أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَسْقَطَتْ مَا وَجَبَ لَهَا مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ تَقُولُ هِيَ : لَمْ يَنَلْ مِنِّي شَيْئًا وَلَا أَدْرَكَ مَا بَذَلَ فِيهِ هَذَا الْمَالَ بِإِسْقَاطِهِ ، وَقَدْ وَجَبَ إبْقَاءً لِلْمُرُوءَةِ وَاتِّقَاءً فِي الدِّيَانَةِ . وَيَقُولُ الزَّوْجُ : أَنَا أَتْرُكُ الْمَالَ لَهَا لِأَنِّي قَدْ نِلْتُ الْحِلَّ وَابْتَذَلْتُهَا بِالطَّلَاقِ فَتَرْكُهُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ، وَأَخْلَصُ مِنْ اللَّائِمَةِ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237وَلَا تَنْسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ } وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِي هِبَةِ مَالٍ لِآخَرَ فَضْلٌ ; وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِيمَا يَهَبُهُ الْمُفْضِلُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ حَقٌّ فِي الصَّدَاقِ .
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ : إنَّهُ الْوَلِيُّ بِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ ; نُخْبَتُهَا أَرْبَعَةٌ : الْأَوَّلُ : قَالُوا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الْوَلِيُّ ; لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ طَلَّقَ ; فَلَيْسَ بِيَدِهِ
[ ص: 295 ] عُقْدَةٌ ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=235وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ } وَهَذَا يَسْتَمِرُّ مَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ دُونَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي لَا يَرَى عُقْدَةَ النِّكَاحِ لِلْوَلِيِّ .
الثَّانِي : أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْأَزْوَاجَ لَقَالَ : إلَّا أَنْ تَعْفُوا أَوْ تَعْفُونَ ، فَلَمَّا عَدَلَ مِنْ مُخَاطَبَةِ الْحَاضِرِ الْمَبْدُوءِ بِهِ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ إلَى لَفْظِ الْغَائِبِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُهُ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237إلَّا أَنْ يَعْفُونَ } يَعْنِي يُسْقِطْنَ .
وقَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } لَا يُتَصَوَّرُ الْإِسْقَاطُ فِيهِ إلَّا مِنْ الْوَلِيِّ ; فَيَكُونُ مَعْنَى اللَّفْظِ الثَّانِي هُوَ مَعْنَى اللَّفْظِ الْأَوَّلِ بِعَيْنِهِ ، وَذَلِكَ أَنْظَمُ لِلْكَلَامِ .
الرَّابِعُ : أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237إلَّا أَنْ يَعْفُونَ } يَعْنِي يُسْقِطْنَ ، أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ يَعْنِي يُسْقِطُ ; فَيَرْجِعُ الْقَوْلُ إلَى النِّصْفِ الْوَاجِبِ بِالطَّلَاقِ الَّذِي تُسْقِطُهُ الْمَرْأَةُ ، فَأَمَّا النِّصْفُ الَّذِي لَمْ يَجِبْ فَلَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ .
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ : فِي الْمُخْتَارِ : وَاَلَّذِي تَحَقَّقَ عِنْدِي بَعْدَ الْبَحْثِ وَالسَّبْرِ أَنَّ الْأَظْهَرَ هُوَ الْوَلِيُّ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=49ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ } إلَى قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } فَذَكَرَ الْأَزْوَاجَ وَخَاطَبَهُمْ بِهَذَا الْخِطَابِ ، ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237إلَّا أَنْ يَعْفُونَ } فَذَكَرَ النِّسْوَانَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } فَهَذَا ثَالِثٌ ; فَلَا يُرَدُّ إلَى الزَّوْجِ الْمُتَقَدِّمِ إلَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ وُجُودٌ ، وَقَدْ وُجِدَ وَهُوَ الْوَلِيُّ ، فَلَا يَجُوزُ بَعْدَ هَذَا إسْقَاطُ التَّقْدِيرِ بِجَعْلِ الثَّلَاثِ اثْنَيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ .
الثَّانِي : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } وَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّ الزَّوْجَ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ لِنَفْسِهِ ، وَالْوَلِيُّ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ لِوَلِيَّتِهِ ، عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الَّذِي يُبَاشِرُ الْعَقْدَ الْوَلِيُّ ; فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ أُصُولُ الْعَفْوِ مَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهَا قَبْلُ ، وَشَرَحْنَاهَا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ .
فَقَدْ ثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْوَلِيَّ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ، فَهُوَ الْمُرَادُ ; لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ يَتَرَاضَيَانِ فَلَا
[ ص: 296 ] يَنْعَقِدُ لَهُمَا أَمْرٌ إلَّا بِالْوَلِيِّ ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْعُقُودِ ، فَإِنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَسْتَقِلَّانِ بِعَقْدِهِمَا .
الثَّالِثُ : إنَّ مَا قُلْنَا أَنْظَمُ فِي الْكَلَامِ ، وَأَقْرَبُ إلَى الْمَرَامِ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237إلَّا أَنْ يَعْفُونَ } وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ امْرَأَةٍ تَعْفُو ، فَإِنَّ الصَّغِيرَةَ أَوْ الْمَحْجُورَةَ لَا عَفْوَ لَهَا ، فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى الْقِسْمَيْنِ ، وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237إلَّا أَنْ يَعْفُونَ } إنْ كُنَّ لِذَلِكَ أَهْلًا ، أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ; لِأَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ إلَيْهِ .
وَكَذَلِكَ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابْنُ وَهْبٍ ،
وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ ،
وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ أَنَّهُ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ ، وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ ; لِأَنَّ هَذَيْنِ هُمَا اللَّذَانِ يَتَصَرَّفَانِ فِي الْمَالِ وَيَنْفُذُ لَهُمَا الْقَوْلُ .
فَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا يَتَصَرَّفُ الْوَلِيُّ فِي الْمَالِ بِمَا يَكُونُ حَظًّا لِابْنَتِهِ ، فَأَمَّا الْإِسْقَاطُ فَلَيْسَ بِحَظٍّ وَلَا نَظَرٍ .
قُلْنَا : إذَا رَآهُ كَانَ ; فَإِنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ نِكَاحَهَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِهَا نَفَذَ ; وَهَذَا إسْقَاطٌ مَحْضٌ ، لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ نَظَرًا مَضَى .
فَإِنْ قِيلَ : فَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ وَلِيٍّ ، فَلِمَ خَصَصْتُمُوهُ بِهَذَيْنِ ؟ قُلْنَا : كَمَا هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ زَوْجَةٍ وَخُصَّ فِي الصَّغِيرَةِ وَالْمَحْجُورَةِ .
وَأَمَّا مُتَعَلِّقُ مَنْ قَالَ : إنَّهُ الزَّوْجُ فَضَعِيفٌ ، أَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ الْأَزْوَاجَ فِي الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ اسْتَشْهَدُوا بِهِمَا فَقَدْ ذَكَرَ الْوَلِيَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، فَجَاءَتْ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا مُبَيَّنَةً وَالْفَوَائِدُ الثَّلَاثَةُ مُعْتَبَرَةٌ ، وَعَلَى قَوْلِهِمْ يَسْقُطُ بَعْضُ الْبَيَانِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ الثَّانِي فَلَا حُجَّةَ فِيهِ ; لِأَنَّ مَجِيءَ الْعَفْوِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ مِنْ الْجِهَتَيْنِ أَبْلَغُ فِي الْفَصَاحَةِ وَأَوْفَى فِي الْمَعْنَى مِنْ مَجِيئِهِ بِمَعْنَيَيْنِ ; لِأَنَّ فِيهِ إسْقَاطَ أَحَدِ الْعَافِيَيْنِ ، وَهُوَ الْوَلِيُّ الْمُسْتَفَادُ إذَا كَانَ الْعَفْوُ بِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ .
وَأَمَّا نَدْبُ الزَّوْجِ إلَى إعْطَاءِ الصَّدَاقِ كُلِّهِ فِي الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرُوا فَذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ .
وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُمَيِّزَ الْوَلِيَّ عَنْ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ بِمَعْنًى يَخُصُّهُ ، فَكَنَّى عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } بِكِنَايَةٍ مُسْتَحْسَنَةٍ ، فَكَانَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي الْفَصَاحَةِ ، وَأَتَمَّ فِي الْمَعْنَى ، وَأَجْمَعَ لِلْفَوَائِدِ .
[ ص: 297 ] وَأَمَّا الرَّابِعُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237وَلَا تَنْسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ } وَتَعَلُّقُهُمْ بِأَنَّ الْإِفْضَالَ لَا يَكُونُ بِمَالِ أَحَدٍ ، وَإِنَّمَا الْإِفْضَالُ يَكُونُ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا يَكُونُ بِبَذْلِ مَا تَمْلِكُهُ يَدُهُ .
وَالثَّانِي بِإِسْقَاطِ مَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ ، كَمَا يَتَفَضَّلُ عَلَيْهِ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ .