(
nindex.php?page=treesubj&link=28990_31979nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ( 16 )
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=17فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا ( 17 )
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=18قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ( 18 )
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=19قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ( 19 )
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ( 20 )
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا ( 21 ) ) .
لما ذكر تعالى قصة
زكريا ، عليه السلام ، وأنه أوجد منه ، في حال كبره وعقم زوجته - ولدا زكيا طاهرا مباركا - عطف بذكر قصة
مريم في إيجاده ولدها
عيسى ، عليهما السلام ، منها من غير أب ، فإن بين القصتين مناسبة ومشابهة ; ولهذا ذكرهما في آل عمران وهاهنا وفي سورة الأنبياء ، يقرن بين القصتين لتقارب ما بينهما في المعنى ، ليدل عباده على قدرته وعظمة سلطانه ، وأنه على ما يشاء
[ ص: 219 ] قادر ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16واذكر في الكتاب مريم ) وهي
مريم بنت عمران ، من سلالة
داود ، عليه السلام ، وكانت من بيت طاهر طيب في
بني إسرائيل . وقد ذكر الله تعالى قصة ولادة أمها لها في " آل عمران " ، وأنها نذرتها محررة ، أي : تخدم مسجد
بيت المقدس ، وكانوا يتقربون بذلك ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=37فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا ) [ آل عمران : 37 ] ونشأت في
بني إسرائيل نشأة عظيمة ، فكانت إحدى العابدات الناسكات المشهورات بالعبادة العظيمة والتبتل والدءوب ، وكانت في كفالة زوج أختها - وقيل : خالتها -
زكريا نبي بني إسرائيل إذ ذاك وعظيمهم ، الذي يرجعون إليه في دينهم . ورأى لها
زكريا من الكرامات الهائلة ما بهره (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=37كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) [ آل عمران : 37 ] فذكر أنه كان يجد عندها ثمر الشتاء في الصيف وثمر الصيف في الشتاء ، كما تقدم بيانه في " آل عمران " . فلما أراد الله تعالى - وله الحكمة والحجة البالغة - أن يوجد منها عبده ورسوله
عيسى عليه السلام ، أحد الرسل أولي العزم الخمسة العظام ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ) أي : اعتزلتهم وتنحت عنهم ، وذهبت إلى شرق المسجد المقدس .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : لحيض أصابها . وقيل لغير ذلك . قال
أبو كدينة ، عن
قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه عن
ابن عباس قال : إن أهل الكتاب كتب عليهم الصلاة إلى البيت والحج إليه ، وما صرفهم عنه إلا قيل ربك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ) قال : خرجت مريم مكانا شرقيا ، فصلوا قبل مطلع الشمس . رواه
ابن أبي حاتم ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير .
وقال
ابن جرير أيضا : حدثنا
إسحاق بن شاهين ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15800خالد بن عبد الله ، عن
داود ، عن
عامر ، عن
ابن عباس قال : إني لأعلم خلق الله ؛ لأي شيء اتخذت النصارى المشرق قبلة ; لقول الله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ) واتخذوا ميلاد
عيسى قبلة
وقال
قتادة : ( مكانا شرقيا ) شاسعا متنحيا .
وقال
محمد بن إسحاق : ذهبت بقلتها تستقي من الماء .
وقال
نوف البكالي : اتخذت لها منزلا تتعبد فيه . فالله أعلم .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=17فاتخذت من دونهم حجابا ) أي : استترت منهم وتوارت ، فأرسل الله تعالى إليها
جبريل عليه السلام (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=17فتمثل لها بشرا سويا ) أي : على صورة إنسان تام كامل .
قال
مجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج nindex.php?page=showalam&ids=17285ووهب بن منبه ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ، في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=17nindex.php?page=treesubj&link=31981_28990فأرسلنا إليها روحنا ) يعني :
جبريل ، عليه السلام .
[ ص: 220 ]
وهذا الذي قالوه هو ظاهر القرآن فإنه تعالى قد قال في الآية الأخرى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=193نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين ) [ الشعراء : 193 ، 194 ] .
وقال
أبو جعفر الرازي ، عن
الربيع بن أنس ، عن
أبي العالية ، عن
أبي بن كعب قال : إن روح
عيسى ، عليه السلام ، من جملة الأرواح التي أخذ عليها العهد في زمان
آدم ، وهو الذي تمثل لها بشرا سويا ، أي : روح
عيسى ، فحملت الذي خاطبها ، وحل في فيها .
وهذا في غاية الغرابة والنكارة ، وكأنه إسرائيلي .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=18nindex.php?page=treesubj&link=28990_31981قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ) أي : لما تبدى لها الملك في صورة بشر ، وهي في مكان منفرد وبينها وبين قومها حجاب ، خافته وظنت أنه يريدها على نفسها ، فقالت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=18إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ) أي : إن كنت تخاف الله . تذكير له بالله ، وهذا هو المشروع في الدفع أن يكون بالأسهل فالأسهل ، فخوفته أولا بالله ، عز وجل .
قال
ابن جرير : حدثني
أبو كريب ، حدثنا
أبو بكر ، عن
عاصم قال : قال
أبو وائل - وذكر قصة
مريم - فقال : قد علمت أن التقي ذو نهية حين قالت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=18إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك ) أي : فقال لها الملك مجيبا لها ومزيلا ما حصل عندها من الخوف على نفسها : لست مما تظنين ، ولكني رسول ربك ، أي : بعثني إليك ، ويقال : إنها لما ذكرت الرحمن انتفض
جبريل فرقا وعاد إلى هيئته وقال : " إنما أنا رسول ربك ليهب لك غلاما زكيا " .
هكذا قرأ
أبو عمرو بن العلاء أحد مشهوري القراء . وقرأ الآخرون : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=19لأهب لك غلاما زكيا ) وكلا القراءتين له وجه حسن ، ومعنى صحيح ، وكل تستلزم الأخرى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ) أي : فتعجبت
مريم من هذا وقالت : كيف يكون لي غلام ؟ أي : على أي صفة يوجد هذا الغلام مني ، ولست بذات زوج ، ولا يتصور مني الفجور ; ولهذا قالت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ) والبغي : هي الزانية; ولهذا جاء في الحديث : نهي عن مهر البغي .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21nindex.php?page=treesubj&link=31981_28990قال كذلك قال ربك هو علي هين ) أي : فقال لها الملك مجيبا لها عما سألت : إن الله قد قال : إنه سيوجد منك غلاما ، وإن لم يكن لك بعل ولا توجد منك فاحشة ، فإنه على ما يشاء قادر ; ولهذا قال : ( ولنجعله آية للناس ) أي : دلالة وعلامة للناس على قدرة بارئهم وخالقهم ، الذي نوع في خلقهم ، فخلق أباهم
آدم من غير ذكر ولا أنثى ، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى ، وخلق بقية الذرية من ذكر وأنثى ، إلا
عيسى فإنه أوجده من أنثى بلا ذكر ، فتمت القسمة الرباعية الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه فلا إله غيره ولا رب سواه .
وقوله : ( ورحمة منا ) أي ونجعل هذا الغلام رحمة من الله نبيا من الأنبياء يدعو إلى عبادة
[ ص: 221 ] الله تعالى وتوحيده ، كما قال تعالى في الآية الأخرى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=45إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين ) [ آل عمران : 45 ، 46 ] أي : يدعو إلى عبادة الله ربه في مهده وكهولته .
قال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
عبد الرحيم بن إبراهيم - دحيم - حدثنا
مروان ، حدثنا
العلاء بن الحارث الكوفي ، عن
مجاهد قال : قالت
مريم ، عليها السلام : كنت إذا خلوت حدثني
عيسى وكلمني وهو في بطني وإذا كنت مع الناس سبح في بطني وكبر .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21وكان أمرا مقضيا ) يحتمل أن هذا من كلام
جبريل لمريم ، يخبرها أن هذا أمر مقدر في علم الله تعالى وقدره ومشيئته . ويحتمل أن يكون من خبر الله تعالى لرسوله
محمد صلى الله عليه وسلم وأنه كنى بهذا عن النفخ في فرجها ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=12ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا ) [ التحريم : 12 ] وقال (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=91والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا ) [ الأنبياء : 91 ]
قال
محمد بن إسحاق : ( وكان أمرا مقضيا ) أي : أن الله قد عزم على هذا ، فليس منه بد ، واختار هذا أيضا
ابن جرير في تفسيره ، ولم يحك غيره ، والله أعلم .
(
nindex.php?page=treesubj&link=28990_31979nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا ( 16 )
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=17فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ( 17 )
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=18قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ( 18 )
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=19قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ( 19 )
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ( 20 )
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ( 21 ) ) .
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى قِصَّةَ
زَكَرِيَّا ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَأَنَّهُ أَوْجَدَ مِنْهُ ، فِي حَالِ كِبَرِهِ وَعُقْمِ زَوْجَتِهِ - وَلَدًا زَكِيًّا طَاهِرًا مُبَارَكًا - عَطَفَ بِذِكْرِ قِصَّةِ
مَرْيَمَ فِي إِيجَادِهِ وَلَدَهَا
عِيسَى ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، مِنْهَا مِنْ غَيْرِ أَبٍ ، فَإِنَّ بَيْنَ الْقِصَّتَيْنِ مُنَاسَبَةً وَمُشَابَهَةً ; وَلِهَذَا ذَكَرَهُمَا فِي آلِ عِمْرَانَ وَهَاهُنَا وَفِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ ، يُقْرِنُ بَيْنَ الْقِصَّتَيْنِ لِتَقَارُبِ مَا بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى ، لِيَدُلَّ عِبَادَهُ عَلَى قُدْرَتِهِ وَعَظَمَةِ سُلْطَانِهِ ، وَأَنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ
[ ص: 219 ] قَادِرٌ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ ) وَهِيَ
مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ، مِنْ سُلَالَةِ
دَاوُدَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَكَانَتْ مِنْ بَيْتٍ طَاهِرٍ طَيِّبٍ فِي
بَنِي إِسْرَائِيلَ . وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى قِصَّةَ وِلَادَةِ أُمِّهَا لَهَا فِي " آلِ عِمْرَانَ " ، وَأَنَّهَا نَذَرَتْهَا مُحَرَّرَةً ، أَيْ : تَخْدُمُ مَسْجِدَ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَكَانُوا يَتَقَرَّبُونَ بِذَلِكَ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=37فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا ) [ آلِ عِمْرَانَ : 37 ] وَنَشَأَتْ فِي
بَنِي إِسْرَائِيلَ نَشْأَةً عَظِيمَةً ، فَكَانَتْ إِحْدَى الْعَابِدَاتِ النَّاسِكَاتِ الْمَشْهُورَاتِ بِالْعِبَادَةِ الْعَظِيمَةِ وَالتَّبَتُّلِ وَالدُّءُوبِ ، وَكَانَتْ فِي كَفَالَةِ زَوْجِ أُخْتِهَا - وَقِيلَ : خَالَتِهَا -
زَكَرِيَّا نَبِيِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ ذَاكَ وَعَظِيمِهِمُ ، الَّذِي يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ فِي دِينِهِمْ . وَرَأَى لَهَا
زَكَرِيَّا مِنَ الْكَرَامَاتِ الْهَائِلَةِ مَا بَهَرَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=37كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 37 ] فَذُكِرَ أَنَّهُ كَانَ يَجِدُ عِنْدَهَا ثَمَرَ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ وَثَمَرَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي " آلِ عِمْرَانَ " . فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَهُ الْحِكْمَةُ وَالْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ - أَنْ يُوجِدَ مِنْهَا عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، أَحَدَ الرُّسُلِ أُولِي الْعَزْمِ الْخَمْسَةِ الْعِظَامِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا ) أَيِ : اعْتَزَلَتْهُمْ وَتَنَحَّتْ عَنْهُمْ ، وَذَهَبَتْ إِلَى شَرْقِ الْمَسْجِدِ الْمُقَدَّسِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : لِحَيْضٍ أَصَابَهَا . وَقِيلَ لِغَيْرِ ذَلِكَ . قَالَ
أَبُو كُدَيْنَةَ ، عَنْ
قَابُوسِ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ إِلَى الْبَيْتِ وَالْحَجُّ إِلَيْهِ ، وَمَا صَرَفَهُمْ عَنْهُ إِلَّا قِيلُ رَبِّكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا ) قَالَ : خَرَجَتْ مَرْيَمُ مَكَانًا شَرْقِيًّا ، فَصَلُّوا قِبَلَ مَطْلِعِ الشَّمْسِ . رَوَاهُ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وَابْنُ جَرِيرٍ .
وَقَالَ
ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا : حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15800خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ
دَاوُدَ ، عَنْ
عَامِرٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إِنِّي لَأَعْلَمُ خَلْقِ اللَّهِ ؛ لِأَيِّ شَيْءٍ اتَّخَذَتِ النَّصَارَى الْمَشْرِقَ قِبْلَةً ; لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا ) وَاتَّخَذُوا مِيلَادَ
عِيسَى قِبْلَةً
وَقَالَ
قَتَادَةُ : ( مَكَانًا شَرْقِيًّا ) شَاسِعًا مُتَنَحِّيًا .
وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : ذَهَبَتْ بِقُلَّتِهَا تَسْتَقِي مِنَ الْمَاءِ .
وَقَالَ
نَوْفٌ الْبِكَالِيُّ : اتَّخَذَتْ لَهَا مَنْزِلًا تَتَعَبَّدُ فِيهِ . فَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=17فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا ) أَيِ : اسْتَتَرَتْ مِنْهُمْ وَتَوَارَتْ ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهَا
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=17فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ) أَيْ : عَلَى صُورَةِ إِنْسَانٍ تَامٍّ كَامِلٍ .
قَالَ
مُجَاهِدٌ ، وَالضَّحَّاكُ ، وقَتَادَةُ ، nindex.php?page=showalam&ids=13036وَابْنُ جُرَيْجٍ nindex.php?page=showalam&ids=17285وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسُّدِّيُّ ، فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=17nindex.php?page=treesubj&link=31981_28990فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ) يَعْنِي :
جِبْرِيلَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ .
[ ص: 220 ]
وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ هُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَدْ قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=193نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ) [ الشُّعَرَاءِ : 193 ، 194 ] .
وَقَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ ، عَنِ
الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ
أَبِي الْعَالِيَةِ ، عَنْ
أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : إِنَّ رُوحَ
عِيسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، مِنْ جُمْلَةِ الْأَرْوَاحِ الَّتِي أُخِذَ عَلَيْهَا الْعَهْدُ فِي زَمَانِ
آدَمَ ، وَهُوَ الَّذِي تَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ، أَيْ : رُوحُ
عِيسَى ، فَحَمَلَتِ الَّذِي خَاطَبَهَا ، وَحَلَّ فِي فِيهَا .
وَهَذَا فِي غَايَةِ الْغَرَابَةِ وَالنَّكَارَةِ ، وَكَأَنَّهُ إِسْرَائِيلِيٌّ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=18nindex.php?page=treesubj&link=28990_31981قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ) أَيْ : لَمَّا تَبَدَّى لَهَا الْمَلَكُ فِي صُورَةِ بَشَرٍ ، وَهِيَ فِي مَكَانٍ مُنْفَرِدٍ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ قَوْمِهَا حِجَابٌ ، خَافَتْهُ وَظَنَّتْ أَنَّهُ يُرِيدُهَا عَلَى نَفْسِهَا ، فَقَالَتْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=18إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ) أَيْ : إِنْ كُنْتَ تَخَافُ اللَّهَ . تَذْكِيرٌ لَهُ بِاللَّهِ ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْرُوعُ فِي الدَّفْعِ أَنْ يَكُونَ بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ ، فَخَوَّفَتْهُ أَوَّلًا بِاللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ .
قَالَ
ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنِي
أَبُو كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرٍ ، عَنْ
عَاصِمٍ قَالَ : قَالَ
أَبُو وَائِلٍ - وَذَكَرَ قِصَّةَ
مَرْيَمَ - فَقَالَ : قَدْ عَلِمَتْ أَنَّ التَّقِيَّ ذُو نُهْيَةٍ حِينَ قَالَتْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=18إِنِّي أَعُوَذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ ) أَيْ : فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ مُجِيبًا لَهَا وَمُزِيلًا مَا حَصَلَ عِنْدَهَا مِنَ الْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهَا : لَسْتُ مِمَّا تَظُنِّينَ ، وَلَكِنِّي رَسُولُ رَبِّكِ ، أَيْ : بَعَثَنِي إِلَيْكِ ، وَيُقَالُ : إِنَّهَا لَمَّا ذَكَرَتِ الرَّحْمَنَ انْتَفَضَ
جِبْرِيلُ فَرَقًا وَعَادَ إِلَى هَيْئَتِهِ وَقَالَ : " إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِيَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا " .
هَكَذَا قَرَأَ
أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ أَحَدُ مَشْهُورِي الْقُرَّاءِ . وَقَرَأَ الْآخَرُونَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=19لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ) وَكِلَا الْقِرَاءَتَيْنِ لَهُ وَجْهٌ حَسَنٌ ، وَمَعْنًى صَحِيحٌ ، وَكُلٌّ تَسْتَلْزِمُ الْأُخْرَى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ) أَيْ : فَتَعَجَّبَتْ
مَرْيَمُ مِنْ هَذَا وَقَالَتْ : كَيْفَ يَكُونُ لِي غُلَامٌ ؟ أَيْ : عَلَى أَيِّ صِفَةٍ يُوجَدُ هَذَا الْغُلَامُ مِنِّي ، وَلَسْتُ بِذَاتِ زَوْجٍ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنِّي الْفُجُورُ ; وَلِهَذَا قَالَتْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ) وَالْبَغِيُّ : هِيَ الزَّانِيَةُ; وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ : نُهِيَ عَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21nindex.php?page=treesubj&link=31981_28990قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ) أَيْ : فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ مُجِيبًا لَهَا عَمَّا سَأَلَتْ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ قَالَ : إِنَّهُ سَيُوجَدُ مِنْكِ غُلَامًا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَكِ بَعْلٌ وَلَا تُوجَدُ مِنْكِ فَاحِشَةٌ ، فَإِنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَادِرٌ ; وَلِهَذَا قَالَ : ( وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ ) أَيْ : دَلَالَةً وَعَلَامَةً لِلنَّاسِ عَلَى قُدْرَةِ بَارِئِهِمْ وَخَالِقِهِمُ ، الَّذِي نَوَّعَ فِي خَلْقِهِمْ ، فَخَلَقَ أَبَاهُمْ
آدَمَ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى ، وَخَلَقَ حَوَّاءَ مِنْ ذَكَرٍ بِلَا أُنْثَى ، وَخَلَقَ بَقِيَّةَ الذُّرِّيَّةِ مَنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ، إِلَّا
عِيسَى فَإِنَّهُ أَوْجَدَهُ مِنْ أُنْثَى بِلَا ذَكَرٍ ، فَتَمَّتِ الْقِسْمَةُ الرُّبَاعِيَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ فَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ .
وَقَوْلُهُ : ( وَرَحْمَةً مِنَّا ) أَيْ وَنَجْعَلُ هَذَا الْغُلَامَ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ
[ ص: 221 ] اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْحِيدِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=45إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 45 ، 46 ] أَيْ : يَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ رَبِّهِ فِي مَهْدِهِ وَكُهُولَتِهِ .
قَالَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - دُحَيْمٌ - حَدَّثَنَا
مَرْوَانُ ، حَدَّثَنَا
الْعَلَاءُ بْنُ الْحَارِثِ الْكُوفِيُّ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ قَالَ : قَالَتْ
مَرْيَمُ ، عَلَيْهَا السَّلَامُ : كُنْتُ إِذَا خَلَوْتُ حَدَّثَنِي
عِيسَى وَكَلَّمَنِي وَهُوَ فِي بَطْنِي وَإِذَا كُنْتُ مَعَ النَّاسِ سَبَّحَ فِي بَطْنِي وَكَبَّرَ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ) يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ
جِبْرِيلَ لِمَرْيَمَ ، يُخْبِرُهَا أَنَّ هَذَا أَمْرٌ مُقَدَّرٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهُ وَمَشِيئَتِهِ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى لِرَسُولِهِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ كَنَّى بِهَذَا عَنِ النَّفْخِ فِي فَرْجِهَا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=12وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ) [ التَّحْرِيمِ : 12 ] وَقَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=91وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 91 ]
قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : ( وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ) أَيْ : أَنَّ اللَّهَ قَدْ عَزَمَ عَلَى هَذَا ، فَلَيْسَ مِنْهُ بُدٌّ ، وَاخْتَارَ هَذَا أَيْضًا
ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ ، وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .