قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون فيه أربع مسائل :
الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=28980قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6وإن أحد من المشركين أي من الذين أمرتك بقتالهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6استجارك أي سأل جوارك ، أي أمانك وذمامك ، فأعطه إياه ليسمع القرآن ، أي يفهم أحكامه وأوامره ونواهيه . فإن قبل أمرا فحسن ، وإن أبى فرده إلى مأمنه . وهذا ما لا خلاف فيه . والله أعلم .
قال
مالك : إذا وجد الحربي في طريق بلاد المسلمين فقال : جئت أطلب الأمان . قال
مالك : هذه أمور مشتبهة ، وأرى أن يرد إلى مأمنه . وقال
ابن قاسم : وكذلك الذي يوجد وقد نزل تاجرا بساحلنا فيقول : ظننت ألا تعرضوا لمن جاء تاجرا حتى يبيع . وظاهر الآية إنما هي في من يريد سماع القرآن والنظر في الإسلام ، فأما الإجارة لغير ذلك فإنما هي لمصلحة المسلمين والنظر فيما تعود عليهم به منفعته .
الثانية : ولا خلاف بين كافة العلماء أن
nindex.php?page=treesubj&link=9053أمان السلطان جائز ؛ لأنه مقدم للنظر والمصلحة ، نائب عن الجميع في جلب المنافع ودفع المضار . واختلفوا في
nindex.php?page=treesubj&link=9063أمان غير [ ص: 16 ] الخليفة ،
nindex.php?page=treesubj&link=9078فالحر يمضي أمانه عند كافة العلماء . إلا أن
ابن حبيب قال : ينظر الإمام فيه . وأما العبد فله الأمان في مشهور المذهب ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأصحابه
وأحمد وإسحاق والأوزاعي والثوري وأبو ثور وداود ومحمد بن الحسن . وقال
أبو حنيفة : لا أمان له ، وهو القول الثاني لعلمائنا . والأول أصح ، لقوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836311المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم . قالوا : فلما قال أدناهم جاز أمان العبد ، وكانت المرأة الحرة أحرى بذلك ، ولا اعتبار بعلة " لا يسهم " له . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12873عبد الملك بن الماجشون : لا يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=9082أمان المرأة إلا أن يجيزه الإمام ، فشذ بقوله عن الجمهور . وأما
nindex.php?page=treesubj&link=9077الصبي فإذا أطاق القتال جاز أمانه ؛ لأنه من جملة المقاتلة ، ودخل في الفئة الحامية . وقد ذهب
الضحاك والسدي إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فاقتلوا المشركين . وقال
الحسن : هي محكمة ، سنة إلى يوم القيامة ، وقاله
مجاهد . وقيل : هذه الآية إنما كان حكمها باقيا مدة الأربعة الأشهر التي ضربت لهم أجلا ، وليس بشيء . وقال
سعيد بن جبير : جاء رجل من المشركين إلى
علي بن أبي طالب فقال : إن أراد الرجل منا أن يأتي
محمدا بعد انقضاء الأربعة الأشهر فيسمع كلام الله أو يأتيه بحاجة قتل ؟ فقال
علي بن أبي طالب : لا ؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله . وهذا هو الصحيح . والآية محكمة .
الثالثة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6وإن أحد أحد مرفوع بإضمار فعل كالذي بعده . وهذا حسن في " إن " وقبيح في أخواتها . ومذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه في الفرق بين " إن " وأخواتها ، أنها لما كانت أم حروف الشرط خصت بهذا ، ولأنها لا تكون في غيره . وقال
محمد بن يزيد : أما قوله - لأنها لا تكون في غيره - فغلط ؛ لأنها تكون بمعنى - ما - ومخففة من الثقيلة ولكنها مبهمة ، وليس كذا غيرها . وأنشد
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه :
لا تجزعي إن منفسا أهلكته وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي
الرابعة : قال العلماء : في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6حتى يسمع كلام الله دليل على أن كلام الله عز وجل مسموع عند قراءة القارئ ، قاله الشيخ
أبو الحسن والقاضي أبو بكر وأبو العباس القلانسي nindex.php?page=showalam&ids=13493وابن مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=11812وأبو إسحاق الإسفراييني وغيرهم ، لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6حتى يسمع كلام الله فنص على أن كلامه مسموع عند قراءة القارئ لكلامه . ويدل عليه إجماع المسلمين على أن القارئ إذا قرأ فاتحة الكتاب أو سورة قالوا : سمعنا كلام الله . وفرقوا بين أن يقرأ كلام
[ ص: 17 ] الله تعالى وبين أن يقرأ شعر
امرئ القيس . وقد مضى في سورة ( البقرة ) معنى كلام الله تعالى ، وأنه ليس بحرف ولا صوت ، والحمد لله .
قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ :
الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=28980قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَيْ مِنَ الَّذِينَ أَمَرْتُكَ بِقِتَالِهِمْ .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6اسْتَجَارَكَ أَيْ سَأَلَ جِوَارَكَ ، أَيْ أَمَانَكَ وَذِمَامَكَ ، فَأَعْطِهِ إِيَّاهُ لِيَسْمَعَ الْقُرْآنَ ، أَيْ يَفْهَمَ أَحْكَامَهُ وَأَوَامِرَهُ وَنَوَاهِيَهِ . فَإِنْ قَبِلَ أَمْرًا فَحَسَنٌ ، وَإِنْ أَبَى فَرُدَّهُ إِلَى مَأْمَنِهِ . وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ
مَالِكٌ : إِذَا وُجِدَ الْحَرْبِيُّ فِي طَرِيقِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ : جِئْتُ أَطْلُبُ الْأَمَانَ . قَالَ
مَالِكٌ : هَذِهِ أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ ، وَأَرَى أَنْ يُرَدَّ إِلَى مَأْمَنِهِ . وَقَالَ
ابْنُ قَاسِمٍ : وَكَذَلِكَ الَّذِي يُوجَدُ وَقَدْ نَزَلَ تَاجِرًا بِسَاحِلِنَا فَيَقُولُ : ظَنَنْتُ أَلَّا تَعْرِضُوا لِمَنْ جَاءَ تَاجِرًا حَتَّى يَبِيعَ . وَظَاهِرُ الْآيَةِ إِنَّمَا هِيَ فِي مَنْ يُرِيدُ سَمَاعَ الْقُرْآنِ وَالنَّظَرَ فِي الْإِسْلَامِ ، فَأَمَّا الْإِجَارَةُ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هِيَ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّظَرِ فِيمَا تَعُودُ عَلَيْهِمْ بِهِ مَنْفَعَتُهُ .
الثَّانِيَةُ : وَلَا خِلَافَ بَيْنَ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=9053أَمَانَ السُّلْطَانِ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ لِلنَّظَرِ وَالْمَصْلَحَةِ ، نَائِبٌ عَنِ الْجَمِيعِ فِي جَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ . وَاخْتَلَفُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=9063أَمَانِ غَيْرِ [ ص: 16 ] الْخَلِيفَةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=9078فَالْحُرُّ يَمْضِي أَمَانُهُ عِنْدَ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ . إِلَّا أَنَّ
ابْنَ حَبِيبٍ قَالَ : يَنْظُرُ الْإِمَامُ فِيهِ . وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلَهُ الْأَمَانُ فِي مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ ، وَبِهِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ
وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ . وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : لَا أَمَانَ لَهُ ، وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِعُلَمَائِنَا . وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836311الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ . قَالُوا : فَلَمَّا قَالَ أَدْنَاهُمْ جَازَ أَمَانُ الْعَبْدِ ، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ أَحْرَى بِذَلِكَ ، وَلَا اعْتِبَارَ بِعِلَّةِ " لَا يُسْهَمُ " لَهُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12873عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونَ : لَا يَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=9082أَمَانُ الْمَرْأَةِ إِلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْإِمَامُ ، فَشَذَّ بِقَوْلِهِ عَنِ الْجُمْهُورِ . وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=9077الصَّبِيُّ فَإِذَا أَطَاقَ الْقِتَالَ جَازَ أَمَانُهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُقَاتِلَةِ ، وَدَخَلَ فِي الْفِئَةِ الْحَامِيَةِ . وَقَدْ ذَهَبَ
الضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ . وَقَالَ
الْحَسَنُ : هِيَ مُحْكَمَةٌ ، سُنَّةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَقَالَهُ
مُجَاهِدٌ . وَقِيلَ : هَذِهِ الْآيَةُ إِنَّمَا كَانَ حُكْمُهَا بَاقِيًا مُدَّةَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ الَّتِي ضُرِبَتْ لَهُمْ أَجَلًا ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ . وَقَالَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ : إِنْ أَرَادَ الرَّجُلُ مِنَّا أَنْ يَأْتِيَ
مُحَمَّدًا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَيَسْمَعُ كَلَامَ اللَّهِ أَوْ يَأْتِيهِ بِحَاجَةٍ قُتِلَ ؟ فَقَالَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : لَا ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ . وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ . وَالْآيَةُ مُحْكَمَةٌ .
الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6وَإِنْ أَحَدٌ أَحَدٌ مَرْفُوعٌ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ كَالَّذِي بَعْدَهُ . وَهَذَا حَسَنٌ فِي " إِنْ " وَقَبِيحٌ فِي أَخَوَاتِهَا . وَمَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ " إِنْ " وَأَخَوَاتِهَا ، أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ أُمَّ حُرُوفِ الشَّرْطِ خُصَّتْ بِهَذَا ، وَلِأَنَّهَا لَا تَكُونُ فِي غَيْرِهِ . وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ : أَمَّا قَوْلُهُ - لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ فِي غَيْرِهِ - فَغَلَطٌ ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِمَعْنَى - مَا - وَمُخَفَّفَةً مِنَ الثَّقِيلَةِ وَلَكِنَّهَا مُبْهَمَةٌ ، وَلَيْسَ كَذَا غَيْرُهَا . وَأَنْشَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ :
لَا تَجْزَعِي إِنْ مُنْفِسًا أَهْلَكْتُهُ وَإِذَا هَلَكْتُ فَعِنْدَ ذَلِكَ فَاجْزَعِي
الرَّابِعَةُ : قَالَ الْعُلَمَاءُ : فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَسْمُوعٌ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقَارِئِ ، قَالَهُ الشَّيْخُ
أَبُو الْحَسَنِ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْقَلَانِسِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=13493وَابْنُ مُجَاهِدٍ nindex.php?page=showalam&ids=11812وَأَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفِرَايِينِيُّ وَغَيْرُهُمْ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ فَنَصَّ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ مَسْمُوعٌ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقَارِئِ لِكَلَامِهِ . وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْقَارِئَ إِذَا قَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ أَوْ سُورَةً قَالُوا : سَمِعْنَا كَلَامَ اللَّهِ . وَفَرَّقُوا بَيْنَ أَنْ يَقْرَأَ كَلَامَ
[ ص: 17 ] اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ أَنْ يَقْرَأَ شِعْرَ
امْرِئِ الْقَيْسِ . وَقَدْ مَضَى فِي سُورَةِ ( الْبَقَرَةِ ) مَعْنَى كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلَا صَوْتٍ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ .