القول في تأويل قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=170nindex.php?page=treesubj&link=28973_30578_28328وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ( 170 ) )
قال
أبو جعفر : وفي هذه الآية وجهان من التأويل .
أحدهما : أن تكون " الهاء والميم " من قوله : " وإذا قيل لهم " عائدة على " من " في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=165ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا " فيكون معنى الكلام : ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا ، وإذا قيل لهم : اتبعوا ما أنزل الله . قالوا : بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا .
والآخر : أن تكون " الهاء والميم " اللتان في قوله : " وإذا قيل لهم " ، من ذكر " الناس " الذين في قوله : " يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا " ، فيكون
[ ص: 305 ] ذلك انصرافا من الخطاب إلى الخبر عن الغائب ، كما في قوله تعالى ذكره : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة ) [ سورة يونس : 22 ]
قال
أبو جعفر : وأشبه عندي بالصواب وأولى بتأويل الآية أن تكون " الهاء والميم " في قوله : " لهم " ، من ذكر " الناس " ، وأن يكون ذلك رجوعا من الخطاب إلى الخبر عن الغائب . لأن ذلك عقيب قوله : " يا أيها الناس كلوا مما في الأرض" . فلأن يكون خبرا عنهم ، أولى من أن يكون خبرا عن الذين أخبر أن منهم " من يتخذ من دون الله أندادا " ، مع ما بينهما من الآيات ، وانقطاع قصصهم بقصة مستأنفة غيرها وأنها نزلت في قوم من
اليهود قالوا ذلك ، إذ دعوا إلى الإسلام ، كما : -
2446 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13655سلمة بن الفضل عن
محمد بن إسحاق ، عن
محمد بن أبي محمد ، عن
عكرمة ، أو عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود من أهل الكتاب إلى الإسلام ورغبهم فيه ، وحذرهم عقاب الله ونقمته ، فقال له رافع بن خارجة ومالك بن عوف : بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا ، فإنهم كانوا أعلم وخيرا منا! فأنزل الله في ذلك من قولهما " nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=170وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون " [ ص: 306 ] .
2447 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17416يونس بن بكير قال : حدثنا
محمد بن إسحاق قال : حدثني
محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني
سعيد بن جبير أو
عكرمة عن
ابن عباس مثله - إلا أنه قال : فقال له
أبو رافع بن خارجة ومالك بن عوف .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28328تأويل قوله : " اتبعوا ما أنزل الله " ، فإنه : اعملوا بما أنزل الله في كتابه على رسوله ، فأحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ، واجعلوه لكم إماما تأتمون به ، وقائدا تتبعون أحكامه .
وقوله : " ألفينا عليه آباءنا " ، يعني وجدنا ، كما قال الشاعر :
فألفيته غير مستعتب ولا ذاكر الله إلا قليلا
[ ص: 307 ]
يعني : وجدته ، وكما : -
2448 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد عن
قتادة : " قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا " ، أي : ما وجدنا عليه آباءنا .
2449 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع مثله .
قال
أبو جعفر : فمعنى الآية : وإذا قيل لهؤلاء الكفار : كلوا مما أحل الله لكم ، ودعوا خطوات الشيطان وطريقه ، واعملوا بما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم في كتابه - استكبروا عن الإذعان للحق وقالوا : بل نأتم بآبائنا فنتبع ما وجدناهم عليه ، من تحليل ما كانوا يحلون ، وتحريم ما كانوا يحرمون .
قال الله تعالى ذكره : " أو لو كان آباؤهم " - يعني : آباء هؤلاء الكفار الذين مضوا على كفرهم بالله العظيم - " لا يعقلون شيئا " من دين الله وفرائضه ، وأمره ونهيه ، فيتبعون على ما سلكوا من الطريق ، ويؤتم بهم في أفعالهم - " ولا يهتدون " لرشد ، فيهتدي بهم غيرهم ، ويقتدي بهم من طلب الدين ، وأراد الحق والصواب؟
يقول تعالى ذكره لهؤلاء الكفار : فكيف أيها الناس تتبعون ما وجدتم عليه
[ ص: 308 ] آباءكم فتتركون ما يأمركم به ربكم ، وآباؤكم لا يعقلون من أمر الله شيئا ، ولا هم مصيبون حقا ، ولا مدركون رشدا؟ وإنما يتبع المتبع ذا المعرفة بالشيء المستعمل له في نفسه ، فأما الجاهل فلا يتبعه - فيما هو به جاهل - إلا من لا عقل له ولا تمييز .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=170nindex.php?page=treesubj&link=28973_30578_28328وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ( 170 ) )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ وَجْهَانِ مِنَ التَّأْوِيلِ .
أَحَدُهُمَا : أَنْ تَكُونَ " الْهَاءُ وَالْمِيمُ " مِنْ قَوْلِهِ : " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ " عَائِدَةٌ عَلَى " مِنْ " فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=165وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا " فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ : اتَّبَعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ . قَالُوا : بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا .
وَالْآخَرُ : أَنْ تَكُونَ " الْهَاءُ وَالْمِيمُ " اللَّتَانِ فِي قَوْلِهِ : " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ " ، مِنْ ذِكْرِ " النَّاسِ " الَّذِينَ فِي قَوْلِهِ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا " ، فَيَكُونُ
[ ص: 305 ] ذَلِكَ انْصِرَافًا مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْخَبَرِ عَنِ الْغَائِبِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ ) [ سُورَةَ يُونُسَ : 22 ]
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَأَشْبَهُ عِنْدِي بِالصَّوَابِ وَأَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ أَنْ تَكُونَ " الْهَاءُ وَالْمِيمُ " فِي قَوْلِهِ : " لَهُمْ " ، مِنْ ذِكْرِ " النَّاسِ " ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ رُجُوعًا مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْخَبَرِ عَنِ الْغَائِبِ . لِأَنَّ ذَلِكَ عُقَيْبَ قَوْلِهِ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ" . فَلَأَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْهُمْ ، أُولَى مِنْ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنِ الَّذِينَ أَخْبَرَ أَنَّ مِنْهُمْ " مَنْ يَتَّخِذُ مَنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا " ، مَعَ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْآيَاتِ ، وَانْقِطَاعِ قَصَصِهِمْ بِقِصَّةٍ مُسْتَأْنِفَةٍ غَيْرِهَا وَأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنَ
الْيَهُودِ قَالُوا ذَلِكَ ، إِذْ دُعُوا إِلَى الْإِسْلَامِ ، كَمَا : -
2446 - حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=13655سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ ، عَنْ
عِكْرِمَةَ ، أَوْ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَرَغَّبَهُمْ فِيهِ ، وَحَذَّرَهُمْ عِقَابَ اللَّهِ وَنِقْمَتَهُ ، فَقَالَ لَهُ رَافِعُ بْنُ خَارِجَةَ وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ : بَلْ نَتْبَعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَعْلَمَ وَخَيْرًا مِنَّا! فأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا " nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=170وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتِّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أُولَو كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ " [ ص: 306 ] .
2447 - حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17416يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ : حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ : حَدَّثَنِي
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَوْ
عِكْرِمَةُ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ - إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : فَقَالَ لَهُ
أَبُو رَافِعِ بْنِ خَارِجَةَ وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28328تَأْوِيلُ قَوْلِهِ : " اتَّبَعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ " ، فَإِنَّهُ : اعْمَلُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ عَلَى رَسُولِهِ ، فَأَحِلُّوا حَلَالَهُ ، وَحُرِّمُوا حَرَامَهُ ، وَاجْعَلُوهُ لَكُمْ إِمَامًا تَأْتَمُّونَ بِهِ ، وَقَائِدًا تَتْبَعُونَ أَحْكَامَهُ .
وَقَوْلُهُ : " أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا " ، يَعْنِي وَجَدْنَا ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
فَأَلْفَيْتُهُ غَيْرَ مُسْتَعْتِبٍ وَلَا ذَاكِرِ اللَّهِ إِلَّا قَلِيلَا
[ ص: 307 ]
يَعْنِي : وَجَدَّتُهُ ، وَكَمَا : -
2448 - حَدَّثَنَا
بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
يَزِيدُ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَعِيدٌ عَنْ
قَتَادَةَ : " قَالُوا بَلْ نَتْبَعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا " ، أَيْ : مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا .
2449 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ قَالَ : حَدَّثَنَا
ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
الرَّبِيعِ مِثْلَهُ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : فَمَعْنَى الْآيَةِ : وَإِذَا قِيلَ لِهَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ : كُلُوا مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ، وَدَعَوَا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَطَرِيقَهُ ، وَاعْمَلُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابِهِ - اسْتَكْبَرُوا عَنِ الْإِذْعَانِ لِلْحَقِّ وَقَالُوا : بَلْ نَأْتَمُّ بِآبَائِنَا فَنَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَاهُمْ عَلَيْهِ ، مِنْ تَحْلِيلِ مَا كَانُوا يُحِلُّونَ ، وَتَحْرِيمِ مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : " أوَ لَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ " - يَعْنِي : آبَاءَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ مَضَوْا عَلَى كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ - " لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا " مِنْ دِينِ اللَّهِ وَفَرَائِضِهِ ، وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ، فَيُتَّبَعُونَ عَلَى مَا سَلَكُوا مِنَ الطَّرِيقِ ، وَيُؤْتَمُّ بِهِمْ فِي أَفْعَالِهِمْ - " وَلَا يَهْتَدُونَ " لِرُشْدٍ ، فَيَهْتَدِي بِهِمْ غَيْرُهُمْ ، وَيَقْتَدِي بِهِمْ مَنْ طَلَبَ الدِّينَ ، وَأَرَادَ الْحَقَّ وَالصَّوَابَ؟
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ : فَكَيْفَ أَيُّهَا النَّاسُ تَتَّبِعُونَ مَا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ
[ ص: 308 ] آبَاءَكُمْ فَتَتْرُكُونَ مَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ رَبُّكُمْ ، وَآبَاؤُكُمْ لَا يَعْقِلُونَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ شَيْئًا ، وَلَا هُمْ مُصِيبُونَ حَقًّا ، وَلَا مُدْرِكُونَ رُشْدًا؟ وَإِنَّمَا يَتَّبِعُ الْمُتَّبِعُ ذَا الْمَعْرِفَةِ بِالشَّيْءِ الْمُسْتَعْمَلَ لَهُ فِي نَفْسِهِ ، فَأَمَّا الْجَاهِلُ فَلَا يَتَّبِعُهُ - فِيمَا هُوَ بِهِ جَاهِلٌ - إِلَّا مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ وَلَا تَمْيِيزَ .