" القول في
nindex.php?page=treesubj&link=28973تأويل قوله جل ثناؤه : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ( 8 ) )
قال
أبو جعفر : أما قوله : " ومن الناس " ، فإن في "الناس " وجهين :
أحدهما : أن يكون جمعا لا واحد له من لفظه ، وإنما واحدهم "إنسان " ، وواحدتهم "إنسانة " .
والوجه الآخر : أن يكون أصله "أناس " أسقطت الهمزة منها لكثرة الكلام بها ، ثم دخلتها الألف واللام المعرفتان ، فأدغمت اللام - التي دخلت مع الألف فيها للتعريف - في النون ، كما قيل في (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=38لكنا هو الله ربي ) سورة الكهف : 38 ، على ما قد بينا في "اسم الله " الذي هو الله . وقد زعم بعضهم أن "الناس " لغة غير "أناس " ، وأنه سمع العرب تصغره "نويس " من الناس ، وأن الأصل لو كان "أناس" لقيل في التصغير : "أنيس" ، فرد إلى أصله .
وأجمع جميع أهل التأويل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=32265_28861هذه الآية نزلت في قوم من أهل النفاق ، وأن هذه الصفة صفتهم .
[ ص: 269 ]
ذكر من قال ذلك من أهل التأويل بأسمائهم :
312 - حدثنا
محمد بن حميد ، قال : حدثنا
سلمة ، عن
محمد بن إسحاق ، عن
محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن
عكرمة ، أو عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ) ، يعني المنافقين من الأوس والخزرج ومن كان على أمرهم .
وقد سمي في حديث
ابن عباس هذا أسماؤهم عن
أبي بن كعب ، غير أني تركت تسميتهم كراهة إطالة الكتاب بذكرهم .
313 - حدثنا
الحسين بن يحيى ، قال : أنبأنا
عبد الرزاق ، قال : أنبأنا
معمر ، عن
قتادة في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ) ، حتى بلغ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=16فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ) قال : هذه في المنافقين .
314 - حدثنا
محمد بن عمرو الباهلي ، قال : حدثنا
أبو عاصم ، قال : حدثنا
عيسى بن ميمون ، قال : حدثنا
عبد الله بن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قال : هذه الآية إلى ثلاث عشرة ، في نعت المنافقين .
315 - حدثني
المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا
أبو حذيفة ، قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، مثله .
316 حدثنا
سفيان ، قال : حدثنا أبي ، عن
سفيان ، عن رجل ، عن
مجاهد ، مثله .
[ ص: 270 ]
317 - حدثني
موسى بن هارون ، قال : حدثنا
عمرو بن حماد ، قال : حدثنا
أسباط ، عن
إسماعيل السدي في خبر ذكره ، عن
أبي مالك ، وعن
أبي صالح ، عن
ابن عباس - وعن
مرة ، عن
ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ) هم المنافقون .
318 - حدثني
المثنى ، قال : حدثنا
إسحاق ، عن
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع بن أنس ، في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر ) إلى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=10فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم ) ، قال : هؤلاء أهل النفاق .
319 - حدثنا
القاسم ، قال : حدثنا
الحسين بن داود ، قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ) قال : هذا المنافق ، يخالف قوله فعله ، وسره علانيته ومدخله مخرجه ، ومشهده مغيبه .
وتأويل ذلك : أن الله جل ثناؤه لما جمع لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أمره في دار هجرته ، واستقر بها قراره ، وأظهر الله بها كلمته ، وفشا في دور أهلها الإسلام ، وقهر بها المسلمون من فيها من أهل الشرك من عبدة الأوثان ، وذل بها من فيها من أهل الكتاب - أظهر أحبار يهودها لرسول الله صلى الله عليه وسلم الضغائن ، وأبدوا له العداوة والشنآن ، حسدا وبغيا ، إلا نفرا منهم هداهم الله للإسلام فأسلموا ، كما قال جل ثناؤه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ) سورة البقرة : 109 ، وطابقهم سرا على معاداة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
[ ص: 271 ] وبغيهم الغوائل ، قوم - من أراهط الأنصار الذين آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصروه - وكانوا قد عسوا في شركهم وجاهليتهم قد سموا لنا بأسمائهم ، كرهنا تطويل الكتاب بذكر أسمائهم وأنسابهم ، وظاهروهم على ذلك في خفاء غير جهار ، حذار القتل على أنفسهم ، والسباء من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وركونا إلى
اليهود لما هم عليه من الشرك وسوء البصيرة بالإسلام . فكانوا إذا لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل الإيمان به من أصحابه قالوا لهم - حذارا على أنفسهم - : إنا مؤمنون بالله وبرسوله وبالبعث ، وأعطوهم بألسنتهم كلمة الحق ، ليدرءوا عن أنفسهم حكم الله فيمن اعتقد ما هم عليه مقيمون من الشرك ، لو أظهروا بألسنتهم ما هم معتقدوه من شركهم . وإذا لقوا إخوانهم من
اليهود وأهل الشرك والتكذيب
بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به ، فخلوا بهم قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=14إنا معكم إنما نحن مستهزئون ) . فإياهم عنى جل ذكره بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ) ، يعني بقوله تعالى خبرا عنهم : آمنا بالله - : وصدقنا بالله .
وقد دللنا على أن معنى الإيمان : التصديق ، فيما مضى قبل من كتابنا هذا .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8وباليوم الآخر ) ، يعني : بالبعث يوم القيامة ، وإنما سمي يوم القيامة " اليوم الآخر " ، لأنه آخر يوم ، لا يوم بعده سواه .
فإن قال قائل : وكيف لا يكون بعده يوم ، ولا انقطاع للآخرة ولا فناء ، ولا زوال ؟
[ ص: 272 ]
قيل : إن اليوم عند العرب إنما سمي يوما بليلته التي قبله ، فإذا لم يتقدم النهار ليل لم يسم يوما . فيوم القيامة يوم لا ليل بعده ، سوى الليلة التي قامت في صبيحتها القيامة ، فذلك اليوم هو آخر الأيام . ولذلك سماه الله جل ثناؤه "اليوم الآخر " ، ونعته بالعقيم . ووصفه بأنه يوم عقيم ، لأنه لا ليل بعده .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28973تأويل قوله : " nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8وما هم بمؤمنين " ، ونفيه عنهم جل ذكره اسم الإيمان ، وقد أخبر عنهم أنهم قد قالوا بألسنتهم : آمنا بالله وباليوم الآخر - فإن ذلك من الله جل وعز تكذيب لهم فيما أخبروا عن اعتقادهم من الإيمان والإقرار بالبعث ، وإعلام منه نبيه صلى الله عليه وسلم أن الذي يبدونه له بأفواههم خلاف ما في ضمائر قلوبهم ، وضد ما في عزائم نفوسهم .
وفي هذه الآية دلالة واضحة على بطول ما زعمته
الجهمية : من أن
nindex.php?page=treesubj&link=28648_28836الإيمان هو التصديق بالقول ، دون سائر المعاني غيره . وقد أخبر الله جل ثناؤه عن الذين ذكرهم في كتابه من أهل النفاق ، أنهم قالوا بألسنتهم : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8آمنا بالله وباليوم الآخر " ، ثم نفى عنهم أن يكونوا مؤمنين ، إذ كان اعتقادهم غير مصدق قيلهم ذلك .
وقوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8وما هم بمؤمنين " ، يعني بمصدقين " فيما يزعمون أنهم به مصدقون .
" الْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28973تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ( 8 ) )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : أَمَّا قَوْلُهُ : " وَمِنَ النَّاسِ " ، فَإِنَّ فِي "النَّاسِ " وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ جَمْعًا لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ ، وَإِنَّمَا وَاحِدُهُمْ "إِنْسَانٌ " ، وَوَاحِدَتُهُمْ "إِنْسَانَةٌ " .
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ : أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ "أُنَاسٌ " أُسْقِطَتِ الْهَمْزَةُ مِنْهَا لِكَثْرَةِ الْكَلَامِ بِهَا ، ثُمَّ دَخَلَتْهَا الْأَلِفُ وَاللَّامُ الْمُعَرِّفَتَانِ ، فَأُدْغِمَتِ اللَّامُ - الَّتِي دَخَلَتْ مَعَ الْأَلِفِ فِيهَا لِلتَّعْرِيفِ - فِي النُّونِ ، كَمَا قِيلَ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=38لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي ) سُورَةُ الْكَهْفِ : 38 ، عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا فِي "اسْمِ اللَّهِ " الَّذِي هُوَ اللَّهُ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ "النَّاسَ " لُغَةٌ غَيْرُ "أُنَاسٍ " ، وَأَنَّهُ سَمِعَ الْعَرَبَ تَصَغِّرُهُ "نُوَيْسٌ " مِنَ النَّاسِ ، وَأَنَّ الْأَصْلَ لَوْ كَانَ "أُنَاسٌ" لَقِيلَ فِي التَّصْغِيرِ : "أُنَيْسٌ" ، فَرُدَّ إِلَى أَصْلِهِ .
وَأَجْمَعَ جَمِيعُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32265_28861هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ ، وَأَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ صِفَتُهُمْ .
[ ص: 269 ]
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ بِأَسْمَائِهِمْ :
312 - حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
سَلَمَةُ ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ
عِكْرِمَةَ ، أَوْ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ) ، يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَمَنْ كَانَ عَلَى أَمْرِهِمْ .
وَقَدْ سُمِّيَ فِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا أَسْمَاؤُهُمْ عَنْ
أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، غَيْرَ أَنِّي تَرَكْتُ تَسْمِيَتَهُمْ كَرَاهَةَ إِطَالَةِ الْكِتَابِ بِذِكْرِهِمْ .
313 - حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى ، قَالَ : أَنْبَأَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، قَالَ : أَنْبَأَنَا
مَعْمَرٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ) ، حَتَّى بَلَغَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=16فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ) قَالَ : هَذِهِ فِي الْمُنَافِقِينَ .
314 - حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَاهِلِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو عَاصِمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ، قَالَ : هَذِهِ الْآيَةُ إِلَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ ، فِي نَعْتِ الْمُنَافِقِينَ .
315 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو حُذَيْفَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
شِبْلٌ ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ، مِثْلَهُ .
316 حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ
سُفْيَانَ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ، مِثْلَهُ .
[ ص: 270 ]
317 - حَدَّثَنِي
مُوسَى بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
أَسْبَاطٌ ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ فِي خَبَرٍ ذَكَرَهُ ، عَنْ
أَبِي مَالِكٍ ، وَعَنْ
أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ - وَعَنْ
مُرَّةَ ، عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ) هُمُ الْمُنَافِقُونَ .
318 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى ، قَالَ : حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ ، عَنِ
ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ ، فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) إِلَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=10فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ، قَالَ : هَؤُلَاءِ أَهْلُ النِّفَاقِ .
319 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ بْنُ دَاوُدَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي
حَجَّاجٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ) قَالَ : هَذَا الْمُنَافِقُ ، يُخَالِفُ قَوْلُهُ فِعْلَهُ ، وَسِرُّهُ عَلَانِيَتَهُ وَمَدْخَلُهُ مَخْرَجَهُ ، وَمَشْهَدُهُ مَغِيبَهُ .
وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ : أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمَّا جَمَعَ لِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ فِي دَارِ هِجْرَتِهِ ، وَاسْتَقَرَّ بِهَا قَرَارُهُ ، وَأَظْهَرَ اللَّهُ بِهَا كَلِمَتَهُ ، وَفَشَا فِي دُورِ أَهْلِهَا الْإِسْلَامُ ، وَقَهَرَ بِهَا الْمُسْلِمُونَ مَنْ فِيهَا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ ، وَذَلَّ بِهَا مَنْ فِيهَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ - أَظْهَرَ أَحْبَارُ يَهُودِهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضَّغَائِنَ ، وَأَبْدَوْا لَهُ الْعَدَاوَةَ وَالشَّنَآنَ ، حَسَدًا وَبَغْيًا ، إِلَّا نَفَرًا مِنْهُمْ هَدَاهُمُ اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ فَأَسْلَمُوا ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ) سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 109 ، وَطَابَقَهُمْ سِرًّا عَلَى مُعَادَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ
[ ص: 271 ] وَبَغْيِهِمُ الْغَوَائِلَ ، قَوْمٌ - مِنْ أَرَاهِطِ الْأَنْصَارِ الَّذِينَ آوَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَصَرُوهُ - وَكَانُوا قَدْ عَسَوْا فِي شِرْكِهِمْ وَجَاهِلِيِّتِهِمْ قَدْ سُمُّوا لَنَا بِأَسْمَائِهِمْ ، كَرِهْنَا تَطْوِيلَ الْكِتَابِ بِذِكْرِ أَسْمَائِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ ، وَظَاهَرُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ فِي خَفَاءٍ غَيْرِ جِهَارٍ ، حِذَارَ الْقَتْلِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ، وَالسِّبَاءِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ ، وَرُكُونًا إِلَى
الْيَهُودِ لِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ وَسُوءِ الْبَصِيرَةِ بِالْإِسْلَامِ . فَكَانُوا إِذَا لَقُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلَ الْإِيمَانِ بِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالُوا لَهُمْ - حِذَارًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ - : إِنَّا مُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِالْبَعْثِ ، وَأَعْطَوْهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ كَلِمَةَ الْحَقِّ ، لِيَدْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ حُكْمَ اللَّهِ فِيمَنِ اعْتَقَدَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنَ الشِّرْكِ ، لَوْ أَظْهَرُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا هُمْ مُعْتَقِدُوهُ مِنْ شِرْكِهِمْ . وَإِذَا لَقُوا إِخْوَانَهُمْ مِنَ
الْيَهُودِ وَأَهْلِ الشِّرْكِ وَالتَّكْذِيبِ
بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا جَاءَ بِهِ ، فَخَلَوْا بِهِمْ قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=14إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ) . فَإِيَّاهُمْ عَنَى جَلَّ ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ) ، يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى خَبَرًا عَنْهُمْ : آمَنَّا بِاللَّهِ - : وَصَدَّقْنَا بِاللَّهِ .
وَقَدْ دَلَلْنَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْإِيمَانِ : التَّصْدِيقُ ، فِيمَا مَضَى قَبْلُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) ، يَعْنِي : بِالْبَعْثِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ " الْيَوْمَ الْآخِرَ " ، لِأَنَّهُ آخِرُ يَوْمٍ ، لَا يَوْمَ بَعْدَهُ سِوَاهُ .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : وَكَيْفَ لَا يَكُونُ بَعْدَهُ يَوْمٌ ، وَلَا انْقِطَاعَ لِلْآخِرَةِ وَلَا فَنَاءَ ، وَلَا زَوَالَ ؟
[ ص: 272 ]
قِيلَ : إِنَ الْيَوْمَ عِنْدَ الْعَرَبِ إِنَّمَا سُمِّيَ يَوْمًا بِلَيْلَتِهِ الَّتِي قَبْلَهُ ، فَإِذَا لَمْ يَتَقَدَّمِ النَّهَارَ لَيْلٌ لَمْ يُسَمَّ يَوْمًا . فَيَوْمُ الْقِيَامَةِ يَوْمٌ لَا لَيْلَ بَعْدَهُ ، سِوَى اللَّيْلَةِ الَّتِي قَامَتْ فِي صَبِيحَتِهَا الْقِيَامَةُ ، فَذَلِكَ الْيَوْمُ هُوَ آخِرُ الْأَيَّامِ . وَلِذَلِكَ سَمَّاهُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ "الْيَوْمُ الْآخِرُ " ، وَنَعْتَهُ بِالْعَقِيمِ . وَوَصْفُهُ بِأَنَّهُ يَوْمٌ عَقِيمٌ ، لِأَنَّهُ لَا لَيْلَ بَعْدَهُ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28973تَأْوِيلُ قَوْلِهِ : " nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ " ، وَنَفْيُهُ عَنْهُمْ جَلَّ ذِكْرُهُ اسْمَ الْإِيمَانِ ، وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ : آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ - فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ تَكْذِيبٌ لَهُمْ فِيمَا أَخْبَرُوا عَنِ اعْتِقَادِهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْإِقْرَارِ بِالْبَعْثِ ، وَإِعْلَامٌ مِنْهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الَّذِي يُبْدُونَهُ لَهُ بِأَفْوَاهِهِمْ خِلَافُ مَا فِي ضَمَائِرِ قُلُوبِهِمْ ، وَضِدُّ مَا فِي عَزَائِمِ نُفُوسِهِمْ .
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى بُطُولِ مَا زَعَمَتْهُ
الْجَهْمِيَّةُ : مِنْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28648_28836الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ بِالْقَوْلِ ، دُونَ سَائِرِ الْمَعَانِي غَيْرَهُ . وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ فِي كِتَابِهِ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ ، أَنَّهُمْ قَالُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ " ، ثُمَّ نَفَى عَنْهُمْ أَنْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ، إِذْ كَانَ اعْتِقَادُهُمْ غَيْرَ مُصَدِّقٍ قِيلَهُمْ ذَلِكَ .
وَقَوْلُهُ "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ " ، يَعْنِي بِمُصَدِّقِينَ " فِيمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ بِهِ مُصَدِّقُونَ .